ثقافة يحتاجها العراقيون

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: بون شاسع بين أن تكون مثقفا متفائلا، وبين أن تكون مثقفا متشائما، إذ لا مجال للمقارنة بين الطرفين، ولا أمل أو توقّع للتلاقي بينهما، فكلاهما يسير في مسار مضاد تماما للآخر، كونهما نتاج ثقافتين متناقضتين أيضا، فهناك ثقافة الامل التي تسعى لانتاج مثقف متفائل، ولدينا ثقافة اليأس التي تنتج بدورها المثقف اليائس أو المتشائم.

ما هي الثقافة التي تلائم العراقيين في المرحلة الراهنة؟ وهل هناك شعوب أو أمم تسعى لتكريس ثقافة اليأس؟ نبدأ بالإجابة عن الشطر الثاني بالقول: نعم هناك شعوب وأمم تجد ضالتها في نشر ثقافة التشاؤم، والغوص في بطون التأريخ، واعتماده مصدرا وحيدا لإنتاج حياة جامدة مكرورة متشابهة في أدق التفاصيل، لدرجة أن أي فرصة للتحديث غير واردة في مساعيها أو أهدافها، نظرا لاعتمادها ثقافة جامدة أو يائسة تخشى الجديد وتتحاشاه، بحجة الخوف من التذويب في الثقافات الوافدة، وما الى ذلك من تبريرات لا ترقى الى الحقيقة او الواقع بشيء.

لذلك ثقافة من هذا النوع، لن تنتج سوى مثقفين فاشلين منطوين على أنفسهم، ليس لديهم القدرة على التأثير في حركة المجتمع، إلا اذا تعلق الامر في المسار السلبي، على العكس تماما من ثقافة الامل، وقدرتها الكبيرة على انتاج مثقف فاعل حيوي (عضوي) حسب توصيف غرامشي، له القدرة على بلورة ثقافة جديدة معاصرة تنسّق حركة المجتمع وتسعى بوضوح الى تشيذبها من الاخطاء والعوائق.

أما عن طبيعة الثقافة التي تتوافق مع حاجة العراقيين في المرحلة الراهنة (مرحلة التغييرات شبه الشاملة)، فإنها حتما ثقافة ذات طابع مدني، تعمل على تكريس روح الامل لدى الجميع، لسبب بسيط، أن الامل يشكل دافعا مستديما للعمل والانتاج الافضل في معظم ميادين الحياة بشقيها المادي والفكري، وطالما أن العراقيين يسعون في المرحلة الراهنة الى بناء تجربة حياة جديدة، قوامها الحرية وتفعيل النظام السياسي الديمقراطي (حسب المعلن من السياسيين وغيرهم)، فإن العامل المساعد لتحقيق مثل هذا الهدف الكبير، هو ثقافة الامل وما تفرزه من نتائج في المجالات الاخرى.

بطبيعة الحال لا يمكننا أن نتصور منظومة تعليم ناجحة تقوم على ثقافة تكرّس روح التشاؤم والنكوص والتراجع الى الوراء، كما أننا لا يمكن أن نتفق على أن ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، يمكن أن تحقق درجة مقبولة من النجاح، ما لم تدعمها ثقافة متفاعلة، ينشط في رحابها مثقفون معاصرون متفاعلون آملون بما هو أفضل على الدوام، على العكس تماما مما تنتجه ثقافة تكريس الجمود والتحجر، والهروب من مقابلة الثقافات الاخرى، خوفا من التأثّر بها والاندماج في تفاصيلها، بحجة عدم توافقها مع اعرافنا وتقاليدنا وضوابطنا الاخرى، لأن الهروب من مواجهة الشيء (أيا كان نوعه أو طبيعته)، يعني تقريب المواجهة معه أكثر فأكثر، لهذا يقول الفلاسفة والمصلحون وأصحاب الفكر والتجارب، إذا أردت أن تتخلص من مخاطر مضادة عليك مواجهتها بالطريقة السليمة، وليس التهرّب من مواجهتها.

لذا نحن بأمسّ الحاجة الى نشر ثقافة الامل، كونها السبيل الاسرع والاوحد لإنتاج المثقف المتفائل، القادر على بث روح الاقدام بين أفراد المجتمع بأقواله وأفكاره وأعماله، سيما أن العراقيين يعيشون فرصة تاريخية لتكريس ثقافة الامل في المرحلة الراهنة، على الرغم من وجود المؤشرات السياسية الخطيرة التي تنعكس على حياة الافراد، وتحاول أن تزرع في دواخلهم ونفوسهم بذور اليأس، لكن تبقى الثقافة والمثقفون في الصدارة، وتبقى ثقافة الامل هي الهدف المنشود راهنا، على أن يعرف المثقفون جميعا، ويؤمنوا بأن دورهم يتضاعف في صنع وتكريس هذا النوع من الثقافة التي سترتفع بحياة العراقيين الى المدنية والمعاصرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/تموز/2012 - 26/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م