احذية بقياسات مختلفة... محاولة في اعادة تعريف الاشياء

حيدر الجراح

شبكة النبأ: اين اصبح منتظر الزيدي؟ هل تذكرونه؟ قذف حذاؤه بوجه بوش في مؤتمر صحفي، سجن، اطلق سراحه، تحصّل على الكثير من الوعود، هتفت البغدادية باسمه، رفعته الجزيرة القطرية فوق الرؤوس، هو وحذاؤه، تزوج، ربما انجب، اين هو الان؟ لا اعرف ولا اريد ان اعرف مصير بطل الحذاء العربي.

الحذاء: غطاء للرأس يرتديه الانتهازيون.

الحذاء بطولة، القذافي كان يصنع الكثير من الاوهام والبطولات كما تعودنا عليه، صنع تمثالا لحذاء الزيدي، قبل ان ينتف شعره الليبيون ويقتلوه، انا عمكم: هكذا كان يصيح بالجرذان والمدمنين.

الجيش الحر ينشر عمليات القتل التي يقوم بها على الانترنت، هناك من يسانده، الكثيرون يساندونه، الشعب يريد رحيل النظام، وشعارات الربيع العربي هي الفوضى البديلة.

الربيع العربي: شتاء المدنيات القارس.

الحذاء بطولة، لماذا ليس لدينا مثل ميسي الذي صنعت له شركة اديداس الشهيرة حذاءا خاصا؟ اين موقعنا كعرب ضمن تسلسل الابطال في دورة الالعاب الاولمبية الاخيرة؟

سنحرر القدس بحذاء محمود عباس الرئيس الفلسطيني والذي يبلغ ثمنه عشرون الف دولار. ماذا عن الحفاة خلفه؟ لابأس من صورة جماعية مع العرعور.

للحذاء تاريخ، كما تخبرنا المدونات التاريخية، ولكل حذاء قصة، هل تذكرون حذاء خروتشوف في الجمعية العامية ايام عز الاتحاد السوفياتي؟ ذهب خروتشوف، وذهب حذاؤه، وتفكك الاتحاد السوفياتي، وبقيت اصداء القرع على الطاولة في التاريخ الذي برع في كتابته المهزومون، وكذّب ذلك ما قاله الكاتب الروسي نكسيم غوركي (ان زوجا قويا من الاحذية ذات الرقبة سوف يقدم خدمة اعظم لتحقيق الانتصار النهائي للاشتراكية اكثر مما تقدمه العيون السوداء).

(قَرَّرَ أَنْ يَرْتَقِيَ مِنَ إِسْكافِيٍّ إلى حَذَّاءٍ ). يقول حنا مينة الروائي الروسي.

هل تشبه قولنا كان معارضا للنظام في بلاده واصبح في السلطة الان؟

أحذ... في بعض معانيها تعني: خفيف اليد، هل تشبه قولنا المرتشون يتمتعون بخفة اليد؟

للأحذية مغزى رمزي واضح في التوراة، فهناك على الأقل بضع صور مجازية مرتبطة بالحذاء.

قد تدل سيور الحذاء أو شراك النعل على الرخص وتفاهة القيمة لأن النعل قطعة بسيطة من الجلد تشد إلى القدم بسيور أو أربطة بسيطة الصنع رخيصة الثمن، حتى صار رخص ثمنها مضربًا للأمثال: (لأنهم باعوا البار بالفضة والبائس لأجل نعلين).

من مفهوم رخص ثمن الحذاء، جاءت فكرة أن الحذاء يمثل أكثر الأشياء وضاعة، كما أنه كان لكل رجل غني آنذاك عبد يحضر له الحذاء ويلبسه إياه ويربط له سيوره أو يحلها، ومن هنا يمكن فهم ما قاله يوحنا المعمدان عن نفسه بالنسبة للمسيح: (لست أنا أهلًا أن أحمل حذاءه) أو (لست أهلا ً أن أنحني وأحل سيور حذائه).

يعبر لبس الحذاء عن الرحيل أو الاستعداد له، وهكذا كان على بني إسرائيل أن (يأكلوا خروف الفصح وأحذيتهم في أرجلهم). أي أن يكونوا على استعداد للرحيل فورا، وذلك لأن النعال لم تكن تلبس داخل المنازل.

كانت النعال تبلى من السير على الأقدام مسافات طويلة. ومن ثم كان عدم بلائها دليلًا قويًا على عناية الله بشعبه في ارتحالهم في البرية طيلة أربعين سنة، كما لم يكن تلميذ المسيح في حاجة إلى أخذ حذاء آخر غير الذي في قدميه في رحلاته التبشيرية.

يرمز اتساخ الأحذية من السير في الطريق إلى الفساد الروحي، لذلك كان الشخص عند دخوله إلى المنزل، يخلع نعليه، وبالأولى عند دخوله إلى مكان مقدس، ولهذا كان على موسى أن يخلع حذاءه من رجليه لأن الموضع الذي كان يقف عليه كان أرضا مقدسة، وكذلك يشوع. إلا أنه عند النوح على ميت كان النائح لا يلبس نعليه حتى خارج البيت علامة على الحزن، ولعله لنفس السبب كان النائح يهمل كل زينته.

هناك صورة أخرى بارزة، حيث كان الحذاء يدل على نقل الملكية أو المسئولية من شخص إلى آخر، فقد كانت (العادة سابقًا في إسرائيل) في أمر الفكاك والمبادلة (في التجارة وإتمام الصفقات) أن (يخلع الرجل نعليه ويعطيه لصاحبه لأجل إثبات كل أمر)، وهو ببساطة شكل خاص من أشكال العربون المستخدم في إجراء الصفقات التجارية.

كان لخلع النعل مضامين متعددة، فعندما يرفض رجل أن يقوم بواجبه نحو زوجة أخيه المتوفى بدون نسل، بأن يتزوجها متحملًا مسئولية إقامة بيت ونسل لأخيه المتوفى، (تتقدم امرأة أخيه إليه أمام أعين الشيوخ وتخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه وتصرخ وتقول: هكذا يفعل بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه، فيدعى اسمه في إسرائيل بيت مخلوع النعل.

للاحذية ذات الكعب العالي مدلولات جنسية كثيرا ما وظفتها المواقع الاباحية في صفحاتها التي تكون عادة تحت عنوان (هاي هيلز). وهو ما نجد شبيها له في المسلسل الامريكي (الجنس والمدينة) وان بصورة اقل اباحية كما في تلك المواقع.

ف (المانولو) هو حذاء المسلسل التلفزيوني (الجنس والمدينة) (في احدى الحلقات ايقنت احدى البطلات انه كان بامكانها ان تدفع مقدم ثمن شقة في نيويورك بما انفقته على الاحذية). والمانولو هو اصطلاح عام للدلالة على الاحذية ذات الكعب العالي، وايحاء للملاحظة التي ابدتها مادونا عن ان الاحذية لا تقل جمالا عن الجنس لكنها (تدوم لفترة اطول).

وهناك ترابط بين الاقدام التي ترتدي الاحذية وبين الايحاء الجنسية التي تثيرها، تخيلا او مشاهدة، فالقدم عضو مثيرو الحذاء هو غطاؤها الجنسي، هذا ما كتبه ويليام روسي الاختصاصي في العناية بالقدم في كتابه (الحياة الجنسية للقدم والحذاء) فالحذاء هو مسمار الفاحشة في القدم.

ويعترض هارولد كودا امين معهد الازياء في متحف متروبوليتان للفنون: (الحذاء ليس مسمار الفاحشة للقدم، بل العكس هو الصحيح، فالقدم هي الحذاء، فالحذاء هو الشيء الجنسي).

والحذاء صديق في زمن يعز فيه الاصدقاء، او هو بديل عن ذلك الصديق،

(لماذا الاحذية؟ انها تناسبك سواء في حالة زيادة الوزن او نقصه. تجعلني اشعر اني جميلة، تجعلني ابدو مغرية للجنس الاخر، انها احد المضادات العظيمة للاكتئاب، ليس عندي حيوان اليف او صديق، عندي حذائي) هكذا تقول جوان هيني الفائزة بمسابقة حيازة اكبر عدد من الاحذية التي اجرتها احدى سلاسل متاجر الاحذية في كندا.

اختم بقصيدة لأحمد مطر بعنوان (حذاء الأحذية ):

قلت للاسكافي أحتاج لنعل

خشن الجلدة.. براق الطلاء

أومأ الأسكافي للرف ورائي

وقال: خذ واحدا من هؤلاء

كان فوق الرف صفا من مئات الشعراء

صعب الأمر على قلبي وأبديت استيائي

قال: لا أكذبك صدق

ان هذا الصنف مخصوص

للبس الخلفاء

قلت: اني أبتغي نعل لرجلي

أنا لم أطلب حذاءا لحذائي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/آب/2012 - 29/رمضان/1433