في ذكرى مذبحة!

مهند السماوي

من اصعب اللحظات التي تمر بذاكرة الانسان، هي عندما يتذكر المآسي البشرية التي لا حصر لها والتي هي من عمل يديه!... ومن بينها بالطبع المذابح الجماعية التي ترتكب فيها جرائم الابادة وتحت مختلف المبررات الهزلية المبكية!.

ومن بين تلك المذابح التي ارتكبت في عصرنا الحديث وتحت انظار العالم اجمع وبخاصة وجود وسائل اعلامه المتطورة!...هي مذبحة صبرا وشاتيلا في 16/9/1982 والتي قتل فيها حوالي 3 الاف مدني فلسطيني اعزل على يد مليشيات القوات اللبنانية المسيحية اليمينية المتطرفة التابعة آنذاك لحزب الكتائب الفاشي والمتحالفة مع اسرائيل، ردا على مقتل بشير الجميل زعيمها وأحد ابرز قادة الحرب الاهلية اللبنانية في مراحلها الاولى والمتهم الرئيسي في ارتكاب المجازر الوحشية ضد معارضيه والابرياء في آن واحد عندما كان شائعا القتل على الهوية!...

الغريب في الامر ولكنه ليس الجديد في التاريخ البشري! ان ذلك المقتول هو رمز وطني على الاقل من طرف مؤيديه وهم كثر في لبنان، وان غيرهم خونة او دونهم في المستوى وبدون الاهتمام بالفظائع الاجرامية التي اقترفوها او منهج الخيانة السلوكي في التعامل مع اعداء بلدهم والذي برر لهم تلك الاعمال المخزية تحت مبررات فكر شوفيني انعزالي متطرف!.

التغطية والتبرير!

مازالت الغالبية من شعوب العالم العربي تحمل العامل الخارجي كل الفظائع التي ترتكب في داخل حدوده وبأيد محلية وكأن المنفذ لتلك الجرائم بريء او لاعقل له عندما ينفذ بدون ادنى نقاش او مراجعة!... وهي نتيجة طبيعية لفقدان المنهج النقدي الموضوعي الصارم الذي لا يقبل القسمة او التغاضي! والذي حل محله منهجا تبريريا تحت مختلف الدعاوى الفارغة، وتحت ظلال من الجهل والتخلف وسيادة الفكر الموروث المنغلق على ذاته والمحصن من اي مساس وكأنه ناتج من ارادة غير انسانية متحكمة بالواقع السائد!.

ومن تلك المجازر المروعة هي مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا السالفة الذكر والتي يتهم دائما الجانب الاسرائيلي بأنه هو المنفذ حتى اصبحت التغطية محكمة بمرور الزمن بفعل العداء للآخر والذي يبرر الاخطاء الذاتية! حتى اصبح المنفذ الرئيسي وهي المليشيات المسيحية بريئة لكونها تعيش في وطنها وتنتمي لطائفة رئيسية متنفذة وتمارس لعبة السياسة بإتقان، وان الضحايا هم غرباء بلا وطن مما يعني عدم وجود اي خوف من عقاب يمكن ان يطالهم او يكون رادعا لأي عملية اجرامية ممكن ان تحصل في المستقبل تحت اي مبرر زائف!.

نعم... ان الجيش الاسرائيلي بقيادة شارون، كان محاصرا للمخيمات وسمح لمقاتلي المليشيات الفاشية بالدخول لتنفيذ المجزرة، وهي مسؤولية جنائية مباشرة جرى التحقيق في حينها وابعد القادة من العمل الحكومي على اثرها وهي اقصى عقوبة اذا كان الضحايا غير اسرائيليون اثناء النزاعات المسلحة! الا ان الجانب الاخر سواء اللبناني او العربي والدولي ظلوا على جانب الحياد دون التفكير في فتح التحقيق المغلق فضلا عن معاقبة المذنبون الحقيقيون المشاركون في التنفيذ وهي مليشيات القوات اللبنانية! بالرغم من محاولة ايلي حبيقة احد قادة المشاركين في التنفيذ في تحميل شارون المسؤولية والتي قتل على اثرها عام 2002 اثناء رغبته في التوجه للمحكمة الدولية لتبرأة نفسه، الا ان بقية المجرمين ظلوا بعيدين عن متناول يد العدالة العمياء ومن يدري فقد يكون بعضهم متنفذا!.

مازال العالم يهتز لمقتل افراد، ولا يهتز او يتحرك لمقتل الاف بل ملايين من البشر التعساء، والسبب هو في اهمية الانتساب وتقديس القوة وتقديم المصالح الضيقة على من سواها!...

مازال الضمير الانساني غائبا عن الوعي في اعادة العدالة المسلوبة الى طريقها واصبحت تمر الذكرى السنوية وكأن الحدث هو كارثة طبيعية لا دخل للإنسان في خلقها مما يعني تجديد البكاء لا العمل على تحقيق العدالة وبسط سطوتها على الجميع!...

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/أيلول/2012 - 2/ذو القعدة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م