سوريا... معارضة شرسة لكنها متشرذمة

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: غالبا ما طغى على الجهات المعارضة للنظام السوري التشرذم والتقاطعات في الرؤى على الرغم من جهود الدول الخليجية والغربية في توحيدها تحت سقف واحد، الامر الذي يعزوه المراقبون الى تقاطعات الدول الداعمة لمشروع اسقاط الاسد في كل من قطر والسعودية واسرائيل.

فيما بدت الجماعات المسلحة التي تقاتل في الداخل اكثر تشرذما مما هو في الخارج، خصوصا بعد ان هيمنت القاعدة والجماعات السلفية المتشددة على قيادة المجاميع المسلحة، وقامت بارتكاب العشرات من المجازر والاعدامات في المناطق التي تحتلها بحسب التقارير الميدانية الواردة.

في حين يؤكد المتابعين للشأن السوري ان تلك الدولة زجت في نفق مظلم بات من الصعوبة الخروج منه على المدى القصير، مما يهدد بانتقال العنف الى البلدان المجاورة، الى جانب نشوب صراع اممي قد لا يستثني في ويلاته العديد من دول العالم.

حكومة المنفى

اذ وصف ما يسمى المجلس الوطني السوري المعارض ب"المتسرع" اعلان فصيل جديد للمعارضة السورية في القاهرة عزمه على تشكيل حكومة انتقالية، معتبرا ان من شأن هذه الخطوة "اضعاف المعارضة". وقال عبد الباسط سيدا "هذه خطوة متسرعة كنا نتمنى الا تكون"، مضيفا ان "تشكيل هذه الحكومة او غيرها بهذه الطريقة امر يضعف المعارضة".

واعلنت في القاهرة ولادة ائتلاف جديد للمعارضة السورية يحمل اسم "مجلس الامناء الثوري السوري" قام بتكليف المعارض هيثم المالح تشكيل حكومة سورية انتقالية. وعقد مجلس الامناء الثوري السوري مؤتمره التاسيسي وفي ختام اعماله، اعلن هيثم المالح ان الائتلاف الذي يضم معارضين مستقلين غير حزبيين، طلب منه تشكيل حكومة انتقالية مقرها القاهرة. بحسب فرانس برس.

وقال المالح "كلفني الاخوة بقيادة حكومة انتقالية وان ابدأ بالتشاور مع المعارضة في الداخل والخارج"، معتبرا ان "المرحلة الحالية تتطلب منا التعاون (...) لتشكيل حكومة انتقالية".

وكان المالح استقال من المجلس الوطني السوري المعارض في 13 اذار/مارس الماضي منتقدا اداء المجلس. ويعد المالح (81 عاما) من ابرز المعارضين للنظام السوري منذ ايام الرئيس السابق حافظ الاسد وامضى سنوات طويلة في السجن.

ورأى سيدا من جهته انه "لا بد من اخذ الوقت اللازم لتشكيل حكومة انتقالية"، معتبرا ان كل حكومة انتقالية يجب ان "تعكس الوضع على الارض والتنوع" في المجتمع السوري. وذكر بان المجلس الوطني كان شكل لجنتين للتشاور مع الجيش السوري الحر ومع مجموعات في الداخل ومع المعارضة في المنفى من اجل تشكيل حكومة انتقالية.

وتحث دول غربية وعربية المعارضة السورية منذ شهور على التوحد. وبينما كان المجلس الوطني السوري صوتا دوليا للمعارضة يشتكي النشطاء على الأرض من أن القيادة في المنفى ليست لديها صلة كبيرة بما يحدث في سوريا.

ويضم مجلس الثورة السورية 70 شخصية معارضة وسيكون مقره في القاهرة وله فروع في لبنان وتركيا والأردن والعراق. وقال أحمد جلال السيد أحد أعضاء المجلس إن التحالف الجديد يضم أعضاء من المجلس الوطني السوري ولكن تشكيله يهدف أيضا لإبلاغ المجلس بأنه ليس هو الجهة الوحيدة التي يحق لها الحديث باسم المعارضة كلها.

حل سياسي

في سياق متصل وقع معارضون سوريون الخميس في روما نداء مشتركا من اجل حل سياسي للنزاع في سوريا، مطالبين خصوصا بوقف اطلاق النار والافراج عن المعتقلين والمصالحة الوطنية. وقال الموقعون ال17 لهذا النداء والذين ينتمون الى 11 تجمعا وهيئة سورية معظمها من داخل البلاد انهم يرفضون تحول سوريا "ساحة للصراعات الدولية والاقليمية".

واعتبروا ان المجتمع الدولي "يتمتع بالقوة والقدرة اللازمتين لتحقيق توافق دولي يؤسس لمخرج سياسي من الأوضاع المأسوية الراهنة، يقوم على فرض فوري لوقف إطلاق النار، وسحب المظاهر المسلحة وإطلاق سراح المعتقلين والإغاثة العاجلة للمنكوبين وصولا إلى مفاوضات شاملة لا تستثني أحدا، تستكمل بمصالحة وطنية".

وراوا ان سوريا "تعيش الازمة الاكثر مأسوية في تاريخها بفعل الحل الامني العسكري في مواجهة الانتفاضة الشعبية المطالبة بالحرية والكرامة"، والمستمرة منذ اكثر من 16 شهرا ضد نظام الرئيس بشار الاسد.

وقال احد موقعي النداء عبد العزيز الخير الذي امضى 14 عاما في سجون النظام السوري ان "الاسلحة ليست الحل، انها لا تبني الديموقراطية". وسبق هذا النداء مشاورات اجراها المعارضون في مقر جماعة سانتي اجيديو، وهي منظمة كاثوليكية تنشط لحل النزاعات في افريقيا والشرق الاوسط. وشدد رئيس الجماعة ماركو امباغليازو على ان "المجتمع السوري يقوم على توازن هش يتعرض للتدمير جراء العنف".

مناف طلاس

من جانبه اعلن العميد المنشق مناف طلاس انه يأمل في "وضع خارطة طريق للخروج من الازمة" بالتواصل "مع كل طرف شريف يريد بناء سوريا"، بما في ذلك الذين "لم تلطخ اياديهم بالدماء" في النظام، مؤكدا انه "لا يرى سوريا ببشار الاسد".

وفي حديث مطول هو الاول منذ انشقاقه، صرح طلاس لصحيفة الشرق الاوسط من مدينة جدة السعودية، "ساتواصل مع الجميع لنجد خريطة طريق للخروج من هذه الازمة". واضاف "ساتواصل مع كل طرف شريف يريد بناء سوريا سواء كان في المجلس الوطني او الجيش الحر او ان كان في الداخل او الشرفاء وان كانوا في داخل النظام".

واشار الى احدا ليس معفيا من التواصل، مشددا على ان "هناك اشخاصا كثرا في النظام ايديهم لم تلطخ بالدماء ولم يشاوروا، وهؤلاء لا يجب اجتثاثهم، بل ان نحافظ على المؤسسات الوطنية في سوريا وان نحافظ على الدولة".

وعبر عن امله في ان تصل "هذه الفسيفساء الى خارطة طريق لتعيد رسم سوريا بطريقة حضارية مثلما كانت، واجمل"، مؤكدا في الوقت نفسه انه "لا يرى سوريا ببشار الاسد". واوضح طلاس الذي كان قريبا من عائلة الرئيس بشار الاسد واكد انشقاقه عن الجيش السوري ومغادرته سوريا، انه اختلف مع النظام "منذ بداية الازمة" وانه التقى الاسد للمرة الاخيرة "قبل عام تقريبا" ولم يدر اي حديث بينهما عن كيفية ادارة الازمة.

وقال "نأيت بنفسي لفترة زمنية ثم اصبحت هناك اخطاء في طريقة معالجة الازمة ولم يكن لدي قرار ورأي في هذا، لذا فضلت الخروج". واكد مناف طلاس انه لم يحاول ان يكون "طرفا في البداية من اجل ان اكون طرفا وفاقيا"، مشددا على انه لم يخرج من سوريا "لكي اقود المرحلة الانتقالية. لم اخرج لأداء اي دور". واضاف "انا ابحث عن الامن والاستقرار لسوريا واذا اتيح لي ان اشارك كأي مواطن عادي في العودة لبناء سوريا فأنا جاهز لكنني لا ابحث عن السلطة".

من جهة اخرى، اكد مناف طلاس ان دور الرئيس السوري "ليس ضعيفا، لكن هناك من سهل له حجم الازمة من الدائرة المحيطة به، وبالتالي فضل ان يتعامل معها بهذا الاطار" الامني.

واوضح ان الاجهزة الامنية "تتلقى تقاريرها من اماكن الحراك وتقوم بالمعالجة بطرق امنية وليس لديها بدائل، وكنت افضل ان تكون العملية سياسية (...) كنت اعتبر الحل الامني انتحارا للنظام".

ورأى طلاس ان التفجير الذي ادى الى مقتل اربعة من كبار القادة الامنيين في البلاد "عملية خرق كبيرة (...) مما يدل على ان الحراك اصبح متطورا جدا، ولا بد ان يتوقف النظام ويستمع لصدى هذا الحراك".

وامتنع طلاس عن كشف اي معطيات تتعلق بطريقة خروجه من سوريا، مكتفيا بالقول انها "كانت عملية معقدة واخذت الكثير من الوقت واشتركت فيها مجموعة من الاطراف".

ومناف طلاس هو نجل مصطفى طلاس، وزير الدفاع في عهد الرئيس السابق حافظ الاسد، والد الرئيس الحالي. وكان صديق طفولة لبشار الاسد بحكم العلاقة الوثيقة بين العائلتين. وقد دعا في بيان تلاه عبر قناة العربية الفضائية الى ان "نتوحد من اجل سوريا موحدة ذات نسيج متوحد ومؤسسات ذات استقلالية لخدمة سوريا ما بعد الاسد".

أنصار الأسد في حلب وادلب

الى ذلك قال المرصد السوري لحقوق الانسان إن المعارضين المسلحين اعتقلوا العشرات من الضباط والجنود ورجال الميليشيا الموالين للحكومة هذا الاسبوع في محافظة ادلب ومدينة حلب التي يتوقع أن تشهد معركة كبيرة.

وأظهر فيديو نشر على موقع يوتيوب الالكتروني معارضين مسلحين ببنادق كلاشنيكوف ينتمون لما تدعى بكتيبة التوحيد يحرسون المعتقلين الذين تجمعوا في أربع مجموعات في فناء مدرسة. وظهر صوت يقول إنهم اعتقلوا في حلب.

وبدت على وجوه بعض المعتقلين كدمات وتورم حول الأعين وارتجفت أصواتهم عندما تحدثوا.

وقال أحدهم إنه عقيد وقال آخر إنه رائد في حين عرف العديد منهم أنفسهم بأنهم من الشبيحة وهو مصطلح تطلقه المعارضة على أفراد الميليشيا الموالية للرئيس بشار الأسد وتقاتل إلى جانب قواته.

وفي نهاية الفيديو قال أحد المعارضين إن الجيش السوري الحر سيقضي على كل الشبيحة.

وقال معارض من الجيش السوري الحر إن المعتقلين في أمان ونقلوا إلى موقع لم يتم الكشف عنه في ريف حلب معقل المعارضة المسلحة. بحسب رويترز.

وقال "بعضهم اعتقلوا في مركز شرطة الشعار واستسلم آخرون." وأضاف "ما زالوا أحياء وسيبقون معنا إلى أن يسقط النظام وسيقدمون للمحاكمة .. وسيلقى كل منهم جزاءه."

وفي محافظة ادلب اشتبك المعارضون المسلحون مع قوات الأمن الحكومية لما لا يقل عن ثماني ساعات اعتقل بعدها المسلحون 50 جنديا واستولوا على مبنى أمني رئيسي في بلدة معرة النعمان.

وأظهر فيديو نشر على يوتيوب عشرات المعارضين المسلحين بالبنادق داخل مبنى تاريخي كان يستخدم قاعدة أمنية بعدما سيطروا عليه من قوات الأسد. وكانت جثة أحد الجنود ملقاة على الأرض وسمع صوت يقول في الفيديو إنه رفض الانشقاق. وكتب على أحد الجدران "رجال الموت" وكانت النوافذ مسدودة بأكياس من الرمل. ودمرت مبان قريبة وكان الطريق مغطى بالركام في مؤشر على وقوع معركة شرسة بالمنطقة.

تبادل رهائن بين الشيعة والسنة بسوريا

من جانبه قال مندوب شبكة CNN انه شهد عملية تنفيذ الجزء الأول من صفقة تبادل لرهائن ثوار سوريين من الجانبين السنة والشيعة في مدينة حلب. العملية كانت أشبه بالأفلام، إذ تم تبادل 11 رهينة سني، مقابل مثلهم من الشيعة، وجميعهم من السوريين، بعد مفاوضات طويلة جرت بين الجانبين.

وقبل بدء العملية بدقائق، تربع أحد الثوار السوريين المسلحين وأسمه الحركي المعروف به هو "عنادان القناص"، منتظراً اتصالاً هاتفياً يفيد بموعد وصول الحافلة التي كانت تقل الثوار السنة إلى حيث المكان الذي أتفق على تسليمهم.

ويقول عنادان القناص: "لقد تفاوضنا خلال الفترة الماضية طويلاً من أجل الوصول إلى صيغة مرضية لجميع الأطراف. وأهم ما حاولنا فعله هو عدم التمييز بين العلويين والشيعة والسنة، فنحن ضد الطائفية، لأن هذا ما يريده نظام الأسد، لتفرقة الأمة."

وبالفعل وصلت حافلة سوداء صغيرة، يقلها شيخ شيعي، تحمل رهائن من السنة، وسيارة أخرى صغيرة، طلب قائدها باتمام عملية التبادل بشكل سريع.

وقاد "القناص" الحافلة لمسافة قصيرة، باتجاه بلدة كفر حمرة، إحدى ضواحي حلب الثرية، حيث استقبل السكان الرهائن من الطرفين بالترحيب الشديد، وتسلم الشيخ الشيعي 11 رهينا شيعياً، حيث بدا على أحدهم بعض آثار التعذيب، ومن ثم تصافح الرهائن مع بعضهما البعض في فناء منزل وقعت فيه عمليه التبادل.

أحد الأشخاص الذي طلب عدم ذكر اسمه، ويلقبه سكان كفر حمرة بـ"الملك"، والذي كان في استقبال الطرفين: "استغرق التفاوض بين الجانبين حوالي 3 أيام، فأنا أعرف أحد الأشخاص من الجانب السني وآخر من الشيعة، وحاولت التقريب بينهما للوصول إلى حل المشكلة، واليوم تم التنفيذ."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/آب/2012 - 15/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م