اللهيب القادم... معضلة تواجه الولايات المتحدة

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تسببت موجة حر شديدة التي تتعرض لها القارة الأمريكية الشمالية في إصابة مظاهر الحياة بالشلل، وأسفرت موجة الحر الشديد وهبوب الرياح التي تجتاح الولايات المتحدة إلى وفاة العشرات من سكانها، وكانت الولايات الشرقية هي الأشد تأثرا حيث ارتفعت درجة الحرارة في وست فرجينيا على سبيل المثال إلى 40 أكثر درجة مئوية، حيث أدت موجة الحر الشديد التي تشهدها القارة الامريكية الى مزيد من الوفيات، كما أدت الى تعطيل وسائل الانتقال على نطاق واسع وترك الآلاف بلا كهرباء.

ويرى الخبراء في الارصاد الجوية ان من المتوقع استمرار هذا الحر وامتداده لمناطق اخرى، ومن المتوقع بأن الجو سيظل حار جدا ربما ليس تماما مثل درجات الحرارة الاستثنائية التي رأيناها ولكنه سيظل حار جدا، فيما تواجه وست فرجينيا موجة جديدة من العواصف وانقطاع الكهرباء، وتبذل ولاية وست فرجينيا جهودا مضنية للتعافي من الازمة، وهذه ليست الكارثة الأولى من نوعها في أمريكا ولكنها من أخطر الكوارث الطبيعية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الامريكية في السنوات القليلة الماضية.

الصيف الاميركي

فقد شهدت منطقة الإقليم الأوسط الشمالي الشرقي في الولايات المتحدة درجات حرارة قياسية ادت الى تسجيل عدد من حالات الوفاة واثارت مخاوف لدى المزارعين من الجفاف، ولليوم التاسع على التوالي، تجاوزت درجات الحرارة في الظل مستوى 35 درجة لتصل الى 40 درجة عند في العاصمة الفدرالية واشنطن، ملامسة بذلك الرقم القياسي لدرجات الحرارة المسجلة في هذه المنطقة وهو 41 درجة عام 1930، بحسب الارصاد الوطنية الوطنية، وتجاوزت الحرارة 38 درجة في منطقة ممتدة من ولاية ايوا (وسط) الى فيرجينيا الغربية (شرق) وصولا الى كارولاينا الشمالية (جنوب شرق)، وادت موجة الحر هذه الى تسجيل 23 حالة وفاة في البلاد بحسب وسائل اعلام اميركية، بينهم ستة في شيكاغو، وفي اوهايو (شمال) التي شهدت ثلاث وفيات بسبب الحر. بحسب فرانس برس.

دعت وزارة الصحة السكان عبر موقعها الالكتروني الى الانتباه الى الاشخاص الاخرين، وفي واشنطن، تم تمديد ساعات العمل في المسابح العامة للسماح للسكان بالاستفادة من بعض الترطيب في مواجهة الحر الشديد، وفي الايام الثلاثين الماضية، تم تسجيل اكثر من 4500 درجة حرارة قياسية في البلاد بحسب قناة سي ان ان، ومن المتوقع ان تشهد الولايات المتحدة تراجعا في درجات الحرارة بسبب جبهة هوائية باردة في كندا ستدفع درجات الحرارة الى الانخفاض حوالي 10 درجات.

موجة حر شديدة

فيما عانت الولايات المتحدة من ولاية أيوا إلى الساحل الشرقي من ارتفاع درجات الحرارة، لكن خبراء الأرصاد الجوية قالوا إن بعض المناطق الأكثر تضررا من الموجة الحارة الطويلة ستشهد تحسنا قريبا، وأصدر الجهاز القومي للأرصاد الجوية تحذيرات من ارتفاع الحرارة في عدة مدن بما في ذلك واشنطن حيث بلغت الحرارة نحو 39 درجة مئوية بحلول الواحدة ظهرا ونيويورك وفيلادلفيا، وقال جون جيو وهو سائح من سانت لويس بعد زيارة البيت الأبيض "الجو أكثر حرا من الجحيم... سنحتسي مشروبا باردا.. ونركب مترو الأنفاق ثم نعود إلى فندقنا للتمتع بجو بارد، وتوقع خبراء الأرصاد الجوية أن تصاحب تراجع درجات الحرارة ظواهر جوية متطرفة مثل العواصف الرعدية والرياح الشديدة، وقال اليكس سوسنوسكي كبير خبراء الأرصاد الجوية في موقع أكيو ويذر دوت كوم إن المناطق المحيطة بمدن في الغرب الأوسط مثل منيابوليس وشيكاجو وديترويت وسانت لويس ستشهد تراجعا في درجات الحرارة، وامتدت تحذيرات الأرصاد الجوية من ارتفاع الحرارة من أيوا إلى بنسلفانيا ومن ولاية نيويورك إلى فرجينيا جنوبا، واستمر ارتفاع أعداد المتوفين بسبب الحرارة المرتفعة والرياح العنيفة.

2000 رقم قياسي

في سياق متصل قالت الادارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي ان موجة الحر القاسية التي تضرب الولايات المتحدة شهدت تحطيم أو معادلة أكثر من 2000 مستوى قياسي، وان شهر يونيو حزيران شهد تسجيل اكثر من 3200 مستوى قياسي جديد لدرجات الحرارة، واضافت الادارة انه منذ 25 يونيو وحتى الاول من يوليو تموز فان حوالي 2171 مستوى قياسيا لدرجات الحرارة إما تحطم او جرى معادلته. وفي الايام الثلاثين لشهر يونيو ارتفع الرقم الى 3215، وقال عالم الارصاد الجوية اليكس سوسنوفسكي ان عدد الارقام القياسية التي تم تحطيمها كان غير عادي الى حد بعيد. واضاف انه في الوقت الذي تعرف فيه اسباب بعض مظاهر موجة الحر فان الكثير منها يعود الى الافتقار الى غطاء جليدي اثناء وفي اواخر الشتاء على السهول الامريكية، وفي هذه الحالة فانه بدلا من ان تذيب حرارة الشمس الجليد فانها تزيد من درجة حرارة الارض وهو ما يزيد بدوره درجات حرارة الهواء، وقال سوسنوفسكي انه في الوقت الذي لا يكون فيه الدفء شيئا غير عادي في بعض المناطق -وبالتحديد نيو انجلاند والشمال الغربي- فان وسط البلاد سيعاني ارتفاعا لدرجات الحرارة في الاسابيع الباقية من الشهر الحالي وربما في الشهر القادم، وحطمت خمس ولايات أكثر من 100 مستوى قياسي لدرجات الحرارة في يونيو، وحطمت تكساس 237 مستوى قياسيا تلتها كولورادو (226) ثم كانساس (164) وميزوري (126) واركنسو (115). بحسب رويترز.

عيد الاستقلال

من جهة أخرى شارك ملايين الأمريكيين في الاستعراضات وأطلقوا الالعاب النارية احتفالا بعيد الاستقلال الذي يحل في الرابع من يوليو تموز لكن موجة الحر جعلت الاجواء خانقة بل ان البعض قضى ليلته دون كهرباء مثلما كان يعيش مؤسسو أمريكا، سارت واحدة من أكبر احتفالات اطلاق الالعاب النارية دون اي مشاكل في العاصمة واشنطن بينما اضطرت الكثير من المناطق الى الغاء الاحتفالات السنوية اما بسبب الجفاف الشديد او ضعف الاقتصاد، وأمضت ولايات ضربتها العواصف من انديانا الى فرجينيا عيد الاستقلال بلا كهرباء لليوم الخامس على التوالي. بحسب رويترز.

ومازال أكثر من مليون منزل ومكتب بلا كهرباء وبقي الالاف من العاملين في هذا القطاع في أعمالهم في محاولة لاعادة التيار، وقال جاري بلنياك (57 عاما) من ويتون في ولاية ايلينوي الذي يعيش بلا كهرباء حين ضربت البلدة عاصفة مدمرة أجبرتها على الغاء الموكب السنوي والالعاب النارية "لم نرفع بعد الشجرة التي سقطت على مرأب المنزل، كان الارهاق باديا عليه بعد ثلاث ليال قضاها دون جهاز تكييف في درجة حرارة زادت على 32 درجة مئوية، واجتاحت موجة الحر معظم أنحاء البلاد وقال مكتب الارصاد الجوية ان درجة الحرارة وصلت الى 37.7 درجة في المناطق الواقعة بين الغرب الاوسط وحتى ساحل المحيط الاطلسي، وفي واشنطن القى الرئيس الامريكي باراك أوباما كلمة امام عشرات ولدوا في الخارج لكنهم خدموا في الجيش الامريكي وأدوا القسم كمواطنين امريكيين في البيت الابيض في اطار برنامج يعطي الجنسية الامريكية لمن يخدم في الجيش، وفي الغرب ساهم الحر والجفاف في خنق الاحتفالات السنوية والالعاب النارية في عشرات البلدات والمدن التي تعاني من حرائق غابات أوقعت قتلى وأتت على مئات المنازل وشردت عشرات الالاف، وعلى الساحل الشرقي وقعت حادثة مأسوية حين انفجرت بشكل عرضي شحنة من الالعاب النارية مخزنة في الفناء الخلفي لمنزل في بلهام بولاية نيوهامبشير، وقالت الشرطة ورجال الاطفاء ان الحادث ادى الى اصابة 11 شخصا من بينهم طفلان حياتهما في خطر، وقالت وسائل اعلام محلية انه في بوسطن تسببت الامطار في تعطيل الحفل الموسيقي لفرقة بوسطن لموسيقى البوب التي ينقلها التلفزيون وأجبرت العواصف الرعدية مئات الالاف من رواد الحفل على البحث عن ملجأ.

انقطاع الكهرباء

في حين استمرت الموجة الحارة التي تلفح الشرق الامريكي بدرجات حرارة قياسية لليوم الثالث على التوالي بعدما أودت عواصف بحياة 15 شخصا وتسببت في سقوط خطوط الكهرباء مما ادى إلى انقطاع الكهرباء عن أكثر من ثلاثة ملايين عميل، وأعلنت حالة الطواريء في العاصمة واشنطن وفي أوهايو وفرجينيا ووست فرجينيا بسبب الأضرار الناجمة عن العواصف التي هبت محملة برياح تعادل قوة الأعاصير على شريط بطول 800 كيلومتر، واعقب هبوب العواصف ارتفاع في درجات الحرارة حتى 38 درجة مئوية في العديد من المدن الجنوبية ومن بينها اتلانتا حيث وصلت درجة الحرارة إلى 41 درجة، وتعرضت أكثر من 20 مدينة في انحاء 10 ولايات لدرجات حرارة قياسية بلغت أعلى مستوى مسجل على الاطلاق من بينها كولومبيا وساوث كارولاينا وتنيسي ونورث كارولاينا، واستمرت الموجة الحارة وعانى منها ملايين الاشخاص من السهول وحتى منتصف الاطلسي. ومن أكثر المدن معاناة تشارلوت في نورث كارولاينا حيث وصلت درجات الحرارة الى 40 درجة مئوية، وتشير التوقعات الى ان المنطقة الممتدة من سان لويس في ميزوري وحتى واشنطن العاصمة ستشهد أعلى درجات حرارة مسجلة على الاطلاق. بحسب رويترز.

وست فرجينيا

وبعد ستة ايام من العواصف الشديدة التي ضربت شرق الولايات المتحدة تبذل ولاية وست فرجينيا جهودا مضنية للتعافي من الازمة فيما لايزال نحو ثلث مشتركي الكهرباء بلا طاقة مع توقع عواصف جديدة قد تجتاح المنطقة المنكوبة، وقال مرفق الكهرباء إن أكثر من 566600 منزل ومؤسسة لاتزال بلا كهرباء من اوهايو حتى فرجينيا مما يحرم السكان من اجهزة التكييف وسط موجة حر لافحة، وولاية وست فرجينيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 1.9 مليون نسمة هي الاشد تضررا بعد ان اصدرت مرافق الولاية تحذيرا بان بعض السكان قد يبقون بلا كهرباء حتى الايام القادمة، وقالت ميليسا كوبرن المتحدثة باسم منطقة المتنزه العام في تينيسي إن رجلا على دراجة نارية قتل في حادث يتعلق بسوء احوال الطقس ولاقت امرأة حتفها اثر سقوط شجرة عليها. وقالت ان عددا كبيرا من الاشجار سقط في المتنزه مما ادى الى اغلاق الطرق وتعطل حركة المرور الامر الذي استلزم القيام بعمليات انقاذ، وشقت شاحنات ضخمة تحمل ثلجا ومياه معبأة طريقها عبر التضاريس الخلابة لوست فرجينيا والمنتجعات الشهيرة لامداد آلاف السكان ممن لا يجدون المياه ولا الكهرباء، وقال جون مانشستر رئيس بلدية لويسبورج إن محطات القوى التي اغلقت مؤقتا عاودت الامداد بالطاقة الكهربية الا انها لا تتمكن من توليد مايكفي من الكهرباء للسكان، وانتشرت فرق الاصلاح من اركنسو وقامت بانشاء معسكر مؤقت على مشارف لويسبورج ويعمل افراد هذه الفرق 18 ساعة يوميا لامداد السكان بالمولدات المنزلية دون مقابل. بحسب رويترز.

اما استمرار ارتفاع درجات الحرارة فيحمل في طياته انباء غير سارة لمزارعي منطقة الغرب الامريكي الاوسط اذ يعاني محصول الذرة وفول الصويا من الجفاف في مرحلة حرجة من اطوار نموهما ما ادى الى ارتفاع اسعارهما لمستوى قياسي، ومن المتوقع ان تعود درجات الحراة في منطقة الشرق والغرب الاوسط الى معدلاتها المعتادة، حيث عبرت العواصف شرق الولايات المتحدة محملة بامطار غزيرة وثلوج ورياح وصلت سرعتها الى 129 كيلومترا في الساعة ما ادى لانقطاع الكهرباء عن اكثر من اربعة ملايين مشترك. وادت العواصف ودرجات الحرارة اللافحة الى مقتل 23 شخصا على الاقل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 18/تموز/2012 - 27/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م