أزمة فوكوشيما... اسرار تنم عن مخاطر مستقبلية

 

شبكة النبأ: كانت اليابان تعتمد على الطاقة النووية في توليد حوالي 30 بالمائة من إمدادات الكهرباء وكانت ثالث أكبر مستخدم للطاقة النووية في العالم بعد الولايات المتحدة وفرنسا، لكن قبل هذا كان قبل حدوث كارثة فوكوشيما، لكن اليوم تعاني اليابان ازمة خطيرة بسبب كارثة فوكوشيما النووية التي شهدتها العام الماضي، فقد كشفت لجنة تحقيق مستقلة بأن تلك الكارثة النووية كانت ناتجة بوضوح عن خطأ بشري، وليست مجرد نتيجة للزلزال والتسونامي الهائل اللذين ضربا شمال شرق البلاد في 11 اذار/مارس 2011، من جهة أخرى وفي واقعة نادرة شارك رئيس الوزراء الياباني السابق يوكيو هاتوياما في مظاهرة كبيرة ضد الطاقة النووية، في حين يرى الخبراء بهذا الشأن بأنه على الرغم من أضرار الكارثة النووية في فوكوشيما سيشهد الطلب العالمي على اليورانيوم في العقدين المقبلين ارتفاعا كبيرا يعكس الزيادة المتوقعة للمحطات النووية في العالم. حيث باتت الطاقة النووية من اهم انواع الطاقة العالمية لانتاج انواع الطاقة الاخرى.

كارثة من صنع الإنسان

فقد اكدت لجنة تحقيق مفوضة من البرلمان الياباني ان الحادثة النووية في فوكوشيما "كارثة من صنع الانسان" وليست مجرد نتيجة للزلزال والتسونامي الهائل اللذين ضربا شمال شرق البلاد في 11 اذار/مارس 2011، واوضحت اللجنة في تقريرها النهائي ان "الحادث (...) نتيجة تواطؤ بين الحكومة ووكالات التنظيم والشركة المشغلة تيبكو، مقرون بغياب الحكم الصالح من هذه الجهات"، واضاف النص الذي بلغ 641 صفحة "لقد خانوا حق الامة في الحماية من الحوادث النووية. لذلك خلصنا الى ان الحادث +من صنع الانسان+ بشكل واضح"، وتابع "نعتقد ان الاسباب الاساسية هي اليات التنظيم والتشريع التي استندت الى منطق خاطئ في قراراتها وافعالها، وليست قلة كفاءة شخص واحد محدد"، وتعتبر حادثة فوكوشيما الاسوأ منذ كارثة تشرنوبيل (اوكرانيا) النووية عام 1986، ووقعت بعيد زلزال بقوة 9 درجات ضرب منطقة توهوكو (شمال شرق) واثار موجة تسونامي على طول الساحل، واكتسحت موجة بارتفاع حوالى 15 مترا موقع محطة فوكوشيما دايشي النووية للطاقة التي تديرها شركة طوكيو الكتريك باور (تيبكو)، فاغرقت انظمة تبريد المفاعلات ومولدات الطوارئ الموجودة في طابق تحت الارض، واشارت اللجنة الى ان "ادارة تيبكو كانت مدركة لتأخير في اعمال تحصين الموقع من الزلازل واجراءات صد التسونامي وكانت تعلم ان فوكوشيما دايشي ضعيفة"، وهذا التحقيق هو الثالث حول الكارثة. بحسب فرانس برس.

وكان تقرير سابق جرى بتلزيم من تيبكو اعفى الشركة من اي مسؤولية معتبرا ان قوة الزلزال وضخامة التسونامي تجاوزتا جميع التوقعات ولم يكن من الممكن توقعهما، وعلقت اللجنة "يبدو ذلك اشبه بعذر للتهرب من المسؤوليات"، واضافت "بالرغم من توافر فرص كثيرة لاتخاذ اجراءات تعمدت وكالات التنظيم وادارة تيبكو الا تفعل شيئا وارجات قراراتها او اتخذت اجراءات تناسبها"، كما حمل التقرير تيبكو مسؤولية البطء في رد الفعل في الساعات التالية للحادثة، واكد "ينبغي عدم نسبها الى تقصير افراد في الموقع بل الى مشاكل بنيوية لدى تيبكو"، وتالفت لجنة التحقيق الاخيرة من 10 ممثلين للمجتمع المدني (عالم زلازل، محامون، اطباء، صحافي، اكاديميون) عينهم النواب، واللجنة التي ترأسها البروفيسور كيوشي كوروكاوا استجوبت المسؤولين الاساسيين في فترة الحادثة واجرت تحقيقات منذ كانون الاول/ديسمبر 2011. واقر رئيس الوزراء آنذاك ناوتو كان في اثناء جلسة الاستماع اليه في ايار/مايو بمسؤولية الدولة في الكارثة لكنه دافع عن ادارته للازمة معترفا ببعض الفوضى، وسبق ان استجوبت اللجنة رئيس تيبكو آنذاك ماساتاكا شيميزو الذي نفى نيته التخلي عن المحطة في الساعات التي تلت التسونامي، على عكس ما اكده كان والمتحدث باسم الحكومة يوكيو ايدانو ووزير الصناعة آنذاك بانري كاييدا.

الطاقة النووية

فيما استأنفت اليابان توليد الطاقة النووية عندما اصبحت الوحدة رقم 3 في محطة اوهي أول مفاعل يستأنف الامدادات الي الشبكة الكهربائية في البلاد منذ اغلاق جميع المحطات النووية لاجراء اختبارات بشان السلامة بعد كارثة فوكوشيما، وتوقف اخر مفاعل عن العمل اوائل مايو ايار تاركا البلاد بلا طاقة نووية للمرة لاولى منذ عام 1970، وكانت باقي المفاعلات النووية الخمسين في اليابان قد اوقف تشغيلها بالفعل لاجراء فحوصات لاغراض الصيانة والسلامة للتأكد من انها يمكنها تحمل زلزال وتسونامي على غرار الكارثة التي احدثت دمارا واسعا في محطة فوكوشيما داييتشي في زلزال مارس اذار 2011 وهو ما اثار أسوأ ازمة نووية في العالم منذ كارثة تشرنوبيل في 1986، ووافقت الحكومة على استئناف تشغيل الوحدتين الثالثة والرابعة في محطة اوهي بغرب اليابان لتفادي نقص محتمل في الطاقة في الصيف. لكن المخاوف بشان السلامة العامة مازالت عميقة وتظهر استطلاعات الرأي ان حوالي 70 بالمئة من الناخبين يريدون ان تتخلى البلاد عن الطاقة النووية في نهاية المطاف، ومن المنتظر ان تصدر لجنة عينها البرلمان للتحقيق في اسباب كارثة فوكوشيما تقريرها النهائي في وقت لاحق، وقالت شركة كانساي الكتريك باور -ثاني أكبر شركات المرافق في اليابان- انها بدأت توليد الطاقة من المفاعل الثالث في محطة اوهي عند 5 بالمئة من طاقته البالغة 1180 ميجاوات كما كان مقررا وذلك بعد اربعة ايام من استئناف التشغيل. بحسب رويترز.

وقال متحدث باسم الشركة ان من المتوقع ان يصل المفاعل الي طاقته الانتاجية الكاملة في حوالي التاسع او العاشر من يوليو تموز، واضاف ان من المقرر ان يستأنف المفاعل الرابع في محطة اوهي التشغيل في الفترة من 18 إلي 20 يوليو وان يبدأ انتاج الطاقة في الفترة من 21 الي 25 يوليو ويصل الي طاقة التوليد الكاملة في الفترة من 25 الي 30 يوليو.

اليورانيوم العالمي

فعلى رغم الكارثة النووية في فوكوشيما، اما انتاج مناجم اليورانيوم فارتفع 25% بين 2008 و2010، وبلغ 54,670 طنا (الطلب المتبقي يغطيه الانتاج المسمى ثانوي، كاعادة تدوير الوقود المستعمل)، ومن المتوقع ان يحقق مزيدا من التقدم يبلغ 5% هذه السنة ويصل الى 57 الف طن، وافاد التقرير المشترك حول سوق اليورانيوم الذي اعدته وكالة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية للطاقة النووية والوكالة الدولية للطاقة النووية، ان الطلب على اليورانيوم لتغذية المحطات سيتفاوت ما بين 97,645 و136,385 طنا في 2035، في مقابل 63,875 طنا في 2010، وبعبارة اخرى، سترتفع الحاجة الى اليورانيوم الى النصف على في العقدين المقبلين ويمكن ان تتضاعف ايضا، وينجم ذلك كما افاد التقرير المشترك من ارتفاع حجم الاستخدام النووي العالمي المقدر بما بين 44 و99% بحلول 2035. وكان يفترض ان يتخطى 375 غيغاوات اواخر 2010 الى مروحة تتفاوت بين 540 و746 غيغاوات، وترتبط هذه المروحة الواسعة من التوقعات بالهواجس التي تخيم على تطوير الذرة المدنية على اثر حادث اذار/مارس 2011 في محطة فوكوشيما باليابان، والذي تعد الاسوأ منذ تشرنوبيل في 1986، لكن التقرير يتوقع مع ذلك توسعا بوتيرة ثابتة لهذا المصدر للطاقة المثير للجدل، والذي تزيده الحاجات المتزايدة للطاقة لدى البلدان الناشئة وخصوصا في اسيا، وخلوه التام تقريبا من انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون. بحسب فرانس برس.

وفي المقابل، توقعت الدراسة ازدياد انتاج اليورانيوم لتلبية الحاجات المتزايدة، وما زالت وكالة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية للطاقة النووية والوكالة الدولية للطاقة النووية تعتبران ان "الموارد على صعيد اليورانيوم ما زالت كافية لتلبية حاجات القطاع طوال 100 عام بوتيرة استهلاك 20101"، لكنهما تضيفان ان من الضروري القيام باستثمارات على صعيد الاستخراج المنجمي لتلبية الطلب المتزايد.

مظاهرة ضد الطاقة النووية

من جهة أخرى شارك رئيس الوزراء الياباني السابق يوكيو هاتوياما في مظاهرة كبيرة ضد الطاقة النووية نظمت امام مكتب رئيس الوزراء الحالي يوشيهيكو نودا في إشارة جديدة على أن الحزب الحاكم الذي سبق وان تزعمه هاتوياما يوما ينهار الان على خلفية سياسات بشأن الطاقة وامور اخرى، وتصاعد الجدل بشأن الطاقة النووية في اليابان بعد قرار رئيس الوزراء الحالي نودا باعادة تشغيل مفاعلين نوويين معطلين على الرغم من مخاوف ملحة بشأن السلامة العامة في أعقاب ازمة فوكوشيما النووية العام الماضي، وشارك ما يقدر بنحو 100 الف متظاهر مناهض للطاقة النووية في احتجاجات في شوارع العاصمة طوكيو في الوقت الذي تتجمع فيه حشود اكبر بكثير امام مكتب رئيس الوزراء، وكان هاتوياما قد أصبح رئيسا للوزراء في عام 2009 عندما وصل الديمقراطيون إلى السلطة للمرة الاولى لكنه استقال بعد اقل من عام بعد اتهامات لحكومته بعدم الكفاءة والفشل في الوفاء بوعودها الانتخابية بنقل قاعدة عسكرية امريكية الى منطقة قبالة جزيرة اوكيناوا الجنوبية، ونالت مشاركة رئيس الوزراء السابق في مظاهرة استحسانا من بعض المتظاهرين بينما رفضها اخرون قالوا انها ترمي لتحقيق اغراض شخصية وسياسية. بحسب رويترز.

ومن المقرر ان تحدد الحكومة سياسة طاقة جديدة متنوعة الشهر المقبل لتحل محل برنامج كان يهدف إلى زيادة حصة الطاقة النووية لتلبي أكثر من نصف احتياجات الطاقة بحلول عام 2030 ارتفاعا من نسبة 30 في المئة الان. وتم العدول عن هذا البرنامج الذي اطلق في الاساس في عام 2010 بعد ازمة فوكوشيما النووية التي نجمت عن زلزلال وموجات مد بحري عاتية في مارس اذار 2011، ويتوقع معظم الخبراء أن يختار نودا تحديد حصة الطاقة النووية بنسبة 15 في المئة بحلول عام 2030، وقد يتطلب هذا الخيار إعادة تشغيل جميع المفاعلات النووية في اليابان والبالغ عددها 50 مفاعلا -وكلها لا تعمل الان فيما عدا مفاعلين لاجراء فحوصات للتأكد من سلامتها- قبل البدء تدريجيا في اغلاق الوحدات الاقدم، واستأنف مفاعلان نوويان في غرب البلاد العمل احدهما هذا الاسبوع.

مخاطر حادث فوكوشيما

الى ذلك وجه تقرير رسمي جديد انتقادات قاسية للحكومة اليابانية وشركة كهرباء طوكيو (تبكو) على خلفية حادث فوكوشيما النووي، مضيئا بشكل خاص على تجاهلهما للمخاطر واخطائهما في ادارة الكارثة، والتقرير الذي اوكلت الحكومة نفسها اعداده للجنة ضمت مهندسين وباحثين ورجال قانون وصحافيين، كناية عن مجلد من 450 صفحة وتم نشره في وقت تعيش البلاد على وقع تساؤلات حول مستقبل منشأة نووية تلقى معارضة شعبية متزايدة، وقال اعضاء لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة ان "المشكلة الاساسية تأتي من ان شركات الكهرباء ومنها تبكو، والحكومة لم تتنبه الى حقيقة الخطر لأنها كانت تؤمن باكذوبة الامن النووي الذي يحول دون وقوع حادث خطر في بلادنا"، وسلم اعضاء اللجنة الاثنين خلاصات تقريرهم بعد لقاءات مع 772 شخصا معنيا بالحادث قبل حصوله او خلاله، من بينهم رئيس الوزراء ناوتو كان بصفته رئيسا للحكومة خلال حصول الكارثة في 11 اذار/مارس 2011 في محطة فوكوشيما داييشي النووية شمال شرق اليابان، وجاء في التقرير الحكومي ان السلطات وشركة تبكو لم تقصرا فحسب في اتخاذ التدابير الكافية لمنع وقوع الحادث الناجم عن هزة ارضية بلغت قوتها تسع درجات وتلاها تسونامي هائل غمرت مياهه المنشآت، بل ان تعاطيهما مع الكارثة لم يرتق الى المستوى المطلوب، واشار التقرير الى "عدد من المشاكل الداخلية في تبكو كالتقصير في ادارة الازمة، وعدم اهلية البنية التنظيمية لمواجهة الاوضاع الطارئة والنقص في تأهيل الموظفين على التعاطي مع حادث خطر"، وامل الخبراء في ان تبادر الشركة الى "اصلاح في العمق لانظمة التدريب التابعة لها لتحسين قدرة موظفيها على مكافحة الحادث" الذي لا تزال اثاره مستمرة، وبعد 16 شهرا على اندلاع الكارثة، تراجعت انبعاثات المواد المشعة الى معدل ضعيف جدا بالمقارنة مع ما كان عليه في اذار/مارس 2011 وتم وضع انظمة تبريد بالدائرة المغلقة على المفاعلات، الا انه من غير الممكن استبعاد وجود اي خطر لكون المنشآت لا تزال هشة جدا بعد الانفجارات التي ضربت المباني في بداية الازمة. بحسب فرانس برس.

ولا تزال زلازل عدة تضرب منطقة فوكوشيما بوتيرة متكررة، ويتهم التقرير ايضا شركة تبكو بالتباطؤ "في تحديد اسباب الحادث"، مما منع الصناعة النووية اليابانية من استخلاص العبر المناسبة من الكارثة، ومنذ وقوع الحادث، ما زالت شركة تبكو تدعي بأن لا شيء كان يحمل على الاعتقاد بأن هزة ارضية وتسوماني قويان سيضربان شمال شرق اليابان مكان وجود محطة فوكوشيما، وانتقد التقرير من جهة اخرى التدخلات المباشرة لرئيس الوزراء ناوتو كان وفريقه في الادارة العملانية للحادث، واضاف "يتعين القول ان تدخله المباشر اساء اكثر مما افاد، لأنه زاد من الفوضى وحال دون اتخاذ قرارات مهمة وادى الى احكام خاطئة"، وكان تقرير رسمي اخر تم اعداده بمبادرة من البرلمان ونشر في الخامس في تموز/يوليو، انتقد موقف السلطات معتبرا ان ما شهدته فوكوشيما "كارثة خلقها الانسان" وليست فقط بسبب الزلزال والتسونامي، واسفر حادث فوكوشيما الذي يعد الاسوأ في القطاع النووي منذ حادث تشرنوبيل في اوكرانيا عام 1986، عن انبعاثات مشعة كبيرة في الهواء والمياه والاراضي المحيطة بالمحطة التي تبعد 220 كلم شمال شرق طوكيو. واضطر حوالى مئة الف شخص الى اخلاء منازلهم بسبب المخاطر الصحية، والغالبية العظمى من المحطات النووية ال50 في اليابان متوقفة عن العمل حاليا، اما بسبب الزلزال او بسبب متطلبات امنية جديدة تتطلب اعمالا لتدعيم المحطات، وتم اعادة العمل بمفاعلين نوويين فقط في محطة اوي (وسط) في تموز/يوليو بفضل الضوء الاخضر الذي اعطاه رئيس الوزراء يوشيهيكو نودا وبرغم معارضة جزء من السكان، وفي مشهد غير اعتيادي في اليابان، شهدت العاصمة طوكيو خلال الاسابيع الاخيرة تظاهرات كبيرة ضمت عشرات الاف الاشخاص المعارضين للطاقة النووية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/آب/2012 - 16/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م