اجتياح القدس يصل الى نقطة اللاعودة

 

شبكة النبأ: اكتسبت مستوطنة جيفات هاماتوس اسمها الذي يعني (تل الطائرة) لأنها أقيمت في موقع اسقاط طائرة تابعة للقوات الجوية الاسرائيلية خلال حرب عام 1967 وقد تكون ايضا المكان الذي يتحطم فيه حلم الفلسطينيين بإقامة عاصمة دولتهم المستقبلية في القدس.

يقع (تل الطائرة) على المشارف الجنوبية لحدود مدينة القدس وهو أرض تتناثر فيها الصخور وتوجد بها منازل سابقة التجهيز من طابق واحد علاوة على بضعة اشجار من الصنوبر.

كانت هذه المنطقة تتسم بالهدوء لكنها أصبحت محور نشاط محموم في الأشهر الستة الماضية اذ أعلنت السلطات الاسرائيلية عن اعتزامها إنشاء 2610 وحدات سكنية و1110 غرف فندقية.

وتسير الموافقات بوتيرة أسرع من المتوقع لهذا من الممكن أن يبدأ البناء في وقت لاحق من العام الحالي لتبنى بذلك أول مستوطنة اسرائيلية جديدة منذ 15 عاما في القدس الحديثة الممتدة على عدد من التلال.

واذا حدث هذا فإنه سيعزل الأحياء التي يغلب على سكانها العرب بمدينة القدس عن بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة مما يعرض آمال الفلسطينيين في إقامة عاصمة مترابطة ومعها هدفهم بإقامة دولة مستقلة للخطر.

وقال دانييل سيدمان وهو محام اسرائيلي يراقب التطورات في الحضر والتي يعتقد أنها تؤثر على فرص السلام "لا تستطيع هذه الأرض المعذبة أن تتحمل كل هذا الكم من انتهاكات الأراضي دون أن نقتل الخيارات السياسية لإنقاذ حل الدولتين." وأضاف وهو يشير بإصبعه على خريطة للمنطقة لتعزيز وجهة نظره "ما يحدث في جيفات هاماتوس سيغير سير الأمور... الأحداث تتجه بسرعة الى الخروج عن نطاق السيطرة." بحسب رويترز.

ومن بين كل العقبات التي تقف في طريق تحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين فإن وضع القدس هو اكثر المشاكل المستعصية على الحل. وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لرويترز في وقت سابق هذا الشهر "هذه هي أصعب قضية رمزية بالنسبة لعملية السلام. إنها قضية مشحونة بالعواطف."

ويعتبر الاسرائيليون أن المدينة بالكامل بما في ذلك القدس الشرقية العربية وضواحيها بالضفة الغربية التي احتلتها اسرائيل عام 1967 "عاصمتهم الأبدية غير القابلة للتقسيم" والوطن الذي حلم به اليهود على مدى الفي عام من حياة المنفى والذي يوجد به حائط المبكى.

اما بالنسبة للفلسطينيين فإنه لا يمكن تحقيق السلام الا اذا اعادت لهم اسرائيل القدس الشرقية التي هي رمز لنضالهم الوطني وبها المسجد الأقصى وقبة الصخرة.

وفي غياب اتفاق او حتى مفاوضات ذات مغزى اتجهت اسرائيل الى تطوير المدينة وإقامة أحياء مبانيها مكسوة بالحجارة في أنحاء الأراضي التي ضمتها متحدية الانتقادات الدولية المستمرة.

وتشير سلسلة مقابلات أجريت في الآونة الأخيرة مع اسرائيليين وفلسطينيين الى أن التطوير وصل الى نقطة اللاعودة.

ولا تأتي الخطط التي توضع من اجل جيفات هاماتوس من فراغ. فالمسؤولون الاسرائيليون يسعون أيضا الى توسعة مستوطنتي جيلو وهار حوما القريبتين مما سيؤدي الى ظهور هلال خرساني واسع النطاق الى الشمال من بيت لحم.

ويتركز نحو 35 في المئة من النشاط الاقتصادي الفلسطيني على خط يمتد من بيت لحم عبر القدس الشرقية ومنها الى رام الله المركز الإداري للضفة الغربية الى الشمال من القدس. ويقول منتقدون إن المستوطنات الجنوبية ستلتهم هذه الوصلة.

وقال اشرف الخطيب وهو ناشط فلسطيني من القدس الشرقية "هذا مثل لف شريط حول إصبع وجذبه لتضييقه أكثر فأكثر الى أن ينقطع عنه الدم." وأضاف "لكن هذا ليس في الجنوب وحسب. الاسرائيليون يخلقون حقائق على ارض الواقع في شتى أنحاء المدينة الشرقية."

ومن أنصار هذه السياسة الفخورين آرييه كينج مؤسس صندوق أرض اسرائيل ومهمته المعلنة "استرداد ارض اسرائيل لشعب اسرائيل."

وفي ابريل نيسان نجح في طرد أسرة عربية من منزلها في حي بيت حنينا بعد أن قضت محكمة بأن المنزل اشتراه يهودي بطريقة قانونية. وعلى الفور نقل ستة مؤيدين شبان الى المنزل ووعد بمزيد من عمليات الإجلاء في الأشهر القادمة.

وقال كينج وهو يقف في الفناء الخلفي للمبنى المنخفض الذي حصل عليه مؤخرا "نحدد الملكيات في القدس الشرقية كلها. في القدس كل قطعة ارض مهمة. جمع كل الرقع مع بعضها يمكن أن يغير الواقع." وأضاف "الواقع الذي لا نريد أن نراه هو ذلك الذي سيؤدي الى كارثة تقسيم المدينة."

وحين رحلت قوات الإمبراطورية البريطانية عن فلسطين عام 1948 كانت الأمم المتحدة تعتزم وضع مدينة القدس تحت سيطرة دولية لكن جاءت الحرب وحين أنهتها هدنة سيطر الأردن على القطاع الشرقي بما في ذلك المدينة القديمة بأماكنهاالمقدسة. وسيطرت اسرائيل على القدس الغربية.

وبعد حرب عام 1967 اجتاحت اسرائيل خط الهدنة او الخط الاخضر وزادت حدود المدينة الى اكثر من المثلين. وفي عام 1980 أقر البرلمان قانونا يعلن القدس الموحدة عاصمة وطنية في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي قط.

ويقول فلسطينيون إن الحكام الجدد سعوا جاهدين لتغيير التركيبة السكانية فحدوا من الأراضي المتاحة للتطوير في الأحياء العربية وفرضوا قواعد للإقامة تؤدي الى خروج العرب وهدموا اكثر من الفين من منازلهم في القدس الشرقية.

ولم يكن لهذا تأثير يذكر على نسب أعداد السكان وزادت أعدادهم من 263 الفا عام 1967 الى نحو 800 ألف اليوم. ونسبة العرب في تزايد سريع اذ يحجم الاسرائيليون عن الاستيطان في مدينة يعرف عنها التوتر وتعيش بها أعداد متزايدة من اليهود المتدينين.

ويقول معهد القدس لدراسات اسرائيل إن 36 في المئة من السكان كانوا من العرب في عام 2009 مقابل 28 في المئة عام 1980 . ويقول مسؤولو المدينة إن الرقم سيصل الى 40 في المئة بحلول عام 2020 .

وقال سيدمان المحامي الاسرائيلي وهو الشخص الذي يقصده الدبلوماسيون الذين يسعون الى الحصول على معلومات بشأن تخطيط البلدة "القدس ليست مدينة يهودية ولا اسرائيلية لكنها مدينة ثنائية القومية. ليست مدينة موحدة."

والانقسامات عادة لا ترى بالعين المجردة. ونادرا ما يلاحظ ذلك الغرباء حين يعبرون من الغرب الى الشرق ويندهشون اذا رفض سائقو سيارات الأجرة اليهود نقلهم الى فنادق في المناطق التي يسكنها العرب خشية أن يرشقوا بالحجارة.

ويعبر سكان عن دهشتهم حين يعرفون أن الأحياء الراقية التي توجد بها منازل حديثة هي المستوطنات التي يجري التنديد بها في الخارج. وقال أوفير درور (36 عاما) وهو فني يعيش في هار حوما وهي ضاحية أنيقة بها شقق سكنية مكسوة بالحجارة البيضاء ويعيش بها 13 الف اسرائيلي وتطل على بيت لحم "هذا المكان ليس مستوطنة... اذا كنا نقيم وراء سور او خط فاصل فربما كنت ظننت هذا" معبرا عن دهشة واضحة من المفهوم.

والمفارقة أن على بعد مئات الأمتار من الإطار الخارجي من المساكن في هار حوما يعيش راعي أغنام فلسطيني يفصله عنها سياج. وفقد سعيد الظواهري ثلث ارضه فيما توسعت هذه المستوطنة في العقد المنصرم. ويرعى قطيع الأغنام الصغير الذي يملكه في مساحة ثلاثة أفدنة منعزلة عن بيت لحم التي تقع على مقربة خلف الأسلاك الشائكة.

ووضعت اسرائيل معظم اراضي الضفة الغربية خلف جدران وسياج بعد موجة هجمات انتحارية نفذها فلسطينيون في بداية العقد الماضي وأسفرت عن مقتل مئات الاسرائيليين. وأوقع هذا الظواهري في مأزق مع البيروقراطية.

وبعد أن حرم من تصريح إقامة في القدس يقول إنه لا يسمح له بالسفر الا الى بيت لحم ولكن لا يحق له تسجيل سيارة بلوحات معدنية اسرائيلية ليتحرك على الطرق المخصصة للاسرائيليين فقط والتي يحتاج أن يسلكها للوصول الى هناك.

وقال الراعي البالغ من العمر (74 عاما) "يخططون لألف عام قادمة. يخططون للتخلص منا." ولدى سؤاله إن كان هناك اي شيء يمكن أن يوقف التوسع الاسرائيلي ابتسم بامتعاض وقال "الله وحده. كل الجيوش العربية حاولت وفشلت" في إشارة الى حروب 1948 و1967 و1973 حين حاولت قوات عربية مشتركة هزيمة اسرائيل لكنها فشلت.

غير أن الأحداث التي وقعت بالآونة الأخيرة في القدس تشير الى أن الولايات المتحدة يمكن أن تؤثر على صناعة السياسة اذا أرادت. وتظهر مراجعة لأنشطة تخطيط المدينة أنه بين التاسع من مارس آذار واول نوفمبر تشرين الثاني 2010 كان هناك وقف فعلي للأنشطة الاستيطانية بالمدينة ثم مرة أخرى من الثالث من يناير 2012 الى اوائل ابريل نيسان.

وتزامنت الفترة الأولى مع حشد الولايات المتحدة التأييد لتجميد النشاط الاستيطاني لإقناع القيادة الفلسطينية بخوض مفاوضات سلام انهارت سريعا حين رفض نتنياهو مطلب الفلسطينيين مد تجميد النشاط الاستيطاني.

ولا يوجد تفسير واضح للفترة الثانية التي تم تجميد الاستيطان خلالها غير أن بعض الدبلوماسيين أشاروا الى أن نتنياهو أوقف النشاط تفاديا للخلافات مع واشنطن حين كان يسعى الى كسب تأييد الولايات المتحدة لموقف صارم من استراتيجية ايران النووية.

وقال دبلوماسي غربي كبير في اسرائيل طلب عدم نشر اسمه "فشلت اسرائيل في الحصول على الضوء الأخضر من امريكا لتهاجم ايران. بعد ذلك بفترة قصيرة تسارعت وتيرة خطط البناء في القدس. من يدري ما اذا كانت هاتان الحقيقتان مرتبطتين؟"

وقال مسؤولون اسرائيليون إن التجميد فيما يبدو كان صدفة. ويشكو رؤساء بلديات صراحة من الضغوط الخارجية التي جاءت فيما يسعون الى إدارة واحدة من مدن العالم التي ترمز للكثير فيعملون على تنظيم جمع القمامة وحافلات المدارس وتراخيص المطاعم واستقبال وفود السائحين.

وقالت ناعومي تسور نائبة رئيس البلدية "كل شيء جمد لبضعة اشهر ولكن من وجهة نظر سكان المدينة كان هذا مأساويا" مضيفة أن الأمر الذي صدر في 2010 لوقف العمل صدر مباشرة من نتنياهو. وأضافت "هذه مدينة حية. يجب أن يعيش الناس في مكان ما ويرسلوا ابناءهم الى المدارس... حين نترك لأنفسنا نعرف كيف نقوم بهذا لكننا لسنا متروكين لأنفسنا."

وفي ظل توقف محادثات السلام واتجاه انظار العالم الى أزمات أخرى لا حصر لها يبدو أن القيود قد زالت وأن للسلطات حرية أن تفعل ما يحلو لها.

في جيفات هاماتوس يمكن أن تبدأ الجرافات العمل بحلول الخريف حين تخف حرارة فصل الصيف. وقال سيدمان "الجغرافيا والتركيبة السكانية ستصبحان حينذاك مقسمتين بشدة بحيث سينتهي حل الدولتين." وأضاف "كل المحللين الذين قابلناهم في مجتمع المخابرات في اوروبا والولايات المتحدة بما في ذلك البيت الابيض يرون هذا ويعرفون أنه سيحدث."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/آب/2012 - 24/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م