الدراما العربية في شهر رمضان... اشكالية اخلاقية ودينية

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يتميز شهر رمضان المبارك عن الشهور السنة الأخرى من الناحية الدينية كونه شهر الصيام والقيام للمسلمين كما يعقبه عيد الفطر، لكنه صار في السنوات الأخيرة من اهم الشهور من ناحية الثقافة الترفيهية بالنسبة لشركات الانتاج الفني والقنوات الفضائية التي تتسابق في كسب اكبر فئة من المشاهدين بهدف الربح المادي، وقد تبين هذا من خلال الميزانية الكبيرة لمسلسلات رمضان هذا العام، فقد تخطت حاجز المليار جنيه مصري، بعد فترة ركود في العام الماضي بسبب الأحداث السياسية التي أثرت على الإنتاج، ولعل هذا الزخم من المسلسلات والبرامج عبر الشاشة الصغيرة؛ فارغة المضمون؛ وكأنها جاءت لتملأ فراغ الصراع السياسي، و بالتزامن مع أزمة اقتصادية كبيرة يعاني منها بعض العرب وغالبية المصريين.

من جهة أخرى استقطبت المسلسلات الرمضانية لهذا العام بعض نجوم السينما مثل عادل امام ويحي الفخراني، لتصبح هي المحطة التي يمر منها وإليها جميع النجوم في كل المجالات، في حين تفاوت وتنوعت انتاجات المسلسلات العربية التي تعرض هذه السنة في شبكات برامج التلفزيونات اللبنانية خلال رمضان من السياسية والتاريخية والاجتماعية.

الى ذلك وعلى الرغم من التحذيرات الكثيرة التي اتت من مختلف الشخصيات السياسية او المرجعيات الدينية فقد بدأت الكثير من القنوات التليفزيونية العربية وأغلبها مصرية في الأول من رمضان بعرض المسلسل الجديد "عمر بن الخطاب" رغم الخلاف الشديد على تجسيده لشخصيات الصحابة وإظهارهم في الأحداث وهو ما ترفضه معظم المؤسسات الدينية العربية.

فقد أصبحت الدراما التليفزيونية صناعة ضخمة لا تقل عن السينما، فمن عام إلى آخر تشهد الدراما التليفزيونية العربية تطورا كبيرا في الإنتاج والتصوير والنصوص واستقطاب النجوم وقنوات العرض، حتى أصبحت صناعة ضخمة للموارد المالية متجاهل انتاج الموارد الثقافية الفكرية الدينية.

مسلسلات رمضان

فقد استعادت الدراما المصرية قوتها من جديد استعدادا لشهر رمضان بعد فترة ركود في الموسم الماضي بسبب الأحداث السياسية التي أثرت على الإنتاج العام الماضي، وستعرض الشاشات هذا الموسم ما يقرب من 70 مسلسلا، وهو الإنتاج الأكبر في تاريخ الدراما المصرية، واستحوذ مسلسل "فرقة ناجي عطا الله"، للنجم عادل إمام، على الميزانية الأضخم من بين مسلسلات شهر رمضان هذا العام، بميزانية تخطت حاجز الـ 70 مليون جنيه مصري بقليل، حصل منها إمام على حوالي 30 مليون جنيه كأجر، جاء بعده مسلسل خطوط حمراء للنجم أحمد السقا بميزانية إنتاج بلغت ما يقرب من 42 مليون جنيه، ومن بعده الفنانان محمود عبد العزيز ويحيى الفخراني، بمسلسلي باب الخلق والخواجة عبد القادر، وبلغت تكلفة كل مسلسل ما يقرب من 40 مليون جنيه، اللافت في الأمر أن أغلب نجوم المثيل في مصر يشتركون في دراما رمضان هذا العام، كما تظهر المطربة اللبنانية هيفاء وهبي في الدراما المصرية للمرة الأولى في حياتها، ولكن الأزمة في أن الإنتاج الكبير يهدد عددا من المسلسلات بعدم العرض بسبب الكثافة، وهو ما وضع بعض المنتجين في أزمة حقيقية، وبرر المنتج محمد فوزي ضخامة الإنتاج هذا العام لتعويض الموسم الماضي، وقال في مقابلة خاصة "الموسم الدرامي في مصر أصبح مرتبطا بشهر رمضان منذ سنوات، وقد شهد الموسم الماضي تراجعا حادا وتكبد المنتجون خسائر كبيرة بسبب الأحداث التي شهدتها مصر بفعل الثورة، لذا فإن الموسم الحالي فرصة لتعويض تلك الخسائر، وأضاف فوزي: "شهر رمضان سيشهد ظهور عدد كبير من نجوم التمثيل المصري، منهم عادل إمام ومحمود عبد العزيز، وهما قليلا الظهور في رمضان، بالإضافة إلى ظهور هيفاء وهبي للمرة الاولى بالدراما، وهذا راجع إلى ركود سوق السينما، لذا فقد لجأ هؤلاء النجوم إلى التلفزيون لتعويض خسائر السينما، وقدر محمد فوزي التكلفة الإنتاجية لمسلسلات رمضان هذا العام بما يزيد عن المليار جنيه، وقال: "العدد الضخم من المسلسلات التي تم إنتاجها خصيصا لشهر رمضان هذا الموسم، رفع التلكفة الإنتاجية لأكثر من مليار جنيه، وهو رقم كبير لم تعتد عليه الدراما المصرية من قبل، ولكنها تكلفة طبيعية مقارنة بالعدد الكبير للمسلسلات. بحسب السي ان ان.

وأبدى منتج مسلسل "فرقة ناجي عطا الله" صفوت غطاس تخوفه من عدم تسويق عدد من مسلسلات رمضان هذا العام بسبب أعدادها الكبيرة، وقال "الإنتاج الضخم هذا العام في شهر رمضان سيدفع عددا من المنتجين لعدم طرح مسلسلاتهم هذا العام خوفا من عدم حصولها على التسويق اللائق، وسيتكبد هؤلاء المنتجون خسائر كبيرة، وتابع غطاس قائلا: "مسلسلات النجوم ستحظى بمشاهدة عالية خاصة وأنهم لم يظهرون في الدراما منذ سنوات، ومنهم عادل إمام الذي يلعب دور البطولة في مسلسل"فرقة ناجي عطا الله"، والذي يعود به بعد غياب طويل، ولكن في نفس الوقت فإن كثافة عدد النجوم الكبار سيؤثر بالسلب على بقية المسلسلات، وأضاف صفوت غطاس: "أجلت عرض مسلسل عادل إمام من الموسم الماضي للموسم الحالي، لأن الظروف كانت صعبة خلال العام الماضي، بالإضافة إلى أن المسلسل لم يكتمل تصويره بسبب الأحداث التي شهدتها مصر، ومن حسن الحظ أننا لم نعرض المسلسل العام الماضي، ومن أبرز المسلسلات التي يتوقع عرضها خلال شهر رمضان، مسلسل "الأخت تريزا" وهو من بطولة حنان ترك وإخراج حسام الجوهري، ومسلسل "ذات"، وهو قصة مقتبسة عن رواية لصنع الله إبراهيم، وتلعب دور البطولة فيه نيللي كريم، ومسلسل "سيدنا السيد"، لجمال سليمان، ومسلسل "الهروب" لكريم عبد العزيز.

انتاجات سياسية وتاريخية واجتماعية

فيما تتفاوت ضخامة المسلسلات العربية التي تعرض هذه السنة ضمن شبكات البرامج في محطات التلفزيون اللبنانية، ولعل الاضخم بين المسلسلات اللبنانية هو "الغالبون" في جزئه الثاني و "حريم السلطان التركي، نظرا الى طابعهما السياسي والتاريخي، وارتأت محطتا "ال بي سي اي" وتلفزيون "الجديد" الاعتماد على المسلسلات الدرامية كوجبة اساسية في برمجتها، في حين اختارت محطة "المستقبل" تطعيم شبكتها ببرامج ترفيهية، و تركز محطة "ام تي في" على البرامج الحوارية الفنية، من لبنان، تعرض "ال بي سي اي" مسلسل "ديو الغرام" مع كارلوس عازار وماغي ابي غصن ووجيه صقر، وقد تولت كتابته كلوديا مارشليان واخرجه الممثل والمخرج السوري سيف الدين السبيعي، ويتناول "ديو الغرام" قصة مغنية معروفة تعاني مشكلات مع زوجها رجل الاعمال الثري، وسرعان ما تغرم بفنان مبتدىء يصغرها سنا وتحاول مساعدته على الانطلاق، وللكاتبة نفسها تعرض محطة "ام تي في" مسلسل "اجيال" بجزئه الثاني الذي يعود باجوائه الاجتماعية الدرامية الصاخبة على الشاشة طوال شهر رمضان وهو من بطولة ورد ويوسف الخال ومجدي مشموشي وباميلا الكك ونادين نسيب نجيم ويوسف الحداد، أما قناة "الجديد" فتعرض مسلسل "العائدة" للكاتب شكري انيس فاخوري واخراج كارولين ميلان مع كارمن لبس وفادي ابراهيم وعصام الاشقر وجوزف بو نصار. ومحور المسلسل ميسم التي تخرج من السجن بعدما امضت 17 عاما لتنتقم من ماضيها، وكل من تسبب لها بالاذى. وبينما قلبها يتأرجح ما بين امر السجن واعلامي يعلن حبه لها، تتطور الاحداث، وتعرض قناة "المنار" مسلسل الغالبون بجزئه الثاني الذي يجمع 200 ممثل للكاتب فتح الله عمر، والمخرج رضوان شاهين مع احمد الزين وعصام بريدي والسا زغيب ومجدي مشموشي وطوني عيسى، ويصور مواجهة المقاومة اللبنانية للجيش الاسرائيلي في الجنوب. و يروي الجزء الثاني بحسب البيان الترويجي للمحطة "وقائع جديدة عن حياة أهل الجنوب منذ الاندحار الأول لجيش الاحتلال عن صيدا وقسم من الجنوب، وتمركزه على الشريط الحدودي بين 1985حتى عام 1992"، وضمن اجواء النزاع مع اسرائيل ، يطل عادل امام عبر شاشة" ال بي سي اي" بادارة نجله رامي امام في المسلسل المصري "فرقة ناجي عطالله" بعد غياب 29 عاما عن الدراما التلفزيونية. ويؤدي امام دور ضابط مصري متقاعد اسمه يشكل مع طلابه فرقة تقرر السطو على مصرف اسرائيلي منتقما من عدائية الدولة العبرية حيال الشعب الفلسطيني. بحسب فرانس برس.

ومن الاجواء السياسية الى الاجواء الاجتماعية في مصر، يطل على القناة نفسها النجم السوري جمال سليمان في دور رجل صعيدي يتزوج اكثر من امرأة رغم سنه المتقدم في مسلسل "سيدنا السيد" الذي كتب حواراته ياسر عبدالرحمن، وتولى اخراجه اسلام خيري، واختار تلفزيون المستقبل لهذا الموسم مسلسلين مصريين هما "باب الخلق" و"زي الورد". ويروي الاول الذي يقوم ببطولته كل من محمود عبد العزيز وصفية العمري واخراج عادل اديب، قصة محفوظ وهو نموذج خاص للشخصية السعيدة الحظ . يقرر العودة الى مصر بعد أن عمل في دول الخليج وسرعان ما تتبدل حياته. اما مسلسل " زي الورد " لفداء الشندويلي بادارة المخرج سعد هنداوي، فيتطرق الى قصة ام تصارح ابنها لحظة موتها أن أباه هو رجل اعمال وسياسي مشهور، وينطلق الشاب لمواجهة ابيه، وعلى قناة الجديد يعرض مسلسل "كيد النساء" مع فيفى عبده ونبيلة عبيد، ويطل الممثل المصري امير كرارة الذي برز اخيرا في مسلسل روبي عبر شاشة الجديد في مسلسل عنوانه "طرف ثالث" عن ثلاثة أصدقاء متمردين منذ الطفولة ومن البيئة الاجتماعية نفسها وتشاركوا الفشل في الدراسة وحلمهم الثراء، وللمسلسلات السورية حصتها على الشاشات اللبنانية الصغيرة. فتعرض المؤسسة البنانية للارسال انترناشونال مسلسلين الاول عنوانه "ارواح عارية" عن الخيانة والفساد وتسلط الرجل قساوة المجتمع ضد المراة مع قصي خولي وسلافة معمارومن اخراج الليث حجو، والثاني عنوانه "بنات العيلة" بادارة المخرجة رشا شربتجي الذي يعالج قضايا ومشاكل النساء من بطولة نسرين طافش وجيني اسبر وديما قندلفت وكندة علوش وباسم ياخور، واختارت قناة الجديد ثلاثة مسلسلات سورية هي "الولادة من الخاصرة" بجزئه الثاني الذي يرصد لحالات الفساد السياسي والاجتماعي فضلا عن "طاحون الشر"، الى شوارع دمشق، ينقلنا مسلسل "ابو جانتي" بجزئه الثاني الذي يحكي قصة سائق تاكسي من خلال علاقته بمجموعة من الركاب من مختلف الجنسيات، فيشترك معهم في حل مشاكلهم و تقوده ورطاته إلى مواقف مسلية طابعها انساني. كتب المسلسل حازم سليمان واخرجه عمار رضوان ويقوم ببطولته كل من سامر المصري وسامية الجزائري واندريه سكاف، مناخ الامبراطورية العثمانية، يصوره مسلسل " "حريم السلطان" التركي الاضخم انتاجا والمثير للجدل الذي عرف نجاحا كبيرا في تركيا وخارجها. وهو يعرض على شاشة "ال بي سي" ويروي سيرة حياة السلطان سليمان القانوني الذي شهدت معه السلطنة ذروة ازدهارها في القرن السادس عشر منذ تسلمه الحكم وعلاقاته باحدى الجاريات التي اصبحت لاحقا زوجته وتأثيرها على حياته عبر سلسلة من المكائد وسفك الدماء، وتستحدث "ال بي سي اي" برنامجا للطبخ عنوانه "كول وشكور". وهو برنامج يجول برفقة المشاهير على ارقى مطاعم لبنان مستعرضا المأكولات الرمضانية ويتخلله تقارير تتطرق الى عادات الناس خلال هذا الشهر، و يعود ميشال عشي في شهر رمضان بمجموعة من المقالب المضحكة من خلال برنامج "فلينة" على شاشة المستقبل معتمدا المقالب و مفاجأة الناس بأمور غير منطقية وخدع بصرية. وضمن برامج الالعاب يتابع مشاهدو المستقبل "بيعنا ياها " الذي يبحث عن ثلاثة مشتركين في شوارع المدن يتمكنون من الاجابة على أسئلة معلومات عامة تسمح لهم بالحصول على مبلغ مالي لمتابعة اللعبة، في حين تركز برامج محطة "ام تي في" على البرامج المحلية المنوعة على غرار "انت ابدى" مع محمد قيس، و"بالبحر سوا" مع الاعلامي وسام بريدي الذي يبحر مع ضيوفه طوال 30 حلقة على متن مركب فخم. واللافت برنامج "انا والعسل" للاعلامي نيشار ديرهارتونيان الذي يستضيف 30 امرأة على مدى 30 حلقة ويحاورهن ابتداء من اول ايام شهر رمضان، ويخصص تلفزيون المستقبل، ككل سنة، مساحة للفترة الدينية ويقدم برنامج "قبل الغروب" الديني مدته نصف ساعة يبث يوميا. وكذلك يعرض المسلسل الكرتوني الذي يحمل عنوان "قصص الإنسان فى القرآن".

مسلسل "عمر" ما بين مؤيد ورافض

وبعد اكثر من تسعين عاما على فتوى الازهر عام 1926 بمنع تصوير الانبياء والصحابة على الشاشات الكبيرة في حينها، وانسحاب هذه الفتاوى على الشاشة الصغيرة منذ الخمسينات، تظهر هذه الشخصيات على الشاشة الصغيرة في مسلسل "عمر" وهو عمل من انتاج شركة سعودية، ويعتبر هذا اول ظهور عربي لشخصيات الصحابة على الشاشة الصغيرة، بعد ان كانت ظهرت مثيلاتها قبل سنوات على الشاشات العربية مدبلجة عن الدراما الايرانية، وذلك بعد سقوط احتكار الدولة لوسائل الاعلام وظهور القنوات الفضائية الخاصة التي تجاوزت في مواقفها الشاشات الرسمية، وسبقت الدراما الايرانية العربية ببضع سنوات في تجاوز فتوى الازهر عام 1926 الذي منع تصوير فيلم عن الرسول تحت ضغط من جماعات مصرية سلفية حينها وانسحابها على مؤسسات الافتاء في العالم الاسلامي في تثبيت فتوى الازهر بمنع ظهور الرسل في التلفزيونات وفي الفن التشكيلي. بحسب فرانس برس.

وقد قدمت خلال ذلك الدراما الايرانية مجموعة من المسلسلات بينها مسلسل عن النبي يوسف، واخر عن السيدة مريم العذراء، وثالث عن حفيدي الرسول الحسن والحسين بن علي بن ابي طالب. وتستعد السينما الايرانية الآن لاطلاق اول فيلم عن النبي محمد نفسه في العام المقبل، واعتبر الناقد طارق الشناوي ان المؤسسة الدينية كان لا بد لها ان "تعيد التفكير في التطورات الحاصلة على جميع الاصعدة، وبما في ذلك تلك التي تفرض ظهور هذه الشخصيات في الاعمال الدرامية الدينية والتاريخية"، وبحسب الشناوي ، فان "تقديم هذه الشخصيات لاول مرة من انتاج شركة سعودية يعتبر هزيمة للمؤسسات الدينية الرسمية، لان الازهر ودار الافتاء السعودية وكثيرا من علماء الفتاوى ما زالوا يقفون نفس الموقف، فيما تجاوزه كثير من العلماء الآخرين"، وترى الاستاذة في المعهد العالي للسينما ثناء هاشم ان اظهار هذه الشخصيات في المسلسلات من شأنه "نزع القداسة عنها، ولا قدسية (للبشر) في الاسلام، وبالتالي يتيح مناقشة هذه الشخصيات ودورها الديني والتاريخي، مع ما يعنيه ذلك من تطور للفكر وإعمال للعقل"، وهذا الصراع الدائر حول ظهور شخصيات الصحابة في مسلسل "عمر" داخل المؤسسات الرسمية الدينية وخارجها عكس نفسه على الرأي العام ما بين مؤيد ورافض. وحملت صفحات الانترنت جدالات حول ذلك، ومن بين المعارضين الذي دعوا شعبيا لمقاطعة المسلسل الداعية الاسلامي محمد الهبدان، الذي طالب في برنامج على احدى الفضائيات بمنع عرض المسلسل، وانتشرت على صفحات الانترنت حملات لمقاطعة المسلسل، منها حملة "اتعهد" الاماراتية التي انطلقت بعد اطلاق وزير الخارجية عبد الله بن زايد على توتير دعوة لمقاطعة مشاهدة المسلسل، يذكر ان مسلسل "عمر" لحاتم علي وتاليف وليد سيف، ويتشارك في تقديمه ممثلون سوريون وتونسيون ومصريون. وتقوم المحطات العربية التي تبثه بتقديم دعاية ودعم لعرض المسلسل من قبل الداعية الاسلامي عمرو خالد.

المصابيح الزرق

على الصعيد نفسه بارزت لهذا العام من بين المسلسلات السورية مسلسل المصابيح الزرق ، عمل مبني على رواية للكاتب السوري حنا مينه تحمل الاسم نفسه تصور الجو المحموم الذي كانت تعيشه سوريا أيام الحرب العالمية الثانية في ظل الانتداب الفرنسي، الا ان المسلسل لا يصور الحرب بقدر ما يتناول حياة الناس ويوميات عيشهم آنذاك، ويصعب العثور على بطولة مطلقة في رواية حنا مينه (مواليد العام 1924)، فهو قصة أسرة فقيرة، حي، ومجتمع يقف كله بمواجهة الحرب والاحتلال من جهة، ومن جهة أخرى بمواجهة الفقر ولقمة الخبز والبطالة والسجن، وبالطبع لا يفوت الناس رغم صعوبة العيش الالتفاف إلى شؤون القلب، قصص الحب والمرح. ويبدو المسلسل مخلصا لهذه بالذات، إذ استطاع أن يشيع أجواء كوميدية ومرحة، رغم القسوة البالغة في خلفية المسلسل، إزاء مسلسل تلفزيوني مأخوذ عن عمل أدبي (كتب السيناريو له محمود عبدالكريم) يجد المرء نفسه دائما أمام سؤال" أيهما الرابح وأيهما الخاسر، يقول مخرج المسلسل فهد ميري "المقارنة صعبة، فللمسلسل شكل، وللرواية شكل آخر، غير أن الرواية موجودة في المسلسل، من دون أن يكون هذا موجود في الرواية. روح الرواية موجودة في الأماكن والشخصيات كما في الحوار، "أما لماذا هذه الرواية بالذات، وفي هذا الظرف يجيب المخرج "الآن يكتنف المفاهيم الإنسانية عهر أخلاقي واجتماعي، الكذب مباشر وفج، وفي العمل ندعو إلى علاقات إنسانية جميلة"، ويضيف "المسلسل يصور بيتا ساحليا يضم جميع أطياف المجتمع يعيشون أجواء طيبة، توظف في ما بعد بالنضال ضد المستعمر الذي هو في الحقيقة أساس الفقر"، ويتابع قائلا "صعب أن تحقق معادلة اجتماعية إلا بوحدة أفراد المجتمع. الآن في هذه المرحلة نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى هكذا علاقات، في وقت يغيب فيه الحوار، حوار المرء مع جاره، أو مع صديقه، ولو أننا فهمنا هذه الرواية لما شاهدنا ما يجري من جرائم وفظائع على الصعيد الاجتماعي والإعلامي"، وينفي المخرج، ردا على سؤال، أن يكون المسلسل موجها في إطار استعادة حقبة الفرنسيين، في ظل الأزمة في العلاقات السورية الفرنسية حليا قائلا "العمل ملحمة لا يتحدث فقط عن الجانب الوطني، ففيه قصص حب جميلة، كما أنه قائم على الفكاهة. إنه نوع من بانوراما لكل المرحلة". بحسب فرانس برس.

ويقول الناقد سعد القاسم لوكالة فرانس برس "ان مسلسل +المصابيح الزرق+ هو من أهم الأعمال المأخوذة عن رواية. فهو أمين للرواية، وفي الوقت نفسه فيه رؤية بصرية متطورة بالتعامل مع الأحداث"، ويضيف القاسم "أجواء الرواية غنية بالتفاصيل، والمسلسل استطاع التعبير عنها"، ويؤكد القاسم "بالإضافة إلى ذلك فإن +المصابيح الزرق+ أهم أعمال الموسم التلفزيوني الحالي"، يشارك في المسلسل نجل الكاتب سعد مينه، وسلاف فواخرجي، وغسان مسعود، وزهير رمضان، وأندريه سكاف، ورنا جمول، وسواهم، أما المخرج فقدم للتلفزيون من قبل أعمال بارزة من بينها "باب المقام"، و"حروف يكتبها المطر"، و"رجال ونساء"، وغيرها.

أرواح عارية

في حين يخوض المخرج السوري الليث حجو في هذا الموسم التلفزيوني الرمضاني في تجربة مغايرة إلى حد ما بالنسبة إلى تجربته، اذ اعتاد المشاهدون في الأعوام الفائتة على متابعته في أعمال كوميدية بارعة من قبيل "ضيعة ضايعة" بجزئيها، ومسلسل "الخربة" الذي أضحك السوريين رغم انشغالهم بما يجري في بلدهم، ويلتفت حجو هذا العام إلى الدراما الاجتماعية، إذ يسلط الضوء على موضوع الخيانة الزوجية في مسلسل يحمل عنوان "أرواح عارية"، والمسلسل، حسب ما ورد في ملخصه "يتناول مجموعة من القضايا الاجتماعية منطلقا من الأسرة بوصفها الخلية الأساسية المنتجة للعلاقات الاجتماعية والمسؤولة عن مراقبة وإعادة صياغة مجموعة المعايير والقيم"، ويحاول هذا العمل "كسر بعض الأعراف الدرامية التي كرست مفاهيم الأب القدوة والابن الضال والزوج الخائن والزوجة المخلصة والأم الحنون والعزباء اللعوب (..) كثنائيات ثابتة تضمن للمشاهدين عدم خوض الدراما في الممنوعات والمحرمات فتعطيهم الأمان كي يتابعوها"، أما حكاية المسلسل، كما يرويها مشتغلوه، فتبدأ من حادثة اكتشاف الزوج سامر (الممثل عبد المنعم عمايري) لخيانة زوجته ربى له، ثم هربها من بيته. بحسب فرانس برس.

وهي تلتقي في الليلة ذاتها بصلاح (قصي خولي)، الحلاق الشهم نموذج ابن الحارة الشعبية، الذي يمد لها يد العون، لكنه رغم هذه الاخلاق لا يمتنع عن التفكير بها كغنيمة حرب رمى بها ضجر الحياة الزوجية في أحضانه، فتعوضه غياب الأنثى وتكفيه البحث عن علاقة عابرة هنا وعلاقة عابرة هناك، لكن ربى (الممثلة سلافة معمار) تبدو منيعة عليه، رافضة أن تقدم له أي خدمات لقاء خدمته، فيعجب بموقفها هذا، لكنه في الوقت ذاته يشكك في جديته فيختبره ليكتشف أن عندها ما تعطيه له أكثر بكثير من مجرد علاقة عابرة، إذ تثير شخصيتها فضوله بقدر ما تثير رغباته، فيبدأ بالتقرب منها مستطلعا تفاصيلها لا كامرأة خائنة وإنما كإنسانة، وشيئا فشيئا يجد نفسه، وقد وقع في حبها، يعاني من صراع مرير بين رغبته بالارتباط بها وخوفه من مثل هذا الارتباط، ليحسم أمره أخيرا مقررا الزواج منها، لكنها تختفي بشكل مفاجئ تاركة اياه لخيبته، فتتغلب أفكاره على عواطفه، ويطلق عليها حكمه النهائي بأنها مجرد امرأة خائنة، في هذه الأثناء يظهر الزوج سامر وقد غرق في مستنقع الاضطراب والشكوك، وتقض مضجعه الرغبة بالانتقام من زوجته دون الاضطرار لدفع ثمن هذا الانتقام، وتثير سخطه صورته المنعكسة في المجتمع كزوج مخدوع، لنتعرف من خلاله على البيئة التي تدور فيها أحداث العمل ونكتشف الكم الهائل من التناقضات الأخلاقية التي قد تدفع المجتمع برمته إلى الهاوية، وفي وقت يعتبر البعض ان الجرأة في تناول موضوع الخيانة الزوجية في "أرواح عارية" لم تكن ممكنة لولا أن الدراما التركية فتحت الطريق واسعا بجرأتها في تناول امور كهذه، يرى الناقد الفني نبيل محمد "ان فكرة الخيانة الزوجية ليست حديثة كليا على الدراما السورية، ولكنها تعززت في السنوات الأخيرة في مسلسلات مثل +عن الخوف والعزلة+، و+زمن العار+ ولو أن مرتكبي الخيانة هنا من الذكور"، ويضيف محمد "في العام الماضي شاهدنا مسلسلات مثل +الغفران+، و+سوق الورق+ تتناول موضوع الخيانة وإن لم يكن بشكل مركزي"، وبحسب محمد، فان "خرق المحظور في الأعمال الدرامية السورية لا قمية له ما دام المحظور السياسي مستحيل خرقه إلا بتجارب كوميدية مراهقة"، ويؤكد الناقد "أن تكريس موضوع الخيانة الزوجية في الفترة الأخيرة يأتي نتيجة طبيعية لتطور النص الدرامي، وازدياد تعمقه"، لكنه يستدرك قائلا "ما دامت القضايا المحورية مغيبة، وما دام الشارع الحقيقي والريف السوري مغيبا عن الدراما يبقى الأمر شكليا، ويبقى تناول الخيانة الزوجية ومجمل القضايا الأسرية الحساسة مغلقا ويركز على الجوانب الهامشية، حيث يبدو خرق المحظور هدفا أكثر منه نتيجة صحية لنص متكامل"، ويختم الناقد قائلا "في مسلسل +ارواح عارية+ لا تبدو الخيانة كما يصورونها قضية واقعية".

الجدل مسلسل "عمر"

كما يبدو أن المسلسل السوري "عمر" الذي يتناول سيرة الخليفة عمر بن الخطاب، لم يثر في بلده سوريا ما أثاره من جدل أو استنكار لدى المشاهدين في الدول العربية حيث اشتعلت حروب الفتاوى، ومطالب إيقاف عرضه، واتهامه بالإساءة إلى شخصيات الصحابة، وهذا المسلسل يعد الاول عربيا في تجسيده لشخصيات من اصحاب النبي، وهو ما يعارض فتاوى تحرم ذلك. لكنه يقع الآن تحت إشراف ورقابة لجنة من رجال الدين هي من حدد مواصفات الممثل الذي سيؤدي شخصية الخليفة عمر بن الخطاب، وعلى الرغم من أن السوريين في مجملهم لا يجدون الوقت لمتابعة مسلسل تلفزيوني، بحكم الأحداث التي تعصف ببلادهم، إلا أن الكثيرين ممن شاهدوا لم يستنكروا، ولم يجدوا من النافر تصوير شخصيات الصحابة، وقال المدون الإسلامي عمار سارية الرفاعي "لم أشاهد المسلسل، لكن لا أرى في تجسيد أدوار الصحابة بأسا"، وأضاف هذا المدون وهو نجل الشيخ سارية الرفاعي احد أكبر شيوخ دمشق "لا يوجد دليل شرعي على حرمة التجسيد، المسألة هي مجرد استهجان للفكرة لا أكثر"، وشرح الرفاعي "أي أن عقول بعض الملتزمين لم تستسغ أن ترى شخصية عمر يمثلها رجل من العامة"، ولدى سؤاله إن كان يستسيغ هو ذلك أجاب "لعلي لا أستسيغها"، واستدرك قائلا "لكن ذلك لا يبيح لي أن احرمها".

من جهة اخرى، قال الناقد والصحافي سعيد محمود "ربما يكون السبق الأهم الذي حققه مسلسل +عمر+ هو قدرته، بدعم من المشايخ ورؤوس الأموال وأهم المحطات، على تقديم شخصيات إسلامية يجسدها ممثلون للمرة الأولى في تاريخ الدراما العربية، بعد الإنجاز التاريخي لفيلم +الرسالة+ من إخراج مصطفى العقاد"، وأضاف محمود "تجاوز الأيقونة والأسطرة والهالة الدينية، وتقبلها جماهيريا انجاز يحسب للعمل"، وعلى مستوى المعالجة الفنية قال محمود "من الواضح أن الكاتب وليد سيف والمخرج حاتم علي قد بذلا جهدا مهولا لتقديم هذا العمل، لكنهما بقيا، إلى حد كبير، أسيري الأعمال الاسلامية السابقة إلى درجة التشابه في بعض المشاهد والحوارات"، وقال كاتب السيناريو هوزان عكو "يمكننا لأول مرة أن نقول إن ثمة عملا عربيا متكاملا؛ نص أكثر من رائع، وإخراج متقن، وإنتاج ضخم بالفعل وليس مجرد ادعاء، وقد يكون فاتحة جيدة لمعالجة المواضيع الممنوعة، رغم كم الرقابة الهائل"، ولدى استيضاح المقصود بالرقابة قال عكو "يعني كل كم المراجعين والمدققين والمصححين لا يعتبر رقابة؟ فضلا عن كم المتصيدين لأي عثرة، ما يجعل هناك رقابة ذاتية من أصحاب العمل"، وأضاف عكو "لكن هذا لا يمنع من القول إن العمل مميز جدا". بحسب فرانس برس.

وردا على سؤال حول ما إن كان سيبنى على خطوة تجسيد الصحابة قال عكو "آمل أن يبنى عليه، فالأساس متين جدا، بما أن وليد سيف هو الذي فتح الباب، كما قدم حاتم علي صورة وإخراجا مميزا أيضا"، غير ان هذه الاراء قد لا يشاركها كل من شاهدوا حلقات المسلسل، فقد قال الممثل نوار بلبل "لم أحب العمل، فهل يعقل أن يكون فيلم +الرسالة+ الذي صور في السبعينيات أغنى منه؟"، واضاف بلبل "برأيي أثبت التلفزيون أنه لا يستطيع حمل الشخصيات التاريخية في مسلسل يطول ويطول على مدار شهر رمضان".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/آب/2012 - 13/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م