ما الذي سقط في التاسع من نيسان في ساحة الفردوس؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: رمزية عالية الكثافة والدلالة شهدها العالم في التاسع من نيسان من العام 2003 عبر الفضائيات العربية والعالمية.

هي رمزية عملت القوات الامريكية على تكثيف حضورها في وعي المشاهدين من خلال عدة دلالات ومضامين لعل ابرزها ان لا دكتاتور في العالم يمكن ان يستمر في البقاء امام جحافل القوات الامريكية، وان هناك الكثير من التغيير الواعد في ما يتعلق بالديمقراطية في بلدان حكم الفرد الواحد، وان صورة جديدة اخذة بالتشكل في بلدان الشرق الاوسط، وغيرها من صور راوحت بين التحرير او الاحتلال ومفاهيم السيادة والاستقلال في القرار وكثير غيرها..

شكلت هذه الرمزية عبر السنوات اللاحقة مجالا جديدا للانقسام المجتمعي في العراق، فساحة الفردوس تقابلها ساحة التحرير ونصبها الشهير للفنان العراقي جواد سليم، في تلك الساحة نشهد التظاهرات المناوئة للتغيير عبر الاحتجاجات ضد الحكومة، بالمقابل تشهد ساحة الفردوس تظاهرات الداعمين للتغيير لكنهم ضد بعض الاخطاء الحكومية..

السؤال الذي عنونت به هذه السطور، هل هو سؤال بديهي مثلما توحي به مجريات الاحداث التي وقعت؟ بعبارة اخرى هل ما سقط في ساحة الفردوس مدعاة للتفاؤل الذي بلغ اقصى مدياته للمتابعين المؤيدين لهذا السقوط؟

في التاسع من نيسان سقط او بعبارة اكثر دقة اسقط تمثال القائد الضرورة صدام حسين، كما شاهدنا ذلك عبر الصورة الحية الناقلة للحدث، فقط التمثال اسقط ولكن بقيت الثقافة التي رسختها سياسات الحاكم الاوحد طيلة اكثر من ثلاثة عقود تسلط على مقدرات العراق فيها..

في الواقع الراهن، شهد العراق طفرة في الدخول اختلفت بالكامل عن الارقام المتداولة قبل العام 2003، لكن هذه الطفرة ادت ايضا في ما ادت اليه الى تقسيم المجتمع العراقي الى طبقتين لا ثالث بينهما هما طبقة الاغنياء وطبقة الفقراء والذين قد تصل درجة فقرهم الى العدم او الانعدام.. ربما هناك اسباب اخرى لهذا التفاوت لست معنيا في الحديث عنها، الا ان هذا التفاوت لا يلغي الكثير من الظواهر والسلوكيات التي تستمد جذورها من الارث الديكتاتوري لتلك الحقبة..

ظاهرة دكتاتورية الروتين الحكومي التي اخذت تسجل حضورا طاغيا في جميع الدوائر والمؤسسات الحكومية على الرغم من زيادة الرواتب الممنوحة للموظفين الا ان غياب عامل القوة المستبدة وعامل القمع الذي كان سائدا في تلك الفترة قد ساهم في استفحالها..

ظاهرة العمل بالقوانين السابقة والتي يذهب ضحيتها الكثير من العراقيين، ولا اقصد بذلك ضحية للقتل او غيره بل ضياع الحقوق وعدم تقدير الكفاءات بسبب عدم قدرة القوانين على مواكبة التغيير الحاصل.. والامثلة على ذلك كثيرة..

احد الاصدقاء من حملة الماجستير اصيب اصابة بليغة جعلته حبيس كرسي متحرك، تقدم لنيل شهادة الدكتوراه، الا ان الجامعة لم تسمح له بذلك والسبب ان الجامعة ليست لديها صفوف دراسية في الطابق الارضي وبالتالي فان وضعه سيربك العمل داخل القسم الذي يتخصص به..

لم تنفع حجج هذا الصديق، والامثلة التني ساقها من قبيل طه حسين المصري الكفيف الذي درس في فرنسا واصبح وزيرا للمعارف المصرية، او العالم البريطاني ستيفن هوكينج أبرز علماء الفيزياء النظرية، والذي يشغل كرسي الرياضيات في جامعة أكسفورد الإنجليزية، وهو الكرسي الذي تربع عليه العالِم الشهير إسحاق نيوتن.

وهوكينج جعله المرض حبيس كرسي ذي عجلات، لا يكتب ولا يتكلم إلا بواسطة كمبيوتر خاص. ساهم في صوغ نظرية «الانفجار الكبير» عن نشوء الكون قبل قرابة 13.5 بليون سنة. ويعود إليه الفضل في بلورة النظرية الحديثة عن «الثقوب السوداء» التي رأى أنها تحدث بأثر من انهيار الشموس الضخمة. كما ساهم في صوغ نظريات عن إمكان وجود «أكوان موازية» تشبه كوننا، لكنها تختلف عنه أيضاً. ويهتم بشدّة بمسألة وجود حضارات كونية، وبحث إمكان التواصل معها.

ظاهرة العشيرة وعودتها بقوة في الواقع العراقي من خلال الكثير من الحوادث والاحداث التي يقصد منها ابتزاز الاموال والا قامت القيامة، وهي ظاهرة اسس لها النظام السابق عبر ما عرف بشيوخ الانابيب الذين يتم استيلادهم عبر المنح والاعطيات والتقارير الكيدية بحق الاخرين.

ولا تقف المسالة عند هذا الحد بل تتعدى ذلك الى الكثير من اوجه السلوك والنشاط اليومي في المجتمع العراقي، في السياسة والثقافة والاجتماع والاعلام وحركة الناس اليومية في معاشهم وتنقلاتهم..

ففي السياسة على سبيل المثال طغيان التخوين والاقصاء والالغاء والتسقيط والتشهير للخصوم المتنازعين وحتى اللجوء الى التصفيات الجسدية وهو ارث عميق الغور يعود الى تلك الممارسات التي ارسى دعائمها القائد الضرورة..

ظاهرة الفساد على اعلى المستويات وغياب الضمير المهني والاخلاقي حتى اصبح الفاسد لا يشعر بالحياء او الحرج لفساده الذي يمارسه، وكانه يعمل ويتحرك حسب المقولة الرائجة اذا لم تكن ذئبا بالت عليك الثعالب..

ربما لا يمكننا حصر الكثير من الظواهر التي لازال المجتمع العراقي يتمسك بها كحضور فاعل في نشاطه اليومي، ولا يمكن ان تستوعبها سطور قليلة، فالمجتمع ولّاد باستمرار لتلك الظواهر، وهي ان دلت على شيء فانما تدل على ان ما حدث في التاسع من نيسان كان عبارة عن تمثال حجري ضخم لدكتاتور العراق قد اسقط وبقيت ظلال هذا التمثال وثقافة صاحبه هي السائدة في الكثير من نواحي حياتنا اليومية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/تشرين الأول/2012 - 14/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م