الساسة بين الغباء والذكاء الاستراتيجي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: السياسة تنبني وتتحرك وتعطي نتائجها على الارض، وفقا لحركة السياسيين، وطبيعة خطواتهم العملية المستمدة من درجة ذكائهم أو غبائهم، وقد ظهر في عموم دول العالم سياسيون أذكياء يتمتعون بسمة أو ملكة الذكاء السياسي الاستراتيجي، وقد نجحوا في نقل اممهم وشعوبهم الى مصاف الامم والشعوب الراقية، والامثلة لدينا كثيرة، منها على سبيل المثال (غاندي) وما قدمه من خلال ذكائه للهند، و (نلسن مانديلا) وما قدمه بذكائه لدولته التي احترب شعبها وتقاتل فيه السود والبيض عقودا دموية لاتكاد تُنسى بسبب بشاعتها.

في المقابل هناك ساسة أنانيون أغبياء، لا يتمتعون ببعد النظر ولا بنسبة بسيطة من الذكاء الاستراتيجي، فهؤلاء لا ينظرون أبعد من مصالحهم الفردية والعائلية، ولا ينشطون إلا في مجال حماية امتيازاتهم والمقربين منهم، وهم (بسبب غبائهم) لا يعرفون أن أفكارهم وطباعهم وسلوكهم المنقاد الى غرائزهم، هو الذي يسرع بسقوطهم وطردهم الى مزبلة الاهمال والنسيان، إلا بقدر الذمّ والكره الذي يلاحقهم وذويهم، كلما ورد ذكرهم (الكريه) في هذا المحفل او تلك المناسبة. 

ثمة فرق واضح جدا بين السياسي الذكي والسياسي الغبي، فالأول لديه مشروع كبير ينطلق من خلاله لبناء الدولة المدنية وتغيير المجتمع نحو الافضل، وفق آليات فكرية عملية، يشرف على تنفيذها هو شخصيا، ويساعده مقربون أمناء، في التخطيط والتنفيذ، فيجعل من مصالحه الفردية والعائلية والشللية في آخر الاهتمامات، بل ربما يلغيها تماما أو يخضعها لضوابط تنطبق على عموم الشعب، بمعنى يجعل من نفسه والمنضوين تحته عائليا او وظيفيا، أناسا لا يختلفون عن غيرهم في الحقوق والواجبات، يتحقق هذا ليس في الادّعاء والقول وحده، بل يتجسد من خلال العمل المرئي والملموس، وهو بذلك يسعى لنقل شعبه الى مصاف أرقى وأرفع.

السياسي الغبي لا مشروع له على الاطلاق، سوى انهماكه بجباية الفوائد وتشريع الامتيازات له وذويه وحاشيته، وربما لايدري أنه بهذا السلوك يحفر تحت قدميه بنفسه، لكي يسقط حتما، في حفرة الطمع والشراهة والفساد، وحتما هو يجهل أن أساليب المراوغة والخداع التي ينتهجها كطرائق عمل في حياته السياسية، ومنصبه وصلاحيته أيا كان نوعها، هي الداء الذي سينقضّ عليه ويطيح بمستقبله ورأسه.

هذه الامثلة للسياسيين، موجودة في عموم دول العالم، وهناك قادة سياسيون لهم الآن تأثيرهم على صنع القرار العالمي، مثل هؤلاء (الاغبياء منهم) تحديدا، يدفعون العالم أجمع صوب هوّة الخراب، يساعدهم في ذلك ساسة تابعين صغار، يتمتعون بالغباء السياسي المطلق لافتقارهم للمشاريع التي ترتفع بشعوبهم على الرغم من ان متطلبات الرقي متوافرة لديهم.

في العراق نفتقر للسياسي صاحب المشروع الواضح، الذي يرقى الى الساسة الدعاة الكبار، الوطنيين العظماء، الذين ارتقوا ببلدانهم وشعوبهم وأوطانهم الى أعلى المستويات الحياتية الممكنة، وكل الوقائع لدينا، تشير الى غياب السياسي العراقي الذي يتمتع بالذكاء الاستراتيجي، ولا نغبن احدا حين نقول أن ساحتنا السياسية تتوافر على نماذج كثيرة للسياسي الاناني، الذي لا يرى من الامور إلا ما يقع في حدود مصالحه الآنية الضيقة، ممثلة بمنافع مادية زائلة حتما، مضحيا بفرصة عظيمة لصنع تأريخه الشخصي والعائلي والوطني، الذي سيرفعه الى مصاف الساسة الخالدين.

كما أننا ونحن نتجاوز مرحلة تأسيسية حاسمة في تأريخنا العراقي، لا يصح مطلقا أن نترك المجال مفتوحا للسياسي الاناني المصلحي الغبي ودوره ذي الطابع التخريبي، لأننا نؤسس ونسعى الى بناء دولة مدنية، يجب أن يقودها الساسة الاذكياء من اصحاب المشاريع الوطنية الانسانية، التي ترقى بالشعب وتبني الدولة الدستورية، ونحن قادرون على ذلك بطبيعة الحال، خاصة اذا وعى الشعب بكل مستوياته، مدى قدرته على عزل الساسة الاغبياء وطردهم خارج الساحة السياسية الى مزبلة الاهمال.

وهنا يظهر بقوة دور النخب المثقفة وسواها، لتوجيه المسارات نحو الافضل، ومقارعة جميع الذين يشتغلون في السياسة من اجل المال، كما هو الوضع الآن، حيث يلهث كثيرون نحو السياسة والعمل فيها، وهم ليسوا من اهلها ولا اصحابها، في حين يغيب عنها أهل الاختصاص، من ذوي المشاريع الحقيقية القادرة على اصلاح الاوضاع الخطيرة، التي هوت بالبلاد والشعب نحو الفقر والاهمال والفوضى.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/تموز/2012 - 23/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م