دراسات في العقل العراقي... امسية ثقافية لمركز المستقبل للدراسات والبحوث

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يعيد مركز المستقبل للدراسات والبحوث نشاطه الذي انقطع عنه طيلة سنوات طويلة، رغم كونه من اوائل مراكز الدراسات الذي تأسس بعد العام 2003، وكان له حضوره اللافت في عقد عدد من الندوات، والاصدارات التي حاولت ان تستشرف مستقبل التغيير في العراق، ومستقبل الواقع العراقي سياسة واقتصادا واجتماعا وثقافة.

يعود مركز المستقبل الى عقد امسياته الاسبوعية والتي بدأت بالأعضاء المؤسسين له قبل سنوات، حيث قدم الدكتور متعب ورقة بحثية بعنوان (دراسات في العقل العراقي. من سيربح معركة صراع الارادات في الشرق الاوسط (معركة القرار)؟

حضر الامسية كل من:

الدكتور متعب مناف السامرائي

سمير الكرخي مدير مركز المستقبل

الدكتور اسعد الامارة استاذ وباحث في علم النفس

الدكتور صالح زامل استاذ وباحث في النقد الثقافي

علاء حميد باحث في الانثروبولوجيا

حكمت البخاتي باحث في الشؤون الاسلامية

حيدر الجراح كاتب وصحفي

الورقة البحثية للدكتور متعب مناف، يطرح فيها اشكالية جديرة بالتفكيك هي ثنائية (تراجع الارادة والفعل الحالم) والتي تحولت إلى ازدواجية وذلك بعد ان تعثرت الحلول لمحدودية فعلها، زاد من تراجع الارادة (الارادات) مع تحول الحلم إلى كابوس.

وفي ما يتعلق بعنوان الورقة يضيف الدكتور متعب:

الشرق الاوسط اكثر واشد اقسام الشرق (اقصى واوسط وادنى) قلقاً واضطراباً وتجارب مؤلمة وثورات دون لون (colour less) قد تجهض او تسرق قبل ان تكمل خارطة طريقها إلى حد وصفها بأنها تفتقر إلى النهايات والخواتيم (unpinished revolutions).

ثم يعرج الباحث على المآزق الكبيرة التي عاشها حملة شعارات التنوير، والحداثويين العرب، في قراءتهم لواقع المجتمع العربي، وكيف ان هذا الواقع كثيرا مايرتد الى الماضي يساءله عن سبب الاخفاقات الكثيرة، وكأن الماضي يستطيع ان يقدم الاجوبة لجميع تلك الاسئلة. يكتب الباحث:

كانت الجرعة التاريخية مفرطة (Over doze) إلى الحد الذي اضاع فيه جيل توازنه، فقرأ الذاكرة حلماً، وبدلاً من ان يقدم حلولاً افتراضية تخرج به من صعاب الحاضر نحو غد واعد، وقع في شرك قراءة ارتدادية اضطرته إلى حلول تاريخية.

بعد تلك الترسيمة، لواقع الحال العربي، التي حددها الباحث، يدخل الى صلب موضوعه، او مشروعه، محاولا استنطاق العقل العراقي، ومحاكمته، لاستكشاف مواطن الخلل التي تجعله بهذا الشكل من التراجع المستمر، رغم كل الامكانات المتاحة امامه، يقول الباحث:

ان العقل العراقي مثله مثل العقل الشرقي والاسلامي "عقل ذاكرة وليس عقل هوية" فهو نتاج ذاكرته اكثر من ان يكون نتاج مجتمع.

كان الملوك ينفردون بكتابة التاريخ لأنهم الوحيدون الذين بمستطاعهم القطع مع الماضي والوصول به إلى مرحلة مفصلية (zero zone).

هذه التاريخانية او الترخنة، التي ترتقي إلى مرتبة الضم والابتلاع للعقل الشرقي بعامة ثم الاسلامي فالعراقي، والتسلط المطلق للملوك الحكام الذين كانوا رؤوساً (الرأس الحاكمة) فرضوا عسفهم وظلمهم احياءاً، كما استمر الخوف منهم امواتاً. الملوك الاحياء يطاعون إلى حد التسليم وكأنهم قدر لانهم لم يتركوا اتباعهم من الرعايا ان يجربوا انظمة حكم بديلة، فليس هناك ما يسمى حاضراً تداول السلطة لأن الملك من القصر إلى القبر.

هذا الحكم الشمولي (to talitanian) حال دون "تداول السلطة"، اذ المسافة بين الملك واقرب المقربين اليه بعيدة وعميقة فكيف بالبقية من الناس المهمومين بتحصيل قوتهم اليومي، وابعد ما يحلمون به ان يشبعوا وجبتهم من الحكام، فهم الطاعمون الكاسون.

هذه السلطة المتعسفة للملك، والرأس الحاكم التي ارخت بحضورها وظلها على المشهد السياسي بل والحياتي بأكمله، ابدلت ما نسميه بالمعارضة، مقاومة، تخرج اول ما تخرج على ابوية السلطة (جحود وانكار وعقوق وشق عصا الطاعة) كما انها تخرج على اعراف الجماعة وما فيها من تجاوز على من هم اكبر سناً واكثر جاهاً والاشد قرباَ من الماضي (التاريخ) حيث التجارب المتكاملة التي لا تدانيها جهود الحاضر القزمية والمراهقة.

هذا الانسداد امام تدوير السلطة (تبديل الحاكم) والحيلولة دون توارد دماء جديدة شابة قد يحول دون حدوث ثورات (Revolution).

لذا ستبقى المقاومات في حدود الثورات، والاحتجاجات العنيفة قد تقترب من السلوكيات المكسورة معياريا(Norm less ness) المسماة بالسلوك الجمعي.

ويضيف الباحث في حديثه عن الربيع العربي، وفق النتيجة التي انتهى اليها حول (السلوكيات المكسورة معياريا) قائلا:

وقد ينسحب هذا على حركات/ ثورات الربيع العربي التي تتهم – زوراً – بأنها تفتقر إلى القيادات السابقة، متناسين ان حركات السلوك الجمعي (العفوي وغير القصدي) ان القيادات تنضج لاحقاً وبالاخص في مجتمعات مضغوطة وليست مضبوطة اجتماعياً.

وبالعودة الى الحديث عن العراق، وتشخيص الداء الذي يعاني منه العقل العراقي، يصل الباحث الى نتيجة يقول عنها:

قد يكون هذا التداخل في الاوراق والخنادق الايديولوجية تشبع العقل العراقي إلى حد الخدر والتخدير بالتاريخ، والتاريخ الابواني وحتى النيوأبواني لتعاضده الثقافة الذكوراتية هو الاقرب إلى الديكتاتورية منه إلى الثورة إلى حد اعتبار الأولى القاعدة اما الثانية فانها شذوذ.

ويظل التاريخ وتظل الذاكرة (المتوارثة) وتظل الثقافة الشعبية التي تميل إلى استبدال البطل بالمظلوم وذروة ما تقدمه من حلول ان كبش الفداء(seapeeoat) انما يكون في الداخل وفي طيات الذات، كذا فأن جلد الذات هو العقاب المناسب الذي قد مثّل تنقية وتطهيراً للذات.

تعددت الافكار التي طرحها الحاضرون حول الورقة التي قدمها الدكتور متعب مناف، بدأها الاستاذ سمير الكرخي، مدير المركز، بعد ان ذكر ان جميع الابواب موصدة، طالما ان الواقع الذي نعيشه هو الذي يتحكم في حركتنا قائلا:

(الواقع الطائفي يفرض حلولا طائفية، وعلى المثقف ان يبتكر ويفرض حلوله. لكن السؤال: متى يمكن للمثقف ان يبدأ بالحل)؟

وكان الجواب الذي اتفق عليه الحاضرون هو ان الحل يأتي بعد نقد المقولات السابقة، كما يجب علينا التمييز بين النخبة والقاعدة عند طرح الحلول.

يتدخل الدكتور متعب مناف، وعادة ما يكون تدخله، عبارة قصيرة ثم يتبعها سؤال، والسؤال هو المفتاح لديه:

للإمام علي (ع) مقولة رائعة ترد في احدى خطبه حيث يقول: اجعلوني وزيرا عليكم وليس اميرا. لماذا الوزارة وليس الامارة؟ وهو يرى، ان هناك مسألة اخطر من السقيفة وهي مسألة التحكيم بعد واقعة صفين، وظهور شعار (لا حكم الا لله) وهو شعار وصفه الامام علي (ع) بانه كلمة حق يراد بها باطل.

وحول الدولة والامة، عند العرب او المسلمين يقول الدكتور متعب:

وربما هذا ما يلفت النظر في تسمية (الجمهورية الاسلامية الايرانية) وتقديم كلمة جمهورية (الدولة) على الاسلامية (الامة).

لكن الاستاذ سمير الكرخي لا يتفق معه حول هذا التوصيف قائلا:

اراد الايرانيون ان تكون التسمية (الجمهورية الاسلامية في ايران) اي ان الولي الفقيه هو الحاكم وهو الذي يعين الولاة او الامراء على المناطق داخل ايران حصرا.

يتدخل الباحث علاء حميد ويطرح تصوره:

الامام الخميني في مقولاته، انتج اماما بوظيفته وليس بشرفه (شرف الامامة) وكان للامام حسب تصور الخميني سلطة اعلى من النص، وقد مارس ذلك فعليا في تعطيل فريضة الحج وهي فريضة واجبة في العام 1987. مثلما ان الامام علي (ع) اعلى من النصوص وحاكما عليها في المعتقد الشيعي.

من هنا الافتراق ايضا بين المعتقدين السني والشيعي في ما يتعلق بمفهوم العصمة: فالعصمة في المعتقد الشيعي تشمل جميع الاقوال والافعال للنبي والامام، اما في المعتقد السني فأنها تشتمل على ما يتعلق بتبليغ الوحي فقط.

شيعة العراق يختلفون في مدى تقبلهم لفكرة ولاية الفقيه، فهم يمتازون بالعقلية الاصولية، رغم ان كل المدونات الشيعية هي مدونات اخبارية.

ثم يأخذ الحديث بالتشعب ليصل الى تاريخ التاسع من نيسان العام 2003 ومدى افتراق الرؤية الامريكية عبر دوائر قرارها، يقول الباحث علاء حميد:

بخصوص ما تم التخطيط له قبل الحرب الامريكية على العراق في العام 2003 جمعت وزارة الخارجية الامريكية وقتها 200 خبير من ضمنهم المفكر العراقي مجيد خدوري لوضع تصورات مستقبلية تخص العراق في مجالات (الصحة – المياه – الطاقة – العدالة الانتقالية – الديمقراطية). وقد اشرف مجيد خدوري على خمسة عشر باحثا كل في مجال تخصصه، ورفعوا توصياتهم الى وزارة الخارجية. الا ان الصراع داخل الدوائر الامريكية جعل مشروع وزارة الدفاع هو الذي يتقدم وهو مشروع امني بامتياز حيث طرحت فيه ايضا فكرة الحكومة الانتقالية.

ثم يطرح الدكتور متعب سؤالا:

كيف ننتقل بالعقلية العراقية، وهي عقلية الجزع والخوف والرعب الى عقلية الحل؟

ويكون الجواب هو عبر قراءة التاريخ من الحاضر الى الماضي وليس من الماضي الى الحاضر.

الدكتور اسعد الامارة، والذي عاش سنوات طويلة في السويد يقول ان العقلية العراقية هي عقلية صراع وخلاف حتى داخل الطائفة الواحدة، كمثال على ذلك، هناك 150 عائلة صابئية في السويد يعيشون في اشبه ما يكون بالجيتو، خلافاتهم وصراعاتهم مستمرة، لكنهم يتوحدون اذا دخل طرف اخر من طائفة اخرى في صراع معهم، بهذا يمكن اعتبار الجانب النفسي هو جانب ثقافي.

يضيف الباحث حكمت البخاتي:

العراقيون يجمعهم وطن، ولا يفرقهم صراع. مشكلة الصراع في العراق تتوزع على عدة مستويات (طائفي – طبقي – قبلي – اثني) وهو صراع ارادات وصراع هويات.

ويمكن اعتبار الصراع الطبقي في العراق بعد انتهاء التوجه اليساري هو الاقرب الى فهم طبيعة الصراع.

وقد نشأ مفهوم جديد للصراع، بعد ظهور الحركات السياسية الاسلامية، وهذا المفهوم الاسلامي ميز الصراع بانه بين الحق والباطل.

الصراع في العراق اذن هو صراع مصلحة، وهو صراع اقتصادي رأسمالي وهو صراع جوهري وليس صراعا طائفيا.

ويذهب الدكتور اسعد الامارة الى ان صراع الرفاهية اقوى من صراع الحاجات، ولا نستطيع تغيير الصراع لانه اساسي في تكوين الانسان النفسي. من ذلك الصراع الداخلي الذي ينشأ بين الاقدام والاحجام، واحاول ان انهيه بإفعل او لا افعل.

وعلى حد تعبير الدكتور متعب:

هناك فرق بين الصراع والتنافس، فالصراع فيه منتصر ومنكسر والتنافس ليس فيه ذلك والصراع ذو طبيعة جدلية ومستمرة.

يكمل حكمت البخاتي كلامه:

في الصراع هناك مراكز قوة موجودة لدى الشيعة والسنة والاكراد، وهذه المراكز لها دورها في استمرار الصراع تبعا لمصالح اقتصادية، ورثت الحرمان منها وعدم اشباعها منذ عقود طويلة، فكل الحكومات السابقة لم تلبي مصالح العراقيين الاقتصادية.

لكن هذا الصراع يكتسي طابعا اخر وهو الصراع الديني/ الطائفي والذي لازال موجودا لأنه لا يمكن ازالة الصراع الديني، وتحت ضغط التاريخ والتحولات يتحول الصراع الديني الى طائفي، والمشكلة في العراق ان كل شيء يتعلق بالدين يعبر عن طريق السياسة، من هنا فان فاعلية السياسة في مجتمعنا تعود الى الحرمان والفقر.

وقد اتفق الحاضرون في تلك الامسية على اننا نجتر تاريخنا اجترارا، ونحن مدعوون لنقد مقولات الحداثة مثلما نطالب بنقد التاريخ.

فحداثتنا التي كثيرا ما تباهينا بها اهتمت بدراسة ماضينا بقوة، واهتمت بدراسة المستقبل العربي من خلال الحاضر الاوربي، وكانت نتيجة ذلك ان احداث الربيع العربي قد احدثت صدمة لدى الحداثويين العرب... ما هو الحل؟ علينا ان نبدأ بالخطوة الاولى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/تموز/2012 - 24/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م