صدام حضارات... غريزة الغرب في استهداف المقدس

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تشير معطيات الفورة الاسلامية المتصاعدة ازاء انتاج الفيلم المسيء للإسلام الى الكثير من الدلائل المادية والحسية حول الصراع الحضاري القائم بين الشرق والغرب، الى جانب فشل طرفي الصدام الحضاري في تقبل احدهما الآخر، ثقافيا او اجتماعيا، بالرغم من المتغيرات الجيوسياسية التي كان للغرب اليد الطولى في نجاحها في العديد من بلدان الشرق المتوسط والعالم العربي.

فالمترقب والمتابع للإحداث التي سبقت انتاج الفيلم المسيء للإسلام يجد ان من حدث كان تداعيات طبيعية لتنامي ظاهرة التنافر المتصاعدة بين سكان شمال الارض وجنوبها، بمختلف مشاربهم ومعتقداتهم الفكرية والثقافية، افرزته مشاعر الاغتراب التي باتت سمات تشترك فيها الكثير من المجتمعات المتعددة الاطياف، سيما بعد تنامي مظاهر التشدد والغلو الديني والثقافي لدى شرائح وطبقات ذات تأثير واسع.

ويلعب الدين مفصلا محوريا في الصراع القائم بين الحضارتين، ويمثل عاملا اساسيا في طبيعة الاختلاف القائم، ونقطة خلاف بارزة في اشكاليات الاستهداف المتبادل بين المختلفين، نظرا لحراجة وحساسية الشرق حول "المقدس" الذي تخلى عنه الغرب منذ عدة عقود.

فيما كان لتهاوي الانظمة الديكتاتورية في العالم العربي اثرا جليا في الكشف عن طبيعة الصراع القائم بين الحضارة الشرقية ذات الطابع المحافظ والحضارة الغربية الساعية الى فرض نفسها على الآخرين، حيث بدت ردة فعل المجتمعات الشرقية عنيفة جدا على محاولات الغرب الغريزية لاستهدافها فكريا وعقائديا، وستكون لها اسقاطات ثقافية لا تقل تطرفا عن طبيعة من بادر الى الصدام في المستقبل القريب.

ازدراء الأديان

أشارت مؤسسة إسلامية رائدة إلى انها ستقوم بإحياء محاولات تهدف منذ أمد بعيد إلى جعل إزدراء الأديان جريمة جنائية دولية. ويأتي هذا المسعى بعد موجات غضب في أنحاء العالم الإسلامي بسبب مقطع فيديو على الإنترنت تم تصويره في الولايات المتحدة ورسوم كاريكاتير ساخرة في مجلة فرنسية تسخر من النبي محمد.

لكن من غير المحتمل فيما يبدو أن تلقى المحاولة قبولا لدى الدول الغربية التي تصر على مقاومة فرض قيود على حرية التعبير والقلقة بالفعل من الأثر القمعي لقوانين ازدراء الأديان في الدول الإسلامية مثل باكستان.

وقال أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي انه يجب على المجتمع الدولي "الخروج من مخبئه خلف ذريعة حرية التعبير" في إشارة إلى الحجج الغربية الرافضة لقانون عالمي لتجريم ازدراء الأديان تسعى اليه منظمة التعاون الإسلامي منذ أكثر من عشر سنوات. وقال إن "الإساءة المتعمدة والمدفوعة والممنهجة في استخدام هذه الحرية" تشكل خطرا على الأمن والاستقرار العالميين. بحسب رويترز.

وعلى صعيد منفصل قالت لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 عضوا ومقرها المملكة العربية السعودية إنه يجب وضع حد "للتعصب المتنامي ضد المسلمين" ودعت إلى "وضع مدونة قواعد سلوك دولية لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لعدم إجازة نشر المواد التحريضية."

وتقول الدول الغربية منذ فترة طويلة إن هذه التدابير ستتعارض مع إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأساسية بشأن حرية التعبير وقد تفتح الباب حتى أمام فرض قيود على البحث العلمي.

ولتسليط الضوء على تلك النقطة حث مؤتمر في جنيف لمجلس الكنائس العالمي الذي يضم كبرى كنائس العالم البروتستانتية والأرثوذكسية والإنجيلية باكستان على إلغاء قانون ازدراء الأديان الذي يجيز تطبيق عقوبة الإعدام.

ويقول منتقدون إن القانون يساء استخدامه على نطاق واسع لاضطهاد غير المسلمين واستشهدوا بقضية رجل دين مسلم اعتقل هذا الشهر للاشتباه في تلفيق أدلة تشير إلى أن فتاة عمرها 14 عاما قد أحرقت نصوصا دينية إسلامية.

وكانت مؤسسة الامام الشيرازي العالمية قد ادانت بشدة جريمة المساس بنبي الرحمة رسول الله الاعظم محمد صلى الله عليه واله، والذي تجسد بإنتاج فيلم سعى من يقف وراءه الى النيل من الاسلام والمسلمين بهذا المستوى الضحل، الذي عكس بشكل جلي مدى الانحطاط الفكري والثقافي لدى من موَل وانتج العمل الدنيء بهذا الشكل.

ولفتت المؤسسة الى ان هذه الاعتداءات سبق وان وقعت في عدة دول غربية ولم تبادر حكوماتها (بحجة حرية التعبير) الى سن قوانين يحد من هذه الانتهاكات التي تخالف جملة وتفصيلا مبادئ حقوق الانسان، على الرغم من كونها اعمال عنف معنوي ونفسي لا تقل ضررا عن الاعتداءات المادية التي تقع.

وطالبت المؤسسة التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، هيئة الامم المتحدة بالمبادرة الى سن قوانين تجرم المساس بالمعتقدات والاديان السماوية، خصوصا الاسلامية منها على غرار بعض القوانين المقرة التي تجرم السلوكيات العنصرية سواء مادية كانت ام معنوية، نظرا للأهمية البالغة لهذا الامر. مؤكدة على الاستمرار بمثل هذه التجاوزات غير الاخلاقية من شأنه ان يعكر الاجواء ويولد العداء بين المسلمين والغرب مما يؤدي الى مالا يحمد عقباه.

مجلس الكنائس العالمي

وفي الوقت الذي دفع فيه فيلم يسيء الى الاسلام زعماء مسلمين في كثير من الدول إلى الدعوة إلى اعتماد قانون عالمي يحظر الاساءة الى الاديان قال مجلس الكنائس العالمي إن قانونا مماثلا في باكستان يستخدم في اضطهاد الأديان الأخرى.

وقال المجلس الذي يربط بين الكنائس البروتستانتية والأرثوذكسية والإنجيلية أن سوء استخدام القانون الباكستاني يسبب "حالة من الخوف والهلع" بين ابناء الاقليات المسيحية والهندوسية والأحمدية في باكستان.

وأبلغ ممثلون لهذه الأقليات مؤتمرا بشأن القانون نظمه مجلس الكنائس العالمي بأن من يتهمون بالإساءة للدين يتعرضون لحوادث إعدام خارج إطار القانون على ايدي حشود غاضبة ولسوء المعاملة على نطاق واسع.

وقال محمد تحسين من جماعة ناشطة تدعى شراكة جنوب آسيا إن فتاة مسيحية اعتقلت في الفترة الاخيرة وكانت عرضة لعقوبة الإعدام بسبب اتهامات بحرق مصحف تبين لاحقا أنها زائفة هي مجرد حالة من حالات كثيرة مماثلة.

ورغم ذلك قال ممثلون لمسلمي باكستان في المؤتمر إنه لا ينبغي الإبقاء على هذا القانون فحسب بل واعتماد قانون آخر يغطي العالم بأكمله.

ويتفق موقفهم مع دعوات عدد من كبار رجال الدين المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي الى وضع اتفاقية دولية قابلة للتنفيذ من خلال الأمم المتحدة تجرم الإساءة للأديان والرموز الدينية.

ارتفاع القيود على الأديان في أنحاء العالم

على صعيد متصل أظهرت دراسة جديدة أن القيود القانونية والضغوط الاجتماعية على الأديان ارتفعت إلى حد أن ثلاثة أرباع سكان العالم يعيشون في دول تقيد فيها ممارساتهم للمعتقدات الدينية بطريقة أو بأخرى. وأفادت الدراسة التي أجراها منتدى بيو للدين والحياة العامة بأن القيود المفروضة على الأديان - من حظر سويسري على المآذن إلى هجمات شنها إسلاميون على كنائس - ارتفعت في جميع المناطق الرئيسية في العالم أثناء فترة إجراء الدراسة من منتصف عام 2009 إلى منتصف عام 2010.

وذكرت الدراسة أن المسيحية والإسلام وهما أكبر ديانتين في العالم عانتا من أكثر المضايقات التي تمارسها الحكومات والجماعات أو الأفراد. وكشفت الدراسة عن أن مصر وإندونيسيا وروسيا وميانمار وإيران وفيتنام وباكستان والهند وبنجلاديش ونيجيريا صنفت على أنها الدول التي يوجد بها أكبر قدر من القيود على الأديان سواء من جانب حكوماتها أو مجتمعاتها في منتصف عام 2010 .

وقالت الدراسة التي تتألف من 86 صفحة "انتشرت موجة تصاعدية للقيود المفروضة على الأديان في أنحاء العالم في الفترة بين منتصف عام 2009 ومنتصف عام 2010." بحسب  رويترز.

وارتفعت القيود على ممارسة المعتقدات الدينية حتى في الأمريكتين وافريقيا جنوب الصحراء بعدما كانت تتقلص في السابق. وأوضحت الدراسة انه "نظرا لأن بعض الدول الأكثر تقييدا يقطنها عدد كبير للغاية من السكان فإن ثلاثة أرباع سكان العالم الذي يبلغ عددهم سبعة مليارات نسمة تقريبا يعيشون في دول تفرض فيها الحكومات قيودا كبيرة على الأديان أو ترتفع فيها نسبة العداوات الاجتماعية المرتبطة بالدين مقارنة بسبعين بالمئة منذ عام مضى."

وقال منتدى بيو وهو مركز أبحاث علمية اجتماعية يتخذ من واشنطن مقرا له إن الهدف من الدراسة هو تقديم قياس واضح لحجم القيود في أنحاء العالم ولكنه لم يحاول تقييم القيود أو تحليل أسباب ارتفاعها خلال فترة إجراء الدراسة.

وانتقلت الولايات المتحدة من مستوى منخفض إلى مستوى متوسط للقيود في تلك الفترة حيث منع بعض المسجونين من ممارسة معتقداتهم وزادت القيود المفروضة على إصدار التراخيص لبناء دور العبادة فيما تصاعدت الهجمات المرتبطة بالعقائد.

وأشارت الدراسة إلى أن هناك "ارتفاعا في الهجمات الإرهابية المرتبطة بالدين" بما في ذلك مقتل 13 شخصا في قاعدة فورت هود بولاية تكساس ومحاولة التفجير التي اشتهرت باسم "قنبلة الملابس الداخلية" عام 2009 والمحاولة الفاشلة لتفجير ميدان تايمز سكوير في نيويورك في العام التالي.

وربطت الدراسة بين القيود الحكومية على ممارسة عقائد معينة والعداء الاجتماعي تجاه تلك العقائد خاصة عندما تفضل السياسات الرسمية أحد الأديان على آخر.

وأضافت "بلغت العداوات الاجتماعية المرتبطة بالدين أدنى مستوى لها بين الدول التي لا تتحرش فيها الحكومات بالجماعات الدينية أو ترهبها وتحمي فيها السياسات والقوانين الوطنية حرية الديانة."

وذكرت الدراسة أن المسيحيين تعرضوا للتحرش من جانب الحكومات والقوى الاجتماعية في 111 دولة حول العالم في عام 2010 بينما تعرض المسلمين لأعمال التحرش في 90 دولة واليهود في 68 دولة. ووردت تقارير حول التحرش ضد الهندوس في 16 دولة وضد البوذيين في 15 دولة.

ايران: سنلاحق صناع الفيلم

في حين قالت وسائل إعلام إيرانية إن نائب الرئيس الإيراني أكد أن الحكومة "ستلاحق" صناع فيلم يسخر من النبي محمد. وقالت وكالة مهر للأنباء نقلا عن محمد رضا رحيمي النائب الأول للرئيس الإيراني "تدين حكومة جمهورية ايران الإسلامية... هذا العمل غير اللائق والمسيء." وأضاف أن الحكومة "ستبحث قطعا عن هذا الشخص الآثم وتقتفي أثره وتلاحقه... هذا الشخص الذي أهان 1.5 مليار مسلم في العالم."

وطالب مسؤولون إيرانيون الولايات المتحدة بالاعتذار للمسلمين عن الفيلم وقالوا إنه يجيء ضمن سلسلة من الإهانات الغربية لرموز إسلامية.

ولم يذكر رحيمي تفاصيل حول كيفية ملاحقة إيران لصناع الفيلم في تصريحاته التي قالت وكالة الطلبة للأنباء إنه أدلى بها خلال اجتماع حكومي.

فتوى قتل فريق الفيلم

من جهته اصدر امام سلفي مصري فتوى بقتل جميع المشاركين في الفيلم المسيء للاسلام في بيان نشر على مواقع جهادية. واصدر الشيخ احمد فؤاد عشوش "فتوى بوجوب قتل المخرج والمنتج وممثلي الفيلم المسيء" وجاء في نص الفتوى "ها انا ذا افتي بقتل كل من شارك في صناعة هذا الفيلم، وأن دماؤهم هدر، المنتج والمخرج والممثلين".

وقال الشيخ في البيان ان "قتلهم واجب على كل من قدر عليه من المسلمين، وان قتل هؤلاء المذكورين هو حكم الاسلام القطعي المجمع عليهم فيهم وفي امثالهم". وتابع "اولئك الاوغاد الذين قاموا على صناعة الفيلم .. انما هم كفار محاربون لله ورسوله ولا ذمة لهم ولا أمان لهم ولا شبهة أمان، فقتلهم واجب حتما، يجب على جميع المسلمين القيام في ذلك". واضاف متوجها الى "شباب المسلمين" ان "حكم من سب النبي ان اهانه هو القتل وعلى هذا اجمع علماء الامة من لدن الصحابة الى يومنا هذا".

واكد "انا افتي وادعو شباب المسلمين في أمريكا وأوروبا للقيام بهذا الواجب الحتمي الا وهو قتل المخرج والمنتج والممثلين وكل من اعان وروج لهذا الفيلم، فكل هؤلاء كفار محاربون لله ورسوله يجب قتلهم ودماؤهم هدر".

سلمان رشدي

في سياق متصل قال الكاتب البريطاني سلمان رشدي في مقابلة صحفية ان شيئا ما خاطئا حدث في صميم الاسلام. واضاف رشدي لصحيفة (لوموند) الفرنسية ان السنوات التسع التي عاشها مختبئا خوفا من فتوى باهدار دمه أصدرها المرشد الأعلى الراحل للثورة الايرانية آية الله الخميني عام 1989 اجبرته على الاهتمام بشدة بما اسماه التطرف في العالم الاسلامي.

وقال "شيء ما خطأ حدث في صميم الاسلام. انه امر حديث تماما. اتذكر حينما كنت صغيرا كانت العديد من المدن في العالم الاسلامي ذات طابع عالمي وحافلة بالتنوع الثقافي." واضاف "بالنسبة لي.. انها مأساة ان تنحسر هذه الثقافة الى هذه الدرجة كأن يضر الإنسان نفسه بنفسه. الاسلام الذي نشأت في كنفه كان منفتحا ومتأثرا بالصوفية والهندوسية ولم يكن مثل هذا الذي ينتشر سريعا الان."

وكانت الفتوى التي صدرت ردا على روايته (آيات شيطانية) عام 1988 قد جعلت اسم رشدي مرادفا للصراع بين حرية التعبير والحاجة لاحترام الحساسيات الدينية. ونشرت مذكراته عن السنوات التسع التي عاشها مختبئا بعد الفتوى.

وأُجريت المقابلة يوم 12 سبتمبر ايلول في الوقت الذي أشعل فيه الفيلم المسيء للنبي محمد (ص) احتجاجات عنيفة في انحاء العالم الاسلامي. وقال رشدي لصحيفة لوموند "هناك حد لا تستطيع بعده القاء اللوم على الغرب." واضاف "لقد ذكرت ذلك.. اذا كان هناك ادنى مؤشر على ان المجتمع الاسلامي قادر على تحقيق ديمقراطية منفتحة فسوف اغير رأيي."

واعلنت مؤسسة دينية ايرانية هذا الاسبوع عن زيادة المكافأة المخصصة لقتل رشدي ردا على الفيلم المسيء للنبي محمد.

محكمة مصرية تسجن مسيحيا

من جانب آخر عاقبت محكمة مصرية مسيحيا بالسجن ست سنوات بعدما أدانته بازدراء الإسلام وإهانة الرئيس محمد مرسي في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. واستأنف محام عن المدان بيشوي كميل كامل الذي يعمل مدرسا الحكم وتحددت جلسة يوم 27 سبتمبر أيلول الحالي لنظر الاستئناف.

واصطحبت الشرطة كامل إلى خارج مجمع المحاكم بمدينة سوهاج التي تبعد نحو 450 كيلومترا جنوبي القاهرة من باب خلفي بعد الحكم الذي أصدرته محكمة الجنح بالمدينة خوفا من متظاهرين سلفيين تجمعوا في المحكمة اعتراضا على الحكم الذي اعتبروه غير مناسب.

وكانت مظاهرات نظمها سلفيون ضد كامل (33 عاما) أجبرت السلطات على نقل المحاكمة من مدينة طما إلى مدينة طنطا ثم إلى مدينة سوهاج عاصمة محافظة سوهاج.

وكان دفاع المتهم قال إن حساب كامل على موقع فيسبوك سرق وإن شخصا أو اشخاصا آخرين نشروا رسوما مسيئة للنبي محمد وسبابا ضده وسبابا ضد مرسي. لكن شهودا قالوا إن الكنيسة القبطية في مدينة طما حذرت كامل من عواقب سب مسلمين. وقالت المحكمة إنهت عاقبت كامل بالسجن ثلاث سنوات وسنتين أخريين بعدما أدانته بإهانة مرسي وسنة سادسة لإهانته مقيم الدعوى.

والعلاقات بين المسلمين والأقلية المسيحية طبيعية بشكل عام لكن تنشب أحيانا نزاعات ويتحول بعضها للعنف لأسباب مرتبطة ببناء أو صيانة كنائس وتغيير الديانة وعلاقات بين رجال ونساء من الجانبين.

فرنسا وحرية الصحافة

الى ذلك وبعد نشر مجلة ساخرة رسوما كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد (ص) اندلع جدل بين الفرنسيين الذين يترددون بين الدفاع عن حرية التعبير وادانة "المغالاة"، في ظرف يشهد اعمال عنف في العالم بسبب فيلم مسيء للاسلام انتج في الولايات المتحدة.

وفور نشر عدد مجلة "شارلي ايبدو" جاء رد الفعل فوريا فاتخذت تدابير امنية ووجهت دعوات الى الهدوء. وتخوفا من حصول تجاوزات فيما ادى فيلم "براءة المسلمين الى تظاهرات دامية في العالم، قررت فرنسا اغلاق السفارات والمداراس الجمعة في نحو عشرين بلدا كما حظرت التظاهر السبت في باريس ضد البعثة الاميركية.

واعلن امام المسجد الكبير في باريس دليل بوبكر من جهته انه سيتم بعد صلاة الجمعة "قراءة رسالة" سلام في المساجد. فيما ناشد المجلس الفرنسي للدين الاسلامي "الى عدم الرضوخ للاستفزاز".

وفي الشارع بيع عدد شارلي ايبدو الذي نشر عشرة رسوم كاريكاتورية باعداد كبيرة في بعض الاكشاك فيما مزق في اخرى، ما يدل على جدل محموم يشغل الفرنسيين حول موضوع حرية الصحافة او التحلي بالمسؤولية.

وتكرر الحكومة الاشتراكية ان حرية التعبير "حق اساسي" (مانويل فالز وزير الداخلية) مع اعتراضها على "اي مغالاة" (رئيس الوزراء جان مارك ايرولت) و"اي استفزاز" (وزير الخارجية لوران فابيوس).

ولفتت صحيفة "ريبوبليك دي بيرينيه" في مقالها الافتتاحي الى وضع "مربك" يشمل المجتمع باكمله في بلد متمسك بحرية الصحافة (المكتسبة في 1881) ولكنه يغالي كذلك، كما كتبت "لا نوفيل ريبوبليك دو سانتر" وهي صحيفة اقليمية اخرى.

وفي اليمين دافع رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون عن "حرية التعبير" معتبرا "انه لا يجب التراجع قيد انملة في هذا المجال"، بينما نددت الوزيرة السابقة في حكومته راما ياد بنشر الرسوم معتبرة انها "بهدف الاستفزاز".

والجدل نفسه عم على الشبكات الاجتماعية. وكتب احد المتصفحين "اكره شارلي ايبدو لكني اناضل من اجل حرية التعبير. هذه هي الجمهورية الديمقراطية". ورد اخر "هذه هي حرية التعبير، شارلي ايبدو، انك اخترعت حرية ان تكون مغفلا".

وفي فرنسا حيث يعود فصل الدين عن الدولة الى 1905 ذكر الخبراء بان مقاومة الاكليروس وموهبة الكاريكاتور قائمتان منذ اكثر من قرن. وقال مؤرخ الصحافة في جامعة السوربون باتريك ايفينو "يمكن التجديف بحق جميع الديانات. وفي الظرف الحالي تقوم شارلي ايبدو بالاستفزاز لكن دورها يقضي بان تقول ان من حقها في دولة علمانية وجمهورية ان تسخر من كل المقدسات".

وقال مدير المجلة الرسام ستيفان شاربونييه الشهير ب"شارب" "ان بدأنا بالقول يجب تأجيل او عدم نشر رسوم لان هناك 250 مهووسا يتظاهرون امام سفارة الولايات المتحدة، هذا يعني انهم هم الذين يفرضون القانون في فرنسا". ولفت الباحث السياسي فيليب برو الى "ان حرية التعبير تلقى حدودها في العنف الرمزي الذي تتسبب به للاخر".

وكان نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد من قبل صحيفة دانماركية في 2005 ادى الى موجة من الغضب الدامي في العالم الاسلامي وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2011 نشرت المجلة عددا خاصا بعنوان "شريعة ايبدو" اعلنت فيه النبي محمد "رئيس تحريرها"، ما اثار موجة احتجاجات واحرقت مكاتبها وتعرض موقعها على الانترنت الى القرصنة. وفي مقال افتتاحي تناولت صحيفة لوموند موضوع تحت عنوان "الاصولية: هل يتوجب صب الزيت على النار؟".

وانتقد زعماء مسلمون رسوما للنبي محمد باعتبارها إساءة جديدة من الغرب لدينهم وحثوا الحكومة الفرنسية على اتخاذ إجراء حازم ضدها. وقال عصام العريان القائم باعمال رئيس حزب الحرية والعدالة بمصر "نرفض وندين الرسوم الفرنسية المسيئة للرسول وندين أي عمل يسيء للمقدسات وفقا لمعتقدات الناس."

وقال العريان إن على القضاء الفرنسي التعامل مع القضية بحزم مثلما تعامل مع المجلة التي نشرت صورا لكاثرين ميدلتون دوقة كيمبردج البريطانية زوجة الامير وليام عارية الصدر.

وأضاف "لو كانت قضية كيت (الدوقة) مسألة خصوصية فإن الرسوم إساءة لشعب بالكامل. يجب احترام معتقدات الآخرين." كما رفض العريان أي رد فعل عنيف من جانب المسلمين لكنه قال إن الاحتجاجات السلمية مبررة.

ورحب محمود غزلان المتحدث باسم جماعة الاخوان المسلمين بانتقاد الحكومة الفرنسية للرسوم لكنه قال إن على القانون الفرنسي أن يتعامل مع الإساءة للإسلام بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع إنكار محارق النازي.

وقال "الحكومة الفرنسية عندها قانون لو أحد شكك في المحرقة يتم سجنه فلو أحد سب الصحابة او النبي عليه السلام او الإسلام اقصى حاجة تعتذر في كلمتين."

وفي لبنان قال رجل الدين السلفي البارز الشيخ نبيل رحيم إن هذا سيزيد من غضب الناس ويزيد من التوتر الكبير بدرجة خطيرة بالفعل.  واتهم الضالعين في هذا بمحاولة إثارة صدام بين الحضارات وليس حوارا.

وقال إن القادة المسلمين سيحاولن السيطرة على الامور والحفاظ على الهدوء لكن هذه الامور يمكن أن تخرج عن السيطرة بسهولة مشيرا الى أنه يخشى من تزايد استهداف الأجانب معبرا عن أمله في الا تستمر هذه الاستفزازات.

وقال مسؤول بالكنيسة القبطية الارثوذكسية في مصر إن هذ استفزاز متعمد. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه أن "بعض القوى العالمية" تريد تصعيد العنف في مصر حتى لا تتطور البلاد اقتصاديا.

المانيا ترفض السماح لجونز بدخول اراضيها

من جانبها اعلنت وزارة الداخلية الالمانية انها منعت القس الاميركي المتطرف تيري جونز المعروف بكرهه الشديد للاسلام من دخول اراضيها بدعوة من مجموعة يمينية متطرفة تريد دعم بث فيلم "براءة المسلمين" المسيء للاسلام الذي اثار موجة احتجاجات واسعة في العالم الاسلامي.

وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية ان مجيء القس جونز الذي سبق واحرق نسخة من القرآن في نيسان/ابريل 2011 "يتعارض مع الحفاظ على النظام العام" في المانيا. ويأتي قرار منع تيري جونز من دخول المانيا اثر اعلان مجموعة يمينية متطرفة تعرف باسم "برو دوتشلند" عزمها على بث فيلم "براءة المسلمين" بنسخته الكاملة في برلين.

كما اوضحت وزارة الداخلية الالمانية ان منع القس جونز من دخول المانيا جاء بناء على طلب من وزير الخارجية غيدو فيسترفيلي، كما كتبت مجلة در شبيغل. وقال مصدر مقرب من وزير الخارجية الالماني حسب ما نقلت عنه در شبيغل ان "داعية الحقد هذا (وهو تعبير يستخدم في المانيا عادة للدلالة على الائمة السلفيين المتطرفين) لا مكان له في المانيا".

كما ينوي وزير الداخلية الالماني هانس بيتر فريدريتش منع "برو دوتشلند" من بث النسخة الكاملة من الفيلم. وقال "ان هذه المنظمات والمجموعات لا تبغي من ذلك سوى استفزاز المسلمين في المانيا وصب الزيت على النار". واكد الوزير الالماني انه سيستخدم "كل الوسائل القانونية" لمنعهم من بث الفيلم.

وكان الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الاركان الامريكية المشتركة هاتفيا قد اتصل براعي كنيسة في فلوريدا وطلب منه سحب تأييده لفليم يسيء الي النبي محمد اثار احتجاجات عنيفة بما في ذلك احتجاج انتهي بمقتل سفير الولايات المتحدة لدى ليبيا.

ويخشى مسؤولون عسكريون امريكيون ان الفيلم قد يذكي التوترات في افغانستان حيث يقاتل 74 ألف جندي امريكي. ودعت حركة طالبان الافغان اليوم الي الاستعداد لقتال الامريكيين وحثت مقاتليها على "الانتقام" من الجنود الامريكيين بسبب الفيلم.

وقال القس تيري جونز ان الجنرال ديمبسي "أبلغني انه شاهد الفيلم وأن الفيلم إباحي ... وسيء جدا جدا. وطلب مني ألا أدعمه." وقال جونز انه وافق على "إعادة تقييم" خططه لعرض الفيلم. واضاف قائلا "إذا كان الفيلم إباحيا فعلا.. عندئذ فانني بالطبع كراع مسيحي لا يمكنني ان ادعم ذلك النوع من الافلام ولا استطيع ان اعرضه." ورفض مكتب ديمبسي التعقيب على رواية جونز لما دار في المحادثة الهاتفية.

وقال مسؤول امريكي للصحفيين في وقت لاحق ان جونز "لم يلزم نفسه بشيء" اثناء الاتصال الهاتفي. وشجع جونز -الذي يرأس كنيسة صغيرة في وسط فلوريدا- أحداثا لحرق المصحف اثارت غضبا شديدا بين المسلمين في العالم وتحذيرات من إدارة اوباما بأن مثل هذه الاعمال لا تساعد سوى الجماعات الارهابية مثل القاعدة. واثارت خطط جونز لحرق المصحف احداث شغب دموية في افغانستان في 2010 .

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/أيلول/2012 - 7/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م