سعوديات يبحث عن حرياتهن بعيدا عن ركام السلطة وبراثن التشدد الديني

متابعة: محمد حميد الصواف

شبكة النبأ: بين ركام السلطة وبراثن التشدد الديني الضاربان على الشؤون الاجتماعية في المملكة السعودية، تسعى العديد من النسوة الى انتزاع بعض حقوقهن المصادرة دون مبرر منطقي او شرعي.

وتعاني المرأة السعودية من حرمان قسري سلب الكثير من الحقوق الفردية والاجتماعية منذ عقود طويلة، وتبرر الحكومة السعودية التي تكتسب شرعيتها من رجال الدين بحسب ما تعلن، اجراءاتها التعسفية بحق النساء التزامها بتوجيهات التيار السلفي المتشدد وفتاوي مشايخ ما يسمى بهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر المنبوذة اجتماعيا.

وبادرت العديد من الناشطات الحقوقيات في السعودية الى تحدي القوانين التي تحد من نشاط المرأة السعودية على امل ارغام السلطة بقبول رغباتهن، فيما تزايدت مؤخرا الدعوات التحريضية من قبل بعضهن على المشاركة الفاعلة في الشؤون الانسانية.

مناشدة الملك

فقد اعلنت ناشطة سعودية ان حملة "ساقود سيارتي بنفسي" اكتفت برفع عريضة الى الملك عبد الله بن عبد العزيز تطالب بالسماح للمرأة بالقيادة بعد تأجيل خرق الحظر الذي كان مقررا الجمعة.

وقالت الباحثة هالة الدوسري "اعتقد أن خروج الفتيات للقيادة في الشوارع العام الماضي اوصل الرسالة (...) والآن ياتي دور مخاطبة المسؤولين لمنح رخص قيادة نسائية والسماح لهن بذلك". واضافت "هذا ما فعلناه من خلال رفع العريضة للمقام السامي والمطالبة بالنظر في هذا الامر".

من جهتها، قالت ناشطة اخرى رفضت ذكر اسمها "لن نخرج الى الشوارع فالوقت ليس مناسبا الان خصوصا وان الاضرار الناجمة عن قيادة المرأة تنعكس سلبا على افراد عائلتها" في اشارة الى استدعاء قسم الشرطة الرجال لتوقيع تعهد بعدم تكرار ما حدث.

ودعا الموقع الرسمي للحملة على شبكات التواصل الاجتماعي المناصرين الى اضافة شعارها الى صورهم الشخصية على الفيسبوك وتويتر. وكانت هند الزاهر من حملة "قيادة المراة للسيارة" اعلنت تاجيل قيام عدد من الناشطات بقيادة سياراتهن الى الجمعة بعد ان كانت مقررة في 15 الشهر الحالي بمناسبة مرور عام على انطلاقتها، وذلك بسبب وفاة ولي العهد نايف بن عبد العزيز. والسعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي يمنع النساء من قيادة السيارات.

وكان عدد قليل من السعوديات لبين في السابع عشر من حزيران/يونيو 2011 دعوة اطلقتها ناشطات لخرق حظر قيادة السيارة المفروض على المرأة. كما وجهت عريضة بهذا الصدد حملت 3500 توقيع الى العاهل السعودي لالغاء الحظر.

وتعتبر هذه التعبئة التي تتم عبر فيسبوك وتويتر الاوسع في المملكة منذ اعتقال 47 سعودية بتهمة القيادة في تشرين الثاني/نوفمبر 1990. ومنذ نحو عام قامت مئات النساء بخرق حظر القيادة فاعتقل العشرات منهن ثم اطلق سراحهن بعد التوقيع على تعهد بعدم القيادة مرة ثانية، بحسب ما نقلت ناشطات.

ارتفاع أعداد النساء المنخرطات بالنوادي

فيما ارتفع عدد النساء المشاركات بالنوادي الرياضية في السعودية وخصوصا في نوادي كرة السلة في مدينة جدة، وخصوصا بعد السماح بمشاركة النساء في دورة الألعاب الأولمبية في لندن 2012 ضمن شروط محددة.

وتشير الأرقام إلى أن نادي جدة لكرة السلة شهد إقبالا كبيرا من الفتيات الراغبات بممارسة رياضة كرة السلة ليرتفع عدد المشاركين من كلا الجنسين إلى 350 أغلبهم من الأطفال الا أن ذلك يدل على مرحلة تحولية في المسيرة الرياضية للإناث في المملكة.

ويشير العديد من المراقبين إلى أن هذه الخطوة تعتبر إيجابية، حيث أن قوانين الدولة تمنع النساء من قيادة السيارات وممارسة الرياضة في الأماكن العامة بالإضافة إلى منع سفر المرأة دون موافقة ولي أمرها الذكر على ذلك.

اغلاق مئة محل

في سياق متصل ذكرت صحيفة سعودية ان وزارة العمل طلبت من وزارة الشؤون البلدية والقروية، اغلاق حوالى مئة محل للمستلزمات النسائية في الرياض، تبيع الملابس الداخلية وادوات التجميل بسبب وجود باعة رجال يعملون فيها.

ونقلت صحيفة "الاقتصادية" عن مصدر مسؤول في وزارة العمل ان "الوزارة ستواصل اغلاق المحلات المخالفة للقرار الوزاري الخاص بالتأنيث والتوطين، الى حين توافر بيئة العمل الآمنة للمرأة".

يشار الى ان وزارة الشؤون البلدية والقروية هي الجهة المكلفة منح التراخيص. واضاف المصدر "سيتم اغلاق اي محل للمستلزمات النسائية لا يقدم وقتا محددا لاعادة تصميمه بجعل قسم خاص للعاملات يكون مستقلا عن مكان عمل الرجال، اضافة الى حظر دخول المتسوقين (الرجال) عليهن".

وكانت وزارة العمل بدات اخر حزيران/يونيو الماضي تطبيق المرحلة الثانية من تأنيث المحلات النسائية المتخصصة في بيع ادوات التجميل بعد ستة اشهر من بدء السعوديات العمل في اماكن بيع الثياب الداخلية، رغم معارضة رجال دين.

وتمنع الوزارة توظيف عاملين وعاملات معا في محل واحد، الا اذا كانت المحلات موزعة على اقسام مختلفة. ويثير دخول النساء مجال بيع المستلزمات النسائية جدلا في المملكة لكنه يؤكد اصرار الملك عبد الله بن عبد العزيز وحكومته على تشجيع المرأة على العمل. وتبذل السلطات جهودا لمحاربة البطالة المتفشية وخصوصا في اوساط النساء.

يشار الى ان نسبة البطالة بين النساء مرتفعة جدا بحيث انها تفوق الثلاثين في المئة مع مليون امراة يبحثن عن عمل بينهن 373 الفا من حاملات الشهادات الجامعية، وفق تقرير رسمي. ويتعذر عليهن العمل في قطاعات كثيرة بحكم منع الاختلاط بين الجنسين.

ورغم ذلك، يعارض بعض رموز المؤسسة الدينية بشدة عمل النساء في البيع لاسيما مفتي المملكة الذي اعتبر ان عمل المراة في بيع الملابس الداخلية "جرم وحرام". وكانت وزارة العمل بدات قبل مطلع العام الحالي تطبيق المرحلة الاولى حيث حصرت عمل المراة في بيع الثياب الداخلية النسائية قبل السماح لها في بيع مستحضرات التجميل. وقد اصدر الملك قرارا في حزيران/يونيو 2011 حول السماح للنساء العمل في المحلات النسائية، مع مهلة ستة اشهر لاخراج الرجال نهائيا من هذا القطاع.

اميرة تثير صدمة بطلبها اللجوء الى بريطانيا

من جهة آخرى اوردت صحيفة صنداي تلغراف البريطانية ان اميرة سعودية هي حفيدة مؤسس المملكة طلبت اللجوء الى بريطانيا بذريعة ان افرادا من عائلتها سيضطهدونها في حال عادت الى السعودية. كذلك، اعلنت الاميرة ساره ابنة الامير طلال بن عبد العزيز آل سعود الملقبة "الاميرة باربي" انها طلبت من وزارة الداخلية البريطانية منح بناتها الاربع اللجوء، وفق الصحيفة.

واعلنت الداخلية البريطانية انها لا تعلق على حالات خاصة تتعلق بطلب لجوء. وقالت الاميرة ساره "مع اسفي العميق ولان لا خيار امامي، كتبت الى وزارة الداخلية في المملكة المتحدة لاطلب اللجوء السياسي لي ولبناتي". واضافت "لقد تم تشويه سمعتي في وسائل الاعلام عبر حملة سيئة النية ولا اساس لها". وتابعت الاميرة "صبرت على كل ذلك لاعوام عبر محاولة ايجاد حل لائق بالوسائل الطبيعية من دون اي ضوضاء".

والاميرة المطلقة تقيم حاليا في لندن التي انتقلت اليها العام 2007 بعد خلاف مع والدها الامير طلال بن عبد العزيز. وهي المرة الاولى يتقدم فيها احد الافراد البارزين في الاسرة السعودية الحاكمة بطلب مماثل. وساره (38 عاما) مقتنعة بان مسؤولين سعوديين كبارا يتآمرون لخطفها واعادتها الى الرياض.

وقالت للصحيفة "تعرضت لاعتداء جسدي. اتهموني بالتآمر ضدهم مع ايران. انا خائفة كثيرا". وانتهت صلاحية جواز سفرها بعد عامين من وصولها الى بريطانيا وهي مهددة بالترحيل.

وستنظر السلطات البريطانية في طلبها وقد تؤدي موافقتها عليه الى توتر دبلوماسي. واكد دبلوماسي في السفارة السعودية في لندن ان مفاوضات تجري في شان التأشيرة العائدة الى الاميرة، معتبرا ان الامر لا يتعلق بمشكلة سياسية بل بقضية شخصية.

إصلاحات تحسن من أوضاعهن

الى ذلك تحرص ديمة المشعبي على استعراض التطريز الذهبي الذي يزين عباءتها التي صممتها بنفسها. بالنسبة لديمة فإن الخروج من المنزل بملابس مميزة ليس تعبيرا عن اهتمامها بالأناقة وحسب وإنما هو ايضا رمز للتغييرات التي تجري بالمملكة العربية السعودية. وقالت ديمة عن عباءتها "الكثير من النساء الآن يصممن عباءاتهن بأنفسهن."

ولعل العباءات المزركشة التي تشاهد الآن في أنحاء السعودية تمثل رمزا للمكاسب التي تحققها النساء في المملكة. فالنساء لم يتخلين عن عباءاتهن ولكن يحاولن تخفيف القيود التي تحكمهن.

هذا هو الانطباع الذي كونته مجموعة من المحررين الأمريكيين ومنهم كاتبة هذا التحقيق الذين زاروا الرياض مؤخرا بوصفهم زملاء للمشروع الدولي للتغطية الصحفية بجامعة جونز هوبكنز.

ورغم أن المجتمع لايزال ذكوريا وبالتالي فان حقوق النساء محدودة جدا وفقا للمعايير الغربية الا إن هناك مؤشرات على تغيرات في مجالات التعليم والسياسة والموضة. وأصبح مسموحا للنساء الآن بيع الملابس الداخلية النسائية فيما يمثل تغيرا عن الوقت الذي كان الرجال يبيعون فيه هذه الملابس.

وكان للاحتجاجات والانتفاضات التي تهز المنطقة منذ 18 شهرا اثر على المملكة. وسارع العاهل السعودي الملك عبد الله الى إجراء إصلاحات يقول محللون إن هدفها الحفاظ على الوضع القائم دون إثارة رد فعل عنيف من جانب علماء الدين الذين يتمتعون بنفوذ كبير في البلاد.

وفي العام الماضي أعلن برنامج مساعدات قيمته 93 مليار دولار للمواطنين ووعد بأن يسمح للنساء بالمشاركة في الانتخابات البلدية القادمة عام 2015 وهي الانتخابات الوحيدة التي تجريها السعودية. كما أصدر مرسوما يتيح عضوية النساء في مجلس الشوري وهو مجلس استشاري من 150 عضوا يعينه بنفسه لولاية مدتها اربع سنوات.

وتحرك الملك بسرعة بعد وفاة ولي العهد الأمير نايف الأسبوع الماضي لحماية تركته الإصلاحية من خلال تعيين الأمير سلمان وليا للعهد والمعروف باعتداله. ومن بين المؤشرات على التغيير تشجيع النساء على تلقي تعليم بمستوى عالمي اذ تفتتح مدارس جديدة للفتيات الموهوبات كما يوجه المزيد من التركيز الى الالتحاق بالجامعات. في عام 1965 بلغ معدل الأمية بين الإناث خمسة في المئة. اليوم 60 في المئة من طلبة الجامعات في السعودية من الفتيات كما ان معدل توظيفهن وصل الى ثلاثة امثاله تقريبا فبلغ 14.4 في المئة بعد أن كان 5.4 في المئة وفقا لتقرير نشرته صحيفة سعودي جازيت يوم الخميس.

ودشن الملك برنامجا سخيا للمنح الدراسية للشبان السعوديين ليدرسوا في الخارج يضم نحو 130 الف طالب يدرسون حاليا في جامعات خارج البلاد نصفهم تقريبا في الولايات المتحدة. وبينهم الكثير من النساء لكنهن لا يحصلن على المنحة الا اذا كان سيرافقهن محرم في الرحلة الدراسية الى الخارج.

ويقول مراقبون إن الملك ربما يتعشم في أن يساعده احتكاك هؤلاء النساء بالعالم الخارجي الى تحريك الرأي السائد في اتجاه تأييد إجراء تغيير محكوم مع عودة هؤلاء النساء اللاتي يدرسن في الخارج.

وقال جيمس بي سميث السفير الامريكي بالسعودية عن المنح الدراسية "إعتقد أنها قصة نجاح عظيمة. ليس هناك ما هو أقيم من التقاء الثقافات معا وتبادل الخبرات."

ورغم هذا فليس بالضرورة ان كل السعوديات يردن التغيير. وكتبت ايمان النفجان هذا الشهر في عامود بصحيفة انترناشونال هيرالد تريبيون تقول "بالنسبة للمرأة السعودية العادية التي تنتمي للطبقة المتوسطة وتنحدر من خلفية عائلة صحية فإن الحياة جيدة الى حد كبير."

وتقول ايمان التي قضت جانبا من طفولتها في كانساس بالولايات المتحدة الامريكية إن النساء السعوديات يعانين "نقصا في الحقوق" مقارنة بغيرهن لكنها تشير الى أن التغطية العالمية تفرض "صراعات ثقافية مؤلمة."

وكتبت تقول إن السعوديين الأثرياء والمتعلمين لا يعتبرون أن أفراد أسرهم يعانين القمع وأضافت "الكثير من السعوديين يعتبرون أن شرط حصول امهاتهم وزوجاتهم واخواتهم على إذن لمغادرة البلاد او لتلقي درجة أعلى من التعليم لا يعدو كونه مصدر إزعاج بسيطا."

لكن بالنسبة لبعض النساء فإن الإصلاحات المحدودة غير كافية. ودعت مجموعة من الناشطات النساء الى الجلوس وراء عجلة القيادة الاسبوع الحالي تحديا لحظر قيادة النساء غير أن كثيرات يقلن إن هذا ليس همهن الأساسي.

وقالت الأميرة اميرة الطويل زوجة الملياردير ورجل الأعمال السعودي الأمير الوليد بن طلال "اذا أردت اختيار معركة فإن القيادة معركة خاطئة. هناك قضايا اكثر خطورة هنا." وأضافت أن القضية الاكبر هو ان المطلقات يجبرن على التنازل عن حضانة بناتهن لأزواجهن السابقين.

وقالت فوزية بكر البكر استاذ التربية بجامعة الملك سعود في الرياض "ما أريده حقا هو هوية قانونية. لا تريد النساء أن تظل قاصرات الى الأبد فتحتاج الى توقيع الزوج على كل شيء."

ولا تعبأ فوزية بالقيادة. ونتيجة لمشاركتها في احتجاج يتصل بمسألة القيادة في اوائل التسعينات فقدت وظيفتها وتلقت تهديدات بالقتل اضطرتها الى ترك منزلها. وعادت الى العمل الآن لكنها لم تقابل رئيسها في العمل بعد لأن النساء يعملن في مبان منفصلة عن الرجال.

وعلى الرغم من هذا فإنها متفائلة بأن التغيير في السعودية يجري على قدم وساق. وقالت "خفت حدة الضغط فعلا... لكن المشكلة أن حدته لا تخف منهجيا. إنه غير متسق ومتناقض."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/أيلول/2012 - 10/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م