إيران وحماس... لا تزال قضية دفاع مشترك

 

شبكة النبأ: غلاء في الأسعار ونقص في السلع التموينية وتهديدات من إسرائيل.. لكن زعماء إيران يأملون في رفع المعنويات وإحياء ذكريات أيام اتحد فيها الشعب أمام عدو واحد: صدام حسين. لكن هل بوسع الحكومة أن تحيي تلك المشاعر التي أججت آلة الحرب الضخمة قبل عقود؟ يشبه المسؤولون الإيرانيون الصراع الذي دار مع العراق من عام 1980 إلى عام 1988 وقتل فيه مئات الآلاف من الإيرانيين بالعزلة التي فرضت على بلادهم بسبب برنامجها النووي والتي يحاولون تصويرها على أنها اعتداء لا مبرر له. وقال الزعيم آية الله علي خامنئي في يوليو تموز "حرب صدام معنا لم تكن حربا بيننا وبين نظام بل كانت حربا دولية ضدنا... هذه التحديات ليست بجديدة على الجمهورية الإسلامية."

ويشتبه الغرب بأن إيران تسعى سرا لتطوير قدرتها على إنتاج أسلحة نووية بينما تقول طهران إن نشاطها النووي يستهدف توفير الطاقة وأغراضا طبية وحسب. ولا تزال ذكريات الحرب مع العراق بآلامها وصعوباتها عالقة في أذهان الإيرانيين. فقد لفظ عشرات الآلاف من المدنيين أنفاسهم في قصف للمدن وتطوع صبية للوقوف على الجبهة وقتلوا بأعداد غفيرة. وبعد عقود ما زال آلاف الإيرانيين يعانون الآثار المدمرة لأسلحة صدام الكيماوية.

وبعد الحرب التي أطلق عليها في إيران "الدفاع المقدس" أنشئت النصب التذكارية والجداريات الضخمة التي تصور مشاهد المعارك. وأطلقت أسماء "الشهداء" على محطات المترو والكثير من الشوارع في طهران. ويقول المسؤولون الإيرانيون إن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على قطاعي النفط والبنوك في إيران لإرغامها على وقف نشاطها النووي تكاد تكون "حربا اقتصادية". وأسهمت التهديدات الجديدة التي يرددها زعماء إسرائيل بضرب المواقع النووية في إيران في زيادة الإحساس بالحصار. ويردد بعض الزعماء الإيرانيين مجددا عبارات تشير إلى "حرب مفروضة" كتلك التي ترددت في الثمانينات حينما بدأ الصراع بغزو من جانب العراق.

واسترجع رجل الدين المعروف آية الله أحمد جنتي تضحيات الإيرانيين في فترة شبهها بالفترة الحالية.

ونقلت عنه وكالة فارس للأنباء قوله في خطبة خلال شهر أغسطس آب "أثناء الحرب المفروضة تمت تعبئة الأمة بأكملها. حتى النساء كن يساعدن خلف خطوط الجبهة." وتابع "الأزمة الاقتصادية هي في الواقع حرب يشنها العدو على إيران."

ولأسباب من ضمنها العقوبات الغربية فقدت العملة الإيرانية حوالي نصف قيمتها هذا العام بينما تسبب انخفاض صادرات النفط بنسبة 50 في المئة عنها في العام الماضي في ضياع المليارات. وتقدر الحكومة معدل التضخم بثلاثة وعشرين في المئة لكن التقديرات غير الرسمية تشير إلى ضعف هذا الرقم. وتحث الحكومة شعبها على تبني "اقتصاد المقاومة" دون أن تحدد ما تعنيه بذلك أكثر من الاستعداد لمواجهة أوقات عصيبة. واقترح أحد رجال الدين أن يلبي الإيرانيون احتياجاتهم من البروتين بحساء البيض إن لم يكن بمقدورهم شراء اللحم.

وأعادت صفوف امتدت هذا الصيف للحصول على الدجاج المدعم إلى أذهان الإيرانيين الأكبر سنا سنوات الحرب عندما كان الزبد والسكر من السلع الكمالية وكان الناس يصطفون لساعات لشراء الحليب. وجاء في تغريدة بالفارسية "اعتادوا في الأيام الأولى من الثورة (1979) على منح حتى كوبونات للسجائر... واليوم يقولون تعالوا واحصلوا على الدجاج المدعم. مرحبا بالعهد البائد."

لكن إيران الآن مختلفة كثيرا عن إيران الثمانينات كما أن تحديد العدو وتشويه صورته أصعب بكثير. وقالت نسرين وهي ربة منزل عمرها 43 عاما "خلال الحرب مع العراق كان معظم الناس بمن فيهم أنا يعتقدون أننا مقموعون من القوى الكبرى التي تساعد العراق وتمد صدام بالسلاح." وأضافت نسرين التي كانت تحيك يوما ملابس الجنود الإيرانيين على خط الجبهة "كثير من شبان اليوم غير راضين عن الحكومة ويرون أن السبب في عزلة البلاد يقع على عاتق الحكومة." وقالت "أنظر إلى بناتي اليوم وأفكر كيف أنهن مختلفات عما كنت عليه وأنا في عمرهن. إنهن محبات للسلام يرون أن من الخطأ أن تسوء علاقات إيران ببقية العالم."

وقال مير جويدانفار المحلل بمركز إنتر دسيبلناري في هرتزليا "قاد آية الله الخميني الشعب الإيراني خلال المراحل الأولى من الحرب بعد أن قاده خلال ثورة تاريخية." وأضاف أنه سيكون من الصعب على خامنئي أن يحذو حذوه وبخاصة بعد الاضطرابات الشعبية الواسعة التي أعقبت إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا عام 2009. وقال المحتجون إن الانتخاب الذي أقره خامنئي شابه التزوير.

وقال ستوده وهو مصمم ديكور داخلي عمره 49 عاما "جيل الشباب الإيراني ليس بنفس الحماسة التي كان عليها جيل الشباب في ذلك الوقت... أفاقوا من الوهم إلى حد ما. "يريدون فرص عمل وأمن ومناخا حرا. لم يذوقوا قط الحريات الاجتماعية التي عشناها قبل الثورة.. لكنهم رغم هذا يحبون إيران."

وأثار ارتفاع أسعار السلع الغذائية احتجاجات في بلدة نيسابور بشمال شرق إيران في يوليو تموز الماضي في تعبير نادر عن الاستياء وذلك وفقا لشريط فيديو بث على موقع يوتيوب ولتقارير على مواقع إخبارية إيرانية. وقال كريم سجادبور الخبير الإيراني بمؤسسة كارنجي للسلام الدولي في واشنطن إن الحكومة "ستحاول قطعا تجديد هذا الحديث عن إيران في مواجهة العالم لكن في النهاية يهتم عدد أكبر بكثير من الإيرانيين بسعر الدجاجة أكثر من اهتمامهم باليورانيوم المخصب."

ويقول العديد من الإيرانيين إنهم يعتقدون أن الشعب سيتحد وراء الحكومة إذا ضربت إسرائيل مواقع نووية بإيران وإن كان بدرجة أقل مما كان عليه في الحرب مع العراق. وربما تضمن الهجوم الإسرائيلي ضربات جوية تستهدف مواقع نووية لكن ذلك لن يكون على غرار الغزو الجوي والبري الشامل الذي قامت به القوات العراقية مما قد لا يوفر تلك الصور التي يمكن أن تساعد في تحريك المشاعر القومية.

وقال ستوده "في حالة حدوث هجوم قد لا نرى ذلك العدد الكبير من الشبان الذين يتطوعون للقتال لكنني متأكد أنهم لن يبقوا غير مكترثين." وأضاف "سيتحملون ظروفا أصعب لأنهم يحبون بلدهم." ويقول آخرون إن الإيرانيين اعتادوا الآن على مستويات معيشة مرتفعة نسبيا ولن يتحملوا بسهولة نقص السلع والتقشف. وساعد ارتفاع عائدات النفط خلال العقد الماضي في زيادة الطبقة المتوسطة كما تملأ السلع الكمالية الأجنبية المتاجر الكبرى في المدن الرئيسية. بحسب رويتر.

وقال علي وهو مدير بشركة تأمين كان من المتطوعين للقتال في الثمانينات "الشباب الآن أكثر مادية بكثير ولا يولون الأولية للأفكار التي كانت تهيمن على عقولنا في ذلك الوقت مثل الحفاظ على الحكومة الإسلامية." وأضاف علي البالغ من العمر 53 عاما "لكنني على يقين بأن هؤلاء الشبان سيفاجئون الكل إذا شنت دولة أجنبية هجوما." وقال "ربما كانوا يلهثون وراء أحدث طرازات السيارات وخطوط الموضة والموسيقى لكنهم إذا شعروا أن بلدهم إيران في خطر فسيدافعون عنها بكل ما يملكون."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/أيلول/2012 - 27/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م