سلفيو تونس... آفة تهدد مستقبل الديمقراطية

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: لم يخطر ببال التونسيين، بعد مرور أكثر من عام على ثورة، أن يتبوأ المد السلفي في تونس مركز اللاعب الأساسي في الحياة السياسية بالبلاد الثورة الياسمين، فكل مرة تدخل فيها مرحلة التعافي في هذه الدولة، تندلع في المرة الأخرى الأعمال والاستفزازات المرتبطة بمسائل دينية او أخلاقية، مما جعل من الجماعات السلفية تحديا جديدا للديمقراطية الوليدة في تلك البلاد، وأصبحوا مشكلة سياسية مجتمعية يضيق بها الشعب التونسي ذرعا، فاخذ المد السلفي بالاتساع والتنامي في الفترة الأخيرة، وقد تمادت هذه الجماعات بالاعتداءات التشدد على المثقفين وعلى مصادر حرية الفكر والإبداع في تونس، خاصة في ولاية سيدي بوزيد التي تعد من أهم  معاقل التيار السلفي المتشدد في هذا البلد العربي، ويريد السلفيون في تونس دورا اكبر للشريعة في تونس الجديدة وهو ما يزعج النخبة العلمانية التي تخشى من قيامهم بفرض رؤيتهم مما يؤدي في النهاية الى تقويض الديمقراطية الوليدة في البلاد.

من جهة أخرى نددت حركة النهضة أيضا بالمساس بالحريات، واعتبرتهم خطرا ليس فقط على النهضة وإنما على الحريات العامة في البلاد وعلى امنها، في حين حذرت منظمات حقوقية تونسية من أن المجموعات السلفية العنيفة والخارجة عن القانون والفالتة من العقاب تصول لتنشر الرعب وتعنف ماديا ومعنويا النساء والمثقفين والصحافيين والمبدعين والنقابيين والسياسيين ومناضلي حقوق الإنسان، وعليه فأن خلاصة القول أصبح سلفيو تونس اليوم خطرا جديدا قد يبدد منجزات الثورة، تحديا كبيرا لتونس الجديدة.

التشيع في تونس

فقد اتهمت الرابطة التونسية لمناهضة المد الشيعي (منظمة غير حكومية) المركز الثقافي الايراني التابع لسفارة إيران بتونس بنشر المذهب الشيعي في تونس وطالبت الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية بإغلاقه "فورا"، وقال أحمد بن حسانة رئيس الرابطة لإذاعة شمس إف إم الخاصة "ندعو الحكومة إلى الإسراع فورا بغلق المركز الثقافي الإيراني الذي يعمل على نشر المذهب الشيعي في تونس ضمن مخطط محكم (..) وإلى إيقاف كل البرامج الحكومية المشتركة بين تونس وإيران في مجالي التبادل الثقافي والتعليمي".

وأوضح أن هذا المركز "يعمل بالاشتراك" مع الرابطة التونسية للتسامح (جمعية غير حكومية) "على نشر التشيع في تونس عبر مخطط يقوم على رصد الاموال وتجنيد الاشخاص وتكوين خلايا نائمة ذات ولاء لإيران ولمراجع شيعية تشتغل حسب أجندات صفوية عنصرية".

ولفت إلى أن هذه الجمعية "في ظاهرها منظمة ثقافية وفي باطنها عقائدية مندسة في المجتمع المدني (التونسي)، ذات ولاء لدولة ايران وأهدافها معادية لهوية تونس (الدولة) السنية المالكية" محذرا من "زرع الفتنة الطائفية" في البلاد.

وفي 17 آب/أغسطس الجاري جرت بمدينة قابس (جنوب شرق) مواجهات بالهراوات والحجارة بين سلفيين متشددين ومجموعة شيعية خرجت في مسيرة بمناسبة "يوم القدس العالمي" الذي يتم إحياؤه سنويا في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، وأسفرت المواجهات عن "وقوع عديد الاصابات" بحسب مكتب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان (مستقلة) في قابس، وأحرق السلفيون الذين احتجوا على تنظيم المسيرة علم دولة إيران. بحسب فرانس برس.

وقال أحمد بن حسانة إن "جمعية أهل البيت الثقافية بتونس" الشيعية غير الحكومية هي التي دعت إلى تنظيم المسيرة بهدف "تحريض شيعة قابس على الخروج في مسيرة ظاهرها نصرة الاقصى وباطنها إظهار الاقتداء بايران والولاء لفكر الخميني" في إشارة إلى أن إيران كانت اول من أحيى يوم القدس العالمي سنة 1979، من ناحيتها وصفت "جمعية أهل البيت الثقافية بتونس" في صفحتها الرسمية على الفيسبوك السلفيين الذين اعتدوا على المسيرة ب "الفئة الباغية التي تريد نشر الفتنة والتفرقة في مجتمعنا خدمة لأعداء الشعب من صهاينة ووهابية".

وفي 15 اب/اغسطس منع سلفيون فرقة موسيقية ايرانية من تقديم عرض في اختتام المهرجان الدولي للموسيقى الصوفية والروحية بولاية القيروان (وسط غرب) بدعوى انها "شيعية".

وهاجم "أبو عياض"، زعيم "ملتقى أنصار الشريعة" وهو التنظيم السلفي الأكثر تشددا في تونس، الشيعة وتوعد بطردهم من تونس، ويدين غالبية سكان تونس بالاسلام السني المالكي. وتعيش في تونس أقلية شيعية تتركز أساسا في قابس، ولا تتوفر إحصائيات دقيقة حول عدد الشيعة في تونس لكن وسائل إعلام تقدرهم ببضعة آلاف.

الهجوم على الفنادق

فيما تبنت مجموعة تنسب نفسها إلى "السلفية الجهادية" هجوما استهدف فندق يقدم الكحول في مدينة سيدي بوزيد (وسط غرب) مهد الثورة التونسية، وقال وائل عمامي المتحدث باسم المجموعة "نحن تتبع السلفية الجهادية" وان الهجوم كان بناء على "طلب من السكان"، على حد قوله.

وتابع أن المجموعة أخذت على عاتقها مقاومة انتشار نقاط بيع الخمر في سيدي بوزيد "إثر تشكيات عديد السكان" وأمام "عدم تدخل الشرطة".

وحوكم وائل عمامي أواخر 2007 بالسجن المؤبد في ما بات يعرف في تونس بقضية "مجموعة سليمان" قبل أن يتم الافراج عنه بداية 2011 ضمن "عفو عام" أقرته السلطات إثر الاطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي هرب إلى السعودية.

وبداية 2007 جرت مواجهات دامية في مدينة سليمان (30 كلم جنوب العاصمة) بين قوات الامن ومجموعة سلفية أطلقت على نفسها "مجموعة أسد بن الفرات" أسفرت عن مقتل 12 سلفيا وضابطا بالجيش التونسي وعنصرا من الشرطة، بحسب مصادر رسمية.

ويقول محامون إن نظام الرئيس المخلوع سجن حوالي 2000 تونسي من المنتمين إلى التيار السلفي تم الافراج عنهم جميعا في "العفو العام".

وقال وائل عمامي ان ما بين 15 و20 سلفيا "كسروا قوارير الخمر" في نزل "الحرشاني" وهو آخر نقطة توزع فيها المشروبات الكحولية في سيدي بوزيد بعد أن أجبر السلفيون محلات لبيع الكحول مرخص لها من الدولة، على الاغلاق خلال حملات نفذوها منذ أيار/مايو الماضي.

ونفى أن يكون رفاقه اعتدوا بالضرب على زبائن الفندق مضيفا انهم أطلقوا سراح شخص اختطفوه يوم الحادثة عندما حاول تصوير الهجوم بهاتفه النقال.

وقال إن هذا الشخص لم يصب بأي مكروه وأن السلفيين احتجزوه للتأكد من انه لم يلتقط أي صور لهم، وأبلغ صاحب الفندق، جميل الحرشاني، ان نحو 70 سلفيا اقتحموا الفندق وخربوا الحانة والمطعم وقاعة الاستقبال وخلعوا غرف الطابق العلوي مخلفين له خسائر قال إنها قد تصل إلى 100 ألف دينار (50 ألف يورو)، واتهم الحرشاني السلفيين بسرقة نحو 1000 دينار (500 يورو) من خزينة الفندق، وقال إنه أبلغ الشرطة قبل ربع ساعة من الهجوم على فندقه إلا أنها لم تحضر. بحسب فرانس برس.

وذكر بان السلفيين هددوه قبل عشر أيام من شهر رمضان الفائت ب"القتل" وبحرق الفندق إن واصل بيع الكحول. وأضاف أنه تقدم بشكوى للنائب العام تمت إحالتها إلى شرطة سيدي بوزيد التي قال إنها "لم تحرك ساكنا".

ويومي 19 و20 أيار/مايو 2012 هاجمت مجموعات سلفية حانات مرخصا لها في سيدي بوزيد وخربتها واعتدت على مرتاديها، كما أحرقت مخزن خمور وأربع شاحنات تملكها شركة لبيع المشروبات الكحولية وتوزيعها بالمنطقة، واشتبكت مع تجار خمور وشبان غاضبين من غلق الحانات. وكانت تلك أول مرة يهاجم فيها سلفيون حانات في تونس منذ فوز حركة النهضة الاسلامية في انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011.

وكان راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة أعلن خلال الحملة الانتخابية للحركة أن النهضة لن تغلق الحانات أو تمنع توزيع الكحول في البلاد إن وصلت إلى الحكم، وتنشر وسائل إعلام محلية في الفترة الأخيرة أخبارا حول حملات أمنية ضد تجار الخمور غير المرخص لهم.

7 جرحى اثر مهاجمة سلفيين حيا شعبيا في سيدي بوزيد

على العيد نفسه أصيب 7 أشخاص على الاقل في مواجهات اندلعت بعد ان هاجم مئات من السلفيين حيا شعبيا بمدينة سيدي بوزيد (وسط غرب) التي انطلقت منها شرارة الثورة التونسية، نقلا عن شهود وعن الشرطة.

وهاجم ما لا يقل عن 500 سلفي مسلحين بالهراوات والسيوف حي أولاد بالهادي بمدينة سيدي بوزيد بهدف "تأديب" شبان اعتدوا على 3 سلفيين في أحد مقاهي المدينة.

وجاء السلفيون من عدة بلدات بولاية سيدي بوزيد على متن شاحنات وسيارات ودراجات نارية واقتحموا نحو 15 منزلا للبحث عن الشبان المطلوبين واشتبكوا مع كل من اعترض سبيلهم.

وكان بعض السلفيين مسلحا بقوارير غاز مشل للحركة وصادمات (هراوات) كهربائية فيما تسلح أحدهم ببندقية صيد لم يستعملها، وفق السكان.

وأصيب عدد غير محدد من السلفيين خلال المواجهات لكنهم لم يتوجهوا إلى المستشفى لتلقي الاسعافات خوفا من تتبعات الأمن. بحسب فرانس برس.

وبدأت المواجهات حوالي منتصف الليل وتواصلت حتى الخامسة والنصف صباحا وسط غياب تام للشرطة ما أثار استياء بالغا في صفوف السكان. وقال مصدر أمني إن الشرطة رفضت التدخل "حتى لا تزداد الامور تعكرا".

وقد حاول سلفيون اختطاف شاب سكران من سكان حي اولاد بالهادي و"إقامة الحد عليه".

وقال شقيق الشاب الذي رفض نشر إن السلفيين رشوا شقيقه بالغاز المشل للحركة ولفوه في بطانية وهموا بنقله إلى مكان خال "لاقامة الحد عليه" إلا أن أحد المارة تفطن إلى العملية وشرع في الصراخ فتركوا الشاب وهربوا، وذكر بان أصدقاء شقيقه "ضربوا في مقهى ثلاثة من السلفيين الذين نفذوا محاولة الاختطاف".

اعتداء على شاعر معروف

كما دانت وزارة الثقافة التونسية في بيان اعتداء سلفيين بالعنف على الشاعر المعروف محمد الصغير أولاد أحمد. وقالت الوزارة ان وزير الثقافة مهدي مبروك "بادر بالاتصال بالمعني بالامر للاطمئنان عليه وشد أزره"، واعتبرت ان الاعتداء "يعد تواصلا للتجاوزات المقترفة في حق المثقفين والمبدعين" في تونس داعية "الجهات (الامنية) المختصة إلى الاضطلاع بدورها في حماية المبدعين ومحاسبة المعتدين لإيقاف هذا النزيف".

وذكرت بأن "حرية الرأي والابداع من مكتسبات الثورة التي لا يمكن المساس بها البتة" وأنها "ستقف دوما في صف المبدعين وحقهم في التعبير عن آرائهم بكل حرية مهما اختلفت هذه الآراء وتباينت". بحسب فرانس برس.

وتعرض الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد (57 عاما) إلى اعتداء على خلفية مشاركته في برنامج بتلفزيون "التونسية" الخاص انتقد فيه المتشددين الدينيين في تونس.

وفي تعليقه على الاعتداء الذي تعرض له كتب على صفحته الشخصية في الفيسبوك "تلقيت نصيبي من الثقافة التي قال راشد الغنوشي (رئيس حركة انهضة الاسلامية الحاكمة) ان السلفيين يبشرون بها".

واضاف "لست اول من تم الاعتداء عليه ولن اكون الاخير. منذ هذه اللحظة لم اعد اعترف باية شرعية ولن ينجو اي مدني أو عسكري، صامت عن مثل هذه الممارسات، من قنابل الشعر وصواعق النثر".

تنامي الجماعات سلفية

ففي 16 آب/أغسطس الجاري، هاجم 200 سلفي مسلحين بالسيوف والهراوات والحجارة مهرجان "نصرة الأقصى" بمدينة بنرزت (شمال) احتجاجا على حضور المعتقل اللبناني السابق في اسرائيل سمير القنطار الذي اتهمهوه بتأييد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ما أسفر عن اصابة اربعة اشخاص بينهم ضابط امن.

ومنع سلفيون في 15 اب/اغسطس فرقة موسيقية ايرانية من تقديم عرض في اختتام المهرجان الدولي للموسيقى الصوفية والروحية بولاية القيروان (وسط غرب) بدعوى ان الفرقة "شيعية".

وفي 14 منه منع سلفيون في منزل بورقيبة بولاية بنزرت (شمال) عرضا مسرحيا للممثل الكوميدي التونسي لطفي العبدلي بذريعة "استهزائه بالدين". بحسب فرانس برس.

وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (مستقلة) حذرت من أن المجموعات السلفية "العنيفة والخارجة عن القانون والفالتة من العقاب تصول لتنشر الرعب وتعنف ماديا ومعنويا النساء والمثقفين والصحافيين والمبدعين والنقابيين والسياسيين ومناضلي حقوق الإنسان".

وقال ان هذه المجموعة "تعتدي على الحرية الاكاديمية وعلى المؤسسات التربوية ودور العبادة ومقرات النقابات والأحزاب السياسية مع ما رافق ذلك من توظيف للدين وتكفير للمواطنين وتخوينهم".

سلفيون يتهمون الداخلية التونسية

من جانب أخر نفى سيف الله بن حسين ، زعيم تنظيم "ملتقى أنصار الشريعة" السلفي الأكثر تشددا في تونس، مسؤولية تنظيمه عن مهاجمة السفارة والمدرسة الأميركيتين بالعاصمة تونس، متهما وزارة الداخلية التونسية ب"إخلاء" السفارة من الحراس قبل تعرضها للهجوم.

وقتل أربعة أشخاص عندما هاجم مئات من المحسوبين على التيار السلفي، مقر السفارة والمدرسة الأميركيتين بمنطقة ضفاف البحيرة في العاصمة تونس احتجاجا على فيلم مسيء للاسلام انتج في الولايات المتحدة.

وقال بن حسين المعروف في تونس باسم "أبو عياض" في خطبة ألقاها بجامع الفتح وسط العاصمة تونس "لماذا وقع إخلاء السفارة فجأة (...) من الحراسة التي كانت مضروبة عليها؟ إنها لعبة سياسية من أجل أن يقع ما وقع".

وأضاف مخاطبا وزير الداخلية علي العريض، القيادي في حركة النهضة الاسلامية الحاكمة، "كثير من الصحف (التونسية) أثبتت أن هناك مندسين (بين المحتجين الذين تظاهروا أمام السفارة الاميركية قبل اقتحامها) فلماذا لا تتعاملون مع ما يقوله الاعلام؟".

واتهم أبو عياض الحكومة و"الأحزاب المتصارعة على الحكم" ب"الضرب على وتر السلفية والعنف" بهدف "تأجيل الانتخابات" المقررة مبدئيا في آذار/مارس 2013.

وتابع "هناك لعبة سياسية (...) يريدون أن يوجدوا حلا لإشكالية يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر القادم، لكن لن تكون (اللعبة) على أكتافنا". بحسب فرانس برس.

ويفترض أن ينتهي المجلس الوطني التأسيسي المنبثق من انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011، والمكلف صياغة دستور الجمهورية الثانية في تونس، الانتهاء من صياغة الدستور في التاريخ المذكور. لكن احترام هذا التاريخ بات مستبعدا بسبب تباطؤ المجلس في عمله.

وقال أبو عياض مخاطبا أنصاره وأغلبهم شبان ملتحون يرتدون زيا افغانيا "لا تنجروا وراء الاستفزاز، لا تكونوا طعما في أيدي المتلاعبين بالسياسية واللاهثين وراء كرسي الحكم".

وتابع "ندعو جميع العقلاء في هذه البلاد أن يقفوا وقفة رجل واحد ضد كل ما يخططه أعداء هذا الشعب، نحن لن نكون طرفا في المعركة ولن ندخل هذه المعركة، إخواني كونوا على حذر، إياكم من الانجرار وراء ما يخطط لكم، يريدون أن تكونوا أنتم كبش فداء، لا تعطوهم الفرصة".

وطوقت وحدات خاصة من الأمن التونسي جامع الفتح والمنافذ المؤدية إليه لنحو ساعتين لاعتقال أبو عياض، لكن الأخير تحصن مع أنصاره داخل المسجد ورفض الخروج قبل أن يهرب بعد انسحاب الشرطة من المكان لاسباب غير معلومة.

قيادي في تنظيم سلفي متشدد

على صعيد أخر تحصن قيادي في تنظيم سلفي متشدد يشتبه في أن لديه ارتباطات بتنظيم القاعدة، بمقر اذاعة تونسية خاصة، استدعته للمشاركة في أحد برامجها، هربا من الشرطة التي حاولت اعتقاله للاشتباه في ضلوع تنظيمه في هجوم استهدف والمدرسة الأميركيتين بالعاصمة تونس وأسفر عن مقتل اربعة أشخاص وإصابة العشرات، وذلك احتجاجا على عرض فيلم مسيء للاسلام أنتج في الولايات المتحدة.

وشارك حسن بريك، مسؤول "مكتب الدعوة" في تنظيم "أنصار الشريعة" السلفي الجهادي، في برنامج "حديث تونس" بإذاعة "شمس إف إم" التي أعلنت أن سيارات شرطة "انتشرت" بمرآب الإذاعة "بعد لحظات" من وصول القيادي السلفي إلى مقرها وبقيت تنتظر خروجه.

وتقول وسائل اعلام ان حسن بريك هو الرجل الثاني في تنظيم أنصار الشريعة التي يتزعمه سيف الله بن حسين المعروف باسم "أبو عياض" الهارب من الشرطة منذ استهداف السفارة والمدرسة الأميركيتين.

وهذه أول مرة يتنقل فيها حسن بريك إلى مقر إذاعة في تونس للمشاركة في برنامج. وقد سبق له الظهور مرة وحيدة قبل عدة أشهر في تلفزيون خاص. وقالت الاذاعة ان حسن بريك "تمكن من مغادرة مقرها بعد اتصاله بمحاميه حيث حضر خمسة محامين وتمكنوا من اقناع قوات الامن بان ما يفعلونه غير قانوني".

وتناقلت مواقع الكترونية تونسية أنباء غير مؤكدة عن اعتقال القيادي السلفي بعد خروجه من اذاعة شمس إف إم التي نفت صحة هذه المعلومات. ولم يتسن على الفور الحصول على توضيحات حول الموضوع من وزارة الداخلية.

الاصوليون يشكلون خطرا

الى ذلك اعلن رئيس حزب النهضة الاسلامي راشد الغنوشي في مقابلة مع وكالة فرانس برس ان السلفيين الجهاديين يشكلون "خطرا" على تونس وانه يجب على الدولة التونسية ان تعتمد الحزم بعد الهجوم على السفارة الاميركية، وقال "في كل مرة تتجاوز فيها احزاب او مجموعات بطريقة واضحة الحرية، يجب اعتماد الحزم والاصرار على فرض النظام".

واضاف الغنوشي "هؤلاء الناس يشكلون خطرا ليس فقط على النهضة وانما على الحريات العامة في البلاد وعلى امنها، ولذلك نواجه جميعنا هذه المجموعات لكن بطرق تحترم القانون".

ومن جانب اخر، رفض الغنوشي الاتهامات الموجهة الى الحكومة التونسية بالتراخي لانها لم تعتقل قائدا جهاديا يدعى ابو عياض يشتبه في انه يقف وراء الهجوم في 14 ايلول/سبتمبر على سفارة الولايات المتحدة ومدرسة اميركية، كما دعا راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس، الى "تشديد القبضة" الامنية و"التصدي بالوسائل القانونية" لمجموعات محسوبة على التيار السلفي الجهادي

وقال الغنوشي ان "هؤلاء لا يمثلون خطرا على النهضة فقط بل على الحريات العامة في البلاد وعلى امنها لذلك ينبغي للجميع التصدي لهم بالوسائل القانونية (...) وتشديد القبضة والالحاح على النظام لانه وقع اخلاله ووقع استخدام سيء للحرية من طرف مجموعات لا تؤمن بالحرية".

واكد ان "تونس تعيش مرحلة من مراحل الانتقال الديموقراطي الذي هو ليس مسارا صاعدا باستمرار يصعد احيانا وينزل احيانا والمهم كيف نوفق بين ضرورات الحرية وضرورات النظام"، معتبرا انه "يوم الجمعة (الفائت) تم تجاوز ضرورات الحرية".

وتوقع ان "يستفيد حراس الثورة (التي اطاحت الرئيس زين العابدين بن علي) من هذا الحدث (مهاجمة السفارة الاميركية) من اجل سد هذه الثغرة التي تسرب منها هؤلاء وأخذ الدروس المناسبة"، وتابع "ان نعتقل منهم بالجملة بتهمة الانتماء (الى التيار السلفي الجهادي) فذلك غير قانوني. هؤلاء ليسوا فوق القانون والقانون يسري عليهم كما يسري على غيرهم. لسنا في حرب مع افكار او تنظيمات نحن في حرب مع من يتجاوز القانون سواء كان اسلاميا او علمانيا"، واكد الغنوشي ان "حركة النهضة لن تحاكم الناس على افكارهم بل على افعالهم، ولذلك لما تجاوزوا القانون في بئر علي بن خليفة، لم تقف الحكومة تقف مكتوفة الايدي فضربت وقتلت منهم اثنين واعتقلت آخرين ما زالوا الى الان معتقلين". بحسب فرانس برس.

وقال راشد الغنوشي ان المجموعات السلفية المتورطة في مهاجمة السفارة الاميركية "ليست منتوجا نهضويا (لحركة النهضة) بل منتوج بن علي، اعطتهم النهضة الحرية كما اعطتها لغيرهم وهؤلاء سواء في عهد حكومة النهضة او الحكومات السابقة ارتكبوا تجاوزات للحرية".

واشار الى ان هذه المجموعات "استفادت من الثورة التي اطلقت سراحهم فاستفادوا من الحرية لكنهم تجاوزوا حدود القانون، ووجهوا ضربة مؤلمة للثورة واعطوا رسالة تقول ان الثورة معناها فوضى وعنف واعتداء على الدبلوماسيين".

وحول ما اعتبره مراقبون "تراخيا" من الشرطة التونسية في اعتقال ابو عياض زعيم تيار السلفية الجهادية في تونس والمتهم بالضلوع في مهاجمة السفارة الاميركية، قال الغنوشي ان "اسامة بن لادن ظل عدة سنوات طليقا والمخابرات الدولية تبحث عنه. ليس عجبا ان يختفي احد (ابو عياض) والبوليس يلاحقه لكن سيظل يلاحقه حتى يقبض عليه".

وبشأن الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها الصحيفة الفرنسية الاسبوعية شارلي ايبدو، قال الغنوشي "لم ندع الى النزول الى الشارع (للاحتجاج) لكن عبرنا عن سخطنا على الرسومات التي تنال من معتقدات المسلمين وتحض على الكراهية والحرب".

واضاف "نحن دعونا المسلمين الى الا يقع استدراجهم الى هذا الفخ وان يدافعوا عن قرآنهم ونبيهم بالوسائل الايجابية وان يكتبوا روايات ويؤلفوا اغاني وينتجوا افلاما واعمالا فنية تظهر الحضارة الاسلامية في ثوب جميل بدل الصراخ وارتكاب اعمال عنيفة، فهذا لا يخدم الاسلام بل اعداء الاسلام"، ودعا راشد الغنوشي الى "حوار في الامم المتحدة لايجاد حل للاعتداء على المقدسات والتوفيق بين حرية التعبير وحرية الاخرين في عدم المس من معتقداتهم"، متوقعا ان "يفضي الحوار الى سن قانون يضمن التوفيق بين حرية التعبير وحماية المقدسات".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/أيلول/2012 - 8/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م