زيارة فتنة

جواد العطار

تقاسم الوظائف والاختصاصات بين الادارة الاتحادية والاقاليم كفيل بإظهار المزايا الايجابية للنظام الفيدرالي.. اما الاختلاف فيما بينها فانه يؤدي الى تضارب المصالح بين المكونات وضعف كيان الدولة تجاه جيرانها.. وذلك ما يحدث في العراق بالضبط؛ نتيجة خلافات المركز والاقليم، فلا غرابة ان شركات دولية كبرى توقع عقودا نفطية مع الاقليم غير آبهة بتهديدات المركز او مسؤول كبير في دولة مجاورة يزور مدينة كركوك دون علم الحكومة المركزية او موافقتها المسبقة.

ان الخلاف بين المركز ومجالس المحافظات او مع الاقليم ليس وليد اللحظة او الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير خارجية تركيا احد داود اوغلو، بل هو امتداد لخلافات الكتل السياسية وصراعاتها التي لا تتوقف على اقل تحرك او ابسط قضية.. فمن غيرها تلك الكتل التي تقيم الدنيا ولا تقعدها على زيارة رسمية يجريها وزير الخارجية الايراني بعلم وموافقة حكومة المركز، لا لشيء فقط لاثبات وجودها امام جمهورها او ممارسة الضغط على خصومها بالتحشيد الاعلامي الذي ما انفكت تغذي به الازمة السياسية.

ان تبادل ردود الافعال بهذه الطريقة خطر كبير تحاول بعض القوى الخارجية وصم المشهد السياسي به وسيلة لتبرير التدخل القادم، فموافقة قوى التحالف الوطني وبعض القوائم الصغيرة والمستقلين على زيارة وزير الخارجية الايراني ورفضهم زيارة مثيله التركي يعطي انطباع اولي بان هذه القوى تحالف ايران وتعادي تركيا.. وموافقة قوى العراقية والتحالف الكردستاني والجبهة التركمانية على زيارة اوغلو ودفاعهم عنها رغم رفض الحكومة المركزية وشركائهم السياسيين لها.. يصور هذه القوى كانها حلفاء لتركيا، الجارة التي لا تريد بالعراق خيرا.. فأي سياسي في التحالف الوطني يرفض زيارة علنية لمسؤول من تركيا او غيرها، الا زيارة الداهية اوغلو لكركوك التي ما اريد منها حق او مصلحة للتركمان او للعراق.

ان تبادل المواقف او الاتهامات بين المكونات السياسية تعقد المشهد العراقي وتفتح الابواب على مصراعيها للتدخل والاستقواء بالخارج على شريك الداخل لتخرج الازمة من نطاقها السياسي وتضعف بالتالي من سيادة الدولة على اراضيها ومن قدرة الحكومة على ممارسة مهامها..

ان اوغلو صاحب كتاب العمق الستراتيجي يعرف تماما ماذا اراد من زيارته المبيتة؛ مثلما يعرف ماذا تعني كركوك للعراق من عمق، فهي مدينة التعايش والمكونات لذا فانه اراد بزيارته ان يضرب التعايش بهذه المدينة ويفرق المكونات..

وقد ظهرت معالم ذلك في الاعتداء على عائلة تركمانية بريئة في المدينة وذبح افرادها بالكامل.. وما احدثته الزيارة من ردود افعال متباينة بين الكتل السياسية قسمت فيها المشهد الى قسمين: مؤيد للزيارة ورافض لها.. وتلك فتنة كبرى ينبغي ان نتنبه الى خطورتها.. والا فلنستعد لأحداث جسام ونأخذ الدور مباشرة بعد سوريا... لا سامح الله.

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/آب/2012 - 18/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م