مناقشة أسباب الأزمة الكندية الإيرانية

ياسر الحراق الحسني

يشكل قرار حكومة ستيفن هاربر اليمينية في كندا قطع العلاقات مع إيران مفاجأة تطرح تساؤلات عديدة. قرار يخرج السياسة الخارجية الكندية المعتدلة عن مسارها التقليدي المتميز بإستنفاذ كل وسائل الحوار في العلاقات الخارجية وترك السياسات الراديكالية فقط كحل أخير يستحيل معه إيجاد الحلول البديلة. لكن في المقابل ترى الحكومة ومن يدعم توجهها أن قرارها يتماشى مع تقاليد السياسة الخارجية الكندية ويخدم مصلحة الكنديين كما أنه يلعب دوراً إيجابياً في خدمة السلام العالمي. ما هي إذن الأسباب التي دفعت كندا لقطع العلاقات مع إيران وادراجها ضمن الدول الداعمة للإرهاب؟ ثم هل هذه الأسباب تبرر مثل هذه القرارات؟ ماذا بعد هذا القرار؟

في مناقشة الأسباب

أعطى جوهن بيرد وزير الخارجية الكندي لائحة للأسباب التي دفعت بلاده إلى قطع العلاقات مع ايران أهمها:

حقوق الإنسان

ليست إيران هي الدولة الوحيدة في المنطقة والعالم التي يتم فيها إنتهاك حقوق الإنسان لكي تقوم كندا بقطع علاقاتها الديبلوماسية معها على أساس هذا النوع من المواضيع. فهناك دول مثل السعودية والبحرين وباكستان وحكومات دول الربيع الأعرابي ودول عدة في شرق آسيا وامريكا اللاتينية معروفة لدى المنظمات الدولية بإنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ربما لا تقارن بماهي عليه في إيران، ما يجعلنا في حاجة إلى البحث عن ميزة خاصة لإنتهاك حقوق الإنسان في إيران مقارنة مع باقي الدول جعلت كندا تتخذ قراراً من هذا الحجم. فبالتدقيق في هذه النقطة تجد نفسك أمام قضية إنسانية خلقت ضجةً كبرى في الوسط الحقوقي والإعلامي الكندي في صيف سنة 2004، ألا وهي قضية الكندية من أصل إيراني زهراء كاظمي والتي قامت السلطات الإيرانية بإعتقالها وضربها حتى الموت. كما أن ذات السلطات رفضت تحقيق مستقل ورفضت مطالبة الورثة بإرسال الجثة لتدفن في كندا. وما يجعل المراقب يتحدث عن زهراء كاظمي كضحية هو رفض تسليم الجثة لأهلها ما يبعث الشكوك حول الخوف من نتائج تشريح محتمل، كما أنه -ومن المؤسف- أن تجد ملفات مشابهة منها ما يتعلق بعلماء دين قيل أنهم قتلوا في إيران وتم رفض التشريح وإهمال الوصية في الدفن خارج البلاد كما هو الحال بالنسبة للعلامة محمد الشيرازي الذي أوصى أن يدفن في العراق.

قضية زهراء كاظمي تميز باقي القضايا من نفس النوع في البلدان الأخرى. على سبيل المثال، بعد إعتقال الدكتور أسامة العطار في السعودية في اواخر أكتوبر 2011 أثناء زيارته للبقيع على خلفية التمييز المذهبي الساري المفعول في السعودية، أبدت المملكة تجاوباً سريعاً مع مطالبة كندا بالإفراج عنه، الشيء التي تم خلال ساعات بعد الحادث. في قضية زهراء كاظمي، لم تكتف إيران برفض التعاون في ملفها مع السلطات الكندية، بل قامت بمحاولة إستغلال حادثة قتل الشرطة الكندية للمواطن الإيراني كيوان تابيش الذي هاجم أحد رجال الأمن بآلة حادة في مدينة فانكوفر وهو في حالة سكر صيف 2003، بطريقة انتقائية.

ما يدعو للإستغراب في ملف كيوان تابيش شيئين. أولهما غياب تحرك مماثل لإيران في ملفات مماثلة في حق المواطنين الإيرانيين المعارضين كما هو الحال مثلاً بالنسبة للطالبة الإيرانية جيلرة باقرزاده التي قتلت في مارس 2012 في هيوستون، حيث سجل غياب تحرك ديبلوماسي إيراني عن طريق باكستان الراعي لمصالح إيران في الولايات المتحدة. والشيء الثاني هو غياب الوضوح في مقصد إيران من الضجة الدبلوماسية، بحيث إذا كانت إيران لا تطعن في حقيقة أن مواطنها المقتول كان سكراناً ولا تطعن في اتجاهه نحو الشرطة بآلة حادة، فإن طلبها "العدالة" في هذه القضية لم يكن معقولاً ووجد فيه الكنديون توظيفاً إيرانياً سياسوياً للحادث وتعبيراً عن غياب حسن النية.

فقضية حقوق الإنسان على الرغم من كونها مدعاً للقلق في إيران، فإن كندا أثبتت أنها وعلى الأقل تحت حكومة المحافظين لا تهتم بحقوق الإنسان إلا عندما يكون إنسانها هو المستهدف، وإلا لوكان الإنسان الذي ليس من الرعايا الكنديين يهم مثل هذه الحكومة لكانت ومثيلاتها قطعت العلاقة مع دول مثل البحرين والسعودية. ومع ثبوت العكس، فإن الحكومة اليمينية في كندا لا يمكن أن تقنعنا بأن ملف حقوق الإنسان هومن الدوافع الحقيقية لقطعها العلاقات مع إيران.

عدم حماية الهيئات الديبلوماسية

لعل تذرع الحكومة الكندية بقضية هجوم بعض الفوضويين على السفارة البريطانية في طهران في الماضي تصرف غير ناضج لم نعهده في السياسة الخارجية لكندا. فإذا كانت بريطانيا نفسها لم تقطع العلاقات مع إيران لمثل هذا السبب فإن الإحتجاج به ليس في محله. ومحاولة حديث رئيس الوزراء الكندي عن هذه القضية من جانب إلتزام كندا بإحترام التقاليد الديبلوماسية التي حمل إيران مسؤولية انتهاكها، من خلال ما سجل على ارضها من حوادث لبعثات وهيئات ديبلوماسية أجنبية، هذا الحديث هو كذلك ليس في محله لأن الجهة التي تعنى بالتحرك في مثل هذه القضايا هي الأمم المتحدة. فلا يمكن إختزال تقييم هذه الحوادث والتقرير في الرد عليها في دولة معينة والأمر لا يتعلق لا من قريب ولا من بعيد بهيئتها الديبلوماسية. وهذا الشيء يشبه إلى حد ما قطع المغرب للعلاقات مع ايران من أجل البحرين في قصة انتهت بعودة العلاقات مع البحرين ودخول المغرب مأزق البحث عن الأسباب التي من أجلها قطع علاقاته بإيران بعد قطعها، وتبقى هذه ومثيلتها من النوادر السياسية في العالم.

دعم سوريا ودعم الإرهاب

لعل ربط الخارجية الكندية لدعم إيران لسوريا والإرهاب فيه إشارة ضمنية لدعمها لجماعة حزب الله في لبنان. فكندا حكومة هاربر تريد إيصال رسالة مفادها أن إيران بدعمها لسوريا هي لاعب لا يساعد على نشر الديموقراطية، وبدعمها لحزب الله هي لاعب لا يساعد على الإستقرار ويساهم في نشر الإرهاب. وما يدعو للقلق في هذا يتجلى في أمرين، أولهما ضعف الحجة وثانيهما خطورة الإنعكاسات على مصلحة كندا نفسها داخل المحيط الدولي. الأمر الأول والذي هو الإحتجاج على إيران بدعم سوريا للقول أنها عائق أمام الديموقراطية لا يصمد أمام حقيقة كون سورية أكثر دمقرطة وتنوع ومشاركة من قطر والبحرين والسعودية. وبهذا يمكن لإيران أن تحتج بنفس الطريقة وتكون حجتها أقوى، لأنك لا تجد في سوريا التي تدعمها إيران قطعاً للرؤوس ومنعاً لحرية التدين وتهميشاً للمرأة. فالذي يدعم عشائر نفطية (على تعبير الناشط الأمازيغي أحمد عصيد) تعيش خارج التاريخ لا يملك أن يعيب على من دخل التاريخ ويوجد على خطوات من إستكمال الحداثة؛ هذا دون أن ننسى أن العشائر النفطية لا تعيش حالة حرب تحتل فيها دولة أجنبية جزءًا من اراضيها كي تعطل فيها الديموقراطية إلى حين إستكمال السيادة.

الأمر الثاني المتعلق بالانعكاسات على المصالح الكندية يتمثل في خلق كندا لخصومات جديدة. فإذا قالت كندا هاربر أن إيران تعرقل الديموقراطية بدعم سوريا وهي تعلم أن روسيا والصين دعمتاها فهذا فيه استعداء لهما وإتهام غير مباشر بعرقلة الديموقراطية في العالم، وهذا ما لا تقدم عليه إلا خارجية حزب سياسي فاقد للتجربة يستمتع قدر الإمكان بحلاوة حكم الأغلبية الذي ذاقه لأول مرة منذ تأسيسه بشكله الجديد.

إذا نظرنا إلى العمليات الإرهابية التي تم احباطها في كندا، وتلك التي نفذت فعلاً على الأراضي الأمريكية فإننا لا نجن فيها من ينتمي لإيران أو سورية أو حزب الله. بل إن كل الإرهابيين الذين ضربوا في الدار البيضاء والجزائر وبن غازي ونيويورك وباريس ولندن هم من أتباع الحركة السلفية. فلا تكاد تفهم عن أي إرهاب تتحدث خارجية حزب المحافظين! إنه لمدعاً للقلق أن ترى دولاً في مراتب متقدمة من القرار الدولي تترك جانباً عين الإرهاب والدول التي تقف وراءه والعلماء الذين يدعمونه ويبررون له، ثم تحاول بائسةً إلهاء مواطنيها والعالم بإرهاب وهمي لا يتعدى مع التنزل عنفاً إقليمياً مرتبطاً بمنطقة معينة وبقضية ينقسم حولها المجتمع الدولي.

لكن، لو وضعنا نظارات المواطن الكندي العادي، فإننا نرى مشاهد مصورة في قناة حزب الله (المنار) لبرامج أطفال حيث تسمع من الطفل الصغير كلاماً يقول فيه أنه يحلم أن يكون استشهاديا، وآخر يقول أنه يحلم بقتل اليهود كل اليهود..نعم، انها مشاهد لم نسمع بها لكن رأيناها في ذات القناة وكانت من أسباب منعها من البث في أوروبا وامريكا الشمالية. الإنسان كإنسان، ناهيك عن كونه مسلماً لا يحتاج إلى أن يكون كنديا لفهم القلق الذي ولدته إتجاهات بعض الحركات الإسلامية التي تبقى غير معصومة وقابلة للنقد إلا عند المتطرفين. لكن في المقابل وفي طرف يحجبه البترول عن النظارات الكندية تجد دولاً خليجية معروفة تمول قنوات يفتي فيها صراحة المترفون من المتطرفين بقتل الشيعة. قنوات ارهابية بإمتياز.. فعلى قاعدة المهم والأهم، يبطل توظيف كندا هاربر لموضوع الإرهاب كسبب مهم لقطع علاقاتها بإيران.

ماذا بعد !

الدول المتطلعة إلى وضع جيد على الساحة الدولية والتي تريد تحسين الدور الذي تلعبه يجب عليها الإعتبار من الأزمات، سواء كان ذلك من خلال انخراط الدولة بآلتها التنفيذية أم من خلال فعاليات المجتمع المدني والإعلام بجل أنواعه، وكذلك القرارات الشجاعة لكبار المسؤولين. ففي الجانب الإيراني، تشكل هذه الأزمة فرصةً تطلع من خلالها السلطات العليا - على فرض وجود حجب للحقائق تمارسه بطانة السوء- على أهمية الملف الحقوقي وتأثيره على سمعتها ومصالحها في الأوقات الحرجة. فإيران اليوم هي في حاجة إلى الحسم في موضوع حقوق الإنسان وإن على شاكلة الإنصاف والمصالحة في المغرب في الحد الأدنى، وكذلك فسح المجال لحكم تشاركي وإن على مستوى شورى الفقهاء، ذلك لأنه مهما بذلت إيران من المساعي الحميدة فإن ذلك لا يكتمل مع وجود المظالم فيها.

أما في الجانب الكندي، فإن إقدام خارجية هاربر على معاقبة الكنديين من أصل إيراني بهذه الطريقة ترسل إنذاراً إلى باقي الكنديين بأصولهم المختلفة. فإذا كانت خارجية هاربر تعتبر الشاهرودي هو المسؤول على ملف زهراء كاظمي، فإنه بالإمكان متابعته شخصياً أمام الجهات المختصة أو فرض حظر عليه من دون الأضرار بعدد من الكنديين الإيرانيين والطلبة الإيرانيين والسياح والزوار وغيرهم. كما أن استعداء قوى عظمى مثل روسيا والصين يجب أن يتم التراجع عنه من أجل إحلال السلام الحقيقي الذي لا يتحقق دون إجماع القوى العظمى. فإذا كان تغيير كندا لسياستها أمر محتوم ومسألة وقت وإنتخابات ليس إلا، فهل سيتغير مما ذكرنا في إيران شيء في المستقبل !

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/أيلول/2012 - 28/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م