دور الفكر في بناء الدولة المدنية

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: الفكر هو المرتكز النظري التخطيطي للشروع في بناء الدولة المدنية، إذ من دون الفكر والتخطيط السليم، لا يمكن بناء دولة معتد بها، تُحفظ فيها الحقوق والحريات، وتتنامى فيها المؤسسات الدستورية، لتشكل نمط الحياة  المتطور والملائم فيها، لذا فإن دور الفكر سكون على الدوام جوهريا وأساسيا، ومطلوبا بالحاح لتطوير منظومة السلوك المدني للمجتمع عموما، وبالتالي بناء دولة مدنية تحميها مؤسسات دستورية مستقلة قوية، نتيجة لدور الفكر السليم.

المجتمع بين الانحطاط والتطور

لاشك أن تقدم المجتمع او انحطاطه مرتبط على نحو أساسي بالفكر، فاذا كان فكرا تقدميا متحررا، يكون المجتمع تقدميا، أما اذا كان الفكر متخلفا، فإنه سيؤدي الى تخلف المجتمع قطعا.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم، الموسوم بـ (لنبدأ من جديد)، بهذا الخصوص: (إنّ أول ما يوجب التخلّف هو الفكر المنحط).

وهكذا نلاحظ أن انحطاط الفكر يؤدي الى انحطاط المجتمع وتخلفه، وبالتالي استحالة بناء دولة مدنية، بسبب تخلف المجتمع، إذ نلاحظ ترابطا قويا بين الفكر البناء من جهة، وبين تحقيق البناء المجتمعي المتحضّر من جهة أخرى.

إذ يرتقي الانسان من خلال استثماره لفكره، او ينحط أشد الانحطاط بسبب فكره ايضا، خاصة اذا لم تكن هناك قوة ضاغطة خارجية تفرض التخلف على المجتمع، يقول الامام الشيرازي، حول هذا الموضوع بكتابه نفسه: (كل إنسان ارتقى وكل إنسان انحط ـ إذا لم يكن ضغط خارجي ـ فإنما هو بسبب فكره أولاً وبالذات).

وهنا تبرز نقطة مهمة جدا تضاعف في فرص بناء الدولة المدنية، ألا وهي قضية تجديد الفكر، لأن الثبات على فكر احادي المسار والتوجه، سيعجز عن دفع المجتمع الى امام، لذا تسعى الشعوب الجادة الهادفة التي التمدن بتجديد فكرها، على الدوام بما يتلاءم ويواكب مستجدات العصر دائما.

لذا يقول الامام الشيرازي في هذا الشأن بكتابه المذكور نفسه: (يجب على من يريد تجديد حياته وتقديم نفسه إلى الأمام، أن يجدد في فكره أيضاً.. وأن يفكر في أفضل الأعمال وأرفعها).

التشجيع طريق التقدم

الانسان كما هو معلوم للجميع، مجبول على قضية التحفيز من اجل الانتاج الافضل ماديا وفكريا، والتحفيز قد يأتي بصيغ مادية او اخرى معنوية، فيؤدي الى نوع من التشجيع يحتاجه الانسان لكي يواصل انتاجه الافضل على الدوام، لذا يسهم التحفيز وتقديم المكافآت بأنواعها للعاملين، يؤدي الى تقدم المجتمع.

نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بكتابه (لنبدأ من جديد): (لا يخفى أن للتشجيع وإراءة الطريق أكبر الآثار في التقدم، فرداً أو جماعة أو أمة، وهو من لوازم تجديد الحياة).

وهنا تبرز لنا بقوة المسؤولية الذاتية بشأن النجاح او الفشل، بمعنى يبقى الانسان فردا كان او جماعة، هو المسؤول الاول عن فسله في الحياة او في جوانب منها، بمعنى اوضح اذا انحطّ شعب ما فإن مسؤولية ذلك تقع عليه بصورة مباشرة، والعكس يصح بطبيعة الحال، من هنا لابد أن يعي الانسان مسؤولياته الجسيمة في هذا المجال.

يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه نفسه: (كل فرد أو جماعة أو أمة انحطت فان ذنبها لا يقع على غيرها بل على نفسها أولاً وبالذات، وهكذا العكس، فمن تقدم كان خيره في نفسه ولنفسه). لذا يتطلب البناء المدني أناسا مسؤولون، يعون حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم، ولابد أن يتمتعوا بسمة او صفة او ملكة التضحية والايثار، وعدم اللهاث وراء الاضواء والشهرة والاموال والمنافع، وانما يكون همهم الاول هو البناء الافضل والاسرع لمؤسسات الدولة وللمجتمع في آن واحد.

لذا يقول الامام الشيرازي في هذا الشأن: (من يريد الاشتهار وأن تسلط عليه الأضواء لا يمكنه أن يجدد الحياة، ولا يصل إلى الهدف ـ إذا كان عنده هدف رفيع ـ .ومن يريد الهدف لا يريد الأضواء ـ إذا كان صادقاً في إرادته).

أهمية فهم الحياة

وهكذا لا يمكن النجاح في بناء حياة سليمة، إلا بنفوس تترفع على الصغائر، وتبقى في حالة ايثار دائم للجميع، وتفهم الحياة على انها فرصة لتقديم ما يفيد الآخرين ويساعدهم، لكي تتضافر الجهود كلها، من اجل بناء الدولة المدنية والمجتمع المتحضر، يقول الامام الشيرازي بشأن الشخصية السليمة التي تؤثر الآخرين على الذات، كما نطالع بكتابه المذكور نفسه: (إن صاحب الأضواء هدفه نفسه، ومريد الهدف هدفه خارج نفسه، ولا يمكن الجمع ـ في وقت واحد ـ بين السير إلى الداخل وإلى الخارج). ويضيف سماحته بشأن أهمية فهم الحياة:

(على من يريد تجديد الحياة.. حياة نفسه أو حياة جماعة أو حياة أمة: أن يفهم الحياة كما هي، فيواظب حتى لا يكون ممن يفهما هامشياً أو مقلوباً).

لذلك في جميع الاحوال ينبغي ان يكون الانسان تفاعليا متحركا منتجا مؤثرا، لأن بناء الدولة والمجتمع والحياة عموما تتطلب علاقات قويمة مع الآخرين، تقوم على ركيزة التواضع، وفهم الآخرين، وليس التجبر او التكبر الذي لا يسهم في اي حال بتحقيق البناء المطلوب، سواءا على صعيد الذات او الدولة ومؤسساتها او المجتمع المدني الواعي. لذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه على أن الانسان:

)المتكبر لا فهم له، ولا ناس حوله، ومع هذين فهل يمكنه أن يبدأ من جديد لكي يستقيم أمر الحياة ؟، أما -المنزوي- فيضر نفسه أولاً، ويحرم الناس من فوائد وجوده ثانياً، فهو لا ينفع ولا ينتفع ويكون أسوأ من الشجر بلا ثمر، إذ ينتفع منه في المنظر والجمال والظل والحطب وغيرها من الانتفاعات.. ولا ينتفع من المنزوي في شيء).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/آب/2012 - 24/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م