السلطة في العراق بين التدويل والتداول السلمي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك مرتكزات أساسية لا يمكن من دونها، أن تُقام دولة مدنية قوية، بمعنى أوضح اذا اختفت   تلك المرتكزات لأي سبب كان، ستختفي الدولة الدستورية المعافاة، وستُهدَر حقوق الشعب، أما حضورها فيعني تحقيق بناء الدولة المتمدّنة التي يتم فيها تداول السلطة سلميا، من خلال صناديق الاقتراع مع حضور الشروط الداعمة الاخرى.

ومن بداهة القول أن الدولة المدنية القوية، يمكنها المحافظة على شروط ديمومتها، ومن أهم تلك الشروط، الحفاظ على الحريات، وبناء الاجهزة الامنية القادرة على ضبط الأمن كليّا، وتحقيق شرط النزاهة لوأد الفساد كليّا، مع توفير المتطلبات الاخرى التي تتيح للدولة أن ترتكز الى انتظام المؤسسات الدستورية المستقلة، القادرة على ادارة السلطات المختلفة بمعزل عن بعضها، وفقا لما يورده الدستور الدائم المُقَرّ شعبيا.

وعندما نتحدث عن العملية السياسية في العراق، فإننا لا نخطئ إذا قلنا أنها لم تستطع حتى اللحظة أن تبني الدولة القوية المرتقَبة، كما أن اللاعبين السياسيين، تحصّنوا في لعبة التدويل بدلا من نقل الدولة الى ساحة التداول السليم للسلطة السياسية، ولهذا بقيت الوجوه نفسها، تمارس لعبة التدويل من اجل الحفاظ على مكاسب مادية تجعلهم في لهو وانشغال تام عن تحقيق مشروع الدولة المدنية.

ولعل الدلائل التي تؤكد هذا الرأي كثيرة، وأهمها فشل السياسيين في بلورة فعل سياسي موّحد يبني الدولة العراقية المتطورة والمستقرة، أما الاحتماء خلف تبريرات (الارهاب/ وثقل المتوارَث من الحكومات السابقة، وغير ذلك...) لم تعد مقبولة بعدما يُقارب العشر سنوات على بدء العملية السياسة.

وهكذا أصبحت الوجوه اللاعبة في الميدان السياسي على دراية وخبرة في كيفية ضمان حضورها الدائم في المشهد السياسي، لضمان مكاسبها المادية اولا، بغض النظر عمَا سيلحق بالشعب من اهمال وظلم نتيجة لانهماك الجميع بحماية مصالحه الفردية او الفئوية او الحزبية، أما مصالح الشعب والشروع الدقيق في بناء مرتكزات الدولة المدنية، فهو أمر غير مرغوب به أصلا، لأنه يقوّض التدويل الذي تمارسه الكتل والاحزاب والوجوه الحالية، حيث تحافظ على حضورها في المشهد السياسي منذ قرابة العشر سنوات دون أن تقدم للعراقيين ما يؤشر ويؤكد الاقتراب من تكوين الدولة المعاصرة، والمشكلة أن جميع اللاعبين السياسيين يعون هذا الامر، ومع ذلك لا تزال عملية التداول الصحيح للسلطة تواجه عقبات التدويل والانشغال التام بالمكاسب، كما نلاحظ ذلك في حالات الثراء الكبير التي أُسبِغَتْ على معظم الداخلين في الميدان السياسي، فيما يعاني الشعب من نواقص كثيرة قد يصعب احصاءها، نتيجة لعدم التخطيط السليم والحازم لبناء مرتكزات الدولة المدنية.

ومع مرور الوقت أتقن اللاعبون السياسيون بالتجربة، سبلا وطرائق كثيرة للاحتفاظ بمكتسباتهم، منها مبدأ المحاصصة (سيّئ الصيت)، والنظام الانتخابي (المتحايِل)، وغير ذلك من الاساليب غير المشروعة، الامر الذي قاد الى ما يشبه نظام العصابات والتكتلات المتصارعة فيما بينها، مع نسيان مجحف ومخيف للشعب وحقوقه واحتياجاته الاساسية، والدليل الذي يؤكد هذا الرأي، هو الصراع القائم بين السياسيين، وهو صراع ذو طابع مصلحي ومنفعي واضح ولا علاقة لمصالح الشعب به، وقد تابع العراقيون بوضوح كيف يتنازل بعض السياسيين (وهم قادة لبعض الكتل) عن آرائه ومواقفه ومطالباته، حينما يحصل على منصب أو منفعة تحقق له مصالحه الخاصة، فيبلع لسانه ويلوذ بالصمت ويحابي الآخر لأنه استجاب لمطالبه، ولا يحتاج الامر لذكر الاسماء لأن العراقيين يعرفون هذا النوع من السياسيين الانتهازيين من خلال مواقفهم وافعالهم.

ما هو مطلوب الآن أن يتنبّه جميع السياسيين الى المنحدر الذي يسيرون فيه، ولابد من تحويل التدويل الى تداول سليم، وجعل الشعب وحقوقه واحتياجاته أهدافا ذات أولوية في ظل دولة مؤسسات مدنية يحكمها القانون والعدالة وتكافؤ الفرص، ولا تزال الفرصة متاحة أمام الجميع لاسيما قادة الكتل السياسية من اجل التصحيح، خلاف ذلك، لن يقبل الشعب أن تبقى الامور كما هي عليه الآن، ولا يقبل بالوجوه التي تتكرر في المشهد السياسي بثبات مخجل مع فشل في الاداء، لذا لابد من عمل جاد وحقيقي يديره السياسيون (المتفقون والفرقاء) بذكاء واخلاص لمصلحة العراق والشعب قبل مصالحهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/تشرين الأول/2012 - 19/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م