أثر الشورى والحريات في بناء الدولة المدنية

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: تتبلور افكار الامام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، في جانب كبير ومهم منها، لبناء الدولة المدنية التي تصان فيها الحقوق والواجبات، وتُبنى من خلالها دولة المؤسسات، الدولة المدنية المعاصرة التي تشكل الملاذ الأهم في حياة الامم والشعوب، كونها تنظم العلاقة بينها وبين الحكام في اطار الشورى، الديمقراطية، التي تسمح للشعب فعلا اختيار قادته الافضل من غيرهم.

الحرية والشورى

إننا نتفق جميعا على أن الحرية، هي الطريق الأمثل الى صنع الحياة الطيبة، والحرية تعني تطبيق ما يتشاور به اولي الامر والمعنيون بقيادة المجتمع، عبر الشورى التي تتطلب اطلاق الحريات الاسلامية، فمثل هذه الاجواء كفيلة بصناعة الحياة التي يبتغيها الناس، ولنا في الوقفة البطولية الخالدة للامام الحسين (ع) تعبيرا عمليا شخاصا عبر التأريخ، عن المعرفة الدقيقة بالحرية التي ترفع الحيف وتقارع الظلم وتعيد الامور الى جادة الصواب، وكما جاء في دراسة عن الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) بكتاب (ثقافة عاشوراء في فكر الامام الشيرازي):

(عندما تتبادر إلى ذهن الإنسان المسلم كلمة عاشوراء، يحضر في ذهنه معنى البطولة والإقدام والشهادة.. وأبرز الكلمات التي حفظها التاريخ للبشرية، قول الإمام الحسين -عليه السلام-: إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم)..

وهكذا تظهر لنا أهمية الشورى واطلاق الحريات الاسلامية لتنامي قدرات البناء والتطوير على الصعد كافة في عموم شرائح المجتمع، فالبناء كما هو متفق يحتاج الى ركيزة فكرية ايمانية يستند اليها تماثل الحاجة الى التخطيط والبرمجة الدقيقة التي تعطي افضل النتائج في الميدان السياسي او غيره، ولكنها لابد أن تكون مستندة الى قرارات متشاوَر عليها بين القادة، ومستندة الى التعاليم الواضحة والدقيقة للاسلام.

وهذه هي الغاية الاساسية من ملحمة الطف التي عبر فيها الامام الحسين (ع) عن رفضه القاطع للظلم الاموي، كما جاء في الكتاب نفسه بهذا الصدد: (إنما قام الإمام الحسين -عليه السلام- في سبيل إحقاق الحق ونشر العدالة الإلهية.. والحرية الحقيقية، ومحاربة الباطل وأهله.. وليكون درساً للحق يقتدى به، فجميع ما عمله الإمام، من بذل حياته، وأهل بيته وكل شيء في الدنيا، كل هذا ابتغاء مرضاة الله تعالى، وتطبيقاً لأوامره تعالى).

إن الحرية تحتاج الى من يدعمها ويقف الى جانب اطلاقها، وليس هناك افضل مما قام به الامام الحسين (ع) وقدمه بهذا الصدد اذ بقيت هذه الثورة مصدر اشعاع كبير للمسلمين وللعالم أجمع، وأمامنا ما نطق به قادة معرفون على مستوى التأريخ العالمي كما هو الحال مع القائد الصيني المعروف ماو أو غاندي وغيرهما الكثيرين ممن أبدوا تمسكا واعجابا فريدا بثورة الحريات الحسينية الخالدة، وقد جاء بالكتاب نفسه في هذا المجال: (ما دامت كربلاء حيّة في القلوب والضمائر، فستبقى مصدراً للاشعاع الديني، ومدرسة للعلماء والخطباء والكتّاب، ومركزاً للفضيلة والإيمان والأخلاق).

الاستفادة من المناسبات الدينية

ان بناء الدولة المدنية تتطلب حماية الحريات، لذا تعد المناسبات الدينية فرصة لتكريس التحرر، ورفض الطغيان، ولطالما كانت مثل هذه المناسبات فرصة لفضح الانظمة السياسية، والمطالبة بالحقوق والحريات، بسبب قوة الايمان وزيادة تجمعات المؤمنين بالحرية واللذين يتعرضون للظلم والاضطهاد دائما، هنا يؤكد الامام الشيرازي (رحمه الله) على الاستفادة العظمى من ذكرى عاشوراء وعلى القدرات الهائلة التي تمنحها للمؤمنين في امكانية بناء الحياة بطريقة سليمة حيث تكون عاشوراء منطلقا للفضيلة والبناء الامثل وفقا لمبدأ الشورى واطلاق الحريات، وكما جاء في الكتاب نفسه عن الامام الشيرازي قائلا: (يلزم الاستفادة من ذكرى عاشوراء لتركيز الإيمان والفضيلة والتقوى والمثل الأخلاقية الرفيعة في المسلمين، وتوسعة دائرتها). إن تحلّي المسلمين بالصفات النفسية الرفيعة، يمنحهم الحصانة من الأمراض النفسية التي انتشرت في العالم المادي، كما يجب توسعة دائرة هذه المثل والقيم لاشتمالها على مراتب ودرجات.

وتبقى الشورى هي الهدف الاسمى للمسلمين، وهي تقابل ما يطلق عليه العالم المعاصر (الديمقراطية) وذلك ما هدف اليه الامام الحسين (ع) وما اراده مما اقدم عليه من تضحيات جسيمة، أصبحت الى اليوم منارا يهتدي به المسلمون وغيرهم من امم العالم، الذي وجد في التحرر الحسيني مبتغاه وضالته، وكما جاء في كتاب ثقافة عاشوراء: (من الضروري أن يجعل هذا الموسم منطلقاً للإرشاد والتبليغ ونشر أحكام الله وتعاليم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- الداعية إلى الحياة الطيبة عبر تطبيق الشورى وإطلاق الحريات الإسلامية والأمة الواحدة والأخوة الإسلامية والسلام).

إطلاق الحريات

الدولة المدنية لا تُبنى من دون اطلاق الحريات، وحماية الرأي، وبث التعايش وتنشيطه والتشجيع عليه، ناهيك عن التعددية، والقبول بالآخرين كما هم، وهذا لا يعني انتهاج نهجهم، انما تشجيع الاحترام المتبادل للرأي مع عدم القسر على تنفيذه او انتهاجه، لذا تساعد الحريات على بناء الدولة المدنية، وترسيخ المؤسسات الدستورية، وهكذا يمكن أن تسهم الشورى واطلاق الحريات الاسلامية ببناء حياة مثلى للشعوب، مهتدية بالتجارب العظمى للانسانية، كما هو الحال مع أعظم الثورات التي قدمها الامام الحسين (ع) للمسلمين وللانسانية جمعاء، حيث كان منهج التحرر والتشاور ورفض التفرد والاستبداد منهجا لنبينا الاكرم محمد (ص): (فالرسول الأعظم  -صلى الله عليه وآله وسلم-  والإمام أمير المؤمنين -عليه السلام- والإمام الحسن -عليه السلام- جاهدوا من أجل تطبيق هذه المفاهيم وتركيزها في المجتمع، وسار على خطاهم الإمام الحسين -عليه السلام- في ثورته المباركة).

ولهذا ينبغي أن يعي المسلمون، قادة وعامة الناس أهمية الحريات والشورى في بناء الدولة المدنية، واحترام الرأي والمشاركة في صنع القرار على نطاق واسع، ودور ذلك في صنع الحياة التي تليق بكرامة الانسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/أيلول/2012 - 15/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م