الاخضر الابراهيمي... هل يخرج المجتمع الدولي من عنق الزجاجة السورية؟

ترجيحات حول توافق شرقي غربي للازمة السورية

 

شبكة النبأ: لايزال الحديث مبكرا عن فشل او نجاح مهمة الممثل الخاص المشترك لسوريا الاخضر الابراهيمي والذي حل بدلا من كوفي عنان الذي تنحى عن المنصب بعد الاقرار بالفشل بتقريب وجهات النظر بين الاطراف المتصارعة وعدم وجود اتفاق موحد بين اعضاء مجلس الامن الدولي التي يسعى الممثل الجديد الى توحيدها للخروج من هذا النفق المظلم. وبرغم من وجود العديد من الاراء والتكهنات التي تؤكد صعوبة عمل هذا الرجل في مثل هكذا ظروف، لكن هنالك بعض المراقبين يرجحون وجود بوادر انفراج قريبة تلوح في الافق معتمدين بذلك على مجموعة من الاستنتاجات منها ان الاخضر الابراهيمي رجل يحمل الكثير من المميزات والخبرة العالية التي اكتسبها خلال عملة فى السلك الدبلوماسي ومساهمته الفاعلة في تسوية الكثير من النزعات الداخلية او الدولية هذا من جانب اما الجانب الاخر فهو وجود اجماع دولي على هذه الشخصية خصوصا بين الدول الكبرى التي ادركت خطورة الوضع في سوريا التي لاتزال تعتبر ساحة قتال مفتوحة يصعب فيها تحديد الجانب المنتصر لذا فقد بادرت تلك الدول الى ساسة التهدئة والبحث عن حلول ايجابية جديدة خوفا من اتساع رقعة الخلاف الذي بدأ يمتد الى خارج حدود تلك الدولة ويؤثر بشكل سلبي على جيران سوريا وهو ما سيدفع حلفاء كلا الجانبين الى ممارسة الضغوط لاجل الوصول الى حل مرضي يسهم بتقريب وجهات النظر بين المعارضة والحكومة، وفي هذا الشأن قدمت عدة دول كبرى دعمها لمهمة الموفد الدولي الجديد الى سوريا الاخضر الابراهيمي الذي اعلن انه ليس واثقا تماما حيال فرص انهاء النزاع في هذا البلد لكنه "متسلح بالامل". وقد اعلنت الامم المتحدة تعيين الابراهيمي وزير الخارجية الجزائري الاسبق (78 عاما) موفدا دوليا في سوريا ليخلف بذلك الامين العام السابق للمنظمة الدولية كوفي انان. ورحبت دمشق وعدة دول كبرى بتعيينه.

وناشد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون المجتمع الدولي المنقسم الى منح تاييده "القوي والواضح والموحد" للموفد الجديد. وسيخلف الابراهيمي المبعوث السابق كوفي انان الذي استقال في وقت سابق منتقدا غياب الدعم الدولي لمهمته لانهاء العنف بين نظام الرئيس السوري بشار الاسد والمتمردين المسلحين. ويتمتع الابراهيمي بخبرة واسعة في التعامل مع الدول التي تعاني من نزاعات. فقد عمل مبعوثا دوليا في افغانستان قبل وبعد هجمات 11 ايلول/سبتمبر، وفي العراق بعد غزوه في 2003، كما سبق له انه كان مبعوثا عربيا الى لبنان في نهاية الثمانينات في اواخر فترة الحرب الاهلية في هذا البلد.

الا انه قال في مقابلة مع محطة التلفزيون الفرنسية "فرانس 24" انه ليس واثقا تماما حيال فرص انهاء النزاع في سوريا، لكنه اكد في الوقت نفسه انه ورغم كل شي "متسلح بالامل". وفي مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" قال "ربما افشل ولكن احيانا يسعفنا الحظ ونتقدم". وفي تصريح لصحيفة النهار اللبنانية قال الابراهيمي، الذي كان كذلك مبعوثا للجنة الثلاثية العربية الى لبنان في اواخر فترة الحرب الاهلية (1975-1990) انه عندما كان وسيطا لانهاء الحرب في لبنان، "لم تكن امكانات النجاح فيه آنذاك أكبر مما هي الآن" في سوريا. وقال الابراهيمي "عندما ذهبت الى لبنان، لم تكن امكانات النجاح أكبر مما هي الآن. وواحدنا يجب أن يقبل الفشل إذا كان مكتوبا له الفشل .. فليأت غيري من بعدي وينجح إن شاء الله"، مؤكدا انه "متسلح بالأمل" على رغم كل شيء. وطلب الابراهيمي ان يتم تسمية منصبه بالمممثل المشترك الخاص لسوريا وليس المبعوث المشترك الخاص الذي كان يعرف به انان.

ورحبت دمشق بتعيين الابراهيمي. وقال نائب رئيس الجمهورية السوري فاروق الشرع في بيان اصدره مكتبه انه "يرحب بتعيين الاخضر الابراهيمي ويؤيد تمسكه بالحصول على موقف موحد من مجلس الامن لانجاز مهمته الصعبة من دون عوائق". كما رحبت واشنطن بتعيين الابراهيمي وقالت وزارة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في بيان ان الولايات المتحدة "مستعدة لدعم" الابراهيمي لتحقيق "تطلعات مشروعة بتشكيل حكومة تمثل الشعب" السوري. ورحبت كل من روسيا والصين، حليفتا دمشق، السبت بتعيين الابراهيمي. واعلنت وزارة الخارجية الصينية في بيان ان "الصين ستدعم وتتعاون ايجابيا مع جهود الابراهيمي في الوساطة السياسية". واضاف البيان ان بكين تأمل ان يحاول الابراهيمي التوصل الى "حل سلمي عادل ومناسب" للنزاع في سوريا يبدأ بوقف لاطلاق النار من جميع الاطراف "في اسرع وقت ممكن". وعبرت عن املها في ان "يلتزم حل المسائل السورية سياسيا"

وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان ترحيبها بتعيين الابراهيمي "نتوقع ان يستند الاخضر الابراهيمي في عمله على اساس خارطة الطريق للتسوية في سوريا وهي خطة السلام التي اعدها كوفي انان وبيان اللقاء الذي اصدرته في حزيران/يونيو مجموعة العمل حول سوريا في جنيف وكذلك القرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الامن الدولي". واضافت "نأمل في ان يواصل الاتصالات مع كل الاطراف السورية وان يدفعها الى وقف العنف سريعا واطلاق حوار سياسي حول مستقبل البلاد".

كما اعلنت بريطانيا عن "تأييدها التام" لتعيين الابراهيمي. وصرح اليستير بيرت مساعد وزير الخارجية ان بريطانيا "تؤيد تماما" تعيين الابراهيمي، مؤكدا انه صاحب "خبرة واسعة" ستكون مفيدة له في سعيه للتوصل الى حل سياسي ينهي العنف في سوريا. وقال "آمل في ان يقدم المجتمع الدولي دعمه الكامل للابراهيمي للعمل مع جميع اطراف النزاع في سوريا لانهاء سفك الدماء المستمر منذ اشهر". واضاف "اتطلع الى فرصة قريبة لاناقش مع الابراهيمي السبل التي يمكن ان تقدم بريطانيا من خلالها الدعم له وللجهود الدبلوماسية لانهاء العنف في سوريا. بحسب فرنس برس.

واشادت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون بتعيين الدبلوماسي الجزائري وسيطا دوليا في النزاع السوري، متعهدة بدعمه لانجاز "العمل الضخم الذي ينتظره". وقالت اشتون في بيان "ارحب بتعيين الاخضر الابراهيمي وسيطا جديدا للامم المتحدة والجامعة العربية في سوريا. انه دبلوماسي محنك يملك فهما عميقا للمنطقة. الاتحاد الاوروبي سيقدم دعمه الكامل له في مواجهة المهمة الضخمة التي تنتظره".

الابراهيمي واطراف الصراع

في السياق ذاته قال الدبلوماسي الجزائري والوسيط الدولي الجديد بشأن سوريا أنه يحتاج على نحو عاجل الى معرفة الدعم الذي يمكن ان تقدمه له الامم المتحدة وقال انه من السابق لاوانه قول ان كان الرئيس بشار الاسد يجب ان يتنحى. وأوضح الابراهيمي انه يدرك جيدا مشكلة مجلس الامن وانه لذلك سيحتاج لان يستوضح على نحو عاجل مدى التأييد الذي ستمنحه إياه الامم المتحدة لضمان حصول مهمته على فرصة أفضل للنجاح. وقال " سأطلب الكثير من الاشياء. كيف ننظم أنفسنا ومن الذي سنتحدث معه ونوع الخطة التي سنضعها." وأضاف "سنبدأ مناقشة كل هذه الامور ونوع التأييد الذي سأحصل عليه ونوع التأييد الذي سأحتاج اليه للقيام بهذه المهمة."

ووصف دبلوماسي فرنسي رفيع بأنها مهمة الابراهيمي بالمستحيلة في وقت يحتدم فيه القتال بين القوات الحكومية ومقاتلي المعارضة دون ان يلوح في الأفق أي مؤشر على وقف وشيك لاطلاق النار. ووفقا لتقديرات الامم المتحدة قتل أكثر من 18 الف شخص وفر نحو 170 الف شخص من البلاد. ومازال مجلس الامن منقسما بشدة مع استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد فرض عقوبات على الاسد بزعم ان الغرب يسعى الى الاطاحة بالحكومة السورية. والدول الثلاث الاخرى الدائمة العضوية في مجلس الامن وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تؤيد جميعها اتخاذ اجراء صارم.

وقال الابراهيمي "عانيت كثيرا قبل تولي مثل هذه المهمة وكنت أبحثها مع الامم المتحدة والامين العام للامم المتحدة وكيف يرون ذلك وكيف سأعمل في هذا السياق." وقال "سنبحث بجدية شديدة كيف يمكنهم المساعدة." وأضاف "انهم يطلبون مني ان اقوم بهذه المهمة. إذا لم يدعموني فانه ليس هناك مهمة. إنهم منقسمون لكنهم بالتأكيد يمكنهم ان يتحدوا على شيء مثل هذا وآمل ان يفعلوا ذلك." وقال وهو يصف الوضع في سوريا بأنه "مرعب تماما" انه سيبذل قصارى جهده لايجاد سبيل لانهاء الصراع المستمر منذ 17 شهرا. وأضاف "الوضع في سوريا رهيب والوضع مرعب للغاية. وأنتم ترون ذلك على شاشات التلفزيون كل يوم. القرى والمدن تسوى بالارض من خلال القصف."

وتابع قائلا "لم يكن بوسعي ان أرفض في مثل هذا الموقف حيث مئات والاف وربما ملايين يعانون ... بغض النظر عن مدى صعوبة الموقف." غير انه رفض ان يستدرج بشأن ان كان يعتقد ان الرئيس بشار الاسد يجب ان يتنحى في تناقض مع عنان الذي قال انه من الواضح ان الزعيم السوري "يجب ان يتخلى عن منصبه". وقال الابراهيمي عندما سئل ان كان سيطالب الاسد بالاستقالة "من المبكر جدا بالنسبة لي ان أقول هذا. إنني لا اعرف بدرجة كافية ما يحدث."

ولم يجر أي محادثات مع الاسد لكنه قال انه سيجتمع معه ومع زعماء المعارضة في اقرب وقت مناسب. وقال "هذا مبدأ اساسي آخر. لا ترفض ابدا ان تتحدث الى اي شخص واذا كان من اجل شيء فمن اجل فهم الموقف." وقال انه على اتصال مع عنان الامين العام السابق للامم المتحدة في الاشهر الاخيرة لكنه امتنع عن التعقيب على سبب فشل عنان في مهمته أو ان كان قد تلقى نصيحة بتجنب القيام بمبادرات معينة. وتابع "لا يمكنني التعقيب على خطته (للسلام) لكن يمكنني القول اننا سنحاول حل هذا الصراع واليوم أفضل من الغد." بحسب رويترز.

وقال الابراهيمي انه سيستفيد من خبرته السابق. واضاف "الان نتحدث عن سوريا. ما شاهدته في اماكن اخرى سيكون مفيدا تذكره وربما تكون هناك افكار بشأن كيف تفعل بعض الاشياء وأفكار بشأن كيف تتجنب عمل اشياء." وتابع قائلا "السوريون هم الذين سيصنعون السلام أو الحرب ولا احد آخر وسنكون هناك لمحاولة مساعدتهم بقدر ما هم مستعدون لقبول مساعدتنا."

في السياق ذاته طالب ما يسمى بالمجلس الوطني السوري المعارض الأخضر الإبراهيمي، الممثل العربي الدولي إلى سوريا، بالاعتذار من الشعب السوري لقوله "إنه من السابق لأوانه القول إن كان يتعين على الرئيس السوري بشار الأسد أن يتنحى عن منصبه أم لا".

اعتبر المجلس الذي يضم عددا من أبرز مجموعات المعارضة السورية، تصريحات الإبراهيمي "استهتارا بحق الشعب السوري بتقرير مصيره". وقال المجلس في بيان خاص: "بمزيج من مشاعر الصدمة والاستهجان تلقى الشعب السوري الثائر تصريحات السيد الأخضر الإبراهيمي التي أعرب فيها عن اعتقاده بأن الوقت لم يحن بعد لتنحي بشار الأسد". وقال البيان إن الإبراهيمي "لم يستشر أي مواطن سوري، لا في أمر تعيينه، ولا في طبيعة مهمته، قائلا: "إن الشعب السوري هو المخوَّل الوحيد بتحديد من يحكمه وطريقة هذا الحكم".

واعتبر المجلس تصريحات الإبراهيمي "استرخاصا لدم السوريين واستهتارا بسيادتهم على بلادهم وبحقهم بتقرير مصيرهم". ورأى أن منح الأسد مزيدا من الوقت "يعني منحه رخصة بقتل عشرات الآلاف الإضافية من السوريين"، مشيرا إلى أن الشعب السوري "أعلن صراحة أنه على الأسد ونظامه أن يرحل حالا ويترك مكانه لنظام ديمقراطي حر مدني".

على صعيد متصل اكدت وزارة الخارجية السورية تعليقا على تصريحات الموفد الدولي الجديد الخاص الى سوريا الاخضر الابراهيمي ان الحديث عن "حرب اهلية" في سوريا "مجاف للحقيقة" وموجود فقط "في اذهان المتآمرين". ونقلت وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية ان "التصريح بوجود حرب اهلية مجاف للحقيقة وهو فقط في اذهان المتآمرين على سوريا". واضاف ان ما يجري في سوريا "جرائم ارهابية تستهدف الشعب السوري وتنفذها عصابات تكفيرية مسلحة مدعومة من دول معروفة بالمال والسلاح والمأوى". وقال المصدر "تعقيبا على ما تناقلته بعض وسائل الاعلام من تصريحات منسوبة للاخضر الابراهيمى المبعوث الاممي الى سوريا، انه ليس من مهام اي دولة او طرف او مبعوث اممي الحديث عمن يقود سوريا لان الشعب السوري وحده هو صاحب هذا القرار".

واضاف، بحسب سانا، "اذا رغب المبعوث الاممي بنجاح مهمته والحصول على تعاون الحكومة السورية فعليه التقيد بالاطار المحدد لهذه المهمة الذي وافقت عليه سوريا والعمل الجاد للحصول على التزامات واضحة من الدول التي تقدم الدعم لهذه العصابات الارهابية المسلحة بالتوقف عن التدخل في شؤون سوريا الداخلية".

واعتبر الابراهيمي في مقابلة مع قناة "فرانس 24" التلفزيونية "هناك من يقولون انه يجب تجنب الحرب الاهلية في سوريا، لكنني اعتقد اننا نشهد الحرب الاهلية منذ وقت غير قصير. المطلوب هو وقف الحرب الاهلية وهذا الامر لن يكون بسيطا". ورأى الابراهيمي ان "التغيير (في سوريا) لا مفر منه، تغيير جدي، تغيير اساسي وليس تجميليا. وينبغي تلبية تطلعات الشعب السوري"، من دون ايضاحات اضافية. بحسب فرنس برس.

ورددت دمشق باستمرار دعمها للخطة في اطار "ضمن اطار السيادة السورية والتزامات الاطراف المعنية"، مشددة باستمرار على ضرورة وقف دعم بعض الدول "للمجموهات لاارهابية المسلحة" في سوريا. وبقيت خطة انان التي تنص على وقف اعمال العنف وسحب الدبابات من الشارع ووصول الاعلام والمساعدات الى مناطق النزاع والسماح بالتظاهرات واطلاق المعتقلين، حبرا على ورق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/آب/2012 - 8/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م