إصدارات جديدة : العدد الثامن من سلسلة "مراصد"

 

 

 

 

 

الكتاب: الثورة المصرية كلا حركة بعد إسلاموية

الكاتب: إسماعيل الإسكندراني

الناشر: مكتبة الإسكندرية

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الثامن من سلسلة "مراصد"، والتي تضم دراسة للباحث إسماعيل الإسكندراني بعنوان "الثورة المصرية كلا حركة بعد إسلاموية: دراسة مفاهيمية تفسيرية للحالة العربية الراهنة".

تتناول الدراسة هذا الموضوع من خلال عدد من المحاور؛ منها: السياق التاريخي، ماذا حدث للإسلاموية الكلاسيكية؟ ما بعد الإسلاموية، ما بعد الإسلاموية المؤسسية عند آصف بيات، ما بعد الإسلاموية السائلة في مصر، تعريف ما بعد الإسلاموية وأركانها، ملامح ما بعد الإسلاموية في الثورة المصرية، وأزمة ما بعد الإسلاموية في مصر، وتبين الدراسة أنه بالتوازي مع الثورة السياسية التي اندلعت شرارتها ظهيرة الثلاثاء 25 يناير 2011 في عدة مدن مصرية، قلبت الأحداث المتلاحقة موازين النظريات السياسية والاجتماعية التي انطلق منها الأكاديميون على مدار السنوات الطوال محاولين تحليل وتفسير الحراك الاجتماعي في مصر، ويقول الباحث إنه في الوقت الذي تعالت الأصوات الأكاديمية الأوفر حظًّا من الانتشار الإعلامي بالتحذير من غياب البديل السياسي المناسب والتشاؤم من الاستقطاب الحاد بين نظام مبارك وبين جماعة الإخوان المسلمين، كانت هناك أنظار أخرى غير تقليدية تجاوزت دراسة البنى التنظيمية وانطلقت صوب دراسة الحراك الشعبي السائل/ المنساب.

وعلى صعيد آخر، لم يتحرر كثير من الأكاديميين والسياسيين من الاستقطاب العلماني – الإسلاموي وجدلياته ومناظراته، وعدم الاعتراف الضمني بأن أغلبية الشعب المصري بعيدة عن الترف الفكري الذي يجعلها تناقش اتجاهين ليس لهما علاقة بمواقفها الشخصية وممارساتها اليومية وتطلعاتها الاجتماعية والسياسية، فضلاً عن فشل أي منهما في تقديم تصورات واضحة لحقوقه واحتياجاته الاقتصادية، ويعرض الباحث تزاوجًا مميزًا بين حالتين كان قد رصده من قبل، إحداهما حركية وتنظيمية والثانية سلوكية وفكرية. الحالة الأولى هي إصرار قطاع كبير من النشطاء الشباب على العمل خارج المؤسسات المسجلة رسميًّا. لذلك كونوا "المبادرات الشبابية" المستقلة، أما الحالة الثانية، السلوكية والفكرية، فكانت موقف أغلبية هؤلاء النشطاء من التدين، ويبين الإسكندراني أنه يحاول في هذه الدراسة الربط بين الحالتين، سعيًا لتقديم نموذج تفسيري وتحليلي جديد، يمكن من خلاله فهم الكثير من التحولات الاجتماعية والجيلية في المجتمع المصري، ويفرق الباحث بين مفهوم "إسلاموي" و"إسلامي". فالإسلامي نسبة إلى ما هو عقائدي وتعبدي (إيمان وشعائر) وإلى القطعيات المعلومات من الدين بالضرورة، أما "الإسلاموي" فهو تعبير عما هو فكري وأيديولوجي. أي أنه "فهم الأشخاص والجماعات" لمنهج الإسلام في الحياة.

ويعرض الباحث عدد من الأسباب الداخلية لفشل المشروع الإسلاموي – في المنطقة العربية على الأقل- على مدار أربعة عقود في تحقيق النجاح السياسي أو التغيير الاجتماعي للأفضل، بعيدًا عن العوامل الخارجة عنه كالقمع والتضييق وما شابه؛ ومنها: الخطاب التصادمي، والبحث الدائم عن "ماذا" و"لماذا"، مع التجاهل العجيب لـ "كيف"، والمراهقة الاجتماعية والتفرد الانعزالي، ويتطرق الإسكندراني إلى ما بعد الإسلاموية Post-Islamism، قائلاً إنه ليس هناك مدلول أكاديمي واحد لمصطلح "ما بعد الإسلاموية"، لكن بشكل عام يشير المفهوم إلى مساحة معينة تتخذ فيها بعض المواقف المتعلقة بالتدين والديمقراطية والحكم المدني وحقوق الإنسان والخطاب السياسي. ورغم ندرة الكتابات الأكاديمية عن ما بعد الإسلاموية، فإننا يمكن أن نميز بين مدخلين لدراستها؛ الأول مدخل اقتصادي - سياسي غربي، والآخر مدخل اجتماعي - سياسي شرقي.

وقد نشأ المصطلح في أوائل التسعينيات من القرن العشرين في الأوساط الأكاديمية الأوروبية (الفرنسية تحديدًا)، في حين أن الباحث الإيراني آصف بيات استخدمه بدءًا من عام 1996 بمدلول مغاير عما شاع به المصطلح في أوروبا من منحى اقتصادي - سياسي وهو ما قد يثير اللبس في إدراك المفهوم. وبعيدًا عمن اخنزل مفهوم ما بعد الإسلاموية في "مغادرة الإسلامويين لكل من التوجهين الجهادي والسلفي"، هناك مدخل مثير للاهتمام اعتنى به أوليفييه روا يتعلق بدور الدولة في الأسلمة في مقابل خصخصة الأسلمة، ثم أثر هذا التفاعل على ظهور ما بعد الإسلاموية.

وتتطرق الدراسة إلى ما بعد الإسلاموية السائلة في مصر. ويرى الباحث أن الإسلاموية في مصر كانت حالة مجتمعية، بخلاف إسلاموية الدولة الإيرانية. فالمجتمع بشكل عام، وبما تعجز المؤسسات عن الإحاطة به، كان في حالة إسلاموية أو انعكاس للإسلاموية. بمعنى أن الفكرة الإسلاموية لم تمس فقط من كان يعرضها من إسلامويين ومن كان يعاديها من علمانيين، بل كان تعطشًا شعبيًّا واسعًا لما يصلح القطيعة بينه وبين أحد أهم مكوناته الإدراكية والوجدانية، ويقول الباحث إن أزمة التدين المظهري وتناقضات المتدينين في مصر ليس منشؤها النفاق أو حتى المسايرة الاجتماعية بالمقام الأول، بل تعكس رغبة حقيقية جمعية في التدين الشامل الذي يحقق الوصفة المثالية التي روّج لها الإسلاميون والإسلامويون كلاهما، "صلاح الدنيا وفلاح الآخرة". لكن المجتمع المصري وجد نفسه في مأزق حينما أراد أن يترجم بسهولة اعتقاده بأن الإسلام به كل الأجوبة الشافية الكافية الصالحة لكل زمان ومكان. ولا يتحدث الباحث هنا عن صحة هذا المعتقد من عدمها، بل عن تجريبه واقعيًّا.

ويؤكد الإسكندراني أن الفكرة الإسلاموية في مصر ازدهرت خارج المؤسسات بانسياب وسيولة وتطور ذاتي ومتفاعل مع عوامل عدة داخليًّا وخارجيًّا. وخارج المؤسسات أيضًا بزغت ما بعد الإسلاموية كسلوكيات ومواقف فكرية نقدية تحل إشكاليات التعميم والاختزال الإسلاموي، وعن تعريف ما بعد الإسلاموية وأركانها، يقول: هي "تلك الحالة - وليست الأيديولوجيا - التي يتحقق فيها: التصالح مع تدين المجتمع المسلم، وتبني آليات حكم ديمقراطية تحفظ الحقوق وتحمي الحريات وتتسم بالعلمانية الجزئية، واستبعاد الخطاب الديني من القضايا السياسية الجدلية".

ويرصد الإسكندراني بعض ملامح ما بعد الإسلاموية في الثورة المصرية؛ لتأكيد تجاوزها للثنائية المفتعلة، العلمانية – الإسلاموية/ الإسلامية. ويقول إن ما بعد الإسلامويين ليسوا "إسلامويين جددًا" ولا "إسلامويين سابقًا"، وهنا تكمن أهمية رؤية ما بعد الإسلاموية باعتبارها "تصالحًا مع تدين المجتمع" وليس "تصالحًا مع الديمقراطية". وهو ما تم التعبير عنه في سلوك الجماهير الغاضبة التي خرجت بالأساس من أجل حقوقها الديمقراطية، ومع ذلك فقد أقامت الصلوات في جماعة ثم رقصت وقت الفرحة تجسيدًا لحالة ما بعد الإسلاموية.

أما الملمح الثاني فيؤكد أنها ثورة سلمية من أجل الديمقراطية، حيث إنه لم تكن الثورة المصرية إسلامية، وإن حضرت مشاهد التدين بوضوح، وكذلك لم تكن ثورة ضد الحكم الديني، الذي لم يكن موجودًا أصلاً. فأتت الثورة ولم يغب عن أي من مشاهدها مشاركة كافة مفردات وعناصر "مظاهر" التدين، رغم التنوع المصري والإنساني الهائل الذي ساد. ومع هذا الحضور الطاغي لعناصر التدين – سواءً كان حقيقيًّا أم مظهريًّا – لم تحِد الثورة عن مسارها في سبيل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، مع الإصرار الشعبي العارم على السلمية وعلى عدم الرد على العنف بالعنف، والمطالبة بمحاكمة المذنبين والمجرمين، لا الانتقام الثوري منهم، أما الملمح الثالث فهو الخطاب المباشر الغير ديني، حيث اتسم خطاب الجماهير المصرية الثائرة بالوضوح والمباشرة، دون استخدام أية لغة أيديولوجية أو دينية.

ويتناول الباحث أزمة ما بعد الإسلاموية في مصر، حيث تزعم الدراسة أن مصر تعوم في بركة من ما بعد الإسلاموية السائلة تنتظر من يقوم معبرًا عنها فيضمن اكتساح المتنافسين الكلاسيكيين. وهناك في رأي الباحث تحدٍ أمام ما بعد الإسلاموية في مصر، وهو غياب ثقافة العمل المؤسسي بفعل تجريف النظام السابق لكافة البنى والتنظيمات، عدا منظماته الأمنية. ورغم أن هذا أضاف ميزة المفاجأة غير المتوقعة في الحراك السائل، فإنه يضع حالة ما بعد الإسلاموية المصرية أمام اختيارين، هل يتم الاكتفاء بتدشين "تيار رئيسي" للمصريين يعبر عن أهم القيم والآمال التي ينبغي أن يحافظ عليها المجتمع ما بعد الإسلاموي بشكل سائل ومنساب، أم تتشكل أحزاب – قليلة العدد متماسكة الرؤية عالية الكفاءة التنظيمية – لتؤسس ما بعد الإسلاموية. ويطرح السؤال نفسه: هل مأسسة ما بعد الإسلاموية يعد دفعًا بالمجتمع للأمام أم تجاوزًا لمرحلته الحالية المتسمة بالسيولة والانسياب والتي يجب ألا نستعجله للخروج منها؟

ومن ناحية اجتماعية - اقتصادية، يرى الباحث أنه من المفيد لما بعد الإسلاموية في مصر أن تتأخر مأسستها، وذلك كي لا تتأثر بالنموذج التركي الذي اختار سياسة اقتصادية ليبرالية اجتماعية للخروج من المآزق المعضلة للاقتصاد التركي. وفي خضم هذه الإشكاليات والتحديات يكمن أمل كبير في أن يُنتج النموذج المصري من ما بعد الإسلاموية السائلة أطروحات معرفية أعمق أصالةً تنسف ثنائية الحداثي - ما بعد الحداثي التي لم يعشها يومًا واقع المجتمعات العربية. وهنا تتعاظم قيمة تحرر ما بعد الإسلاموية من الليبرالية الاقتصادية، حتى لو كانت ليبرالية جديدة أو اجتماعية، وسيكون من مصادر ثرائها أن تتضمن بعض الجوانب الاشتراكية الأهلية (بعيدًا عن ارتباطها بالدولة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/تموز/2012 - 20/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م