حلب... بين الارادة الوطنية ورهان الدول الخارجية

 

شبكة النبأ: لايزال المشهد الامني المتدهور في سوريا بسبب موجة العنف والاقتتال بين الجيش النظامي وقوى المعارضة اهم واخطر الملفات في المنطقة، ويرى الكثير من المراقبين ان سوريا اليوم قد اصبحت ساحة حرب لا يمكن السيطرة عليها بسبب تأمر بعض الدول التي تسعى الى اطالة امد النزاع من خلال دعمها المتواصل للقوى المسلحة بهدف خلق حرب اهلية وبدوافع طائفية مستخدمة وسائل التضليل والخداع الاعلامي لتحشيد الرأي العام العالمي بهدف اسقاط نظام الحكم في سوريا الذي يخوض معارك الدفاع لأجل السيطرة وهوما تثبته الوقائع خصوصا بعد المعارك الفاصلة التي وقعت مؤخرا في بعض اهم المدن السورية ومنها حلب التي لاتزال تشهد مواجهات عنيفة بين الجيش النظامي والمعارضين، ويرى بعض المحللين ان من المرجح ان يكون الصراع في الاجزاء التي تسيطر عليها قوات المعارضة المسلحة في حلب أطول من المعارك التي شهدتها العاصمة دمشق مما يؤدي الى اراقة المزيد من الدماء وإصابة حلب -كبرى المدن السورية- بدمار كبير ودفع المزيد من سكانها إلى النزوح.

ومن بين الاسباب التي ربما حالت دون ترجمة التفوق الكبير للجيش إلى نصر سريع الشوارع الضيقة والأزقة التي توفر الغطاء لمقاتلي ما يسمى الجيش السوري الحر في وسط حلب. وادت التعقيدات الجغرافية للمدينة ذات الاهمية الحيوية للاقتصاد السوري ولبقاء الرئيس بشار الاسد إلى صعوبة استخدام الجيش السوري لكامل قوته العسكرية. وقال نيكولاس فان دام المؤرخ الالماني للسياسة السورية والدبلوماسي السابق "قد يؤدي ذلك إلى تدمير كثير من المدينة ومن شأن ذلك ان يقوض دعم السكان للنظام." وقال "النظام سيحتاج إلى مزيد من الوقت للتخطيط. الجيش ليس مدربا جيدا على حروب المدن ... من الأسهل ان يخترق مئة رجل مسلحين من الجيش السوري الحر المدينة ويلعبوا لعبة حرب العصابات عن ان يقضي عليهم النظام."

ولم تستغرق القوات السورية سوى بضعة ايام لتطرد المعارضة المسلحة من دمشق بعد ان سيطر مقاتلو المعارضة على مناطق فيها بعد تفجير 18 يوليو تموز الذي اسفر عن مقتل اربعة من كبار قادة الاسد الامنيين ومن بينهم صهره آصف شوكت. ورغم ان من الممكن ان يبدأ الهجوم على حلب في اي لحظة إلا ان كثيرين لا يعتقدون ان ما شهدته دمشق قد يتكرر في حلب.

وقال بول روجرز استاذ دراسات السلام في جامعة برادفورد البريطانية "يبدو ان المتمردين كانوا قد انتشروا بشكل اكثر من اللازم في دمشق وانهم كانوا يتوقعون انجازا اكبر من الذي حققوه بالفعل وانتهى الامر بهم إلى الهزيمة على الرغم من التفجير." "لكن في حلب قوات النظام هي المنتشرة بشكل اكثر مما تحتمل. القوات الخاصة للنظام ستظل دائما مركزة في دمشق وبينما يجب علينا ان نظل حذرين بشأن هذه الاحكام يبدو ان حلب كما هي ستكون اكثر صعوبة بالنسبة للأسد."

وقصفت القوات الحكومية منطقة صلاح الدين الاستراتيجية في حلب بنيران الدبابات والمدفعية بينما حاول مقاتلو المعارضة تعزيز سيطرتهم على المناطق التي سيطروا عليها. ويعتقد بعض الخبراء ان هذا القصف سيكون تكتيكا مفضلا لدى القوات الحكومية خلال الايام القادمة بدلا من محاولة مستمرة لاقتحام الاحياء التي تسيطر عليها المعارضة بما يتضمن قتال شوارع. وقال خبير في الشأن السوري في اكسكلوسيف اناليسيز -المركز الاستشاري للمخاطر في لندن- ان الجيش لا يملك ما يكفي من القوات لحصار حلب وعزل المعارضة المسلحة فيها مشيرا إلى ان الجيش فشل في حصار حمص وهي مدينة في نصف حجم حلب. وقال الخبير الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع "القوات الحكومية التي تفتقر إلى ما يكفي من القوات البرية كي تستعيد السيطرة على المدينة ستلجأ على الارجح لاستخدام القوة الكاسحة بما في ذلك المدفعية والطائرات وطائرات الهليكوبتر والدبابات ضد المناطق التي يتمركز بها المتمردون.

"هذه العوامل من شأنها على الارجح ان تؤدي إلى دمار واسع في الاحياء السنية في حلب." وقال الخبير ان قوات المعارضة في حلب ستواجه ضغطا شديدا لمنع قوات الاسد التي تدعمها الدبابات والمدفعية وطائرات الهليكوبتر من اختراق الاحياء في هجوم شامل. لكن المعارضة المسلحة تسيطر الان على خط امداد مفتوح من تركيا وهو ما يسمح لها بإعادة التعبئة والتزود بالمؤن. وقال الخبير "وهكذا فحتى لو كان المعارضون غير قادرين على الاحتفاظ بأحياء في مواجهة القوات الحكومية فهم على الارجح قادرون على اعادة الانتشار في الاحياء واستئناف انشطتهم."

وقال كمال ايهم من مؤسسة اوراسيا جروب الاستشارية ان الجيش السوري يتبع "نهجا اكثر اختلافا" في حلب يهدف إلى الحد من التأثير على المدنيين في مدينة معروفة إلى حد ما بتأييدها التقليدي للحكومة. واضاف "الاهم من ذلك ان القوات المتمردة اصبحت اكثر قدرة وصار بامكانها التسبب في خسائر لقوات النظام... لكنني اتوقع ان يستعيد النظام السوري المدينة خلال الايام العشرة القادمة." ويعتقد آخرون ان القتال قد يستمر مدة اطول.

وقال فان دام ان التسجيل المصور والذي عرض فيما يبدو عملية اعدام نفذها مقاتلو المعارضة لرجال ميلشيات موالين للاسد "من الممكن ان يزيد من تقويض الروح المعنوية" للافراد الذين يعملون مخبرين للحكومة وفي الشرطة السرية. وقال "لا بد ان قوتهم وغطرستهم قد تلقت ضربة قوية." بينما قال شاشانك جوشي الباحث في مركز رويال يونايتد سيرفيسيز البريطاني للأبحاث العسكرية ان قوات المعارضة المسلحة اصبحت فيما يبدو اكثر فاعلية في اعاقة حركة القوات الحكومية في شمال سوريا باستخدام القنابل محلية الصنع والأكمنة.

وقال "هذا له نتيجة خطيرة على مدرعات النظام اكثر مما هو الحال في محيط دمشق." وقال الخبير في اكسكلوسيف اناليسيز ان مراقبة الشبكات الاجتماعية على الانترنت تشير إلى ان القوات الحكومية التي انتشرت في حلب خلال الايام القليلة الماضية تملك معدات اقل كفاءة من الوحدات التي شاركت في عمليات اخرى مهمة لتثبيت قبضة الاسد على السلطة. بحسب رويترز.

وعلى سبيل المثال نشرت دبابات تي-55 التي تعود للحقبة السوفيتية بدلا من الدبابات تي-72 الاكثر تطورا. وقال "نعتقد ان هذا يعني ان وحدات الجيش العادية التي تتشكل من جنود سنة هي التي تستخدم بدلا من التشكيلات الاكثر ولاء (مثل الحرس الجمهوري او الفرقة الرابعة) ذات التسليح الافضل. "اذا صح ذلك فهو يشير الى ان الوحدات المدرعة التي تم نشرها في حلب ومحيطها تكون اقرب إلى الانشقاق من القوات التي استخدمت في استعادة السيطرة على حمص ودمشق."

مصير البلاد

في السياق ذاته قال الرئيس السوري بشار الأسد لقواته إن المعركة التي يخوضونها ضد مقاتلي المعارضة ستحدد مصير البلاد. وجاءت تصريحات الأسد في بيان نُشر في مجلة عسكرية بمناسبة عيد القوات المسلحة. لكن لم يتضح على وجه الدقة متى أدلى بهذه التصريحات أو أين أدلى بها مما يشير إلى قلق متزايد إزاء أمنه الشخصي في أعقاب التفجير الذي استهدف مبنى الأمن القومي في دمشق. وقال الأسد إن مصير الشعب ومصير البلاد وماضيها وحاضرها ومستقبلها يتوقف على هذه المعركة.

وأضاف الرئيس البالغ من العمر 46 عاما أن الجيش أثبت من خلال مواجهة "العصابات الاجرامية الإرهابية" خلال الفترة الماضية تحليه بالصمود والضمير وأنه أمين على قيم الشعب. و"العصابات الإرهابية" تعبير تستخدمه عادة الحكومة السورية في الإشارة إلى مقاتلي المعارضة.

وفي وقت سابق أضاءت عشر دفعات على الأقل من القذائف السماء ليلا فوق حلب أكبر مدن سوريا وطغت أصواتها على أصوات الآذان المنطلقة من المساجد. وانطلقت سيارات تقل مقاتلي المعارضة وهم يكبرون نحو مناطق القتال. وأمكن مشاهدة طائرات هليكوبتر تحلق فوق المدينة وتطلق نيرانها.

وقال برنامج الغذاء العالمي انه سيرسل امدادات غذائية طارئة الى حلب للتعامل مع الوضع الانساني المتدهور. واشتدت الحرب الاهلية في سوريا منذ انفجار 18 يوليو تموز حيث تركز القتال في دمشق وحلب للمرة الاولى. والمدينتان جائزتان مهمتان لكل من الجانبين في صراع يزداد وحشية استعصى على كل محاولات التوصل الى حل دبلوماسي ويخاطر بإشعال صراع اوسع.

وأوضحت لقطات فيديو بثت على الانترنت وروايات لشهود أن مقاتلين من المعارضة نفذوا أحكام إعدام دون محاكمات في حلب بنفس الطريقة التي اتهمت قوات الحكومة بتنفيذها في دمشق حيث استعاد الجيش السيطرة الى حد كبير. وأوضح تسجيل فيديو أربعة رجال جرى تعريفهم على أنهم من الشبيحة الموالين للأسد وهم يقتادون على درج ثم أُمروا بالوقوف بجوار حائط وأُطلق عليهم وابل من نيران البنادق وسط تكبيرات الحاضرين. وقال نائب وزير الخارجية الروسي جينادي جاتيلوف ان اعمال القتل التي وصفها بأنها مذبحة "تؤكد ان انتهاكات حقوق الانسان تحدث من جانب الطرفين."

وفي تسجيل فيديو آخر ظهرت جثث لنحو 15 رجلا ملقاة في مركز للشرطة. وأطلق أحد مقاتلي المعارضة النيران على جثة قائد المركز ليفجر رأسه. وفي الحالتين لم يتسن التأكد على الفور من صحة فحوى التسجيلين. وفي بلدة أعزاز التي تقع الى الشمال من حلب روى مقاتل من المعارضة كيف ان رجاله أعدموا قناصا القي القبض عليه وقتلوه بالرصاص بعد محاكمة صورية جرت عند قبر تم تجهيزه بالفعل. وقال المقاتل "أخذناه مباشرة الى قبره وبعد الاستماع الى أقوال الشهود قتلناه بالرصاص."

وفي شارع الشرقية عاين سكان واصحاب متاجر آثار الدمار وقد سيطر عليهم الأسى. وتفقد بعضهم ما تبقى من مبانيهم.. كتل خرسانية ضخمة وقطع معدنية ملتوية متشابكة في التراب. وقال أبو أحمد الذي كان يغادر منزله "شاهدت الموت امام عيني. كنت مختبئا في الزقاق الذي يقع فيه منزلي عندما سمعت أزيز المدفعية. انظر الى شارعي الآن."

وذكر التلفزيون السوري ان قوات الجيش ما زالت تلاحق بقية "الإرهابيين" في أحد أحياء حلب وانها قتلت العديد منهم وبينهم مقاتلون أجانب. وانضم بعض المقاتلين الاجانب وبينهم اسلاميون متشددون الى المعركة ضد الاسد الذي كثيرا ما اتهم قوى خارجية بتمويل وتسليح المقاتلين.

وذكر تقرير لشبكة (ان.بي.سي نيوز) أن مقاتلي المعارضة حصلوا على نحو 20 صاروخ أرض جو جرى تسليمها إليهم عبر تركيا المجاورة. ويمكن لهذه الصواريخ أن تحدث تحولا في ساحة المعركة. واستعادت قوات الاسد السيطرة على معظم احياء دمشق من مقاتلي المعارضة لكن القتال استمر متقطعا في الجنوب وقال سكان ان الجيش يقصف من جبال قسيون التي تطل على وسط المدينة. بحسب رويترز.

وبقيت حلب وهي مركز تجاري وتضم مدينة قديمة تاريخية بعيدة لفترة طويلة عن الانتفاضة لكن كثيرين من سكانها البالغ تعدادهم 2.5 مليون نسمة محاصرون الان في مناطق المعركة ويواجهون نقصا في الطعام والوقود والمياه وغاز الطهو. وفر الالاف من المدينة. وقال برنامج الغذاء العالمي "الوضع الانساني يتدهور في حلب وتتنامى احتياجات الغذاء بسرعة." وقالت الوكالة انها ارسلت مساعدات غذائية الى 28 الف شخص في المدينة حيث لا تتمكن المستشفيات والمراكز الطبية المؤقتة سوى بشق الانفس من التعامل مع الاصابات بعد أكثر من اسبوع من القتال.

حقائق عن حلب

فيما يلي نبذة عن حلب المركز التجاري لسوريا فقد قالت فاليري اموس وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسقة الإغاثة الطارئة إن 200 ألف شخص فروا من حلب. وتقول مفوضة الأمم المتحدة العليا للاجئين إن القتال المكثف تسبب في نزوح ما يقدر بما بين 15 ألفا و18 ألفا عن ديارهم في حلب.

وظلت حلب الواقعة على طريق الحرير القديم بشوارعها ذات الأشجار المورقة وفنادقها القديمة بمنأى عن العنف حتى فبراير شباط عندما قتل أفراد الشبيحة الموالون للأسد عشرة أشخاص على الأقل في مظاهرة مطالبة بالديمقراطية. وقتل أيضا 17 جنديا في تفجيرات وقعت امام قواعد أمنية. وتقع حلب في الجزء الشمالي الغربي من سوريا على بعد نحو 50 كيلومترا إلى الجنوب من الحدود التركية. وهي تقع على مفترق طرق المسارات التجارية التاريخية على بعد نحو مئة كيلومتر من البحر المتوسط إلى الغرب ونهر الفرات إلى الشرق. ويعود تاريخ حلب إلى أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد. وأصبحت مركزا لمقاومة المسلمين للصليبيين الذين حاصروها دون أن يحققوا نجاحا في القرن الثاني عشر. وفي 1260 احتل المغول حلب وذبحوا سكانها. وبعد عدة قرون في عهد المماليك تم ضم المدينة عام 1516 إلى الدولة العثمانية وشهدت نموا اقتصاديا ملحوظا وأصبحت السوق الرئيسية في بلاد الشام. بحسب رويترز.

وفي القرن العشرين أصبحت مركزا صناعيا ينافس العاصمة دمشق. وأصبح عدد سكان المدينة الآن 2.5 مليون شخص أغلبهم من السنة وهناك أقلية مسيحية. والمدينة القديمة مدرجة ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) للتراث العالمي. وتزخر شوارع حلب بتحف معمارية من حمامات ومدارس وقصور وكنائس ومساجد. وتشهد قلعة حلب على القوة العسكرية للعرب من القرن الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر. وهي تحتوي على بقايا مساجد وقصور وحمامات. وفي وقت سابق من العام الجاري نبهت اليونيسكو السلطات السورية لمسؤوليتها تجاه حماية التراث الثقافي للمدينة. وحذر المجلس الدولي للآثار والمواقع من أن الصراع يهدد المواقع التاريخية في حلب ودعا كل الأطراف لحماية المدينة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/آب/2012 - 18/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م