كل هذه العنصرية؟

محمد سيف الدولة

لا يمثل الفيلم المسيء للرسول عيه الصلاة والسلام الا عدوان عنصري وطائفي جديد على شعوبنا ومقدساتنا وكرامتنا الوطنية.

سبقه بعدة أيام عدوان كبير ومهين آخر، حين اكد الرئيس الأمريكي اوباما اعتراف الحزب الديمقراطي الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل بالمخالفة لكل الحقائق التاريخية والمواثيق الدولية. وكأنها سلعة رخيصة في سوق ومزاد الانتخابات الرئاسية الامريكية.

ومنذ عقود طويلة لم ينقطع العدوان بكل صوره واشكاله بدءا بدعم نظام مبارك واحتلال افغانستان والعراق وجرائم سجون ابو غريب ودعم الاحتلال الصهيوني وجرائمه و التمثيل بجثث المواطنين الافغان والتبول على جثثهم واستهداف كل ما هو عربي او إسلامي بعد 11 سبتمبر 2001 التي مازالت محل ريبة وشك الى يومنا هذا...

 الى آخر التحقير الدائم لكل خلق الله في افلامهم السينمائية ومنابرهم الاعلامية، التي صنعت لكل منا صورة كاريكاتيرية ساخرة مثل المصري البدائي عند الاهرامات، والعربي والجمل في الصحراء، والأسيوي الابله، والأفريقي المتخلف....الخ. ليظل الغرب هو الجنس الارقى والاعلى الوحيد، تمهيدا وتبريرا بطبيعة الحال لحقه المقدس في السيادة على الجميع واستعمار واستعباد كل بلاد العالم.

انها ذات النظرة العنصرية الاستعلائية التي سادت منذ عدة قرون، لم تتغير، الا في طريقة تناولها وتقديمها بشكل يتناسب مع ظروف كل عصر :

فمنذ ما يقرب من مائة عام، كتب اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني واصفا مصر والمصريين والعرب والمسلمين وكل شعوب الشرق : ((ان الدقة كريهة بالنسبة للعقل الشرقي.. والافتقار الى الدقة، الذى يتحلل بالسهولة ليصبح انعداما للحقيقة، هو في الواقع الخصيصة الرئيسية للعقل الشرقي.)) أما ((الأوروبي ذو محاكمة عقلية دقيقة ؛ وتقريره للحقائق خالي من أي التباس؛ و هو منطقي مطبوع، رغم انه قد لا يكون قد درس المنطق؛ وهو بطبيعته شاك (يشك) ويتطلب البرهان قبل ان يستطيع قبول حقيقة أي مقولة؛ ويعمل ذكاؤه المدرب مثل آلة ميكانيكية. أما عقل الشرقي فهو، على النقيض، مثل شوارع مدنه الجميلة صوريا، يفتقر بشكل بارز الى التناظر. ومحاكمته العقلية من طبيعة مهلهلة الى أقصى درجة.

اما لورنس "العرب" فكتب في مذكراته ما يلى ((كان في نيتي ان اصنع امة جديدة، ان أعيد الى الوجود نفوذا ضائعاً، ان امنح عشرين مليونا من الساميين الأساس الذى يمكن ان يبنوا عليه من فكرهم القومي قصر أحلام ملهما. ولم تكن جميع الأقاليم الخاضعة للإمبراطورية لتساوى لدى صبيا انجليزا واحدا ميتا...)).

ولقد انتقد جون هوبسون في كتابه "الجذور الشرقية للحضارة الغربية" نظرة الغرب الاستعلائية عن الشرق وباقي شعوب الارض، وكيف يضعهم في مكانة متدينة تبرر استعماره واستعباده لهم : فالعقل الغربي يرى نفسه : ديناميكي وعقلاني وعلمي ومبدع ومنضبط ومنظم وعاقل وحساس وعقلاني ومستقل وعلمي وأبوي وحر وديمقراطي ومتسامح وامين ومتحضر ومتقدم معنويا واقتصاديا...الخ.

بينما الشرقي وثنى مراهق نسوى منحط اعتمادي لا مبال متخلف وجاهل، سلبي لاعقلاني مؤمن بالخرافات والطقوس، كسول مشوش غريب الاطوار فطرى أحمق عاطفي ذو توجه جسدي غريب ومنطو، طفولي وتابع وغير عملي ومُستَعبد ومستبد وغير متسامح وفاسد ومتوحش وغير متمدن ومتأخر معنويا وراكد اقتصاديا.

***

وهكذا يجب ان ندرك ان جريمة الفيلم الاخيرة ليست سوى امتداد لثقافة عنصرية حكمت علاقة الغرب الاستعماري بباقي العالم على امتداد قرون طويلة، وكنا نتصور انها انقرضت وزالت مع انتشار افكار المساواة وحقوق الانسان التي يملؤون بها العالم ضجيجا كل يوم.

وهى ليست مجرد ثقافة وافكار، بل هي مصحوبة باعتداءات عسكرية استعمارية لا تتوقف، على سيادة الأمم والشعوب وكرامتها الوطنية ومقدساتها الدينية.

وحين نواجه هذا العدوان والعنصرية بالرفض والغضب، يشنون علينا حملات تشويه باننا لسنا متحضرين واننا متطرفين ومتشددين.

فرغم ان كافة التيارات السياسية بكل رموزها رفضت وادانت، في الازمة الاخيرة، وعن حق وبصدق، كل مظاهر العنف والقتل والايذاء التي تخللت المظاهرات السلمية، الا اننا فوجئنا ان المنابر الاعلامية الامريكية والغربية بل وعديد من المصرية والعربية، غيرت اهدافها و بوصلتها من التركيز على ادانة الفعل المسيء والجارح لكبريائنا الوطني والديني الى التركيز على ادانة ردود الفعل الغاضبة. فتركوا الفعل الأصلي وركزوا على رد الفعل، على غرار ما كان يحدث معنا على الدوام، مع كل احتلال او عدوان جديد في مصر او فلسطين او لبنان او العراق او غيرها، لنصبح نحن في النهاية المعتدون المتخلفون الارهابيون...الخ.

ان مظاهرات الغضب ستنفض وتنصرف خلال ساعات او ايام قليلة، ولكن ما يجب ان يتبقى من الازمة هو العمل على عدم تكرارها مرة اخرى، العمل على عدم تكرار الاساءة والعدوان والعنف بكافة اشكاله، مع افشال الهدف الأصلي الساعي الى شق الوحدة الوطنية المصرية، مع ابلاغ رسالة واضحة الى الجميع ان مصر قد تغيرت وان الراي العام الشعبي بكل تنويعاته ومرجعياته قد اصبح طرفا اصيلا وفاعلا في بناء كل السياسات والخيارات القائمة والقادمة، وانه لن يقبل احدا بعد الآن، بعد الثورة، أي مساس بكرامته الوطنية او بمعتقداته الدينية، اسلامية كانت او مسيحية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/تشرين الأول/2012 - 20/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م