فلسطين وضيق الافق الإسرائيلي

 

شبكة النبأ: تشهد الأوضاع السياسية على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية مزيدا من التعقيدات في ظل ركود اتفاق المصالحة وانسداد الفضاء السياسي، في الوقت الذي تزيد حالة الارتباك التي تجتاح الشرق الأوسط من الضغوط لاستئناف عملية السلام المتعثرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ومعالجة مشكلة كبرى في المنطقة ترى القوى الكبرى أن بوسعها حلها أذا توفرت الثقة الكافية لدى الطرفين، لكن مازالت التدخلات الإسرائيلية السافرة بحق الشعب الفلسطيني، تشكل انتهاكات حقوقية تستوجب المسائلة القانونية الدولية، إذ صارت الحقوق الفلسطينية ريشة في مهب ريح الانتهاكات الإسرائيلية، ولاسيما من حيث تزايد أساليب القمع والعنف و أشكال الانتهاكات والممارسات العقابية كافة، كما هو حاصل في الآونة الأخيرة، إذ تم الغاء اجتماع لمبعوثين من حركة عدم الانحياز كان مقررا في الضفة الغربية المحتلة بعد ان منعت إسرائيل ممثلي اربع دول لا تربطها معهم علاقات دبلوماسية من الحضور إلى رام الله، كونها خطوة لرفع وضع الفلسطينيين إلى دولة غير عضو لدى الامم المتحدة، في المقابل اتهمت القيادة الفلسطينية إسرائيل بمحاولة ابتزازها لثنيها عن التوجه إلى الأمم المتحدة، فمازال مشروع إسرائيل هو إتباع سياسات الإهمال والحرمان وفرض العقوبات الجماعية والفردية وغيرها من الانتهاكات التي تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، كنار حامية ضد مستقبل مشرق للحقوق الفلسطينية.

اجتماع رام الله

فقد منعت اسرائيل أربعة وزراء خارجية لدول مشاركة في اجتماع لجنة فلسطين في حركة عدم الانحياز من الدخول الى الاراضي الفلسطينية وحضور الاجتماع الذي كان من المفترض عقده في مدينة رام الله، وأدى ذلك الى الغاء الاجتماع وتنديد الجانب الفلسطيني الذي اتهم الحكومة الاسرائيلية بمحاولة ابتزاز القيادة الفلسطينية لثنيها عن التوجه مجددا للامم المتحدة لنيل الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة غير عضو في الجمعية العامة، قابل الجانب الفلسطيني المنع الاسرائيلي الاخير بالاصرار على التوجه مجددا الى الاروقة الاممية والتأكيد على رفض عرض قدمه مبعوث رئيس الوزراء الاسرائيلي لرئيس دائرة شؤون المفاوضات الفلسطينية في آخر لقاء جمع بينهما يقضي بالافراج عن خمسين معتقلا فلسطينيا من أصل مائة وثلاثة وعشرين اعتقلوا قبل توقيع اتفاقيات أوسلو مقابل العودة للمفاوضات الثنائية.

وأكد رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية د. صائب عريقات لبي بي سي أن قضية الافراج عن المعتقلين القدامى داخل السجون الاسرائيلية هي التزام على الحكومة الاسرائيلية بموجب المادة الثالثة من اتفاق شرم الشيخ الذي ابرم بين الجانبين عام 1999، واضاف عريقات: "اسرائيل تتعامل مع هذه القضية بالتجزئة وهذا غير مقبول على الاطلاق، يجب على اسرائيل الافراج عن 123 معتقلا فلسطينيا موجودين داخل سجونها منذ ما قبل اتفاقية أوسلو، هذا ليس طلبا فلسطينيا بل هو التزام على اسرائيل وهي تتهرب منه"، وأشار عريقات الى أن استئناف المفاوضات يتطلب الوقف الكامل للنشاطات الاستيطانية بما يشمل تلك الدائرة في مدينة القدس والقبول بمبدأ الدولتين على حدود عام 67، نفت اسرائيل ان تكون قد اتخذت اجراءات لمنع السلطة من التوجه الى الامم المتحدة وقالت انها تنصح الجانب الفلسطيني دائما بعدم اللجوء الى المحافل الدولية، وقال المتحدث باسم الخارجية الاسرائيلية ليئور بن دور لبي بي سي: "نحن نقترح على الفلسطينيين أن لا ينسوا ان المسافة بين رام الله والقدس هي فقط بضعة كيلومترات، نحن جاهزون لاستئناف المفاوضات وننصح الفلسطينيين بعدم اللجوء الى المحافل الدولية والاممية لفرض الامر الواقع على الاسرائيليين، هذا لن يجدي نفعا"، وكانت وزارة الخارجية الاسرائيلية قد اعتبرت في وقت سابق نية الجانب الفلسطيني التوجه للجمعية العامة مجددا خطوة "لتحسين علاقاتها العامة مع المجتمع الدولي"، حسب إسرائيل، يأتي ذلك بينما أعربت الولايات المتحدة الامريكية عدة مرات عن موقفها المعارض كذلك للنية الفلسطينية العودة مجددا الى الاروقة الاممية واصفة ذلك "بالاجراء الاحادي الجانب"، رجحت الأوساط الفلسطينية ان تقدم القيادة الفلسطينية طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية الى الجمعية العامة في سبتمبر/أيلول المقبل، وهو ما يعتبره كثير من الفلسطينيين خطوة هامة ضمن استراتيجية دبلوماسية لمستقبل الحقوق الفلسطينية. بحسب البي بي سي.

فقد أشار المحلل السياسي الفلسطيني، خليل شاهين، الى أهمية هذه الخطوة الفلسطينية لسببين: الاول أن تقديم مشروع الطلب الى الجمعية العامة يختلف عن تقديمه الى مجلس الامن في الامم المتحدة إذ يتيح تقديم مشروع الطلب الى الجمعية العامة هذه المرة، وفي حال أن تم، يتيح للجانب الفلسطيني وضع العديد من المطالب بالاضافة الى أهمية التفكير الفلسطيني باليوم التالي لتقديم الطلب مجددا للجمعية العمومية، وقال شاهين لبي بي سي: "لا يمكن لأي سياسة أن تنجح على صعيد الامم المتحدة وجذب دعم المجتمع الدولي الا اذا استندت الى تغيير متدرج ودؤوب لميزان القوى الموجودة على الاراضي الفلسطينية، الامر الذي يتطلب توسيع دائرة المقاومة الشعبية السلمية وتحقيق المصالحة الفلسطينية واعادة توحيد النظام السياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة على مستوى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير"، وتصر القيادة الفلسطينية، حتى هذه اللحظة، على التوجه للجمعية العامة في الامم المتحدة ورفع طلب الحصول على العضوية غير الكاملة "لدولة فلسطين" لتحقيق أهداف تصفها بالمشروعة وعلى رأسها الاعتراف الدولي بحدود عام سبعة وستين كحدود للدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، يأتي ذلك بينما تعقد لجنة المتابعة العربية اجتماعا لها مطلع الشهر المقبل لبحث دعم التوجه الفلسطيني المستقبلي الى الامم المتحدة.

رفض إسرائيل

من جهته قال مبعوث اسرائيل لدى الأمم المتحدة إن سعي الفلسطينيين لرفع وضعهم في المنظمة الدولية سيجد دعما من الأغلبية هناك لكن هذا لن يقربهم من إقامة الدولة والسلام مع اسرائيل، وقال الفلسطينيون إنهم سيجددون محاولتهم للحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بهم كدولة مستندين إلى تعثر جهود السلام والبناء الاستيطاني الاسرائيلي في الضفة الغربية، واتهم رون بروسور السفير الاسرائيلي في الأمم المتحدة الفلسطينيين بمحاولة استعادة الاهتمام الدولي الذي تحول إلى الأزمات في إيران ومصر وسوريا، وقال بروسور لراديو اسرائيل في مكالمة هاتفية "هناك محاولة (من جانب الفلسطينيين) لاتخاذ خطوات من جانب واحد لتدويل الصراع، وأضاف "لكن بخلاف ما قد يكون مشاعر إحباط من المهم أن نتذكر أن الطريق إلى السلام يمر حقا عبر مائدة التفاوض مع اسرائيل، ويستلزم حصول الفلسطينيين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة موافقة مجلس الامن حيث من المرجح أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) نظرا لطلبها أن يتوصل الفلسطينيون إلى اتفاق مع اسرائيل فيما يتعلق بإقامة دولتهم، لذلك فإن الفلسطينيين - فيما يصفونها بأنها خطوة مؤقتة - يعتزمون أن يطلبوا من الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر المقبل منحهم وضع المراقب لدولة غير عضو مما سيتيح لهم الانضمام لعدد من وكالات الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية. بحسب رويترز.

والفلسطينيون حاليا هم "كيان" مراقب بالأمم المتحدة دون أن يكون لهم حق التصويت. ولم تدم طويلا محاولة مماثلة لرفع وضع الفلسطينيين وسط عقوبات مالية وحملة دبلوماسية مضادة من اسرائيل والولايات المتحدة، وقال بروسور إن لدى الفلسطينيين "أغلبية مضمونة" في الجمعية العامة المؤلفة من 193 عضوا وهي كافية لمنحهم وضع المراقب غير العضو وهو ما توقع المبعوث أن يستخدم في "إيذائنا" أي إيذاء اسرائيل في العديد من المحافل الدولية، واتهمت اسرائيل الرئيس الفلسطيني المدعوم من الغرب محمود عباس بالتوجه إلى الأمم المتحدة كي يتجنب المفاوضات التي ستؤدي إلى حلول وسط فيما يتعلق بالأراضي وفي الوقت ذاته ستعيد له السيطرة على غزة التي فقدها في صراع مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 2007، وقال بروسور في تصريحات منفصلة لراديو الجيش الاسرائيلي "في واقع الأمر فإن أبو مازن (عباس) ليست لديه سيطرة على الإطلاق في غزة" مضيفا أن الحملة التي يشنها الفلسطينيون في الأمم المتحدة "لن تغير شيئا على أرض الواقع"، وجعل الفلسطينيون من تجميد البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية شرطا للعودة إلى محادثات السلام، وتتعلل اسرائيل بوجود روابط توراتية وتاريخية في الضفة الغربية وتقول إن قضية الاستيطان يجب تسويتها عبر التفاوض.

الرد الفلسطيني

في المقابل كشف وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي عن انه سيتم ايداع طلب الحصول على دولة غير عضو في الأمم المتحدة خلال الاجتماع السنوي للجمعية العامة للمنظمة الدولية في سبتمبر ايلول ولكنه لم يحدد موعد طلب التصويت عليه وهو اجراء قد يعزز مطالب الفلسطينيين بدولة بعد تعثر المحادثات مع اسرائيل، ومثل هذا الوضع يشبه وضع الفاتيكان وسيكون اعترافا غير مباشر بمطالباتهم بدولة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. وستمكنهم من الانضمام الى عدد من وكالات الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، ويقول الفلسطينيون ان قيام اسرائيل ببناء مستوطنات في أراضي الضفة الغربية المحتلة أحبط احتمالات التوصل الى اتفاق ثنائي بشأن الدولة. والخلافات بشأن القضية أدت الى تعثر المفاوضات في عام 2010، وقال المالكي للصحفيين في رام الله "استطيع ان اقول ان السيد الرئيس (محمود عباس) في مشاركته في الجمعية العامة في دورتها القادمة وعندما يلقي خطابه المحدد له في 27 سبتمبر ايلول القادم سوف نتوجه الى رئيس الجمعية العامة وزير خارجية صربيا السابق وابلاغه ان فلسطين راغبة في التقدم بطلب للحصول على هذه الصفة (دولة غير عضو)، وأضاف "نريد من الدول مساعدتنا في المشاركة في صياغة مشروع القرار الذي سوف يقدم. وفي اللحظة التي ننهي فيها صياغة مشروع القرار وفي اللحظة التي سوف نتاكد اننا قد حصلناعلى الدعم المطلق من الدول الاعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة سنكون جاهزين للطلب من الجمعية العامة التصويت على مثل هذا القرار، وقال المالكي "اذن سوف يتم ايداع الطلب لدى الجمعية العامة منذ تلك اللحظة. سوف نبدأ في الاتصال والتواصل مع كافة مكونات الجمعية العامة من مجموعات اقليمية ومن دول فردية للحديث متى سيكون التاريخ المناسب (لطلب التصويت)، وأضاف انهم يتطلعون للحصول على 180 صوتا، ورفض المالكي تحديد تاريخ معين لطلب التصويت واكتفى بالقول انه "في العام 2012 سنحصل على دولة غير عضو في الامم المتحدة، وقال انه حالما يتحقق ذلك فان الفلسطينيين سيواصلون مساعيهم للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. لكن ذلك سيتطلب موافقة مجلس الامن وواشنطن، وأضاف المالكي ان هذا كفاح مستمر لن يتوقف وسيستمر حتى النهاية، وكانت حملة مماثلة في العام الماضي من جانب الفلسطينيين لم تستمر طويلا وسط معارضة من اسرائيل والولايات المتحدة التي قالت ان أي دولة فلسطينية يجب ان تقوم بالاتفاق مع اسرائيل، وضمت اسرائيل القدس الشرقية كعاصمة لها وهو إجراء لم يعترف به في الخارج وتقول انها ستضم اراضي من مستوطنات الضفة الغربية في اي اتفاق سلام يتم التوصل اليه في نهاية الامر. وانسحبت من جانب واحد من غزة في عام 2005، ولم يتوفر لدى مسؤولين اسرائيليين على الفور رد على اعلان المالكي. وفي السابق اتهمت اسرائيل حكومة عباس بمحاولة تجنب مفاوضات ستؤدي الى التنازل عن اراض وطلبت ان يعيد السيطرة على غزة التي خسرها لصالح حركة حماس في عام 2007، ويرى مراقبون ان ايداع الطلب دون تحديد موعد للتصويت عليه ربما يجنب الفلسطينيين الدخول في مواجهة مع الحكومة الامريكية بحيث تستمر النقاشات لصياغة مشروع القانون الى ما بعد الانتخابات الامريكية المقررة في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني، وقال المالكي "يجب ان نكون واعين بكل تبعات مثل هذه الخطوة. هناك اشارات وصلت ان الكونجرس قد يخرج علينا بتلك الخطوة (وقف المساعدات المالية).. هذا ايضا يجب ان ناخذه بعين الاعتبار ولكن يجب الا يخيفنا في عدم الذهاب الى الامم المتحدة للحصول على دولة غير عضو، وعبر جيفري انيسمان المتحدث باسم السفارة الامريكية في اسرائيل مجددا عن دعوة حكومة الرئيس باراك اوباما للفلسطينيين للدخول في مفاوضات مباشرة مع اسرائيل، وجعل الفلسطينيون وقف اسرائيل بناء مستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية العربية شرطا مسبقا للعودة الى محادثات السلام. بحسب رويترز.

وتقول اسرائيل ان قضية المستوطنات يجب ان تتقرر من خلال المفاوضات، وجاءت تصريحات المالكي للصحفيين ان الهدف من الاجتماع التاكيد "على دعمها (لجنة فلسطين) المطلق للقيادة الفلسطينية في توجهاتها ودعمها المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته والتحرر من الاحتلال والاستقلال والحرية، واوضح المالكي ان السلطة الفلسطينية بانتظار الحصول على موافقة دخول وزراء خارجية دول لجنة فلسطين في مجموعة عدم الانحياز الى الاراضي الفلسطينية، وقال "هناك بعض الدول لا تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل لا يمكنها ان تتقدم الى اسرائيل للحصول على فيزا (تأشيرة دخول) او المرور عبر الحواجز او النقاط الاسرائيلية، واضاف " نحن استكملنا كل الجهود. ما بقي حتى اللحظة وهو الاهم هو موافقة اسرائيل على دخول هؤلاء الى الارض الفلسطينية المحتلة، اوتضم قائمة الدول الاعضاء في لجنة فلسطين اندونيسا وجنوب افريقيا وزيمبابوي وزامبيا وماليزيا ومصر والسنغال وكولومبيا والهند وكوبا وبنجلادش والجزائر. وقال المالكي ان "الجزائر فضلت عدم المشاركة، واضاف "وزير الخارجية الاردني ناصر جودة سيكون ضيفا عزيزا على المؤتمر، ويتضمن جدول اعمال المؤتمر القاء عباس كلمة في الاجتماع وقال المالكي "السيد الرئيس (عباس) سيطلب دعم الحركة للتوجه الى الأمم المتحدة للحصول على دولة غير عضو، وتابع " سيتحدث كافة رؤساء الوفود في الاجتماع ثم سيعرض للنقاش اعلان رام الله وهو اعلان سياسي بكل مكوناته يعبر عن دعمه وتاييده لفلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف واقامة الدولة ويدين الاستيطان ويدين كل ما تقوم به اسرائيل ويعبر عن دعم القيادة الفلسطينية وتوجهها الى الامم المتحدة، وأضاف "اعلان رام الله في حال تم اعتماده سيكون اعلانا تاريخيا كجزء من تاريخ حركة عدم الانحياز وموقفها المساند للقضية الفلسطينية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/آب/2012 - 4/شوال/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م