ليبيا... ضعف الدولة هل يقودها الى التهاوي؟

شبكة النبأ: يخشى الكثير من ابناء ليبيا ان تتحول بلادهم الى ساحة حرب جديدة بسبب الصراعات القائمة بين بعض الاطراف التي تمكنت من بناء قوة عسكرية خاصة ربما تفوق امكانية الحكومة الضعيفة التي لاتزال في طور التكوين وهو ما شجع بعض المجاميع السلفية المتشددة الى ممارسة اعمالها التخريبية وفرض اردتها بشكل علني بحسب ما يقول بعض المراقبين الذين رجحوا من اتساع رقعة تلك الاعمال بهدف اضعاف هيبة الدولة والحصول على تنازلات مهمة تفيد مصالح الجماعات السلفية المتشددة في ليبيا، وفي هذا الشأن استخدم مهاجمون جرافة لهدم مسجد يضم مقابر صوفيين في وسط العاصمة الليبية في وضح النهار فيما يبدو انه أكثر هجوم طائفي علانية في ليبيا منذ الاطاحة بمعمر القذافي. وأدان مسؤولون بالحكومة هدم مسجد سيدي الشعاب وألقوا بالمسؤولية على جماعة مسلحة قالوا انها تعتبر مقابر واضرحة الشخصيات الصوفية مخالفة للتعاليم الاسلامية. وكان هذا ثاني هدم لموقع صوفي في يومين. وفي وقت سابق قال مسؤول ان اسلاميين سلفيين هدموا أضرحة لصوفيين مستخدمين قنابل وجرافة اخرى واضرموا النار في مكتبة مسجد في مدينة زليتن بغرب ليبيا.

وتجد السلطات الليبية صعوبة في بسط سيطرتها على جماعات مسلحة ترفض تسليم اسلحتها عقب الثورة التي اطاحت بالقذافي لعام الماضي. واستدعى محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني العام المنتخب حديثا في ليبيا رئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب الي اجتماع طاريء. وقال المقريف للصحفيين دون ان يذكر تفاصيل "ما يؤسف له حقا ويثير الشكوك هو ان بعض اولئك الذين شاركوا في انشطة التدمير هذه من المفترض انهم من قوات الامن ومن الثوار."

وقال مسؤول حكومي طلب عدم نشر اسمه "وصل عدد كبير من رجال ميليشيا مسلحين باسلحة متوسطة وثقيلة الي مسجد الشعاب معلنين نيتهم تدمير المسجد بسبب اعتقادهم بأن المقابر هي شيء مخالف للتعاليم الاسلامية." واضاف ان السلطات حاولت في البداية منعهم لكنها قررت بعد اشتباك محدود تطويق الموقع اثناء عملية الهدم لمنع أي امتداد للعنف. وقال عبد المنعم الحر المتحدث باسم مجلس الامن الليبي الاعلى إن المجلس "ينضم الي الادانة".

وأبلغ رجل بدا انه كان يشرف على عملية الهدم ان وزارة الداخلية أجارت العملية بعد ان اكتشفت ان اناسا يتعبدون في المقابر ويمارسون "السحر الاسود". ولم يتسن على الفور الحصول على تعقيب من الوزارة. ويوجد حوالي 50 مقبرة لصوفيين داخل وخارج مسجد الشعاب ومن بينها مقبرة العالم الصوفي الليبي عبد الله الشعاب.

وفي وقت سابق قال شهود ومسؤول عسكري ان مهاجمين في زليتن على بعد حوالي 160 كيلومترا غربي العاصمة الليبية حولوا ضريح الشيخ عبد السلام الاسمر إلى انقاض واضرموا النار في مكتبة تاريخية في جامع قريب وأتلفوا الاف الكتب. وجاءت هذه الهجمات بعد يومين من الاشتباكات بين جماعات قبلية في زليتن أودت بحياة شخصين وأسفرت عن اصابة 18 حسب احصاء المجلس العسكري في المدينة. بحسب رويترز.

واستهدف متشددون بعد أن قويت شوكة كثيرين منهم إثر انتفاضات الربيع العربي عددا من المزارات الصوفية في ليبيا ومصر ومالي على مدى العام المنصرم. وقال محمد سالم شيخ الجامع انه غاضب لتدمير هذ المزار التاريخي والروحاني في ليبيا. واضاف انه اضطر للفرار من زليتن قبل اسابيع بعد ان تزايدت تهديدات بقتله من جانب سلفيين يهددون بتدمير الضريح.

انهاء الهجمات

في السياق ذاته حثت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) السلطات الليبية على حماية المساجد والأضرحة الصوفية التي تعرضت لهجمات متكررة من جانب اسلاميين متشددين يعتبرون المدرسة الصوفية التقليدية هرطقة. وقالت ايرينا بوكوفا المدير العام لمنظمة اليونسكو ان الهجمات التي دمرت مساجد في ثلاث مدن على الاقل ودنست العديد من الاضرحة لشخصيات صوفية موقرة "يجب ان تتوقف اذا كان للمجتمع الليبي ان يكمل الانتقال الى الديمقراطية".

وقال وزير الداخلية الليبي انه لن يخاطر بخوض اشتباك مع المسلحين الذين يشنون هجمات طائفية في اعتراف صريح بدرجة غير معتادة بحجم التحدي الامني الذي يواجه البلاد. وألقت رابطة العلماء الليبيين وهي جماعة تضم أكثر من 200 من علماء الدين المسلمين باللوم في الهجمات على الساعدي ابن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وحلفائه السلفيين الليبيين الذين قالت انهم يستلهمون افكارهم من أئمة سعوديين متطرفين. وقالت الرابطة ان هذه المجموعة حاولت مرارا تقويض استقرار البلاد. واضافت ان النيجر التي لجأ اليها الساعدي القذافي بعد الاطاحة بوالده رفضت تسليمه رغم طلبات من طرابلس.

وقال العالم الصوفي عارف علي النايد ان ليبيا لم تشهد مثل هذه الهجمات منذ عدة قرون. وأضاف وهو يشير الى احتلال ايطاليا لليبيا من عام 1911 وحتى الحرب العالمية الثانية انه حتى الفاشيين في عهد موسوليني لم يعاملوا التراث الروحي لبلاده بمثل هذا الاحتقار. وبعد تدمير اضرحة في الزلتان وطرابلس ومصراتة قامت مجموعات من المسلحين بتدنيس أضرحة في مسجد ومدرسة في المدينة القديمة بالعاصمة.

وبقي السلفيون المتشددون في الظل في عهود الحكام الشموليين الذين اطيح بهم في الربيع العربي وشنوا حملات خلال العام المنصرم للقضاء على ما يرون انه وثنية في الاضرحة والمساجد الصوفية التقليدية في ليبيا وتونس ومصر. ويماثل التدمير في ليبيا نسف تمثالين عملاقين لبوذا عام 2001 في افغانستان ونهب مقابر صوفية في تمبكتو في يوليو نموز بعد ان استولت جماعة انصار الدين على السلطة في شمال مالي. بحسب رويترز.

وقالت بوكوفا ان المنظمة التي يقع مقرها في باريس "تقف مستعدة لتقديم المساعدة لحماية وتأهيل" المواقع الليبية المدمرة أو التي تواجه تهديدات الان. واضافت في بيان انه لا يمكن التسامح ازاء تدمير الاماكن التي لها أهمية دينية وثقافية. وحثت رابطة العلماء الليبيين طرابلس على الضغط على حكومة السعودية لكبح أئمتها الذين يتدخلون في شؤون ليبيا بتدريس تعاليم السلفية لشبان ليبيين ونشر المذهب عن طريق الكتب واشرطة التسجيل. وحثت الليبيين على حماية المواقع الصوفية بالقوة. وقال النايد الذي يحاضر في مدرسة عثمان باشا التي تعرضت للتدنيس ان المهاجمين مخربون وهابيون وأن مسؤلي الامن الحكوميين "متواطئون وعاجزون". وقال انه يجب على ليبيا ان تختار اما التعصب الديني على نمط طالبان وحركة الشباب بالصومال أو اخلاق الاسلام الحقة والتمدن الروحي. بحسب فرانس برس.

الى جانب ذلك حضت منظمات اهلية عدة السلطات الليبية على اتخاذ تدابير ملموسة لوضع حد لتدمير الاضرحة من جانب متطرفين، وفي الرسالة وجهتها الى المؤتمر الوطني العام المنبثق من اول انتخابات حرة في ليبيا، دعت عشرون منظمة المؤتمر الى "التحرك فورا واتخاذ كل التدابير الضرورية لمنع هذه الاعمال غير المشروعة". واضافت المنظمات "عليكم، كونكم سلطتنا الشرعية المنتخبة، التحرك الان". وتابعت "نقدر جهود المؤتمر الوطني العام بعد استدعاء الحكومة للاستماع اليها، لكننا لم نر اي خطوات على الارض". واستدعى المؤتمر الوطني رئيس الوزراء الليبي ووزيري الداخلية والدفاع للرد على اسئلة النواب الذين اتهموا قوات الامن بالتساهل وربما الضلوع في تدمير اضرحة الاولياء. واثر هذه الجلسة، قدم وزير الداخلية فوزي عبد العال استقالته احتجاجا على الانتقادات التي طاولته.

الى جانب ذلك وفيما يخص الوضع الامني انفجرت قنبلة في حي تجاري مزدحم في بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، أسفرت عن مقتل سائق سيارة كان يحملها، حسبما ذكر مسؤول أمني. وأوضح المسؤول أن راكبا في السيارة أصيب بجروح ونقل للمستشفى. وقال المتحدث باسم اللجنة الأمنية العليا بليبيا عبد المنعم الحر إن "سائق السيارة كان يحمل قنبلة محلية الصنع حينما انفجرت بينما كان يغادر السيارة. انفجرت (القنبلة) فقتلت السائق وأصابت راكبا بجروح خطيرة". وتم إغلاق الشارع من جانب العشرات من مسؤولي الشرطة والجيش. وقال الحر إنه لم يتم بعد التعرف على هويته السائق والراكب.

وشارع جمال عبد الناصر الذي وقع فيه الانفجار هو أكبر شوارع بنغازي واكثرها ازدحاما، ويضم العديد من المحال والمقاهي والمطاعم، ويقع أيضا بالقرب من أحد أكثر الفنادق نشاطا، وهو فندق "تيبيستي". وشهدت بنغازي عدة انفجارات هذا العام وهجمات استهدفت قوافل ومنظمات دولية من بينها البعثتان البريطانية والأمريكية واللجنة الدولية للصليب الأحمر. وتبذل الحكومة الليبية جهودا كبيرة للسيطرة على عدد كبير من المسلحين والميليشيات التي زاد نفوذها خلال الصراع المسلح الذي أطاح بالزعيم الراحل معمر القذافي العام الماضي، وكانت بنغازي هي مهد الانتفاضة ضد حكم القذافي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/أيلول/2012 - 16/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م