شهادة شيخ القضاة

محمد سيف الدولة

كتب المستشار الراحل الجليل / يحيى الرفاعي، شيخ القضاة ومؤسس تيار الاستقلال معلقا على سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء مقالا بعنوان ((جرجرة)) قال فيه:

((في بعض بلاد العالم يصبح القاضي المتمسك باستقلاله كالقابض على الجمر... فلا يستطيع ان يعلن حكما تستاء منه الحكومة قبل ان يراجع نفسه الاف المرات، فليس صحيحا على اطلاقه انه لاسلطان على القضاء الا للقانون وضمائرهم، فالسلاطين كثير. وفي هذا المناخ لابد ان يشك الناس في استقلال القرار القضائي سواء من حيث مضمونه او توقيته.

فقد نشرت روز اليوسف بعدد 15 يوليو 2000 حوارا شيقا مع الاستاذ الدكتور رئيس مجلس الشعب، جاء فيه انه كان يتوقع صدور الحكم بعدم الدستورية محل التعليق وان تقرير المفوضين كان معدا منذ ست سنوات وانه في الاجتماعات المغلقة التي تراسها الرئيس مبارك نوقش توقيت الحكم، فسأله المحرر: (كلامك يعني انه كان هناك اتفاق بينكم وبين المحكمة الدستورية العليا لاصدار الحكم في هذا التوقيت حرصا على الصالح العام من وجهة نظركم وذلك بدلا من صدوره اثناء انعقاد المجلس...ما رأيك ؟)

فاجاب سيادته: لن ازيد على ذلك ولا تجرجرني.. المحكمة الدستورية راعت المصالحة العامة ومتطلبات الاستقرار السياسي)).

كتب المستشار الرفاعي هذا الكلام تعليقا على حكم المحكمة الدستورية الصادر في 8 يوليو 2000 ببطلان مجلس الشعب لبطلان قانون الانتخابات، بعد ست سنوات من رفع الدعوى امامها، والذي لم يصدر الا بعد أن سمح مبارك باصداره !

***

وتحت عنوان "اهمية الثقة العامة في القضاء" كتب الرفاعي يقول ((ولا مراء في ان غياب الثقة العامة في القضاء والقضاة، لا يؤدي فقط الى عودة العنف وتفشي الظلم والفساد والكساد والتخلف، وانما يؤدي كذلك الى انحلال جميع الروابط الاجتماعية والقيم الاخلاقية وشيوع البلطجة وانهيار القانون وتقويض دعائم الحكم.

صفوة القول انه بغير قضاء كفء ومستقل تماما اداريا وماليا عن السلطتين الأخريين، وموثوق به تبعا لذلك، تتعرى حقوق المواطنين من الحماية القضائية، ويفسد تكوين السلطة التشريعية، وتتغول السلطة التنفيذية السلطتين الاخريين، وتنعدم حريات المواطنين وحقوقهم العامة الخاصة، ومن باب اولى يكون الحديث عن نزاهة الانتخابات او الاستقرار السياسي او الاصلاح الاقتصادي او الدولة العصرية حديثا للتلهي والتضليل والخداع ومضيعة الوقت.

ومن هنا قام حق الامة في ان تتعرف بكل دقة على احوال قضائها وقضاتها كما تتعرف على احوال جيشها ورجاله وقدرته على حماية الوطن.

ومن هنا ايضا كان الدفاع عن استقلال القضاء في كل فقه وفي كل الاعلانات العالمية. لهذا الاستقلال هو واجب الامة باسرها وواجب كل فرد فيها لانهم يدافعون بذلك عن حرياتهم وشرعهم وسائر حقوقهم وحرماتهم)).

***

وفي موضع آخر كتب ((كيف يقال ان القضاء عندنا مستقل والقضاة مستقلون، لمجرد النص على ذلك في الدستور، في حين ان كل شئون القضاء والقضاة الادارية والمالية بل الصحية والاجتماعية.. بيد وزير العدل اي بيد السلطة التنفيذية..

بل ان ادارة التفتيش القضائي التي تحاسب القضاة فنيا واداريا وتأديبيا وتمسك بزمام ترقياتهم وتنقلاتهم وانتداباتهم واعاراتهم ومكافآتهم بالعمل الاضافي، هي جزء من مكتب الوزير اي جزء لا يتجزأ من السلطة التنفيذية.))

***

ولقد ترأس المستشار يحيى الرفاعي مؤتمر العدالة الأول عام 1986 حين كان رئيسا بحق لنادي القضاة، وهو المؤتمر الذي قدم تصورا كاملا لاستقلال القضاء ومن توصياته ما يلي:

((اسناد الرقابة على دستورية القوانين واللوائح الى احدى هيئتي محكمة النقض المنصوص عليهما في المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية بحسب الاحوال، واعادة سائر اختصاصات المحكمة الدستورية العليا الى القضاء وهو ما يستتبع الغاء الفصل الخامس من الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 اذ لا مبرر لقيام هذه المحكمة في دولة موحدة))

***

وفي نهاية هذه السطور القليلة التي أخذناها من رسائل التحذير الكثيرة التي اطلقها شيخ المناضلين مبكرا من اجل استقلال القضاء، والتي حملها بعده الجيل الحالي من القضاة الشرفاء الذين تصدوا لنظام مبارك من خلال ناديهم برئاسة المستشار زكريا عبد العزيز، و كانوا راس حربة في مواجهته، مما عجل بسقوطه، وذلك قبل ان تحاصرهم الدولة وتنقض عليهم لانجاح قائمة المستشار الزند في انتخابات نادي القضاة مرتين: الاولى قبل الثورة في 13 فبراير 2009، والثانية، ويا للعجب، بعد الثورة في 24 مارس 2012..

في نهاية هذه السطور نقول انه قد آن الأوان أن نضع معركة تحرير القضاء وتطهيره، على رأس أولوياتنا بعدما رأينا، في أكثر من مناسبة، كيف يمكن ان يكون القضاء التابع و المخترق والمقيد، سلاحا بتارا في وجه الثورة والثوار.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/تموز/2012 - 26/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م