العراق والتهديدات التركية... صراع سياسي يستحضر التاريخ

 

شبكة النبأ: يخشى الكثير من المراقبين والمتخصصين من اتساع رقعة الخلاف السياسي بين العراق وتركيا بسبب الخطاب المتشنج بين قادة الدولتين والذي اتخذ منحنى تصاعدي خطير يهدد استمرار العلاقات الثنائية بين البلدين، ويرجح بعض المراقبين ان هنالك مساعي حثيثة من قبل تركيا للتدخل المباشر في الشؤون الداخلية للعراق مستغلة بذلك الخلافات السياسية القائمة بين الكتل والاحزاب المتنفذة بهدف ايجاد حلفاء لهم تأثير مباشر لأجل الحفاظ على المصالح التركية في المنطقة، وفيما يخص التطورات الاخيرة بين العراق وتركيا والتي اتت على خلفية الزيارة الاخيرة التي قام بها وزير الخارجية التركي الى العراق من دون علم الحكومة العراقية التي أعدته تدخل سافر وانتهاك لسيادة بلد مستقل وفي هذا الشأن فقد قدم العراق احتجاجا رسميا لمبعوث تركيا في بغداد بعد قيام وزير الخارجية التركي. وردا على ذلك استدعت تركيا السفير العراقي في انقرة وحذرته قائلة انه يتعين على بغداد ان "تتوخى الحذر" في تصريحاتها. وهذه أحدث حلقة في سلسلة من الخلافات الدبلوماسية والاستدعاءات المتبادلة للسفراء بين الجارتين ومن المرجح أن تزيد علاقاتهما توترا.

لكن وزارة الخارجية العراقية اتهمت تركيا بانتهاك الأعراف الدبلوماسية بالزيارة وقالت إن داود اوغلو لم يطلب إذنا لزيارة كركوك. وقال بيان قوي اللهجة لوزارة الخارجية العراقية إن وكيل الوزارة سلم القائم بالأعمال التركي مذكرة احتجاج. وقال البيان "تضمنت المذكرة طلب الحكومة العراقية تفسيرا عاجلا لما حدث من الحكومة التركية."

وقال مسؤول ان وزارة الخارجية التركية استدعت اكبر دبلوماسي عراقي لدى البلاد. وأضاف المسؤول بوزرة الخارجية الذي طلب عدم نشر اسمه "قام وزير الخارجية التركي بالزيارة (لكركوك) بطريقة شفافة. لا يوجد برنامج سري." واضاف ان داود اوغلو تشاور مع المسؤولين الاكراد في اربيل قبل التوجه الى كركوك فيما وصف بانه اول زيارة الى المدينة يقوم بها وزير خارجية تركي منذ 75 عاما.

وتعرضت العلاقات بين أنقرة وبغداد لأزمة في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية من العراق العام الماضي عندما سعت بغداد لاعتقال طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي الذي فر إلى كردستان ومنها إلى أنقرة التي منحته اللجوء. وعقب ذلك تبادل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ونظيره التركي طيب اردوغان الانتقادات الحادة.

وقالت قناة ان.تي.في ان داود اوغلو اجتمع مع اياد علاوي منافس المالكي وزعيم كتلة العراقية.

وقال علاوي في مقابلة مع القناة ان الازمة السياسية الحالية قد تسفر عن تفكك العراق. واضاف في تعليقات ترجمت الى اللغة التركية على موقع القناة ان السبيل الاول لأنهاء عدم الاستقرار السياسي هو اقتسام السلطة مضيفا ان الدستور يعطي البرلمان الحق في تغيير الحكومة. ومضى قائلا انه اذا لم يتقبل المالكي اقتسام السلطة فسوف يتوجهون الى البرلمان لإجراء اقتراع لحجب الثقة. بحسب رويترز.

والعراق وتركيا على خلاف أيضا بشأن الصراع في سوريا حيث اصبحت أنقرة إحدى الداعمين الرئيسيين للمعارضة المسلحة في حين رفضت بغداد تأييد دعوات للرئيس بشار الأسد للتنحي. والعراق ثاني أكبر الشركاء التجاريين لتركيا بعد ألمانيا حيث بلغ حجم التجارة بينهما 12 مليار دولار في العام الماضي أكثر من نصفها مع اقليم كردستان.

على صعيد متصل قال نائب محافظ كركوك ركان سعيد "لم نبلغ بالزيارة الا قبل نصف ساعة، ونحن نرى ان هذه الزيارة هي شخصية وليس لها هدف دبلوماسي وسياسي ما دامت لم تمر عبر القنوات الرسمية الاتحادية". واعتبر من جهته الشيخ عبد الرحيم مرشد العاصي القيادي في المجلس السياسي العربي في المدينة ان "زيارة داود اوغلو لم تتم عبر بوابة بغداد لذا نحن لا نؤيدها ونرفض اي مقررات قد تتم على خلفيتها ولا بد من احترام سيادة العراق وحكومته". الا ان رئيس الجبهة التركمانية ارشد الصحالحي اعتبر ان "على التركمان ان يعملوا على تقوية العلاقة مع تركيا، والشيعة مع ايران، والسنة مع دول الخليج، بما يحفظ للعراق وحدته".

وكان داود اوغلو قال خلال الزيارة التي استمرت بضع ساعات "كنت منذ مدة طويلة انوي زيارة كركوك لكنني اخترت شهر رمضان لانه شهر مبارك". واضاف ان "كركوك بتاريخها العريق ووضعها الحالي الخاص تشكل نموذجا للشرق الاوسط، قوتها تكمن في التعايش السلمي منذ عقود بين العرب والاكراد والتركمان". وتابع "نحن نرى ان كركوك غنية بثرواتها وتنوعها ولذا فانها ستكون من المدن الرائدة في الشرق الاوسط، ونحن كاتراك مستعدون لخدمة كركوك والعراق فصداقتنا ابدية ودائمة". بحسب فرنس برس.

واعلن المسؤول التركي عن توأمة قريبا بين كركوك ومدينة كونيا التركية، مسقط راسه، قائلا "اليوم تتحقق توأمة بين كركوك وكونيا التي انتمي اليها، هذه المدينة المشهورة بالتصوف، ولذا ادعو ادارة وجميع اعضاء مجلس المحافظة للاحتفال بالمناسبة في كونيا". وزار داود اوغلو خلال وجوده في كركوك مقر الجبهة التركمانية، وقلعة كركوك ومراقد دينية واثرية وقبور الضباط والجنرالات العثمانيين الذين دفنوا في مقبرة في القلعة.

اردوغان يدافع

على صعيد متصل دافع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان عن زيارة وزير خارجيته الى مدينة كركوك شمال العراق والتي اغضبت الحكومة العراقية. وقال اردوغان لتلفزيون "ايه تي في" انه من الطبيعي "ان يزور وزير يحمل جواز سفر احمر (دبلوماسي) منطقة ادارية (في شمال العراق) وبعد ذلك يتوجه الى كركوك التي لا تبعد سوى 40 كلم عن (اربيل) للقاء اقاربه".

وقال اردوغان ان العلاقات المتزايدة في مجال الطاقة بين تركيا وشمال العراق تتسبب في انزعاج السلطات العراقية. وقالت وزارة الخارجية العراقية ان الزيارة تمت دون الحصول على اذن مسبق من بغداد. واعتبرت الخارجية العراقية ان زيارة داود اوغلو لكركوك جرت "بدون علم وموافقة وزارة الخارجية ومن دون اللجوء الى القنوات الرسمية والدبلوماسية".

وفي خطوة مفاجئة ونادرة لمسؤول تركي، زار داود اوغلو كركوك (340 كلم شمال بغداد) آتيا من اربيل حيث التقى رئيس اقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي مسعود بارزاني. واجتمع داود اوغلو في المدينة الغنية بالنفط والتي يعيش فيها حوالى 900 الف نسمة يمثلون معظم اطياف المجتمع العراقي، بالمسؤولين المحليين فيها، وسط اجراءات امنية مشددة نفذتها عناصر من الشرطة وقوات كردية.

وتعمق زيارة داود اوغلو لكركوك التوتر الذي تشهده العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين على خلفية احداث سوريا واستقبال انقرة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي المطلوب للقضاء العراقي والغارات التي تشنها الطائرات التركية ضد مواقع لحزب العمال الكردستاني شمال العراق.

وتواجه كركوك الغنية بالنفط والتي يعيش فيها حوالى 900 الف نسمة يمثلون معظم اطياف المجتمع العراقي، تحديات ومشاكل مختلفة ابرزها التنازع على السلطة. ويطالب الاكراد بالحاق كركوك باقليم كردستان الشمالي فيما يصر العرب والتركمان على الابقاء عليها كمحافظة مستقلة مرتبطة بالحكومة المركزية.

الى جانب ذلك استدعت السلطات العراقية السفير التركي لديها للاحتجاج على تصريحات رئيس الوزراء التركي حول الوضع الداخلي في العراق، وفق ما اعلنت الخارجية العراقية على موقعها باللغة الانكليزية. وقال بيان الخارجية ان "نائب وزير الخارجية لبيد عباوي (اكرر لبيد عباوي) استدعى الى الوزارة السيد يونس ديميرير ليبلغه الاحتجاج القوي للحكومة العراقية اثر التصريحات الاخيرة للسيد رجب طيب اردوغان في ما يتعلق بالوضع السياسي في العراق التي تعتبر تدخلا غير مقبول في الشؤون الداخلية للبلاد".

واعرب عباوي عن "الامل في ان تكف الحكومة التركية عن الادلاء بتصريحات مماثلة تمس سيادة العراق وان تلجأ الى الدبلوماسية للتعبير عن رايها حيال الوضع الراهن في البلدين والمنطقة بهدف الحفاظ على علاقات ثنائية قوية". واتهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان نظيره العراقي نوري المالكي ب"الاستعراض" بعد تاكيد الاخير ان تركيا تتحول الى عدو في المنطقة. بحسب فرنس برس.

وقال اردوغان خلال مؤتمر صحافي في اسطنبول بعد عودته من زيارة لقطر "لقد رددنا عليه عن طريق وزارة الخارجية. اذا ما افسحنا كثيرا في المجال امام المالكي ليتكلم، نكون قد اعطيناه فرصة للقيام باستعراض، لا حاجة لتشجيعه في بحثه عن اهمية".وكان نوري المالكي اكد ان تركيا تتحول الى عدو في المنطقة بسعيها الى السيطرة والتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها.

اوغلو وبارزاني يتفقان

من جانب اخر اتفق وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو ورئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارازني على مواجهة اي محاولة لاستغلال الفراغ في السلطة في سوريا من قبل "جماعات متشددة". وذكر بيان نشره موقع رئاسة الاقليم الكردي ان داود اوغلو وبارزاني اتفقا ايضا على "التعاون والتنسيق في جهودهما" لمساعدة الشعب السوري "لتحقيق تطلعاته المشروعة لسوريا ديموقراطية حرة وتعددية".

وقال البيان الذي صدر حسب الموقع بعد لقاء داود اوغلو وبارزاني في اربيل عاصمة اقليم كردستان ان الجانبين اعربا عن "قلق عميق ازاء عدم الاستقرار والفوضى التي تعم سوريا". واضاف البيان ان داود اوغلو وبارزاني شددا على انه "سيتم النظر في اي محاولة لاستغلال الفراغ في السلطة من قبل اي جماعة او تنظيم متشدد وان امرا كهذا يعتبر تهديدا مشتركا وينبغي معالجته بتنسيق مشترك".

وتابع "يجب ان تكون سوريا الجديدة خالية من المجموعات والمنظمات المتشددة والارهابية المتطرفة". وكانت انقرة اكدت انها ستتخذ "كافة الاجراءات" لمنع تمركز "خلايا ارهابية" في المناطق الحدودية مع سوريا حيث تتهم تركيا النظام السوري بتسهيل تمركز انفصاليي حزب العمال الكردستاني المتمرد.

وجاء ذلك في وقت اعلن حزب بارزاني ان قوات كردية قامت بتدريب اكراد سوريين في مخيمات اقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي "لملء اي فراغ امني بعد سقوط النظام السوري". ورأى داود اوغلو وبارزاني ان "الوضع في سوريا خطير وكارثي وتصرفات النظام السوري وسياسته في اثارة الصراع الطائفي والعرقي في تصاعد مستمر، والمستجدات في سوريا تمثل تهديدا للأمن والاستقرار الاقليمي". كما اكدا بحسب البيان على "التزامهما بالانتقال السلمي السياسي في سوريا" واتفقا على "التعاون والتنسيق في جهودهما بغية مساعدة الشعب السوري من اجل تحقيق تطلعاته المشروعة لسوريا ديموقراطية حرة وتعددية". بحسب فرنس برس.

وتتبنى الحكومة العراقية الاتحادية في بغداد والحكومة المحلية في اقليم كردستان تتبنيان موقفين متناقضين من الاحداث الجارية في سوريا التي تشهد نزاعا مسلحا قتل فيه الآلاف. وتدعو الحكومة الاتحادية في بغداد الى حل سلمي للنزاع المسلح المستمر منذ اذار/مارس 2011 وترفض تسليح المعارضة، في حين تتبنى سلطات اقليم كردستان موقفا متشددا حيال النظام السوري.

المالكي يحذر

من جهة اخرى حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من ان الدول التي تتدخل بشؤون دول اخرى في المنطقة "ستحترق"، مشيرا الى ان الفترة القادمة ستشهد "تهاوي دول". وقال المالكي في كلمة لمناسبة يوم الشباب العالمي ان "العراق اليوم جزء من منطقة تلتهب فيها نار في مختلف مفاصلها اشعلها اما جهلة حاقدون او اصحاب ارادات سياسية خارجية ومصالح". وحذر من انه "لا يحترق بها الجهلة والمفسدون والطائفيون واصحاب نظريات التوسع والامتداد، بل سيحترق بها الجميع". وتابع "لا تفكر دولة من الدول تتدخل وتمد يدها بشؤون دولة اخرى انها ستكون بمنأى قلناها في السابق وقلناها بالأمس وسنراها غدا، كل الذين يتحركون بالتدخل ونشر الافكار الهدامة ستعود عليهم اليوم او غدا". بحسب فرنس برس.

ورأى المالكي ان "الفترة ستطول وسنشهد دولا ايضا تتهاوى مرة اخرى"، مشيرا الى ان "ما تسمعونه من تحركات امنية على حدودنا من كل الجوانب التي تحيط بالبلد يعني اننا لا زلنا في قلب العاصفة". وحذر العراق في السابق من تداعيات النزاع الدامي في سوريا التي تتشارك معه بحدود بطول نحو 600 كلم، على الوضع الامني فيه. ويتهم العراق تركيا خصوصا بالتدخل في الشأن السوري، علما انه يرفض ايضا تسليح المعارضة السورية كما سبق وان طالبت دول عربية مثل السعودية وقطر، ويطالب بحل سياسي للازمة السورية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/آب/2012 - 25/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م