متى نحترم إنسانيتنا؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يُقاس مدى تحضّر الانسان وفقا لما يحمله من تفكير وسلوك انساني حيال الآخرين، فكلنا نذكر ونتذكَّر المواقف ذات الطابع الانساني لهذا الفرد او لتلك الجماعة، وكلما انطوى الموقف على حس انساني كبير، وموقف متعاون ازاء الآخر، كلما رسخ في الذاكرة، واصبح مبعث إعجاب دائم للجميع، حتى أولئك الذين يميلون الى العنف وتفتقر شخصياتهم الى التعامل الانساني، يحترمون - سرّا- المواقف الانسانية التي لا يمكنهم اتخاذها، او القيام بها بسبب نقص اخلاقي أو نفسي قد تنطوي عليه شخصياتهم.

هنا نتساءل ما هو المعيار الذي يمكن من خلاله تقييم درجة إنسانية الانسان؟، وقبل ذلك لماذا تسعى الاديان ويسعى المصلحون والمفكرون والمثقفون، الى تشذيب شخصية الانسان، وتخليصها من أدران التوحّش والتعصّب، وتنقيتها من المشاعر العدائية تجاه الذات والآخر في الوقت نفسه؟، إن المسعى الاساس لحضارة الانسان يكمن في القدرة على بلورة شخصية ذات نزعة إنسانية في جميع أفكارها وكل سلوكياتها، واذا ما فشلت تلك الحضارة في تحقيق هذا الهدف الجوهري، فإن ثمة خلل يشوب الحضارة نفسها، هكذا تمّ إقران الفكر السليم بالحضارة السليمة، وإقران العمل الناجح بالحضارة المتوازنة.

في العراق ولدى العرب والمجتمعات الاسلامية عموما، هناك خلل واضح في هذا الجانب، وأعني بوضوح، التلكّؤ في احترام الذات والآخر معا، بل غالبا ما ننبهر بمواقف مجتمعات الاديان الاخرى، مع أن الاسلام وتقاليد المجتمعات الشرقية والعربية، تؤكد على ترصين الجانب الانساني - ليس بالقول وحده وانما بالعمل- في شخصية الانسان، بل هناك مئات الآلاف من الامكنة والمؤسسات والخطباء، تضخ الخطاب الوعظي المتواصل للمسلمين والشرقيين، لكننا نلاحظ تفوق المجتمعات الاخرى علينا في هذا الجانب!!.

في خبر نُشر قبل أيام عن امرأة في دولة غربية - إيطاليا- قتلت (كتاكيت/ أفراخ دجاجة/ وفئران)، فتمَّ مقاضاتها أمام احدى المحاكم، ونالت جزاءها بالحبس أربعة شهور، أما مقيم الدعوة ضد المرأة القاتلة، فهي احدى منظمات الرفق بالحيوان، حيث قامت المرأة بعرض طريقة قتلها لأحد (الصيصان) بكعب حذائها، ونشرت ذلك عبر فلم في شبكة الانترنيت، وتم تتبع هذه المرأة من لدن الجهات المعنية، وقُدِّمت الى القضاء وتمَّت معاقبتها بمدة الحبس  المذكورة. ولنا جميعا أن نتصور اذا كانت قيمة (فرخ الدجاج أو الفأر) مصانة بهذه الطريقة، هل يمكن لأحد أن يجرؤ بالتجاوز على قيمة الانسان؟، ونحن هنا نتحدث عن دولة معروفة بالمافيات وما شابه (ايطاليا)، ولكن هناك منظومة سلوك عامة شاملة ينتظم في ظلها السلوك الجمعي للمجتمع الايطالي، وهناك قانون قوي رادع لقاتل الفأر وقاتل الانسان في آن.

لذا نحن نتساءل هنا، ما الذي استفدناه من الحضارة، ومن ديننا، ومن الخطاب الوعظي المتواصل ليل نهار الى أسماعنا واذهاننا؟، هل نحن انسانيون فعلا، ونحترم ذواتنا والآخرين؟ وهل نرحم أنفسنا وبعضنا البعض والكائنات الاخرى التي تعيش معنا؟، عند الاجابة لابد أن نقرّ ونعترف، أن هناك بونا واسعا بيننا وبين الغربيين في هذا الجانب (وأعني هنا ليس الحالات الفردية المنتقاة، وانما المنظومة السلوكية التي يسير في ضوئها المجتمع كله)، بمعنى يوجد لدينا أفراد انسانيون قد تتفوق انسانيتهم على الآخرين من الغرب او سواه، ولكن عندما يتعلق الامر بمنظومة السلوك المجتمعي الشاملة، فإنهم أفضل منا بكثير!!، ترى أين يكمن الخلل، ومتى نحترم انسانيتنا؟.

متى تكون قيمة الانسان مقدسة في مجتمعاتنا، أعني العراقيين والعرب والمسلمين، ومتى تُصان كرامة الانسان، ومتى تُشاع ثقافة المواقف الانسانية التي تنطلق من مبدأ المعاونة دونما مقابل مادي؟، إنها اسلئلة كثيرة تثير الحسرة والألم حقا، فنحن أهل الانسانية كما ندّعي، وديننا الاسلامي أبو الفضائل والاخلاق، ومنابرنا بالملايين في عموم الدول الاسلامية، ولكن حين نأتي الى الواقع، سنجده خراب في خراب؟، أين المشكلة إذاً؟؟ هل في الانسان المسلم أم في منظومة الفكر والسلوك أم أين تحديدا.نحن متخلفون عن الركب الانساني بأشواط ليس في التقانة والتكنولوجيا والالكترونيات، ليس في الجانب الحضري المادي، إننا متخلفون إنسانيا، وعلينا أن نجيب بدقة وبصورة عملية، عن هذا السؤال الواضح: متى نحترم انسانيتنا؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 18/تموز/2012 - 27/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م