الاحتكار السلمي للسلطة

جواد العطار

إذا كان القصد من التداول السلمي للسلطة وجود آليات تضمن انتقال المنصب السياسي من طرف الى آخر، فان الحديث غالبا ما يكثر عنه كلما أطلت الديكتاتورية برأسها البغيض باعتباره امتحان النظام الديمقراطي ومجال اختباره الحقيقي..

والتداول السلمي يرتبط :

1. بوجود دستور مكتوب يوضح ويؤطر آلية انتقال السلطة من خلال تشريع القوانين اللازمة لذلك، على ان يتم احترامها من قبل الجميع.

2. ووجود تعدد حزبي حقيقي يسمح بتنافس فعلي بين عدد من الاحزاب ذات التوجهات المتباينة التي تعطي فرصا جديدة للكفاءات والخبرات وتزرع روح التجديد في الاشخاص والبرامج الانتخابية والسياسية.

عليه فان تداول السلطة وفقا لهذا المعنى هو عملية متكاملة تهدف الى ضمان الانتقال السلمي والتجديد والتطوير في مختلف المستويات ضمن الآليات الدستورية والديمقراطية. وهو لا يعني بأية حال من الاحوال انتقال السلطة فقط من شخص الى آخر او من حزب الى غيره؛ في اجواء انتخابية تفتقد الى التشريعات الدستورية والضرورية، وتأتي بنفس النتائج والبرامج وذات الوجوه. وهذا ما يجري بالضبط في العراق منذ سبعة سنوات والذي تحرص القوى السياسية والبرلمانية على دوام وضعه الحالي وحتى المستقبلي.

ان الاتفاق على تمديد عمل مفوضية الانتخابات لعشرة ايام ليس الحل؛ ولا الاختلاف على تعديل قانون الانتخابات واختيار مجلس المفوضين، او تعطيل اصدار قانون للاحزاب، او تأجيل الاستحقاقات الانتخابية ذاتها.. لان كل ذلك يعرقل العملية الديمقراطية في العراق وينحرف بها بعيدا عن ايجابياتها، كما انه يعتبر خروجا حقيقيا عن التداول السلمي الى الاحتكار السلمي للسلطة من قبل قوى "العراقية" و"التحالف الوطني" و"التحالف الكردستاني"؛ بالصورة التي تعطل الطاقات الجديدة ولا تدع مجالا لشخص او كفاءة إلا لمن تدعمه هذه القوى؛ وبما يزرع روح الخمول في البرامج السياسية. فلماذا تقدم هذه القوى الجديد في برامجها الانتخابية ما دامت تضمن بقاءها في البرلمان بنفس المقاعد وذات الاصوات اعتمادا على خلفياتها الطائفية او القومية؟.

ان هذا ليس هو النظام الديمقراطي، ولا ذاك التداول السلمي للسلطة، ولا هي آلياته. فالقوى السياسية تسير اليوم في الطريق الخاطئ، لانها مدعوة الى غرس آليات تداول السلطة في هياكلها وتنظيماتها الداخلية التي تعاني في معظمها الخمول والجمود أولا؛ ومن خلال البرلمان ثانيا؛ بتفعيل دوره التشريعي وفقا للدستور ومن خلالها هي -أي القوى السياسية- في الالتزام وتنفيذ ما يقرره البرلمان ثالثا.

ان المسؤولية ليست في الاستعجال باصدار قانون للاحزاب بقدر ما تتمثل في صياغة قانون يكفل التعددية ويضمن سبل انتقال سلمي للسلطة وتنافس شريف بين الاحزاب المختلفة وهو ما يستوجب اصدار قانون متوازن للانتخابات والاتفاق على مجلس مفوضية الانتخابات من ناحية العدد والاعضاء وتحديد مواعيد ثابتة للاستحقاقات القادمة والابتعاد عن المماطلة والتسويف بمعالجة مسألة الوقت في القراءات المتعددة والمتباعدة لبعض القوانين، التي تفصل بين الواحدة والاخرى (قانون الاحزاب مثلا) عاما كاملا.. وإلا؛ فان طريق تداول السلطة وعرة ونتائجه القادمة مؤلمة.. قد نندم عليها اشد الندم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/آب/2012 - 12/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م