باكستان... بؤرة تلتهب عنفا ضد الفيلم المسيء للإسلام

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: شهدت باكستان اعنف تظاهرات ضد الفيلم الأميركي المسيء للاسلام، غير أن هذه الاحتجاجات تحولت الى أعمال عنف، أدت الى خسائر بشرية كبيرة، وفي أكثر من 12 مدينة، مما استدعى السلطات الباكستانية وخاصة الأحزاب الدينية، لاستخدام الدهاء السياسي لكسب الشعب الباكستاني من خلال إعلان يوم الاحتجاجات يوم عطلة رسمية في باكستان، ورفض مكافأة عرضها وزير لقتل مخرج فيلم مسيء للإسلام أيضا، وبالتالي استطاعت إبراز نفوذها وقدرتها على صياغة الأجندة السياسية.

من جهتها تسعى الولايات المتحدة لعودة الحرارة الى علاقاتها مع باكستان، والتي ساءت بسبب العملية الأميركية التي اسفرت عن مقتل اسامة بن لادن في ايار/مايو 2012، كون توطيد العلاقات من جديد، يمثل خطوة لصد فوران المظاهرات المناهضة للولايات المتحدة، حيث أن استخدام المرونة المناسبة سياسيا، لترميم العلاقة من جديد، خوفا من تفاقم الازمة واستمرار نيران الغضب في باكستان والعالم الإسلامي، وعليه فأن باكستان اليوم تواجه أزمة سياسية خطرة قد تؤثر انعكاساتها على استقرار هذه البلد، في ظل نظام ضعيف سياسية يعتمد على أمريكا في اغلب الأزمات.

ورقة الدين

فقد أشعل محتجون غاضبون من الفيلم النار في كشك لتحصيل الرسوم على طريق سريع خارج العاصمة ودار للسينما في مدينة بيشاور بشمال غرب البلاد وظهر هذا في لقطات بثها التلفزيون على الهواء، ومع قلقها من الإحباط المنتشر لإخفاقها في توفير خدمات أساسية أعلنت الحكومة الباكستانية يوم احتجاج على الفيلم في محاولة من جانبها على ما يبدو للاستفادة من موجة الغضب التي أشعلت احتجاجات عنيفة في عدد من الدول الإسلامية.

ويقول منتقدوها إن هذا النهج متوقع من حكومة يصفها كثيرون بأنها غير كفء لمواجهة تحديات صعبة بدءا من تمرد حركة طالبان المستمر وانتهاء بانقطاع الكهرباء المزمن الذي تكررت الاحتجاجات بسببه، وقال آخرون ان الدعوة الى "يوم في حب النبي" خطوة تنم عن دهاء سياسي من الحكومة، وقال ابو بكر سعيد فاروقي المتحدث باسم منظمة إسلامية ساعدت في تنظيم المظاهرات قلبنا يقطر دما. نستطيع تحمل أي شيء الا الإساءة لنبينا وقرآننا، وتريد الحكومة الاستفادة من كل مساعدة تستطيع الحصول عليها. ويواجه رئيس الوزراء رجاء برويز اشرف ضغطا من المحكمة العليا لإعادة فتح قضايا فساد ضد رئيس البلاد، وعزلت المحكمة سلفه لأنه لم يفعل هذا، وألهت الصراعات السياسية مرارا الزعماء المدنيين ويعتبر الجيش الذي حكم البلاد لاكثر من نصف عمرها البالغ 65 عاما المؤسسة الاكثر فعالية وحسما في وقت الأزمات، ويعارض الكثير من الاحزاب التي نظمت الاحتجاجات تحالف باكستان مع الولايات المتحدة التي لم تتعاف الا مؤخرا من عدد من الانتكاسات.

وأدان عدد من منتقدي الحكومة إعلان يوم الجمعة عطلة رسمية باعتبار هذا استغلالا للمشاعر في ديمقراطية شابة مازالت تسعى لتحديد مكان الدين من الحياة العامة، وأغلب سكان باكستان البالغ عددهم 180 مليون نسمة مسلمون، وظل زعماء يستخدمون لعقود الدين لإكساب حكمهم شرعية وتأثرت السياسة كثيرا بالأحزاب الدينية التي لا تحصل على أصوات كثيرة في الانتخابات لكنها قادرة على إثارة الغضب في الشارع.

وقال حسين حقاني سفير باكستان السابق بالولايات المتحدة "كل ما يحتاجه الأمر بضع مئات من الناس وكومة من الحجارة والظهور على التلفاز. الأحزاب الدينية تحتجز الحكومة رهينة، وأنشيء حزب الشعب الباكستاني الحاكم باعتباره حزبا تقدميا من تيار يسار الوسط له ميول علمانية ولكن على غرار أغلب القوى السياسية في باكستان فإن تحركاته تصب في مصلحة الأحزاب الدينية حين يقع تحت ضغط، وبدأ الحزب ومعارضوه التنافس لكسب التأييد الشعبي قبل الانتخابات العامة المنتظر إجراؤها العام القادم ويفسر هذا فيما يبدو استغلاله الغضب الذي يذكيه رجال الدين بشأن الفيلم بدلا من محاولة تهدئته، وقالت الكاتبة مهرين زهراء مالك "أصبح حزب الشعب الباكستاني مهووسا بالسياسة الداخلية وبإعادة انتخابه لدرجة أنه نسي نوعية العلاقة التي يريدها مع العالم الخارجي، وكان أداء الأحزاب الدينية هزيلا في الانتخابات الماضية. لكن تنظيم الاحتجاجات وسيلة سهلة لاستعراض قوتها السياسية وضمان تمكنها من تشكيل تحالفات مع أحزاب أقوى. بحسب رويترز.

وقال النائب اياز امير إن الحكومة أعلنت العطلة لتقويض الأحزاب الدينية في محاولة لإظهار ان لديها هي الأخرى مسوغات إسلامية، وأضاف "انتزعت الحكومة نقطة منهم هذه المرة"، وتابع أن من المنطقي أن تحاول الحكومة نزع فتيل غضب المحتجين بأن تتيح لهم متنفسا بدلا من من أن تأمر الشرطة بمنع التظاهرات وتجازف بإثارة غضب الناس، وكانت معظم المظاهرات في اليوم التالي للتغطية الصحفية للفيلم مباشرة صغيرة وسلمية. ولم يسمع كثيرون عن الفيلم، وبدأت الجماعات الدينية بث إعلانات تلفزيونية تطالب المسلمين بالتضحية بأرواحهم فداء للرسول. ورفعت لافتات تطالب بقتل صناع الفيلم، وقالت الشرطة إنه في مدينة حيدر اباد وجه رجل دين حشدا لمهاجمة منزل صاحب متجر رفض الانضمام للاحتجاجات.

وقذف محتجون الحجارة وحطموا سيارات وأحرقوا مركزا للشرطة في وسط إسلام اباد خلال محاولتهم الوصول الى السفارة الأمريكيةن ولم تشاهد سوى قلة من المحتجين الذين اجرت رويترز مقابلات معهم الفيلم الا أن الحكومة تعتقد فيما يبدو أنها تستطيع استغلال الغضب المتزايد في البلاد التي يسود فيها الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تسعى الى إيذاء المسلمين مما يذكي المشاعر المناهضة لواشنطن، وفي كلمة ألقاها امام شخصيات بارزة بمناسبة العطلة ضخم اشرف من شأن هذه المخاوف من الغرب فيما يبدو وقال عن الفيلم المسيء للنبي "كان هذا هجوما متعمدا مع سبق الإصرار قائما على الانحياز والكراهية والتحامل."

اشتباكات مع الشرطة

فيما اشتبك متظاهرون مع الشرطة الباكستانية في مدينة بيشاور مع تنامي الغضب من الاساءة الى النبي محمد رغم دعوات رجال الدين والسياسة في شتى انحاء العالم الاسلامي للاحتجاج سلميا، وشددت البعثات الدبلوماسية الغربية في العالم الاسلامي من اجراءات الامن والبعض أغلق تحسبا لاحتجاجات حاشدة بعد صلاة الجمعة، وأغضب فيلم مسيء للنبي محمد أنتج في الولايات المتحدة المسلمين وفجر أياما من الاحتجاجات في العالم الاسلامي ومن المتوقع ان يزيد من هذا الغضب الرسوم التي نشرتها مجلة فرنسية، وقال مفتي مصر إن على المسلمين الذين أغضبتهم الرسوم التي تسخر من النبي محمد أن يقتدوا بالمثل الذي ضربه بالرد على الإساءة دون انتقام، لكن من غير المرجح ان تهديء هذه الدعوة الغضب.

وقال رئيس الوزراء الباكستاني راجا برويز اشرف في خطاب امام رجال الدين والسياسة وآخرين "الهجوم على النبي محمد (ص) هو هجوم على كل المسلمين وعددهم 1.5 مليار. وهذا غير مقبول، وأعلنت باكستان "يوم في حب النبي محمد، ونزل المحتجون الى شوارع مدينة بيشاور الواقعة على الطريق الرئيسي المؤدي الى افغانستان وأحرقوا دارا للسينما واشتبكوا مع قوات مكافحة الشغب التي حاولت تفريقهم بالقنابل المسيلة للدموع، وقال طبيب في المستشفى الرئيسي في المدينة ان خمسة محتجين على الاقل اصيبوا، وفي العاصمة الباكستانية اشتبك نحو الف محتج يلقون الحجارة مع الشرطة وهم يحاولون التقدم صوب السفارة الامريكية وأوقفت حكومة اسلام اباد خدمات الهواتف المحمولة في اكثر من عشر مدن في اطار الاستعدادات الامنية قبل احتجاجات متوقعة اليوم بعد صلاة الجمعة. بحسب رويترز.

وأغلقت السفارتان الامريكية والفرنسية في جاكرتا عاصمة اندونيسيا التي يعيش فيها أكبر عدد من المسلمين في العالم كما أغلقت أيضا البعثات الدبلوماسية في العاصمة الافغانية كابول.

وقالت الشرطة في كابول انها أجرت اتصالات مع رجال الدين والزعماء المحليين لمحاولة منع العنف، وقال محمد ظاهر وهو ضابط شرطة كبير لرويترز "هناك بعض المتظاهرين الغاضبين الذين سيشجعون الناس على العنف. سيكون هناك أيضا تأثير من طالبان على المظاهرات وقد يهاجمون السفارة الامريكية وسفارات أخرى."

الإعلانات لتهدئة الاحتجاجات

من جهتها قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة دفعت اموالا لمحطات تلفزيون باكستانية لبث إعلانات يظهر فيها الرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على أمل تهدئة الرأي العام في البلاد التي شهدت احتجاجات مناهضة للفيلم المسيء للإسلام الذي انتج في كاليفورنيا، وقالت الوزارة إن السفارة الأمريكية في إسلام أباد انفقت حوالي 70 ألف دولار لبث الإعلان الذي يضم مقاطع فيديو لأوباما وكلينتون يؤكدان فيها على احترام الولايات المتحدة للدين وإعلان أن الحكومة الأمريكية ليس لها صلة بالفيلم.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند في مؤتمر صحفي "من أجل ضمان وصولنا إلى أكبر عدد من الباكستانيين كان التقدير هو أن هذه أفضل طريقة للقيام بذلك."

وبث الإعلان الأمريكي بينما دعت واشنطن الأمريكيين إلى تجنب السفر غير الضروري إلى باكستان وهي واحدة من البلدان الإسلامية التي شهدت موجة احتجاجات مناهضة للولايات المتحدة، وفي باكستان اندلعت الاحتجاجات في أكثر من 12 مدينة. بحسب رويترز.

وحذر محللون في مكافحة الإرهاب بإدارة شرطة نيويورك في بيان وزع من ان الاحتجاجات المناهضة للولايات المتحدة وللغرب ستواصل الانتشار بعدما أججها في الآونة الأخيرة نشر مجلة فرنسية لرسوم مسيئة للنبي محمد، وأثارت الرسوم التي نشرتها مجلة شارلي ابدو الفرنسية الأسبوعية الساخرة غضب الشارع بصورة اقل نسبيا حتى الآن على الرغم من تظاهر نحو 100 إيراني امام السفارة الفرنسية في طهران، وقالت نولاند إن قرار شراء إعلانات تلفزيونية ليس غريبا في بلدان تكون فيها هذه هي "طريقة توصيل رسالتك، وأضافت "أعتقد أن المعنى هو أن هذا الجانب بالذات من رسالة الرئيس ووزيرة الخارجية يجب أن يسمعه المزيد من الباكستانيين وهذه وسيلة فعالة لتوصيل تلك الرسالة، وقالت إن الأمر سيستغرق وقتا لقياس فعالية الإعلانات في باكستان حيث تجمعت حشود ضخمة مرة اخرى للاحتجاج على الفيلم.

قتل مخرج فيلم مسيء للإسلام

على صعيد ذو صلة أعلن المتحدث باسم الحكومة الباكستانية ان الحكومة تنأى بنفسها عن المكافأة التي عرضها وزير بقيمة 100 الف دولار لقتل المخرج الاميركي لفيلم "براءة المسلمين" المسيء للاسلام والذي تسبب باحتجاجات عنيفة خصوصا في باكستان، وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء تعليقا على المكافأة التي اعلنها وزير السكك الحديد غلام احمد بيلور ان ذلك "ليس من سياسة الحكومة، نحن ننأى بنفسنا بالكامل عن هذا الامر"، وكان الوزير الباكستاني اعلن السبت من بيشاور بشمال غرب البلاد عن مكافأة بقيمة مئة الف دولار لمن يقتل مخرج الفيلم، واضاف الوزير "ادعو ايضا حركة طالبان والاخوان في تنظيم القاعدة الى المشاركة في هذا العمل النبيل"، مؤكدا انه لكان قتل المخرج بيديه لو اتيحت له الفرصة. وتابع "وبعدها يمكنهم ان يقبضوا علي". بحسب فرانس برس.

أمريكا تحذر رعاياها

كما دعت وزارة الخارجية الأمريكية مواطنيها إلى تجنب السفر إلى باكستان في تحذير جديد جاء عقب إحتجاجات وتجمعات حاشدة هناك قال مسؤولون أمريكيون انها ستستمر على الأرجح.

ورفع المسؤولون مستوى تحذيرهم من مخاطر السفر إلى باكستان ونصحوا الأمريكيين صراحة بتأجيل السفر غير الضروري إلى هناك. كما حثوا "بشدة" الموجودين هناك على تجنب الاحتجاجات والتجمعات الكبيرة، وقالت وزارة الخارجية إن وجود عناصر من القاعدة وطالبان و"جماعات محلية طائفية متشددة يمثل خطرا محتملا على المواطنين الأمريكيين في كل أنحاء باكستان. بحسب رويترز.

وقال مسؤولون في وزارة الخارجية إنهم قد يقيدون حركة الموظفين الحكوميين بين السفارة والقنصليات في باكستان لأسباب أمنية أو أسباب أخرى وإن حركة العاملين في القنصلية العامة تخضع لقيود مشددة، بالإضافة إلى ذلك قالوا إنه ينبغي للمسؤولين الأمريكيين في اسلام اباد أن يقللوا عدد مرات تنقلهم من مكان لآخر ومدة بقائهم في الأماكن العامة مثل الأسواق والمطاعم.

وكان مسؤولون أمريكيون قد أصدروا تحذيرات ما زالت سارية بشأن السفر إلى هناك مشيرين إلى زيادة الخطر المحتمل على المسافرين الأمريكيين منذ مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في مدينة أبوت اباد قرب العاصمة الباكستانية في مايو ايار عام 2011.     

ترميم العلاقات

على صعيد اخر اكدت باكستان انها تقوم بترميم علاقاتها مع الولايات المتحدة، وذلك بعد نحو عام ونصف عام من العملية الاميركية التي ادت الى مقتل اسامة بن لادن واثارت موجة تظاهرات مناهضة للاميركيين، واقرت وزيرة الخارجية الباكستانية هينا رباني خار امام نظيرتها الاميركية هيلاري كلينتون التي كانت تستقبلها في مقر الوزارة بان "الاشهر ال18 الاخيرة كانت صعبة جدا"، لكنها تداركت ان البلدين يبذلان ما في وسعهما "لاعادة بناء مناخ من الثقة"، وتزامن لقاء الوزيرتين مع يوم طويل من التظاهرات التي لم تخل من العنف في باكستان احتجاجا على فيلم يسيء الى الاسلام. واسفرت هذه التظاهرات عن مقتل 17 شخصا واصابة اكثر من مئتين اخرين، وشددت خار في حضور كلينتون على "الفرص الواجب انتهازها (...) لاعادة بناء الثقة والتشاور لتحقيق المصالح المشتركة"، وردت كلينتون ان الاولوية الاولى للبلدين هي "مواصلة مكافحة الارهاب لضمان امن الاميركيين والباكستانيين. بحسب فرانس برس.

وشهدت العلاقات الاميركية الباكستانية فتورا اثر العملية العسكرية الاميركية التي انتهت بمقتل بن لادن في ايار/مايو 2011 وعلى خلفية الغارات التي تشنها طائرات اميركية من دون طيار على الحدود بين باكستان وافغانستان، لكن العلاقات بين البلدين تحسنت بعدما وافقت اسلام اباد في تموز/يوليو على اعادة فتح طرق الامداد لقوات الحلف الاطلسي المنتشرة في افغانستان، وفي بداية ايلول/سبتمبر، اعلنت واشنطن انها تعتبر شبكة حقاني المتمركزة في المناطق القبلية الباكستانية والقريبة من القاعدة مجموعة "ارهابية" مسؤولة عن هجمات في افغانستان، الامر الذي تحفظت عنه اسلام اباد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/أيلول/2012 - 9/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م