كيف وقع ستاندرد تشارترد في فخ لوسكي

 

شبكة النبأ: كان ذلك في أكتوبر تشرين الأول 2006 عندما ضغط مسؤول تنفيذي كبير لدى ستاندرد تشارترد في نيويورك جرس الإنذار بشأن معاملات البنك مع عملاء إيرانيين، مدركا أن البنك يتعامل ببطء شديد مع بواعث قلق الجهات الرقابية من أن المعاملات ربما تنتهك العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران بعث راي فيرجسون مدير ستاندر تشارترد في الأمريكيتين آنذاك رسالة إلكترونية حذر فيها مما قد يكون "ضررا ماحقا بالسمعة"، وفي حين كشف المسؤولون عن بعض التفاصيل التي أفضت إلى رسالة فيرجسون وموجات الصدمة التي أحدثتها فقد حددت رويترز الآن هوية مسؤولين تنفيذيين كانوا في بؤرة الحدث وكيف كانت استجابتهم وخلصت إلى أنه تم استجواب ما بين 50 و100 شخص في البنك ضمن تحقيقات داخلية عن التجاوزات المزعومة، بعث فيرجسون الذي يشغل حاليا منصب الرئيس التنفيذي للبنك في سنغافورة رسالته الإلكترونية إلى ريتشارد ميدينجز الذي كان يعمل وقتها مديرا تنفيذيا لإدارة المخاطر في مقر لندن للبنك الذي تتركز أنشطته في آسيا وهو الآن المدير المالي للمؤسسة.

وبعد أيام وصل ميدينجز إلى نيويورك وجرى حوار محتدم بين كبار المسؤولين التنفيذيين في ستاندرد تشارترد. وكان حاضرا ميدينجز ومايكل مكفيكر ومدير الامتثال للقواعد الأمريكية وفيرجسون وموظف آخر يعمل بنيويورك، وبحسب بنجامين لوسكي مدير هيئة الخدمات المالية بنيويورك فإن ميدينجز أظهر "الإزدراء الواضح" للوائح المصرفية الأمريكية من قبل ستاندر تشارترد، وفي تعميم نسبت الهيئة إلى مدير فرع البنك في نيويورك - وعلمت رويترز أنه مكفيكر - قوله إن ميدينجز رد على المخاوف بشأن إيران بالقول: "الأمريكان الملاعين. من تظنون أنفسكم كي تقولوا لنا.. لبقية العالم إننا لن نتعامل مع الإيرانيين، وقال بيتر ساندز الرئيس التنفيذي لستاندرد تشارترد إن البنك لا يعتقد أن الاقتباس الوارد في التعميم دقيق. وأيضا أبلغ فيرجسون - الذي ينحدر من اسكتلندا وسبق أن عمل لدى البنك في الشرق الأوسط وآسيا - رويترز أن ميدينجز قد يكون سب الأمريكان لكنه أضاف أنه لم يتبع ذلك بالشكوى من العقوبات المالية الأمريكية على إيران. وقال فيرجسون الذي كان الرئيس التنفيذي للبنك في الأمريكتين بين مارس آذار 2006 وديسمبر كانون الأول 2007 "لا أعرف أن ريتشارد قال هذا الكلام المنسوب إليه، وأحجم مكفيكر عن الإدلاء بتصريحات. وقالت متحدثة باسم ستاندرد تشارترد إنه ممنوع من التحدث إلى وسائل الإعلام لأنه يقدم العون في عدد من التحقيقات الاتحادية والمحلية. ولم يرد ميدينجز على طلبات متكررة للإدلاء بتعليق، وسلط الضوء على الإجتماع في تعميم لاذع يصف فيه لوسكي ستاندرد تشارترد بأنه "مؤسسة مارقة" عرضت الولايات المتحدة لخطر الإرهابيين وتجار السلاح والأنظمة الفاسدة، وهددت الهيئة بسحب رخصة ستاندرد تشارترد للعمل المصرفي في نيويورك وهو ما سيكون مدمرا لبنك تقول الهيئة إن له أنشطة تسوية معاملات بالدولار الأمريكي قيمتها 190 مليار دولار يوميا، بوغت ستاندرد تشارترد بالهجوم تماما. كان معظم كبار مسؤوليه التنفيذيين قد بدأوا عطلاتهم الصيفية للتو. كانوا في حالة معنوية مرتفعة بعدما أعلنوا في الآونة الأخيرة أرباحا قوية لنصف العام ليتجه البنك صوب تحقيق أرباح سنوية قياسية للعام العاشر على التوالي. لقد بدا أن البنك تحاشى المزالق التي عصفت بمعظم منافسيه، لكن في أقل من 24 ساعة محت ادعاءات هيئة نيويورك أكثر من 17 مليار دولار من قيمة البنك وهوت أسهمه 30 بالمئة إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات. وعندما رد ستاندرد تشارترد فإنه رفض بقوة الطريقة التي عرضت بها هيئة نيويورك الحقائق، أقر البنك بارتكاب أخطاء لكنه قال إن 300 فقط من 150 مليون معاملة تسوية مدفوعات بين 2001 و2007 تكتنفها الشكوك بموجب العقوبات المفروضة على إيران. وقال إن قيمة تلك المعاملات لا تصل إلى 14 مليون دولار. بحسب رويترز.

في المقابل قال لوسكي إن البنك حول 250 مليار دولار على الأقل عبر فرعه في نيويورك لصالح عملاء إيرانيين من خلال 60 ألف معاملة ليجني رسوما بمئات الملايين من الدولارات، وتقول مصادر إن ذلك المبلغ - 250 مليار دولار - قد يشكل كل المعاملات المرتبطة بإيران التي قام بها ستاندرد تشارترد في عشر سنوات، وقال التعميم "مدفوعا بالجشع عمل ستاندرد تشاترد لعشر سنوات على الأقل دون أي اعتبار للعواقب القانونية ولا لتداعيات أعماله الخادعة بشكل فاضح على سمعته وعلى الأمن القومي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على إيران في 1979 ومنعت البنوك في الولايات المتحدة بما فيها فروع الشركات الأجنبية من التعامل المباشر مع ذلك البلد. لكن معاملات معينة عرفت بمعاملات "المنعطفات" ظلت قانونية حتى نوفمبر تشرين الثاني 2008، ويتعلق جوهر النزاع الحالي بمعاملات "المنعطفات" تلك والتي تنطوي على تحويل أموال لصالح عملاء إيرانيين بين بنوك في بريطانيا والشرق الأوسط وذلك لأن تسويتها كانت تتم عبر فرع ستاندرد تشارترد في نيويورك، ومع أنها كانت تتعلق بعملاء إيرانيين فإنه لم يكن من المسموح أن تجري مباشرة من إيران إلى الولايات المتحدة بل كان يتعين أن تمر ببلد آخر. والسؤال هو هل الطريقة التي نفذ بها ستاندرد تشارترد تلك المعاملات تجعلها معاملات "منعطفات" أم لا، وقال مصدر كبير في البنك إنه نفذ معظم تلك المعاملات باستخدام عملية أطلق عليها "إصلاح" الوثائق. ويتضمن "الإصلاح" - ويسمى أيضا "تجريد الأسلاك" - الحذف اليدوي لأي إشارة إلى إيران من التحويلات المصرفية بغرض تسريع العملية، وزعم تعميم لوسكي أن ستاندرد تشارترد "تآمر مع عملاء إيرانيين لتقديم معلومات مضللة إلى فرع نيويورك عن طريق حذف أو تحريف بيانات التحويلات المصرفية التي يمكن أن تحدد هوية أطراف إيرانية، لكن البنك قال إن 99.9 بالمئة من المعاملات التي فحصها كانت قانونية بموجب الاستثناء الممنوح لمعاملات "المنعطفات". وقال إن تفسير لوسكي "غير صحيح من الناحية القانونية"، ويشير بعض خبراء القانون إلى أن البنك قد يكون معرضا للإدانة بدرجة أكبر في تهم بسيطة تتعلق بعدم الاحتفاظ بسجلات سليمة وليس في الجوانب القانونية الأكثر دقة بشأن العقوبات، ومهما يكن فإن بواعث القلق بشأن المعاملات البنكية المتعلقة بإيران قد تصاعدت قبل فترة طويلة من تجريم تحويلات المنعطفات في أواخر 2008. فمنذ 2003 بدأت بنوك أخرى التوقف عن تسوية تحويلات المنعطفات، وفي سبتمبر أيلول 2005 حذر المسؤولون الأمريكيون ستاندرد تشارترد من أن بنوكا أخرى يجري التحقيق معها فيما يتعلق بمعاملاتها الإيرانية، وأطلق البنك مراجعة داخلية باسم "المشروع غزال" قال تعميم هيئة نيويورك إن من وضعها هو الرئيس التنفيذي للبنك في الإمارات العربية المتحدة ومدير المجموعة للامتثال والمخاطر التنظيمية. ويشير هذا إلى فيرجسون وأندرو هنتر حسبما تفيد وثائق علنية من تلك الفترة، وأبلغ مصدر مطلع رويترز أن كثيرين شاركوا على مدى ثلاثة أشهر في التقرير بما في ذلك عدد كبير من الدائرة القانونية ومن قسم الامتثال للوائح في البنك. وجرى تعميم التقرير على كبار المسؤولين التنفيذيين في البنك ومديري الشؤون القانونية وقسم الامتثال ومديري أنشطة العملاء الإيرانيين، ونتيجة لذلك توقف البنك عن إخفاء تفاصيل العملاء وقرر الانسحاب من أنشطته المتنامية للمدفوعات الإيرانية بالدولار الأمريكي. وقال المصدر إنه بعد قرار وقف "إصلاح" الوثائق توقفت الممارسة في يناير كانون الثاني 2006، لكن النشاط الإيراني كان أبعد ما يكون عن الانتهاء في تلك المرحلة حسبما أفادت رسالة بالبريد الإلكتروني بعث بها فيرجسون إلى ميدينجز بعد تسعة أشهر تقريبا وتحديدا في الخامس من أكتوبر تشرين الأول 2006.

وقالت الرسالة حسبما ورد في تعميم هيئة نيويورك "نعتقد أن (النشاط الإيراني) بحاجة إلى مراجعة عاجلة على مستوى المجموعة لتقييم ما إذا كانت عوائده ومنافعه الاستراتيجية ... مازالت تتناسب مع احتمال أن يلحق ضررا بالغ الخطوة بل وماحقا لسمعة المجموعة." وأضافت "يوجد خطر لا يقل أهمية لتعريض الإدارة في الولايات المتحدة ولندن (أنا وأنت على سبيل المثال) وفي أماكن أخرى لإضرار بالسمعة الشخصية و/أو مسؤولية جنائية خطيرة، وأحجم ستاندرد تشارترد عن تحديد هوية الشخصية الموجهة إليها الرسالة التي جاءت مباشرة بعد أن طلب مسؤولو نيويورك من البنك إحصاءات عن معاملات المنعطفات التي قام بها حيث كانت السلطات الأمريكية تصعد تضييقها على المعاملات الإيرانية، وبعد عدة أيام من رسالة فيرجسون قام ميدينجز بزيارة لمكتب ستاندرد تشارترد في نيويورك وبعد الاجتماع الذي قيل إنه وجه فيه السباب للأمريكيين سرع البنك وتيرة تصفية أعماله مع العملاء الإيرانيين، لكن ثمة سؤالين كبيرين. هل كان ستاندرد تشارترد سيطلع السلطات على كل ما كشفه التحقيق الداخلي؟ ومتى كان سيفعل ذلك؟، هذا جانب حرج من القضية وينطوي على كثير من الأسئلة التي مازالت بلا إجابة حتى الآن وهناك تباين كبير بين الروايات التي يقدمها البنك وتلك التي تقدمها هيئة الخدمات المالية في نيويورك، يقول لوسكي إنه بدلا من إبلاغ المسؤولين بعدد 2626 معاملة منعطفات إيرانية قيمتها 16 مليار دولار اكتشفها البنك لعامي 2005 و2006 فقط فإنه سلم بيانات ما لا يزيد على أربعة أيام من تلك المعاملات، ووصفت الهيئة الأمريكية ذلك بأنه "تغطية مذهلة أخرى" وهي تزعم أن ذلك "التمييع" أقنع مسؤولي نيويورك في 2007 بإلغاء اتفاق مكتوب وافق عليه البنك في 2004 بعد قضايا غسل أموال سابقة تضمنت أوجه قصور في مراقبته للأنشطة المريبة، ويقول لوسكي إن ستاندرد تشارترد لم يجر تحقيقا داخليا آخر بشأن إجراءاته السابقة إلا بعد اتصال من سلطات إنفاذ القانون في أوائل 2009.

من ناحية أخرى يصر البنك على أن "المجموعة عملت طوال الوقت للالتزام والالتزام الفائق بالعقوبات الأمريكية واللوائح الحاكمة لمدفوعات المنعطفات." لكن البنك لم يوضح لماذا استغرق حتى 2009 كي يجري تحقيقا ثانيا، ويقول ستاندرد تشارترد إنه أوقف كل الأنشطة الجديدة مع العملاء الإيرانيين بكل العملات قبل خمس سنوات. وقال إنه عمد طوعا في يناير كانون الثاني 2010 إلى إطلاع المسؤولين الأمريكيين على أنه بدأ مراجعة للمعاملات بين 2001 و2007، ويبذل ستاندرد تشارترد جهودا مضنية الآن للحد من الأضرار. ويخشى البعض داخل البنك من خطر سحب ترخيص الأنشطة المصرفية ويبدون تخوفا من ظهور مزيد من المذكرات المثيرة للحرج الموجهة لمسؤولين تنفيذيين كبار. وتقول هيئة نيويورك إن لديها أدلة أخرى غير تلك المنشورة في التعميم الصادر بما في ذلك أدلة على عمليات مماثلة تشمل ستاندرد تشارترد وبلدانا أخرى رزحت تحت عقوبات أمريكية مثل ليبيا وميانمار والسودان، وبحسب مصادر مطلعة يجري ستاندرد تشارترد محادثات لتسوية الأمر مع عدد من مسؤولي إنفاذ القانون بمن فيهم مسؤولو هيئة الخدمات المالية في نيويورك. وقالت تلك المصادر إن مفاوضات التسوية قد تسفر عن حل خلال الأسبوع لكنها في مرحلة حرجة وقد تنهار، وقالت المصادر إن جانبا من المحادثات يجري مع مسؤولين اتحاديين في حين تجري مفاوضات منفصلة مع هيئة بنوك نيويورك مما يبرز الانقسام القائم بين مسؤولي نيويورك وسائر الجهات التنظيمية، وطالب لوسكي بمثول مسؤولي ستاندرد تشارترد بمكتبه القادم لتوضيح لماذا ينبغي السماح للبنك بالاستمرار في العمل في نيويورك. وظلت تلك الجلسة على جدول المواعيد. وقد تفضي التسوية إلى غرامة تصل إلى مليار دولار موزعة على الهيئات الرقابية حسبما قال سايمون موجان المحلل في مجموعة أوليفتري المالية في لندن، ويحتاج البنك إلى احتواء النزاع وإذا امتد إلى جلسة 15 أغسطس آب فإن الأمر قد يصل إلى تجميد رخصته وهو ما سيلحق أضرارا مدمرة. وقال موجان "سيكون ذلك عائقا خطيرا أمام البنك ونتوقع أن يؤدي إلى انخفاض حاد في سعر السهم وربما نهايته كمؤسسة مستقلة. بحسب رويترز.

الى ذلك قالت هيئة الخدمات المالية في نيويورك إن بنك ستاندرد تشارترد وافق على دفع 340 مليون دولار لتسوية إدعاءات بأنه أخفى تعاملات مع إيران عن الجهات التنظيمية، وقالت الهيئة في بيان إنه بالإضافة إلى العقوبة المدنية فقد وافق البنك على تعيين مراقب لمدة عامين على الأقل لتقييم القيود التي يفرضها البنك على عمليات غسيل الأموال في فرعه في نيويورك، وأضافت أنها أرجأت أيضا جلسة كان من المقرر أن تعقد ليعرض فيها البنك بناء على طلب الهيئة الأسباب التي ينبغي معها عدم سحب رخصة البنك للعمل في نيويورك، وجاء في البيان "اتفق الطرفان على أن السلوك محل الخلاف تضمن صفقات لا تقل قيمتها عن 250 مليار دولار، وقال متحدث باسم ستاندرد تشارترد بشأن قرار قبول التسوية "كان قرارا عمليا يصب في مصلحة المساهمين والعملاء، واضاف أن البنك ما زال يجري محادثات مع جهات تنظيمية أمريكية أخرى وأن إعلانا بشأن توقيت أي حلول سيصدر في الوقت المناسب، وكان بنجامين لوسكي مدير هيئة الخدمات المالية في نيويورك قد أصدر تلك المزاعم بشأن ستاندرد تشارترد في السادس من أغسطس آب واصفا البنك بأنه "مؤسسة مارقة" لانتهاكه العقوبات الأمريكية، وجاء إعلان بعدما سافر بيتر ساندز الرئيس التنفيذي للبنك - الذي نفى المزاعم بشدة إلى نيويورك لتولي جهود البنك للتوصل إلى تسوية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/آب/2012 - 4/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م