الصين وصدارة العالم... عقبات الداخل وتحديات الخارج

 

شبكة النبأ: تواجه الصين كغيرها من دول العالم الاخرى مجموعة من التحديات والمشاكل سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، ويرى بعض المراقبين ان هنالك ايادي خفية قد تحاول ادخال البلاد في ازمات متكررة بهدف اضعافها واشغالها عن باقي القضايا الاخرى المهمة وابعادها عن مركز القرار خصوصا بعد التطورات والتغيرات الاخيرة الذي شهدها العالم، وفي هذا الشأن فقد دعا الرئيس الصيني هو جين تاو لوحدة الحزب الشيوعي الحاكم ودعم الإصلاحات الاقتصادية في مواجهة "تحديات غير مسبوقة" في الوقت الذي تواجه فيه بلاده عملية تغيير في القيادات وتباطؤا اقتصاديا. وتصدر الخطاب الذي ألقاه الرئيس أمام عشرات من كبار المسؤولين صفحات الجرائد الرسمية في الصين في مؤشر على أهميتها في تحديد القضايا الرئيسية خلال مؤتمر حزبي يعقد أواخر العام الجاري ومن شأنه تعيين جيل جديد من الزعماء.

وتحدث الرئيس الصيني عن قضيتين من المرجح أن تهيمنا على المؤتمر الحزبي وهما الالتزام بالمعايير المتفق عليها بعد إقالة بو شيلاي الذي كان أحد المنافسين على القيادة والدفاع عن المساعي الرامية لتحقيق نمو اقتصادي أكثر توازنا يدفعه الاستهلاك المحلي. وقال هو في الكلمة التي أدلى بها امام المسؤولين "نحن أمام فرص غير مسبوقة وأيضا أمام تحديات غير مسبوقة." وأضاف "علينا أن نتخذ المسار الصحيح بلا تردد بريادة من الحزب والشعب خلال فترة طويلة ويجب ألا نهتز في مواجهة أي مخاطر وألا يبعدنا أي تدخل عن هدفنا." ولم يشر الرئيس إلى أفول نجم بو شيلاي زعيم الحزب الشيوعي في منطقة شونغتشينغ بجنوب غرب الصين الذي أقيل في مارس آذار الماضي بعدما تردد من اتهامات لزوجته بقتل رجل أعمال بريطاني. كما لم يستعرض سياسيات جديدة.

وكان الاجتماع الذي تحدث فيه استعراضا للوحدة بين النخبة في الحزب الشيوعي إذ كان جمع بين الزعماء المركزيين والكثير من مسؤولي الأقاليم المرشحين للترقية إلى الجيل التالي من الزعماء المركزيين. ورأس الاجتماع الخليفة المرجح للرئيس الحالي وهو نائبه شي جين بينغ. ومن المؤكد تقريبا أن يحل شي (59 عاما) محل هو (69 عاما) في رئاسة الحزب في وقت لاحق هذا العام. بحسب رويترز.

وقال وو سي رئيس تحرير مجلة يانهوانغ تشونتشيو التي تفضل الإصلاح السياسي عن سياسة الحزب الواحد "لم يكن هناك شئ جديد في الخطاب حول الإصلاح الاقتصادي أو السياسي لكن يبدو أن هو كان يؤكد على التوافق حول اتجاه السياسة وعلى ضرورة عدم تغيير ذلك." وسجل الاقتصاد الصيني تباطؤا للربع السادس على التوالي إلى 7.6 في المئة خلال الفترة من ابريل نيسان إلى يونيو حزيران وهو أبطأ معدل منذ أكثر من ثلاث سنوات.

تقاعس المسؤولين

في السياق ذاته اعرب سكان بكين عن غضبهم الشديد عبر المدونات الالكترونية لتقاعس المسؤولين في العاصمة وعدم استعدادهم لمواجهة الكوارث الطبيعية، بعد الامطار الغزيرة التي اسفرت عن 37 قتيلا وسبعة مفقودين. فقد وجه حوالى تسعة ملايين مدون انتقادات حادة الى التقاعس الرسمي عن اصدار اي تحذير والى تهالك منظومة تصريف المياه التي سرعان ما تراكمت وبلغت حد طوفان في العاصمة. وهطلت امطار غزيرة لا سابق لها منذ اكثر من 60 عاما على المدينة التي يناهز عدد سكانها العشرين مليون نسمة،

وتساءل مدون يدعى بيجيشيانغ "لو كانت منظومة تصريف المياه صحيحة، ولو ان اجهزة الانذار اشتغلت في الوقت المناسب، ولو طلب من الناس ملازمة منازلهم، هل كانت اعداد كبيرة من الاشخاص لقوا حتفهم؟" وكتب مدون آخر "ضربت بكين عاصفة عاتية، وعجزت البنية التحتية للمدينة عن استيعاب الضربة. لا شيء نفتخر به". بحسب فرنس برس.

وقد لقي 25 شخصا على الاقل مصرعهم غرقا في بكين التي هطلت عليها امطار غزيرة جدا لا سابق لها منذ بداية تسجيل معدل الامطار في 1951. ولقي ستة اخرون حتفهم لدى انهيار منازلهم، وخمسة آخرون بالتيار الكهربائي وآخر مصعوقا. وتسببت الامطار والفيضانات بأضرار هائلة تقدر بعشرة مليارات ين (1,25 مليار يورو) وبتهجير حوالى 66 الف شخص، كما ذكرت وسائل الاعلام الرسمية نقلا عن بلدية بكين.

من جانب اخر ألغى مسؤولون صينيون مشروع خط انابيب لنقل مخلفات صناعية بعدما احتل مناهضون للتلوث مكتبا حكوميا في شرق الصين ودمروا اجهزة كمبيوتر وقلبوا السيارات. وهذه احدث مظاهرات ضمن سلسلة احتجاجات اثارتها مخاوف حيال تدهور البيئة وتبرز التوتر الذي يواجه الحكومة في بكين مع اقتراب تولي قيادة جديدة زمام الامور في البلاد العام الجاري. وهذا ايضا ثاني الغاء لمشروع صناعي نتيجة اذعان مسؤولين للضغط جراء احتجاجات.

وقال تشانغ قوة هوا رئيس بلدية مدينة نانتونغ بشرق الصين في بيان ان المدينة ستنهي مشروع خط الانابيب المزمع الذي يفرغ مخلفات من مصنع للورق مملوك ليابانيين عبر مدينة تشيدونغ الساحلية في البحر. وجاء القرار بعد ساعات من قيام نحو ألف متظاهر بتنظيم مسيرة في مدينة تشيدونغ على بعد نحو ساعة بالسيارة شمالي شنغهاي ورددوا شعارات مناهضة لخطة مد خط الانابيب. بحسب رويترز.

واقتحم عدد من المتظاهرين المبنى الحكومي الرئيسي في المدينة وشوهدوا وهم يحطمون اجهزة الكمبيوتر ويقلبون المكاتب ويلقون بالوثائق من النوافذ وسط تهليل من الحشد خارج المبنى. وقام المتظاهرون بجر اثنين من رجال الشرطة على الاقل وسط الحشد أمام المبني وتعرضا للكمات والضرب حتى نزفا.

أحكام قضائية

على صعيد متصل أصدرت محاكم صينية في إقليم زينجيانغ المضطرب أقصى غرب البلاد أحكاما بالسجن تصل إلى 15 عاما بحق عشرين شخصا بتهم الإرهاب والسعي للانفصال، حسبما ذكرت وسائل إعلام رسمية ، وذلك بالتزامن مع إحياء الإقليم الذي تقطنه أغلبية مسلمة شهر رمضان. وذكر تقرير لصحيفة الشعب اليومية الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني على موقعها الإلكتروني أن المحاكم الثلاثة في مدن اوروميتشي، وقشقر واكسو وجهت للمتهمين أيضا اتهامات بتصنيع عبوات ناسفة والترويج للتطرف الديني والتخطيط لشن عمليات جهادية. ورغم أن التقرير لم يعلن عن العرقية التي ينتمي إليها الأشخاص الصادر بحقهم هذه الأحكام، إلا أنه من خلال أسمائهم فإنهم جميعا من الويغور، وهم أقلية مسلمة تتحدث التركية وتعتبر زينجيانغ وطنا لها، والكثير من أفرادها مستاؤون من حكم الصين والقيود المفروضة على دينهم وثقافتهم.

وقال التقرير إن "كمية كبيرة من الأدلة تظهر أن المجرمين المتهمين نفذوا العديد من التحضيرات في التخطيط لأنشطة إرهابية عنيفة وتشكيل منظمة إرهابية رسمية. لقد أحضروا وانتجوا ونسخوا أجهزة إرسال محمولة وأقراصا ومنشورات تروج للانفصال والتطرف الديني والإرهاب العنيف، وقاموا بنشرها بصورة استباقية".

وأضاف "بعض أعضاء المنظمة الإرهابية صنعوا عبوات ناسفة ونفذوا تجارب على تنفيذ تفجيرات". وأنحت الصين في أعمال العنف في زينجيانغ ، هذه المنطقة التي تحتل موقعا استراتيجيا على حدود أفغانستان وباكستان والهند وآسيا الوسطى، على انفصاليين إسلاميين يريدون إقامة دولة مستقلة تسمى "تركستان الشرقية". واتهم بعض المسؤولين الصينيين متشددين إسلاميين تدربوا في باكستان بالمسؤولية عن الهجمات. لكن العديد من المنظمات الحقوقية تقول إن الصين تبالغ في هذا التهديد لتبرير قبضتها المشددة على المنطقة.

وقال دلشاد رشيد المتحدث باسم "المؤتمر العالمي للويغور" قوله إن الحكومة قامت بتسييس القضية واستخدمت الإرهاب كمبرر لمعاقبة الويغور الذين لا يوافقون على سياسات النظام، واعتبر في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني أن "الهدف هو إرهاب الويغور لدفعهم إلى التخلي عن حقوقهم". ولم تخفف بكين من سيطرتها على زينجيانغ ، هذه المنطقة الشاسعة التي تمثل سدس كتلة اليابسة في الصين التي تضم احتياطيات غنية من النفط والغاز والفحم. وفي يوليو/تموز عام 2009، عصفت بعاصمة الإقليم اوروميتشي أعمال عنف بين أغلبية الهان الصينية وأقلية الويغور أسفرت عن مقتل نحو 200 شخص. ومنذ اندلاع هذه الاضطرابات، حولت الصين اهتمامها إلى تعزيز التنمية في الإقليم وتوفير عدد أكبر من الوظائف خاصة للويغور في محاولة لمعالجة بعض من الأسباب الرئيسية وراء أعمال العنف.

من جهة اخرى قال الاعلام الصيني الرسمي إن مراهقا قتل 8 اشخاص واصاب 5 بجروح طعنا بسكين في اقليم لياونينغ شمال شرقي العاصمة بكين. وقالت وكالة شينخوا الصينية الرسمية إن الاعتداء وقع في بلدة يونغلينغ بالاقليم. وجاء في تقرير شينخوا ان قائمة القتلى شملت اثنين من اقارب صديقة الجاني وستة آخرين، واضاف التقرير ان الجرحى نقلوا للمستشفيات لتلقي العلاج. وقد القت الشرطة القبض على الجاني في مسرح الجريمة. وقال الاعلام الصيني إن الجاني البالغ من العمر 17 عاما قتل اقارب صديقته بعد ان "دخل في خصومة" معها، ثم قتل الاشخاص الستة الآخرين عندما كان يهم بالفرار.

وذكرت وسائل اعلام ان رجل شرطة سابقا كان قد فجر أكبر فضيحة سياسية في الصين بعد ان لجأ إلى قنصلية امريكية استقال من عضوية البرلمان وهو الامر الذي يفسح على الارجح المجال لتوجيه تهم جنائية اليه. ولجأ وانغ لي جون رئيس شرطة تشونغ تشينغ للقنصلية الامريكية في تشنغدو وهو الامر الذي انتهى بالإطاحة ببو شي لاي زعيم الحزب الشيوعي في تشونع تشينغ من صفوف الحزب الشيوعي الصيني.

وذكرت وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا) ان سلطات تشونغ تشينغ قبلت استقالة وانغ من عضوية البرلمان. ولم يتضمن التقرير تفاصيل ولكن هذه الخطوة ترفع الحصانة عن وانغ وتسمح بمحاكمته. وكان وانغ يخشى على حياته بعد ان زعم ان زوجة بو كانت تورطت في مقتل رجل الاعمال البريطاني نيل هايوود حسب مصادر مطلعة على تحقيق الشرطة. واعترف مسؤولون في تشونغ تشينغ في اوائل مارس آذار بان مسؤولي امن احتجزوا وانغ وان الحكومة المركزية تقود التحقيق. وذكر تقرير في صحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست في مايو ايار ان تهمة الخيانة ستوجه لوانغ.

من جانب اخر قالت جماعة لحقوق الإنسان في هونج كونج إن ناشطة صينية ضريرة فرت من مكان احتجازها في واقعة محرجة لجهاز الأمن بعد ثلاثة أشهر من فرار نشط بارز ضرير من منزله حيث كان موضوعا رهن الإقامة الجبرية وحصوله على حماية من الولايات المتحدة. وقال تحالف حماية حقوق المواطنين الصينيين إن الناشطة لي جويتشي البالغة من العمر 57 عاما والتي كانت محتجزة في مدينة شينتشين الجنوبية لمحاولتها دخول هونج كونج للانضمام لاحتجاج كبير مطالب بالديمقراطية في الأول من يوليو تموز فرت من مكان احتجازها بمساعدة أقارب لها.

وقال ليو وي بينغ المتحدث باسم التحالف إن لي ظلت تناشد السلطات لسنوات للتحقيق في وفاة ابنها المفاجئة عام 2006 . وأحرقت جثة الابن سريعا ولم ترها الأم قط. وأضاف أنها كانت تريد دخول هونج كونج لطرح قضيتها خلال مسيرة بمناسبة الذكرى السنوية لقيام بريطانيا بتسليم المنطقة للصين عام 1997 . وقال ليو إنها احتجزت بعد أسابيع في غرفة بفندق في إقليم هيبي بشمال شرق الصين وغافل أقارب لها الحراس وتسللوا إلى المبنى وساعدوها على الفرار. بحسب رويترز.

وعانى جهاز الأمن الداخلي بالصين من ثغرات محرجة هذا العام وبخاصة في أبريل نيسان عندما فر تشين قوانغ تشنغ -وهو نشط ضرير يعمل في مجال الحقوق القانونية- من منزله حيث كان موضوعا رهن الإقامة الجبرية وقطع مئات الكيلومترات إلى العاصمة بكين حيث ضمن الحماية داخل السفارة الأمريكية. وسافر تشين بعد ذلك إلى نيويورك برفقة أسرته بموجب اتفاق أبرم بين واشنطن وبكين.

انتقاد أمريكي

في السياق ذاته رفضت الصين تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الذي انتقد سيطرتها على الحرية الدينية قائلة إن التقرير يتسم بالتحيز، وهو محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية في الصين. وكان تنديد وزارة الخارجية الصينية بالتقرير الخاص بالحرية الدينية في العالم ، وهو يمثل تذكيرا بأن قضايا حقوق الإنسان لاتزال هي المسائل المؤرقة المزمنة بين واشنطن وبكين. وقد صدر التقرير السنوي الأمريكي وجاء فيه أن هناك "تدهورا ملحوظا" في احترام الحرية الدينية في الصين في عام 2011، وأشار إلى وجود إجراءات تُضيّق الخناق على الدين خاصة في منطقة التبت حيث توجد معابد وأديرة البوذيين.

وقد رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، هونغ لي، هذا الانتقاد بشدة. وقال هونغ لي في تصريحات نشرت على موقع الوزارة على الإنترنت "أفراد الشعب الصيني من جميع العرقيات يتمتعون بكامل حرية الدين والعقيدة". وأضاف "يجب على الجانب الأمريكي التخلي عن تحيزه، وأن يتوقف عن استغلال القضايا الدينية للتدخل في الشؤون الداخلية، وألا يفعل ما قد يضر بالعلاقات الصينية-الأمريكية والثقة والتعاون المتبادلين".

ومما يذكر أن التوتر بين الصين والولايات المتحدة يتركز على عدد من القضايا منها العجز التجاري الأمريكي، وبيع الأسلحة إلى تايوان، والخلاف بينهما بشأن بعض الأوضاع الإقليمية، وبعض الخطط العسكرية. وقد تضمن انتقاد الولايات المتحدة في التقرير السنوي إشارة إلى أن "التدخل الرسمي في ممارسات التقاليد الدينية قد زاد من الإحساس بالظلم، وأسهم في إقدام 12 تبتيا على الانتحار في عام 2011". وقد بلغ عدد من أضرموا في أنفسهم النار من التبت منذ شهر مارس/آذار الماضي أكثر من 40 منتحرا، من بينهم رهبان وراهبات بوذيون، وهذا يعكس مدى الغضب بسبب السيطرة الصينية. وقال مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، مايكل بوزنر، عقب اجتماع بشأن حقوق الإنسان في أواخر يوليو/تموز إن بكين تسير في الاتجاه الخاطئ بالنسبة لحقوق الإنسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/آب/2012 - 17/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م