أسوأ غرائز المصريين!

محمد سيف الدولة

في مقال يقطر عنصرية ووقاحة وتهديد، وصف روبرت ساتلوف وزميله اريك تراغر، عداء المصريين لاسرائيل بانه اسوأ غرائز المصريين.

وروبرت ساتلوف هو مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى، احد أهم مؤسسات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. وهو ذات الرجل الذي قدم توصيات للإدارة الامريكية، بعد قيام الثورة المصرية بأسابيع قليلة، يحثها فيها على الحيلولة بكافة الطرق دون وصول تيارات معادية لامريكا ولاسرائيل الى الحكم في مصر مع تشجيع المجلس العسكري على تعطيل تسليم السلطة الى حين التأكد من توجهات الحكام الجدد وموقفهم من المصالح الامريكية ومعاهدة السلام وامن اسرائيل، مع التوصية بالإسراع في بناء ودعم قوي وتيارات صديقة في بلدان الربيع العربي.

***

ولقد حمل المقال المنشور بتاريخ 6 اغسطس 2012 عنوان "الإرهاب في سيناء : اختبارات للرئيس مرسي والمؤسسة العسكرية المصرية "، وهو عبارة عن توصيات جديدة للادارة الامريكية بضرورة الضغط على الرئيس والجيش في مصر للعمل عن التأمين الكامل لسيناء ضد كل ما يهدد امن اسرائيل، وضرورة التنسيق الامني الكامل معها سرا او علانية، والامتناع عن التحريض ضد اسرائيل او ما اسماه ساتلوف بالألعاب الطفولية التي تلبي اسوأ غرائز المصريين في اشارة الى ما جاء في بيانات للاخوان وبعض القوى السياسية المصرية من اتهام للموساد في جريمة الحدود من اجل تخريب الثورة المصرية.

ولا تُخفي هنا الدلالات العنصرية والتضليلية وراء استخدامه للفظ "غرائز" لوصف العداء المصري لاسرائيل بدلا من استخدامه لالفاظ أخرى مثل مواقف او مبادئ او معتقدات، فالغريزة طبيعة فطرية لا تعتمد على العلم والعقل والسبب والنتيجة، وانما كما قيل هي الدافع للإنسان إلى عمل من غير فكر، أو هي النشاط الذي لا ينطوي على خبرة أو تعلم.

وكأن المصريون يعادون اسرائيل لأسباب غريزية بحتة بدون اي منطلقات منطقية او فكرية او سببية، مثل كونها كيان عدواني استعماري توسعي عنصري ارهابي...الخ ؟؟!!

ولم يفت الكاتب الصهيوني العتيد، ان يسخر في مقاله من القوات المصرية ويحقرها حين قال بالنص ((أن التواجد الأمني المصري على طول الحدود مع إسرائيل غير كافٍ بشكل خطير، لدرجة أن [جنود] الدوريات الإسرائيلية يضطرون بين الوقت والآخر إلى توفير الغذاء وغيره من المواد الأساسية إلى نظرائهم المصريين)).

***

كما حرض المقال الادارة الامريكية على تهديد النظام المصري بقطع المعونة العسكرية وبالحرمان من التأييد الدولي ومن دعم الاقتصاد المصري المترنح.

وهي ذاتها قائمة التهديدات الامريكية المعتادة التي دأب الامريكان، ادارة وكونجرس، على التلويح بها دائما. وما زلنا نذكر التهديدات المماثلة لفيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الامريكية ابان ازمة المتهمين الامريكان، وكذلك تصريحاتها الجارحة والمستفزة بعد انتهاء الازمة بتهريبهم، حين قالت "انهم قد اوصوا صندوق النقد الدولي بتخليص اجراءات قرض الـ 3.2 مليار دولار المتعثر "، وان امريكا ستظل هي " الضامن الاولي لاستقرار مصر المالي ". وكل ذلك كمكافأة على تراجع الادارة المصرية.

انها ثلاثية الضغط والتهديد والاخضاع، التي تمارسها وتلعبها معنا الولايات المتحدة واسرائيل طول الوقت منذ اربعة عقود، والتي افقدت مصر استقلالها وسيادتها وكرامتها.

ولو ربطنا ذلك بسيل التصريحات التي توالت من الادارة الامريكية في الاسابيع الماضية بدءا بان الولايات المتحدة تصر على مساعدة مصر على استعادة الامن في سيناء، او ادعاءاتها بانهم كانوا على علم مسبق بالتغييرات المزمع اجراءها داخل قيادات الجيش المصري، او ابداء اعتراضهم على زيارة مرسي لايران في قمة عدم الانحياز....الخ، فهي تصريحات تبعث لنا برسائل محددة وهي اننا موجودون في مصر، فوق الجميع، وسنتدخل في ادق واخص شئونكم الداخلية، وعليكم ان تقبلوا ذلك كأمر واقع والا سنحاصركم اقتصاديا وعسكريا ودوليا، فلا تركبوا ادمغتكم. أو كما جاء في التعليق الساخر لمجلس العلاقات الخارجية الامريكية على تراجع المسئولين المصريين عن قرارهم بمنع المتهمين الامريكيين "اياهم" حين قالوا ((ان القادة المصريين اكتشفوا ان التعقل هو افضل جزء في الشجاعة)) !

***

كانت السطور السابقة هي جولة في بعض اروقة صناع القرار الامريكي بكل عنصريتها واستعماريتها ووقاحتها، والتي ستمثل اكبر التحديات امام حكام مصر الجدد، الذين عليهم ان يثبتوا للامريكان والصهاينة اننا شعب لا تحركه الغرائز، واننا لا نساق بالضغط والتهديد والوعيد والعدوان، بل اننا قوم اعزة نقدس قيم الوطنية والتحرر والاستقلال والشجاعة ونصرة المظلوم في مواجهة الظالم والمغتصب.

وهو ما يستدعي في ظل الاحداث الاخيرة، اتخاذ سلسلة من السياسات والمواقف الضرورية منها على سبيل المثال وليس الحصر :

• اعادة النظر في الترتيبات الامنية في سيناء مع بقاء القوات التي دخلت سيناء فيها وعدم خروجها منها حتى بعد انتهاء العمليات الجارية الان.

• فتح معبر رفح وتنظيم حركة الافراد والبضائع فيه وفقا لاتفاقية معابر مصرية فلسطينية مشتركة مستقلة عن اسرائيل او اي.

• اعادة النظر في المعونة العسكرية مع تنويع مصادر التسليح.

• تحرير الاقتصاد المصري من القابلية للحصار ومن سيطرة ونفوذ واختراق الولايات المتحدة ونادي باريس وصندوق النقد والبنك الدوليين.

• سرعة بناء وتأسيس شبكة من العلاقات العربية والاقليمية والدولية المتوازنة للخروج بمصر من قبضة الاحلاف الامريكية الاقليمية

• التوقف عن الصراعات السياسية الدائرة الان حول قضايا مفتعلة او هامشية، والعمل فورا على بناء جبهة وطنية داخلية من كافة الاحزاب والقوى الرافضة لاستمرار المشروع الامريكي والصهيوني.

• اعادة تأسيس الوعي الشعبي المفقود حول حقيقة وتاريخ وتفاصيل وادوات الهيمنة الامريكية على مصر، من خلال كافة المنابر السياسية والاعلامية الوطنية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/آب/2012 - 9/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م