وجاء دور آل سعود

نزار حيدر

ان انتشار ظاهرة الحراك الشعبي في الجزيرة العربية ليشمل العديد من مناطق البلاد، دليل قاطع على سقوط رهان الطائفية الذي طالما تشبث به ووظفه نظام القبيلة الفاسد الحاكم في بلاد الحرمين لتأليب الراي العام ضد اي حركة مطلبية حقوقية تشهدها المنطقة الشرقية من البلاد، ليبرر قمعه الوحشي لها، من جانب، ولمحاصرتها والحيلولة دون انتشار تأثيراتها الايجابية على عموم مناطق البلاد، من جانب آخر.

 لقد عرت المواقف الطائفية لنظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية، تجاه تفاصيل الربيع العربي في اكثر من بلد، حقيقته امام الراي العام في بلاد الحرمين، الذي بدا ينتبه الى حقيقة في غاية الاهمية الا وهي ان التغيير المرجو في البلاد هو حاجة وطنية صرفة وليست حاجة مذهبية يتمتع بآثارها الشيعة فقط دون غيرهم مثلا، او منطقة من البلاد دون غيرها، وانما سيتمتع بآثارها الايجابية كل الشعب بلا استثناء على اعتبار ان قيم مثل الحرية والكرامة والعدل واحترام حقوق الانسان والتمتع بخيرات البلاد بلا تمييز او استحواذ، ان كل ذلك هي قيم انسانية وحضارية يجب ان يتمتع بها كل المواطنين، ولا يمكن ضمان ذلك الا بتغيير جذري تشهده البلاد يضع حدا لاستحواذ اسرة فاسدة على مقاليد الحكم وخيرات البلاد بلا منازع.

 ان انتشار الحراك الشعبي المطالب بالتغيير في عموم مناطق الجزيرة العربية وعدم اقتصاره على منطقة دون اخرى او على طائفة دون اخرى، لدليل واضح على صحة ما كنا نذهب اليه دائما من ان نظام القبيلة الفاسد الحاكم في بلاد الحرمين لم ولن يمكنه الافلات من رياح التغيير التي حملها الربيع العربي ليكتسح النظام السياسي العربي الفاسد برمته، الى ما لا نهاية، فها هي بشائر التغيير الجذري المرتقب بدأت تهب في عموم مناطق بلاد الحرمين بالرغم من القمع الوحشي الذي تتعرض له على يد ازلام النظام القبلي الوراثي المتخلف الذي ظل يسحق حقوق الانسان ويميز بين المواطنين على اساس المذهب والمنطقة لأكثر من ثمانية عقود من الزمن، فعلى الرغم من كل محاولات هذا النظام الهرب الى الامام، تارة من خلال اللجوء الى حصن فتاوى فقهاء البلاط الجاهزة تحت الطلب لتامين ما يحتاجه البلاط من مواقف (دينية) تحميه من اية محاولة للتغيير، عندما تقاطر فقهاء البلاط ليفتوا بحرمة التظاهر تارة وبكفر الاعتراضات السلمية اخرى، واخيرا بجواز قتل ولي الامر لرعاياه اذا ما ازعجوه بشعار او هتاف او لافتة.

 ومرة حاول النظام الهروب الى الامام من خلال الظهور بمظهر المحامي والمدافع عن الديمقراطية في هذا البلد او ذاك، كما حصل مع اليمن وللاسف الشديد والذي نجح في الالتفاف على جوهر الحراك الشعبي العظيم الذي شهدته البلاد بخديعة محبكة الفصول، او كما يحصل اليوم في سوريا التي يبدو ازائها نظام القبيلة وكانه يبشر السوريين بالديمقراطية وحماية حقوق الانسان.

 على الرغم من كل محاولاته الهادفة للهرب الى الامام، الا انها فشلت وستفشل فشلا ذريعا، فالجزيرة العربية لم تعد في منأى عن رياح التغيير هذه المرة مهما فعل نظام القبيلة لتحصين نفسه، ومهما احتمى بالغرب والولايات المتحدة تحديدا التي تدعي ان لها التزامات (اخلاقية) تجاهه تقضي بحماية امن الاسرة مقابل البترول، في اطار الاتفاق الذي كانت قد وقعته واشنطن مع الرياض ابان تأسيس المملكة في ثلاثينيات القرن الماضي، فلقد اثبتت كل تجارب البشرية بان ارادة الشعوب اقوى من ارادة الطغاة مهما تفرعنوا وتنمروا، وان التغيير سنة الحياة والمطلب الحيوي لكل المجتمعات.

 لقد وظف نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية اكثر من عامل لحماية سلطته الغاشمة، ولعل من اخطرها ثلاثة:

 العامل الاول: هو (الدين) فسخر المؤسسة الدينية لخدمته وبامتياز، فمنذ بيعة كبيرهم لمؤسس الحزب الوهابي منذ قرابة الثلاثة عقود ولحد الان، وبالتحديد عام (1744) شرعنت المؤسسة الدينية كل عمليات القتل والتدمير والذبح والاغتصاب والنهب والاغارات التي ظلت تنفذها قوات آل سعود سواء في داخل الجزيرة العربية ضد بقية القبائل والاسر، او ضد الدول الاخرى، كما حصل عشرات المرات ضد العراق وشعبه في اكثر من مدينة وفي فترات تاريخية متفاوتة، ولعل من اكثرها جرما ودناءة هي غزوتهم لمدينة كربلاء المقدسة التي راح ضحيتها اكثر من 5 آلاف امرأة ورجل عجوز وطفل فيما سرقوا كل النفائس التي كانت تحتوي عليها خزائن العتبة الحسينية المقدسة وقتها، وهو يوم عيد الغدير الاغر، عندما خلت المدينة من رجالها الذين ذهبوا الى مدينة النجف الاشرف لزيارة مرقد اخو رسول الله الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، تاركين وراءهم في المدينة النساء والاطفال والشيوخ.

 العامل الثاني: هو اموال البترودولار الطائلة جدا، والتي وظفها نظام القبيلة لشراء ذمم الماجورين تارة، ولتأسيس ودعم جماعات العنف والارهاب، وعلى راسها تنظيم القاعدة الارهابي، وما بات يعرف بالجهادية السلفية، تارة اخرى، وللتأثير على مجرى اتجاهات السياسة العامة، الدولية منها والاقليمية، من خلال بيع وشراء القادة والسياسيين في هذا البلد او ذاك، من جانب ثالث.

 يقول السيد كورتين وينزر، السفير الاميركي السابق لدى كوستاريكا والمبعوث الخاص للشرق الاوسط في بداية عهد الرئيس الاميركي رونالد ريغن، في دراسة نشرها في مجلة (ميديل ايست مونيتر) عنوانها (السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية):

 ان زعيم تنظيم القاعدة الارهابي بن لادن وقع في منتصف التسعينيات من القرن الماضي اتفاقا مع الأمير تركي الفيصل المدير السابق للاستخبارات السعودية تلتزم فيه القاعدة بعدم مهاجمة المملكة ومسؤوليها مقابل الكف عن ملاحقة بن لادن شخصيا أو المساس بقنوات التمويل المالي للقاعدة.

 وهذا يفسر سبب عدم تعرض المملكة لأي هجوم من القاعدة حتى أحداث 11 سبتمبر، بعد قيام السلطات السعودية، تحت ضغط واشنطن، بملاحقة أنصار القاعدة ووقوع بعض المواجهات بين الشرطة والإسلاميين المسلحين بصورة متقطعة منذ مايو 2003، ولكن على الرغم من ذلك، يقول وينزر، أظهرت القاعدة التزاما باتفاقها مع المملكة ويفسر ذلك تنقل المئات من أفراد العائلة الملكية السعودية بكل حرية دونما خوف من الاغتيالات كما أن المنشآت النفطية السعودية لم تستهدف سوى مرة واحدة وبصورة طفيفة، ومقابل ذلك استمرت المملكة في دعم انتشار الوهابية ومدارسها التي استمرت هي الأخرى في تخريج متطوعين للقاعدة.

 ويورد وينزر على لسان اليكسي اليكسيف أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003 بأن (السعودية أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم) وأنه يعتقد بان مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظرا لارتفاع أسعار النفط.

 ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفياتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991 حيث لم يتجاوز ال 7 بليون دولار.

 ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق اسيا وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان.

 وتقول هذه الدراسة إن خريجي المدارس الوهابية كانوا وراء الأعمال الإرهابية التي شهدتها عدد من دول العالم مثل تفجيرات لندن في يوليو 2005 واغتيال الفنان تيودور فان جوخ الهولندي عام 2004.

 ويشير وينزر الى نشاط نشر الوهابية في الولايات المتحدة من خلال المساجد والمدارس التي تمولها السعودية.

 ثالثا: العامل الثالث هو الاعلام الذي سعى نظام القبيلة الى شراء كل ادواته وعناصره، المقروء منه والمسموع والمرئي، ما استطاع الى ذلك سبيلا، ولذلك نرى اليوم بان هذا الاعلام الماجور والرخيص يركز على احداث ويتجاهل اخرى، والسبب يعود الى ثلاثة عوامل:

 الف؛ لانه مملوك لنظام القبيلة سواء بشكل مباشر او غير مباشر، ولذلك نراه يتحاشى الحديث عن اي موضوع يضر بنظام القبيلة وباي شكل من الاشكال، او يمس سياساته العامة، فيما يبذل كل جهده من اجل ان يذهب حتى النهاية مع الحدث الذي يأمر نظام القبيلة الاهتمام به، حتى اذا كان ذلك على حساب الحقيقة والمعلومة الصحيحة ومصداقيته كإعلام وليس كدعاية، ولقد راينا كيف ان هذا الاعلام كذب وزور وضلل الكثير من تفاصيل الاحداث التي شهدتها ليبيا مثلا او اليمن من اجل تمرير اجندات نظام القبيلة هناك، والامر ذاته يتكرر اليوم في سوريا عندما جاءت الاوامر لهذا الاعلام تفرض عليه تبني الملف السوري كحراك دموي يعتمد القتل والذبح والتدمير.

 اما في البحرين واليوم في الجزيرة العربية فلم ينبس هذا الاعم ببنت شفة لا من قريب ولا من بعيد، واذا اضطر صدفة للتعامل مع الاحداث هناك، فمن منطلق طائفي بحت، فالحراك في سوريا وطني ضد نظام طائفي، اما في البحرين فالحراك طائفي ضد نظام وطني، هكذا.

 باء؛ ولو صادف ان رفض بعض هذا الاعلام تغطية حدث بالضد من الحقيقة او من قناعاته، فأموال البترودولار جاهزة بلا تردد، فهي قادرة على قطع السنة الاعلاميين الطويلة بصورة او بأخرى، كما انها قادرة على تغيير القناعات التي تتعارض ومصالح نظام القبيلة بشكل من الاشكال.

 جيم؛ ولان هذا الاعلام يرضع من ثدي نظام القبيلة، بترودولارا يغني ويسمن، لذلك فانه بات يتماشى والاجندات الغربية، ولقد راينا كيف ان هذا الاعلام الذي ظل يذرف دموع التماسيح على (العراق) الذي انتهكت سيادته قوات الغزو الاجنبي (الاميركي والغربي والصهيوني) على حد قوله وقتها، اذا به يهلل ويكبر لقوات الناتو التي ظلت تقصف المدن الليبية من اجل تحريرها، وليس احتلالها وانتهاك سيادتها، من براثن ديكتاتورية نظام القذافي.

 كذلك تحول، وبقدرة قادر، سفير الولايات المتحدة الاميركية في سوريا من سفير دولة غازية ومحتلة في العراق الى سفير السلام والديمقراطية والحرية في مدينة حلب وغيرها.

 وهكذا راح هذا الاعلام المنافق يدور في فلك الاجندات الغربية والصهيونية بلا حياء، بل نراه يتفاخر بمواقفه هذه، لان ذلك هو الطريق الوحيد الذي عليه السير فيه لإرضاء نظام القبيلة المطلوب منه ارضاء اسياده في واشنطن ولندن، وها هم اليوم يطالبون الناتو ومجلس الامن بالتدخل لإسقاط انظمة عربية، وبطريقة ظلت الى الامس القريب محرمة على العراقيين تبنيها او حتى التفكير بها لأنها كفر وعمالة.

 في العراق كان يبحث هذا الاعلام عن السيادة، اما في ليبيا وسوريا وغيرها فلم يتذكر السيادة ابدا، لانها غابت من على شاشات راداراتها الالكترونية التي ظلت تلتقط كل اشارة يلوح بها الارهابيون في العراق لتدمير العملية السياسية الجارية هناك، فيما لم تلتقط اية شارة من هذا القبيل لا في ليبيا ولا في سوريا اليوم.

 ان التغيير الجذري المرتقب في الجزيرة العربية، سيحمي الديمقراطيات الناشئة في البلاد العربية من مخاطر التدمير التي يبذلها نظام القبيلة الفاسد، والذي يرى فيها خطر متربص طال الزمان او قصر.

 كما ان مثل هذا التغيير الجذري سيساهم بشكل كبير في اشاعة العدالة الاجتماعية في عموم المنطقة، لانه سيفتح الطريق امام عملية التغيير الشاملة لمنظومة نظام القبيلة الحاكم في دول الخليج وغيرها كالاردن والمغرب، هذا النظام الذي بنى اساسيات سلطته على مبدأ الاستئثار والطبقية، فاستأثر بالجمل وما حمل، من جانب، وقسم المجتمع الى فئتين الاولى حاكمة والثانية محكومة، الاولى اسياد والثانية عبيد، وكل يحمل هذه الصفة منذ ان تلده امه والى ان يموت ويلحد في قبره.

* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/تشرين الأول/2012 - 16/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م