العراق... بين الارادة الوطنية ولغز الكهرباء

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من الواضح أن خدمة الكهرباء باتت تمثل عصب الحياة لعموم شعوب الارض، ومن الواضح ايضا، أنها جعلت من حياة العراقيين بائسة الى حد قد يصعب على الوصف، ليس لكونها تمثل خدمة اساسية للناس فحسب، بل لأنها أصبحت معيارا لقياس الارادة الوطنية واستقلاليتها.

قد يتساءل آخرون، وما علاقة الكهرباء بقوة أو ضعف الارادة الوطنية، فالكهرباء تمثل حالة اقتصادية خدمية بحتة، أما الارادة الوطنية فهي مسألة سياسية بحتة، فما علاقة الطابع الخدمي بالسياسي، للاجابة نبدأ بالقول، أن جميع العراقيين حتى البسطاء منهم يعرفون تمام المعرفة بأن بلدهم العراق (بعد نيسان 2003) قد تحول الى سوق مفتوحة لجميع دول العالم، لاسيما دول الجوار، وانه بات يعتمد على الآخرين في كل شيء يحتاجه لمواصلة الحياة، ابتداءً من ابرة الخياط صعودا الى أهم الاشياء واكبرها، بعد أن كانت تنتشر في مركز واطراف العاصمة والمدن العراقية، آلاف المعامل والمصانع الصغيرة والمتوسطة المصنعة لمعظم الحاجات التي يستخدمها العراقيون في المأكل والمشرب والملبس وما الى ذلك.

وبعد حرب 2003 وتدمير البنية التحتية لعموم المؤسسات الخدمية والانتاجية، ومنها منظومة الكهرباء الوطنية، توقفت المصانع والمعامل الصغيرة، وتحول عمالها الماهرون الى عمال بناء يعملون يوما واحدا، ويتعطلون عشرة ايام، أما في القطاع الزراعي فإن مئات الآلاف من البساتين والدونمات الصالحة للزراعة، باتت تعاني من الجفاف والاهمال والمتعمد بسبب قيام تركيا بتقليل الحصة المائية للعراق واحتكار مياه الفراتين وحبسها في السدود الكبيرة المعدّة سياسيا وفعليا لمصادرة حق العراق من الماء خلافا للمواثيق الدولية، ناهيك عن القاء الاملاح في شط العرب من لدن ايران وتغيير مجرى الانهار الى داخل الاراضي الايرانية، الامر الذي تسبب باهمال وتقليص الاراضي الزراعية في العراق، بعد ان كانت تغطي حاجة البلد من السلع الزراعية، حيث اصبح استيراد الخضر والفواكه امرا لا مفر منه، وبين ليلة وضحاها صارت دول الجوار مصدرا اساسيا لهذه الحاجة اليومية التي تكلف آلاف المليارات.

وهكذا بات من الواضح أن تعويق قطاع الكهرباء اصبح هدفا دائميا لا مناص من تحقيقه بالنسبة لهذه الدول وغيرها، حتى لو تطلب الامر إضعاف الارادة الوطنية والسياسية، وتوريطها بكل الارباكات التي تجعلها غير قادرة على معالجة هذه الازمة المستعصية، منذ ما يقارب العشر سنوات، والسبب بالغ الوضوح، فتوفير الكهرباء يعني السماح للعراق بالانتقال من حالة الاستهلاك الكلية المستديمة، الى ميادين الانتاج التي تؤثر كليا على صادرات دول الجوار والتي سوف تتضرر بأبلغ الاضرار، وهكذا بات من المؤكد للجميع حتى بسطاء العراقيين، أن دولا كبيرة وصغيرة وحكومات عديدة، تقف عائقا منيعا في وجه توفير الكهرباء بصورة كاملة للعراقيين، لانها (الدول التي تصدر بضائعها للعراق) ستخسر سوقا كبيرا فتح ابوابه لجميع البضائع صغيرها وكبيرها، وفي شتى انواع الصناعات والمستهلكات النباتية او المعدنية.

وبهذا بات تحقيق هذا الهدف، أي تحسين منظومة الكهرباء كليا في العراق، مسألة لها علاقة مباشرة بمدى استقلالية الدولة العراقية، ولا يمكن أن يُعزى النقص الكبير والمستديم في تجهيز الطاقة الكهربائية، الى امور ادارية او قدرات مالية او ما شابه من الاسباب، لأن الامر يتعلق باهداف اقتصادية وسياسية اكبر من قدرة الارادة الوطنية العراقية الراهنة على معالجتها، أما القول خلاف هذا الكلام او الاحتجاج عليه، سيجعلنا نوجه الكلام المباشر على النحو التالي لكل من يعترض على رأينا هذا: لقد تم صرف 27 مليار دولار على الكهرباء خلال السنوات التسع الماضية حسب اعلانات الجهات المعنية الرسمية، وهو مبلغ كبير جدا قياسا لما تتطلب اعادة منظومة الكهرباء للحياة، لماذا إذن لم تُعاد الكهرباء، ولماذا عجزت الجهات المعنية (وزارة الكهرباء والحكومات المتعاقبة) على معالجة هذا الخلل الخطير في حياة العراقيين.

لذلك حينما نقول ان ضعف الارادة الوطنية هو الذي يقف وراء التلكّؤ في تقديم هذه الخدمة للعراقيين، فإننا لا نخطئ، ولا نغبن أحدا، سواء كان مسؤولا حكوميا او غيره، وعلى الجهات ذات العلاقة، (السياسيون والقادة والمسؤولون) ان يثبتوا عكس ذلك، بمعنى أن يثبتوا قوة الارادة الوطنية واستقلاليتها من خلال القضاء على مشكلة كأداء مستعصية اسمها (الكهرباء).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/تموز/2012 - 1/رمضان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م