مقارعة الفساد السياسي والسياسي الفاسد

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: من الاسباب الأساسية التي جعلت الدول الاسلامية والمسلمين عموما، يعيشون في حالة العسر والضيق والضنك الاقتصادي، أن حكوماتهم فاسدة، وأن حكامهم في الغالب لا يعملون وفق الضوابط الاستشارية التي أقرّها الاسلام في تعاليمه الواضحة، وكان على المسلمين محاربة ومكافحة الفساد السياسي وعزل السياسي الفاسد عن العمل في السياسة لكي يتنقى الفضاء السياسي تماما من الفساد، حتى تنعم الدول الاسلامية بعدالة السلطات، وبالنظام الذي يتيح لهم حياة أفضل مثلما تعيش الدول المتقدمة.

الحاكم بين الشكل والجوهر

هناك نقطة او صفة مشتركة بين معظم الحكام الاسلاميين والعرب، أنهم يجيدون الكلام المعسول، ويتقنون بث الامنيات بين الناس، ويكررون مفردات وجمل تتحدث عن (الخير الآتي)، ولكن ما يفضح هذا الاسلوب المحتال هو الجوهر المخادع للحكام، حيث تفضحهم ساحة العمل الملموس دائما، اذ هناك فرق شايع بين ما يقوله الحكام وبين ما يفعلونه!، لاسيما أن هؤلاء الحكام متمسكون بشكل الاسلام، ولا يعملون بجوهره.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية)، بهذا الخصوص: (لا يكفي للحاكم ان يقول انني حاكم اسلامي، بل لابد ان يكون مستندا الى القرآن والسنة، فما لم يؤيده القرآن والسنة والمعصومون عليهم السلام، ويقولون انه من عند الله، فهو في واقعه غير اسلامي، وإن تسمى بالاسلام).

إذن من الواضح أن هناك تشدقا كبيرا بالشكل من لدن السياسيين الفاسدين، من خلال لجوئهم الى اساليب فاسدة في ادارة معظم شؤون الدولة، وذلك طمعا بالمكاسب والمنافع التي تكون في الغالب مادية بحتة تخص الحاكم نفسه وحاشيته وعائلته، كما ثبت ذلك بالادلة القاطعة، حين سقطت انظمة الحاكم الاوحد في تونس ومصر وليبيا، وفضحت اولئك الحكام وعوائلهم والمقربين منهم.

لذا لا يصح أن تُعطى السلطة لكل من هبّ ودب، إذ ينبغي أن تكون هناك مواصفات وضوابط مهمة ومعروفة ومشرّعة تتواجد في شخص الحاكم ومعاونيه، لكي يصلح لادارة شؤون المسلمين وفقا للمبادئ والتعاليم والصفات التي أقر الاسلام بضرورة تواجدها في شخصية الانسان لكي يصلح لقيادة الناس.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (مواصفات الحاكم الاسلامي انه رجل مؤمن متفقه في الدين تماما يعرف شؤون الدنيا ويتحلى بالعدالة التامة فمهما توفرت في الانسان هذه الشروط ورضي به اكثر الناس صار حاكما واذا فقدت احدى هذه الشروط عزل عن منصبه فورا ولكن اذا لم ترض الامة ببقائه رئيسا حق لهم تبديله الى غير ضمن جمع الشرائط).

دولة العدل والمساواة

في ضوء المواصفات السليمة التي يجب أن يتحلى بها السياسي او القادة عموما، ستكون هناك دولة مدنية قوية، قائمة على سلطة المؤسسات وقدرتها على ضبط ايقاع الحكم، وجعله لا يتعلق بقرارات فردية طائشة او متسرعة، كما يحدث دائما في ظل الانظمة الفردية والحكام الطغاة، لهذا غالبا ما تجد قوة الاقتصاد مرتبطة بالنظام الاستشاري للدولة، بمعنى كلما اقترب النظام من الاستشارية كلما كانت القدرة على بناء اقتصاد متطور، حاضرة بقوة، الامر الذي يساعد على تنقية السياسة من الفساد، فيتم مكافحة فساد السياسة والساسة الفاسدين في اطار دولة يسودها النظام الدستوري الاستشاري المنضبط.

هنا تتحقق الركائز الاقتصادية القادرة على محو الفقر، وبناء الانسان ماديا ومعنويا، فيغيب الفقر كليا، كما حدث في ظل حكومات اسلامية قوية يؤكدها التاريخ الاسلامي في حلقاته المشرقة، لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب المذكور نفسه، قائلا: (حتى الكافر في الاسلام، حين يسأل الناس... يكون هذا أمرا غريبا !).

وتقل حالات الفقر في دولة كهذه، بل تنتفي حالات الفقر كليا، بسبب حركة الاقتصاد الفاعلة والمتنامية، حيث تتاح فرص العمل للجميع، ويسود نظام تكافؤ الفرص، مع الحفاظ على القدرات والمهارات الفردية، بمعنى أن المساواة وتكافؤ الفرص لا تمحو التفوق المهاري للفرد، بل هناك رعاية للجميع وفقا لقدراتهم ومهاراتهم، في مجالات الحياة كافة.

الاقتصاد السليم والمجتمع

من المؤكد ان مكافحة السياسة الفاسدة وعزل الساسة الفاسدين، تتطلب جهدا استثنائيا تخوضه النخب ضد الفساد السياسي، وعندما يتحسن الاقتصاد، فإن فرص القضاء على الفساد تكون افضل بكثير، ولعل المفارقة الكبيرة تتمثل بالارتباط والتداخل القسري بين السياسة والاقتصاد، بمعنى ان الاقتصاد وتحسينه يرتبط بقرارات الساسة أنفسهم، لذا قلما نجد حاكما او سياسيا فاسدا يقدم على اتخاذ قرار اقتصادي سليم، بل دائما يحاول مثل هؤلاء الحكام تقزيم الاقتصاد وتحجيمه لكي يحصر الفوائد به وعائلته وبطانته والمقربين منه، أما عامة الشعب فهم دائما معرضون للفقر مضافا الى القمع وسواه، لهذا ينبغي أن يتحسن الاقتصاد لكي تصبح حالة مقارعة الفساد السياسي افضل، وحينذاك ينعدم الفقر شيئا فشيئا، بسبب السياسة الاقتصادية السليمة والعادلة.

هنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (لماذا الفقر، والاقتصاد سليم، والسياسة عادلة، والمجتمع فضيل؟). بمعنى أن السياسة العادلة تقود دائما الى انتفاء الفقر.

وسوف يتحقق هذا عندما تصبح الحكومات في الدول الاسلامية (إستشارية) وهذا مصطلح اورده الامام الشيرازي (رحمه الله) في كتاباته الكثيرة بهذا المجال، وهو مصطلح يقابل (الديمقراطية) ويتفوق عليها من حيث التطبيق، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه، على أن: (الحكومة الاسلامية حكومة استشارية). ويضيف سماحة المرجع الشيرازي ايضا: إن (الاستشارية نظام متفوق على نظام الديمقراطية، على ما أوضحه الامام الشيرازي - رضوان الله عليه- في كتبه).

وهكذا يكون النظام الاستشاري أكثر قدرة على بناء الدولة القوية، من خلال القدرة على مكافحة الفساد السياسي، ومحاصرة السياسيين الفاسدين وطردهم خارج ساحة العمل السياسي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/تشرين الأول/2012 - 17/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م