مسرح للمقهورين في العراق

هادي جلو مرعي

((المسرح شكل من أشكال المعرفة: يمكن أن يكون وسيلة لتغيير المجتمع، و يمكن أن يساعدنا على بناء مستقبلنا، بدلاً من انتظاره فقط))

 اوغستو بوال...

 

جمعتنا جلسة سمر على شاطي دجلة رابع أيام العيد وعند المساء حيث كانت المويجات تتهادي بصمت، كنت والصديق الأكاديمي والفنان ليث عبد الغني الذي يعيش ويعمل في النرويج نرغب في تلك الجلسة بعيدا عن الأصدقاء والصديقات الذين إنزاحوا الى سمر من نوع آخر لاأرغبه وأمقته. وكان عبد الغني في زيارة عمل الى العراق يحمل معه أفكارا جديدة وتصورات عن فعل مسرحي أكثر قدرة على التأثير والفعل. وكان قد عاد للتو من الشطرة في الجنوب وهي مدينة تتخذ من عنفوان الرغبة ممرا الى تحقيق الذات لها ولأبنائها من المثقفين والمبدعين في مجالات عدة حيث نجح وإياهم في تقديم عرض مسرحي في الهواء الطلق أحدث فيه تفاعلا بين الجمهور والممثلين ليعبروا عن هموم اللحظة والأمس ومايتوقعون من هموم الغد.

نسجوا فعلهم الإبداعي من خلال عمل مسرحي واقعي تفاعلي يعبر عن معاناة الناس ويتيح لهم الفرصة ليكونوا ممثلين هم أيضا دون أن يحتكر من على الخشبة كامل تلك المهمة.

في ذلك البيان قالوا.. (دعونا نتدرب على الإحتجاج بعنفوان، نتدرب على أن نثور بسلام، نتدرب على إستنطاق الحق بالقهر نتدرب على الكلام والحوار, بدلا من أن نجلس على القارعة ونندب حظنا وبؤسنا, بدلا من أن نطرق الرؤوس ونصغي لخطابات تزيدنا قهرا، دعونا نشارك أو نتشارك في الخطاب نصغي بعينين وأذنين يقظتين، نحاور بضمير حي ومنطق عذب, نذيب الحواجز بيننا وبين العرض المسرحي بأطره الكلاسيكي, بمفاهيمه القائمة على قاعدة التطهير, نعيد بناء صلة جديدة بالمسرح والعالم, نكسر حواجز السلب, وننتصر لقهرنا, قهر الانسان, الممثل, المتفرج, نعيد بناء متصور إجتماعي يدخل الجميع في الفعل, فعل التغيير والبناء, تغيير الواقع وبناء صلته بنا, من خلال اندماجه الفعلي في انشاء العرض المسرحي ليس متفرجاً أو متلقياً سلبياً, وانما مشارك في بناء كل المنظومة المسرحية (بما فيها الحل المسرحي), للمشاكل التي يعاني منها والقهر الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي يتعرض له, لا نريد ان نكدس الالم تلو الالم حتى يتعفن وتتعفن معه. أنا اتحفز من اجل استنطاقك وتفاعلك هل انت راض عن خطابي... ؟ حسناً, ولكن اياك ان تصمت قهراً أزاء ما يغيظك ويقهرك, اصرخ بي ـ أنا الممثل ـ, قل توقف اريد ان اقول كلمتي اريد شراكتك في الألم وفي التفرج. نريد للعمل المسرحي ان يتقدم نحو الحل ـ ليست بالضرورة حلولنا ـ بل هي شراكتنا في الحلول, نكسر متاريس التمركز التي صنعتها ثقافة المصادرة, ليس هناك مركزية للمنصة ولا للنص, ممكن أن تمارس تعسفا, وتلقى سلبي للمتفرج, كلنا ممثلون وكلنا متفرجون والعالم على سعته مسرحاُ, الممثل هو الانسان معبرا عن قهره, بعيدا عن العنف, بالحوار سنكتب تأريخاً انسانياً جديدا, ها نحن قادمون للاتصال بكل الناس المقهورين الذين أجبروا على أن يكونوا طائعين دون منحهم الفرصة لسماع اصواتهم أو مشاركتهم الحوار, قادمون لنكسر دائرة العزلة, ونؤسس خطاب المشاركة, في الأداء والفعل والتغيير, مثلما تشاركنا في القهر, فكل ذلك هو مسرح, فلنحمله معا ونمضي).

يكفيني هذا البيان ليعبر عن توصيف كامل للتجربة التي يحاول عبد الغني ترسيخها في الذائقة المسرحية العراقية المعاصرة التي يريد لها ان تتحفز من جديد وتثور على التقليد البائس لتنهض بمهمة مختلفة اكثر قدرة على صناعة الغد ومحو الذكريات السيئة من واقع الحال العراقي المكلوم على الدوام.

في العراق، التجارب تنجح ولكنها لاتستمر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/آب/2012 - 10/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م