المرأة المثقفة في العراق والمآرب الذكورية

 

شبكة النبأ: يوم بعد آخر تثبت الوقائع، أن الرجل العراقي يتعامل مع المرأة بطرق لا ترتقي الى انسانيتها، واهمية احترام كينونتها وخصوصياتها، ناهيك عن قدراتها في مجالات عملية مناسبة لها، والرجل بهذا السلوك لا يدري انه يقتل روح الابداع لدى شريكة مهمة جدى في البناء المجتمعي، واذا عرف بذلك فلا يهمه الامر بشيء، ولا يحصر الامر برجال ذوي مستوى ثقافي اقل، بل حتى المثقفين يتعاملون بجهل وتجاهل كبير لقدرات المرأة الثقافية وغيرها.

والمشكلة القائمة الآن أن الرجل العراقي لا يريد أن يعترف ولا يفهم بأن تفعيل الدور النسوي في ميادين الحياة، يتطلب تفعيلا مسبقا لدورها الثقافي، وهذا يعني أسبقية المهارة الثقافية على غيرها، فنمط الثقافة يتحكم بمسارات أنماط الحياة، لذا يحتاج المجتمع الى إمرأة مثقفة، لكي يلحق بالركب الانساني المتقدم، وشرط الثقافة المسبق، يجعل مهام المرأة أكثر وضوحا ويسرا، وأكثر قربا من النجاح، بيد أن الامر يتعلق بإزاحة المعيقات الكثيرة التي يضعها الرجل في طريق المرأة، لأسباب باتت معروفة، لايسع المجال للخوض فيها.

لذلك يبدو أن الرجل الشرقي عموما والعراقي ايضا، لا يرغب أن تصبح المرأة ذات كيان متثقف، ويفضّل دائما بقاءها خلف قضبان الوعي الأدنى، لسبب بسيط، أن وعيها العالي وثقافتها الرصينة تهدد سلطات الرجل بأنواعها، هذه الاهداف الذكورية لا تحتاج الى أدلة لإثباتها، الوقائع المجتمعية تشير بجلاء الى ذلك، هذا ما يتعلق بالحرب التي تشنها سلطة الذكورة ضد المرأة، ولكن ثمة أمر مستغرَب حقا، يتمثل بمحاربة الرجل المثقف للمرأة!.

فهل يحدث أن الرجل المثقف يقترح أساليب عدة، تساعد على تجهيل  المرأة وحصر دورها في مجال واحد؟ وهل يريد لها أن تبقى تابعة، متى وكيف؟.

في الانشطة الثقافية مثالا، تجد نسبة مشاركة المرأة قليلة، وحين تبحث في الاسباب، ستجد أن المثقف الذكر (ممن تعود إليهم دعوات المشاركة، أي قيادات المنظمات الثقافية) يستبعدون المرأة المثقفة ما أمكنهم ذلك، وتكون الانتقائية والمحسوبية والعلاقات المشوهة، هي المعيار الذي يحكم الدعوات لمثل هذه المشاركات، حتى أن بعضهم يسيء إستخدام السلطة الثقافية في هذا المجال، لتحقيق رغبات ونزوات ليست مشروعة، بمعنى أوضح حين يُقام النشاط الثقافي في أي مجال وأي مكان كان، تحضر تدخلات ومآرب سلطة الذكورة بقوة، كي تحد من حضور المرأة وفعلها، يُستثنى من ذلك بعض الحالات، حين تفرض المرأة المثقفة حضورها وفعلها حتى على السلطة الثقافية، لكن تبقى المرأة كائن يحتاج الى المعاونة في بدايات الطريق حتى تبلغ أشدّها، كما هو الحال مع الرجل، ليس هناك رجل مثقف لم يحتج في بداياته الى تعضيد الآخرين، المرأة لا تختلف عن الرجل في هذا الحال، هنا تظهر حالات التهميش والمضايقات المقصودة مسبقا من لدن السلطة الذكورية، لتحقيق مآرب معروفة، تنم عن حيوانية لا تليق قط بالذكر المثقف. لا يقتصر هذا على الحيز الثقافي، لدينا السياسي، وعموم الانشطة الاخرى أيضا، فالذكورة حاضرة في جميع الميادين، تحرك مساراتها وفقا لمصالحها.

لكن يبقى التعجيز الثقافي للمرأة هو الاخطر دائما، لأنك إذا أعددت امرأة مثقفة أو ساعدتها لبلوغ ذلك من دون منفعة مقابِلة، فإنها ستنجح في الميادين الاخرى، ولن تنجح في أي مجال آخر، إذا كانت تفتقر للقاعدة الثقافية التي ترتكز إليها المهارات الاخرى عموما، هذا يعني أن خطر الذكورة المثقفة، لا ينحصر في مجاله فقط، بل يتعداه الى عموم مجالات الحياة، بمعنى أن فشل المرأة في البيت والمدرسة والدائرة الرسمية وسواها، يعود الى قلة ثقافتها.

وحين تتوفر فرصة لتثقيف المرأة، فإن العصيّ ستوضع في الدواليب، لأسباب عديدة، أولها وأشدها خطورة، الإبقاء على تبعية المرأة للرجل، وتحييد طاقتها الثقافية والفكرية، وعدم السماح لها بإعمال قدراتها المتنوعة، كونها بالنتيجة تشكل خطرا على سلطة الذكورة، أما الاضرار الفادحة التي ستلحق بالمجتمع جراء هذا السلوك الذكوري الشائن، فإنها ستقيَّد بطبيعة الحال ضد مجهول، ليبقى المجتمع في أسفل قائمة التطور، وتبقى المرأة غافية في المناطق الدنيا من الوعي، مطيعة للرجل المثقف وغيره، وخادمة لهما على الدوام، وهذا ما يشكل خسارة كبرى ليس للمرأة فحسب ولا للرجل فقط، انما الخسارة تكون من حصة المجتمع كله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/آب/2012 - 18/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م