سوريا على مشارف التهدئة! وتراجع تركي امريكي يثير حفيظة قطر والسعودية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تدرك فصائل المعارضة المسلحة في سوريا ومن لف لفيها في القتال الشرس الذي انطلق بمباركة اقليمية للنيل من حكومة الاسد واسقاطها ان مرادها بات بعيد المنال، بل بات وجودها المسلح داخل الاراضي السورية مسألة وقت لا اكثر، سيما بعد الاستبسال الذي ابداه الجيش السوري وردة فعل النظام الشرسة على اعمال العنف التي بادرت اليها المجاميع المسلحة.

فيما باتت بوادر تراجع الدعم التركي لمشروع اسقاط حكومة الاسد تتجلى شيئا فشيئا، بعد ان استشعرت انقرة بخذلان الغرب لها وتبدد آمالها في هذا الصدد، وهو ما سيدفع بالكثير من كتائب ما يسمى بالجيش الحر الى القاء السلاح وخيار الهروب الى الخارج.

اذ تناقلت الكثير من التسريبات حول الشأن السوري ان سيناريو التهدئة بات على الطاولة، على الرغم من معارضة قطر والسعودية الشديدة، ويؤكد بعض المراقبين على ان مصر المتعطشة الى استعادة توازنها الاقليمي ستقود هذا المشروع، وبمشاركة كل من تركيا وايران، بعد توافر مباركة امريكية روسية قد تعزز من حظوظ النجاح.

وغالبا ما كانت تلقي تركيا والغرب باللائمة على تشرذم الفصائل السورية المسلحة في فشل تحقيق اجنداتها، خصوصا بعد الاقتتال المتزايد بين صفوف المتمردين، الى جانب ارتكاب تلك المجاميع جرائم وانتهاكات صارخة بحق المدنيين، فيما كان لتدفق مقاتلي تنظيم القاعدة والجماعات الارهابية الاخرى أثرا بالغا لدى بعض الدول الغربية التي آثرت النأي بنفسها عن الاحداث الدائرة داخل سوريا.

نبذ الفصائل المسلحة

فقد دعا ممثلون عن نحو عشرين حزبا وهيئة سورية من معارضة الداخل خلال مؤتمر عقد في دمشق وحضره خصوصا سفيرا روسيا وايران الى "وقف العنف فورا" من قبل طرفي النزاع وذلك "تحت رقابة عربية و دولية مناسبة". وجاء في البيان الختامي "للمؤتمر الوطني لانقاذ سوريا" الذي ضم 20 حزبا وهيئة معارضة لنظام الرئيس بشار الاسد ان "المؤتمر يدعو الى وقف العنف فورا من قبل قوى النظام والتزام المعارضة المسلحة بذلك فورا وذلك تحت رقابة عربية ودولية مناسبة"، من دون ان يحدد طبيعة هذه المراقبة.

واضاف البيان الختامي لمعارضة الداخل وابزر فصائلها "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي" ان "استراتيجية الحل الأمني العسكري التي انتهجها النظام للرد على ثورة الشعب المطالب بالحرية والكرامة والديموقراطية تسببت في تعميم العنف وخلقت بيئة ملائمة للعديد من الأجندات الخاصة".

ودعا المؤتمر المبعوث الدولي الخاص الى سوريا الاخضر الابراهيمي الى "الدعوة الى عقد مؤتمر دولي حول سوريا تشارك فيه جميع الاطراف المعنية تكون مهمته البحث في أفضل السبل السياسية للبدء بمرحلة انتقالية تضمن الانتقال الى نظام ديموقراطي تعددي".

كما دعا المؤتمرون "جميع أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج" المؤمنة ب"وحدة سوريا وسلامة أرضها وشعبها للعمل المشترك في سبيل ذلك، إذ أن التغيير المنشود لا يمكن أن يتم إلا بارادة السوريين أنفسهم و بأيديهم".

كما طالب المؤتمر نظام الاسد "بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السوريين ومن بينهم الدكتور عبد العزيز الخير و الأستاذ إياس عياش و الأستاذ ماهر الطحان أعضاء المؤتمر" الذين خطفوا قبل ايام في دمشق في طريق عودتهم من مؤتمر في الخارج. بحسب فرانس برس.

ونقلت وكالة الانباء الرسمية السورية سانا عن السفير الروسي في دمشق عظمة الله كولمحمدوف تأكيده خلال المؤتمر على "ضرورة إيجاد حل سلمي للازمة في سوريا وبأيدي السوريين أنفسهم بعيدا عن أي تدخل خارجي بما يتضمن وقف التمويل والتسليح وإيواء المجموعات المسلحة المتضمنة مرتزقة أجانب".

واضاف السفير الروسي بحسب سانا ان "الهدف الأساسي الذي يجب العمل عليه حاليا هو وضع حد للعنف في سوريا بشكل فوري من قبل جميع الأطراف والعمل على تحويل مسار الأزمة باتجاه الحل السياسي السلمي من خلال إطلاق الحوار الوطني الجاد بدون أي شروط مسبقة".

وكانت هذه الاحزاب والتيارات المنضوية تحت لواء معارضة الداخل عقدت مؤتمرا اول في ايلول/سبتمبر 2011 قرب دمشق، قبل ان تشارك مع باقي احزاب وتيارات المعارضة في الداخل والخارج في مؤتمر عقد في القاهرة في مطلع تموز/يوليو 2012.

وكان مؤتمر القاهرة اكد ان "الحل السياسي في سوريا يبدأ بإسقاط النظام ممثلا في بشار الاسد ورموز السلطة وضمان محاسبة المتورطين منهم فى قتل السوريين". كما اقر مؤتمر القاهرة "وثيقة توافقية تحدد الرؤية السياسية المشتركة للمعارضة السورية إزاء تحديات المرحلة الانتقالية ووثيقة العهد الوطني التي تضع الاسس الدستورية لسوريا المستقبل وهي العدالة والديموقراطية والتعددية".

وجدد المؤتمرون في دمشق التأكيد على هذه الوثائق، ولكن بيانهم الختامي خلا من اي دعوة صريحة للرئيس الاسد بالتنحي. وكانت محاولة للتقريب بين هيئة التنسيق والمجلس الوطني السوري، الذي يضم ابرز تيارات المعارضة السورية في الخارج، باءت بالفشل.

بضعة افكار

من جانبه قال مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا الاخضر الإبراهيمي ان لديه "بضعة أفكار" وليس خطة كاذملة بشأن كيفية انهاء الصراع المستمر منذ 18 شهرا والذي وصفه بانه "سيء للغاية ويزداد سوءا". وقدم الإبراهيمي هذا التقييم بعد أول بيان له أمام مجلس الأمن الدولي منذ أن حل محل كوفي عنان كوسيط دولي في الأول من سبتمبر أيلول. وفي أول شهر له في مهمته التقى الإبراهيمي مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق وزار مخيمات اللاجئين في تركيا والأردن.

وقال الدبلوماسي الجزائري المخضرم "ليست لدي خطة كاملة في الوقت الراهن لكن عندي بضعة أفكار. اتفقت مع المجلس على أن أعود إلى هنا بأسرع ما يمكن بمزيد من الافكار بشأن كيفية احراز تقدم."

وقال للصحفيين "الوضع في سوريا سيء للغاية ويزداد سوءا. انه يمثل تهديدا للمنطقة وتهديدا للسلم والأمن في العالم." وأضاف "هناك مأزق... لكنني اعتقد اننا سنجد مخرجا في المستقبل القريب." ورفض الإبراهيمي الكشف عن اي تفاصيل.

وتقول الامم المتحدة ان ما يقرب من 20 الف شخص قتلوا في الصراع. وفر أكثر من 250 ألف سوري إلى الدول المجاورة تركيا والأردن ولبنان والعراق من بينهم اكثر من 100 الف في أغسطس آب فقط.

وقال الإبراهيمي "لا يمكن العودة إلى الوضع السابق في سوريا.. الاصلاح لم يعد كافيا .. الامر يحتاج إلى تغيير." وقال دبلوماسي إن الإبراهيمي لم يكشف الكثير عن خططه للمجلس لكنه كان "صارما" في القاء معظم اللوم في الصراع على حكومة الأسد. ورغم ان الدبلوماسيين نددوا بالعنف إلا انهم لم يقدموا افكارا جديدة بشأن كيفية حل الصراع.

وقال وزير الخارجية الألماني جيدو فسترفيله للصحفيين "الوضع في سوريا خطير. ينبغي أن نبذل قصارى جهدنا لانهاء العنف وقتل الكثير من الابرياء." وتتولى ألمانيا رئاسة مجلس الأمن لشهر سبتمبر ايلول. بحسب فرانس برس.

وعبر مجلس الامن الذي يضم 15 عضوا في بيان عن قلقه البالغ بشأن الوضع في سوريا وأبدى دعمه الكامل والقوي للإبراهيمي. وقال دبلوماسيون ان الإبراهيمي ناشد مجلس الامن أن يمنحه دعما قويا وموحدا قائلا انه لا يمكن احراز اي تقدم بدون ذلك. وأضاف "تقولون جميعا انكم تدعموني بشكل فردي.. فلماذا لا تدعموني بشكل جماعي؟ لن يكون الامر صعبا جدا." وقال فسترفيله ان خطة عنان للسلام في سوريا لا تزال قائمة.

وتدعو الخطة التي لم تنفذ إلى انهاء العنف واجراء عملية سياسية يقودها السوريون وتسهيل وصول المساعدات للمحتاجين والافراج عن المعتقلين وحرية تحرك الصحفيين وحرية الاحتجاج السلمي. وقال الإبراهيمي انها إحدى "العناصر التي في جعبتي".

ورغم اشارته الى "المازق" الذي تمر به سوريا، اعرب عن امله في "احداث اختراق في مستقبل غير بعيد".

وفي الكلمة التي القاها امام مجلس الامن اكد الابراهيمي ان ليس لديه حاليا "خطة عمل جديدة" لتسوية الازمة السورية، واشار الى المقترحات التي قدمها سلفه كوفي انان مشيرا الى ان خطة هذا الاخير تبقى "افضل سبيل" لحل الازمة، بحسب ما نقل دبلوماسي عنه.

وقال الدبلوماسي الجزائري ايضا ان نظام الاسد يقدر بخمسة الاف عدد الاجانب الذين يقاتلون الى جانب المعارضة في سوريا وان دمشق تزداد اقتناعا بان الحرب الدائرة في البلاد هي "مؤامرة من الخارج".

وصرح وزير الخارجية الالماني غيدو فيسترفيلي للصحافيين ان خطة انان تبقى صالحة "في مضمونها". وقال "لدينا خطة. انها خطة (انان) من ست نقاط تبناها مجلس الامن" مضيفا ان المانيا "تدعم عمل الابراهيمي".

واضاف ان المانيا "ستستمر في السعي للحصول على موقف موحد في مجلس الامن وتحريك عملية سياسية" في سوريا. وحاليا تعرقل روسيا والصين الجهود في مجلس الامن بعد ان استخدمتا الفيتو للحؤول دون تبني ثلاثة قرارات غربية للضغط على نظام دمشق.

العاهل الاردني

من جهته اكد العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني انه "ليس هناك بديل عن الحل السياسي" في سوريا، داعيا المجتمع الدولي الى تقديم المزيد من العون لبلاده التي تستضيف اكثر من 200 الف لاجىء "للحيلولة دون وقوع مأساة انسانية" مع اقتراب فصل الشتاء.

وقال الملك عبد الله في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك "لا بد من الوقف الفوري للعنف هناك والبدء في عملية انتقال سياسي" في سوريا. واوضح انه "ليس هناك بديل عن الحل السياسي الذي يوقف سفك الدماء ويعيد الامن والاستقرار ويحفظ وحدة أراضي سوريا وكرامة شعبها ووحدته"، مشيرا الى ان "للامم المتحدة دور مهم في المساعدة على الالتزام بالحل السياسي".

وشدد على ان "الاردن سيبذل ما بوسعه لدعم جهود مندوب أمين عام الامم المتحدة وأمين عام الجامعة العربية المعين حديثا الاخضر الابراهيمي". ودعا الملك المجتمع الدولي الى تقديم العون للمملكة كي تقوم بواجباتها حيال اللاجئين السوريين. واوضح انه "منذ أن اندلعت الازمة الحالية لجأ الى الاردن أكثر من 200 الف سوري ما أضاف ضغوطا كبيرة على مواردنا المحدودة أصلا وعلى اقتصادنا، ومع ذلك فقد فتحنا لهم أذرعنا كما فعلنا مرات عديدة في السابق مع غيرهم ممن كانوا في حاجتنا".

واضاف ان "الدعم الدولي ضروري وملح ... لكن واقع الحال المؤسف يتطلب المزيد من العون مع تنامي حجم المخيمات التي تزدحم بالعائلات المستضعفة وقرب حلول شتاء الصحراء القارس". وخلص "أنني أدعو الدول الاعضاء في الامم المتحدة أن تتعاون للحيلولة دون وقوع مأساة أنسانية".

اوباما

الى ذلك قال الرئيس الامريكي باراك اوباما في افتتاحية جلسات الجمعية العمومية للامم المتحدة،  على المجتمع الدولي التحرك من أجل الحيلولة دون ان يتحول التمرد ضد الاسد الى "دائرة من العنف الطائفي".

واشار الى ان الولايات المتحدة تريد سوريا "متحدة وجامعة، لا يخاف فيها الاطفال من حكوماتهم، ويكون لكل السوريين من سنة وعلويين واكراد ومسيحيين رأي في الطريقة التي يحكمون بها". واضاف "هذه هي النتيجة التي نعمل من اجل التوصل اليها -- من خلال فرض العقوبات ومحاسبة من يضطهدون، وتقديم المساعدة والدعم لمن يعملون من اجل المصلحة العامة".

فيما وصف بان كي مون الذي تحدث قبل اوباما بدقائق الازمة في سوريا بانها "كارثة اقليمية لها تداعيات عالمية وتهديد خطير ومتزايد للسلام والامن الدوليين يتطلب اهتمام مجلس الامن". واضاف ان "خروقات وحشية لحقوق الانسان لا تزال ترتكب من قبل الحكومة، والمجموعات المعارضة"، داعيا المجتمع الدولي الى دعم جهود مبعوثه الى سوريا الاخضر الابراهيمي بشكل حازم وملموس.

من ناحيته دعا امير قطر حمد بن خليفة ال ثاني، احد المؤيدين الرئيسيين للمعارضة السورية، الثلاثاء الى تدخل عسكري عربي في سوريا لوقف النزاع هناك. وقال الشيخ حمد امام الجمعية العامة للامم المتحدة "من الافضل للدول العربية نفسها ان تتدخل انطلاقا من واجباتها الانسانية والسياسية والعسكرية وان تفعل ما هو ضروري لوقف سفك الدماء".

وشدد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي يتحدث لاول مرة امام الامم المتحدة على ضرورة القيام بتحرك "عاجل" للمجتمع الدولي في سوريا ومنطقة الساحل الافريقية. وقال "علينا واجب التحرك، التحرك معا وبسرعة لان هناك ضرورة ملحة"، داعيا الامم المتحدة الى "حماية المناطق التي حررتها" المعارضة في سوريا، مكررا التزامه "الاعتراف "بحكومة مؤقتة تمثل سوريا الجديدة الحرة، عندما يتم تشكيلها". واضاف "من دون انتظار، اطلب ان تمنح الامم المتحدة منذ الان الشعب السوري كل الدعم الذي يطلبه وتحمي المناطق المحررة مع تامين مساعدة انسانية للاجئين"، من دون توضيح طبيعة مثل هذه العملية.

وقال هولاند ان نظام بشار الاسد "ليس له مستقبل بيننا". وتساءل "كم من الوقت يلزم الانتظار بعد لكي تتحرك الامم المتحدة؟ (..) كم من القتلى ينبغي أن ننتظر، كيف يمكن القبول بشلل الامم المتحدة لفترة اطول؟" بحسب فرانس برس.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/أيلول/2012 - 12/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م