(النمر) خطٌ أحمر

عبدالعزيز حسن آل زايد 

رغم الجراح ورغم الألم انتفضت القطيف الباسلة يداً واحدة وجسداً واحداً كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً، فكل الاطياف رفعت شعارات التنديد من أولئك السفلة المجرمين الذين أراقوا الدماء ليشعلوا المنطقة حرباً وناراً لا يهدأ أوارها، إلا أن الإرادة الشعبية أعلنتها حرباً سلمية ضد كل عدوان سافر، هذه المنطقة رغم الانتهاكات والظلم باتت صابرة تمسح دموع الفاقدين وتعزي خواطر المكلومين مبدؤها التواصي بـ (الحق والصبر).

إننا في غنى عن جَاهلية ابن كلثوم فـ (نجهل فوق جهل الجاهلينا) التي يتفاعل معها الكثير، فدستورنا القرآن وكفى به مُرشداً وهادياً، إن شهامة هذه المنطقة برزت في نسيج متناسق فالكل ألقى الرياحين والورود على الجنازة الملطخة بدماء الشهادة ورصاص العدوان الفاحش، لنقول لهم أن المنهج السلمي أقوى وقعاً من رصاص الجبناء، زغردات الأمهات الثواكل في موكب التشييع أبلغ رسالة فهم يزفون أبنائهم للجنان والحور لا للتراب والقبور، وهل يَخشى أبناء هذه المنطقة من رصاصة تافهة لا قيمة لها؟! وهم يزمجرون ليلاً ونهاراً: (هيهات منا الذلة) قبالة السيف والبطش، قلوبُ المحروقين أشد بأساً من سلاح المرجفين في المدينة، أليس الصبر ولّد الانتصار في بدر؟!، و(كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)، فمن كان يتوقعُ النصرَ لطالوت؟! آيات الذكر تثبت الأفئدة فبارقة النصر قادمة (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ) حينها انتهت المعركة بالنصر المؤزر.

الدنية ليست من قواميسنا ومن يملك الشهداء يملك الكرامة وبهم تُقارع السلة والاستبداد، للصمت حكمة يجهلها الطغاة وللحراك السلمي قطافٌ يُثلجُ الصدور، وغضبُ الحليم سَيُزلزل المقاعدَ المترجرجة إذا هبت رياح النصر حينها سيُقذفُ الرعبُ في قلوبهم المجرمين، وإننا لنُخاطبُ العقلاءَ إن بقي للعقل مكانٌ في الجماجم، دعونا وشأننا وإلا فالجحيم لكم، فدنياكم المليئة بالحقارة جنة وسجنكم أقرب مما تتصورون (إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ) ستعرفون من المنتصر؟!، ويلٌ للظالم من عذاب يوم شديد.

الشيخ النمر بغبائكم المفرط جعلتموه رمزاً وهاجاً فكلما حاولتم إخماده رفعه الله وهل تطفأ روحُ من كان شمعداناً لـ (كلمة الله)؟!، الشيخ النمر ألقى عليكم حجته قبل أن يحتدم الوطيس ولكن الجبروت والفرعنة متغلغلة في صدور الجبارين، غرور المُلكِ والنفوذ شل البصر قبل البصيرة فمتى يفيق ذو العرش من غيبوبته؟!

السفك المتوالي لا يزيد الكرسي المتهالك إلا تهالكاً ويُنذر بسقوط مرتقب، وهل سيصمتُ الناس مكتوفين ودماء أبنائهم تُراق في الأزقة؟! لا بد للقمقم أن ينفجر والعاقبة وخيمة للمستبدين، لهذا خرجت القطيف عن بُكرةِ أبيها تصرخ: " الشعبُ يريد إسقاط النظام " إنها ذات الشرارة التي أسقطت مبارك وأنهت حياة القذافي من الوجود، فمتى نستمعُ لحديث لقمان لنستفيق؟!

قنابل توشك أن تنفجر ولا ندري إلى أين نسير؟!، النمر (خط أحمر) قلادة علقت في القلوب وظهرت مخالب الأسود ملوحة برد الاعتبار، والاستقرار لن يكون إذا أريق الزيتُ على اللهب فصمام الأمان خطف و(البادئ بالظلم أظلم)، يتوهم الأدعياء أن عصاباتهم البوليسية ترهبُ الأبطال في القطيف، وهل يظنون أن الصمت جبنٌ والحلم إذعان ووهن؟!، إنهم لم يعرفوا الغاية في حديث (إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) كما قاله خاتم المرسلين، الحلم سيد الاخلاق ولكن ثورة الحليم تدك الصخور والغضب القطيفي بدأ بحماقة السفهاء من رعيل (الكوماندوز) الجبان، يظنون أن إراقة دماء العالم الجليل (النمر) سيوقف الحراك، تباً لفكركم الهزيل (حُلوم الأطفال وعقول ربات الحجال) وهل تطفأ النار بإزكاء الوقود؟!

إننا لا نقبل بأي سلطة تمد يد العدوان على رموزنا وعلمائنا فـ (النمرُ) خط أحمر وبه سيلتهب المجمر، والحماقة لا تداوى إلا بالانتزاع، الحَجر هو العلاج الوحيد لمرضى العقول، وتقلبهم بالسلاح سيكون وبالا عليهم لا لهم ولكن لايشعرون، فـ(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)، إن قتل الأبرياء واعتقال العلماء فاحشة مخزية يَجبُ مقارعتها بكل الوسائل المشروعة، والإعلام أحد الطرق الفاعلة لكشف سوءة القتلة الفاسقين، وما كان مَمنوعاً بالأمس أمسى اليوم يتداول في الأيدي وبالمجان، الشريعة ورموزها أهم من حطام السلاطين الذين أكل الدود جيفهم ولحق العفن والجحيم بقبورهم، وسيأتي الدور وشيكاً على البقية الباقية وما يومهم ببعيد (َيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ)، (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/تموز/2012 - 25/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م