العراق خدم الانسانية ولم يخدم نفسه!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هل يختلف العراقيون عن الآخرين من شعوب الأرض؟؟، سؤال طالما طرحته على نفسي، كوني أنتمي لهذا الشعب العريق (وفقا للأسانيد التأريخة التي تؤكد عراقة هذا الشعب دونما أدنى شك)، وهل العراقيون لا ينتمون لجنس البشر؟؟ أو هل أنهم متخلفون لدرجة أن أحد الجنود الغزاة (أمريكي الجنسية) يصرّح لوسائل الاعلام قائلا (إنني كنت أعتقد بأن العراقيين ليسوا من صنف البشر)!!!. كما نشرت ذلك صحيفة "ديلي ميل" البريطانية في تصريحات لستيفن جرين المسجون في ولاية أريزونا الأمريكية قال فيها "لا توجد كلمات يمكنها ان تصف مدى كراهيتي للعراقيين في ذلك الوقت، لقد عاملتهم كما لو أنهم ليسوا من البشر".

تُرى هل توجد مبررات واقعية لاطلاق مثل هذه التصريحات؟؟، مع أننا نؤمن بأنها لا تشكل معيارا لقياس القيمة الحقيقية للعراقيين أو غيرهم، لأسباب كثيرة، أولها أنها ذات طابع فردي، وثانيا هناك دوافع نفسية وعرقية واضحة وراء اطلاقها، وسبب ثالث وأهم، أن من أطلقها نفسه لا يمتع بالانتماء الى الانسانية، كونه اغتصب فتاة في الرابعة عشر من عمرها وقتل امها واباها أمام عينيها بدم بارد، اذن لايحق لانسان بهذه الصفات البشعة أن يُنسب اوصاف التمدن او التوحش على هذا الشعب او ذاك.

ومع ذلك لايزال السؤال قائما،، هل يختلف العراقيون عن غيرهم من الشعوب، اذا كان السؤال يتعلق بالجانب الانساني، فلا نقاش في مسألة إنسانية العراقيين وانتمائهم (الى صنف البشر) بجدارة، نظرا لما قدمته الاجيال الاولى، الى الانسانية من خدمات حضارية، لا يرقى الشك الى دورها في تطوير القدرات البشرية عبر تأريخها الطويل، لكن النقاش الحقيقي الذي لا يجب أن نتغاضى عنه، او نغفله، أو نتهرب منه،، هو: هل استثمر العراقيون امتيازاتهم الطبيعية والبشرية حاضرا، أو في المدى المنظور، لتحقيق التمدن، والتطور، والالتحاق بالركب الانساني المتقدم ماديا وفكريا وثقافيا؟؟.

الجواب هنا سيأتي بالنقض حتما، بل لابد من الاعتراف بأن العراقيين هم من أكثر الشعوب التي أساءت استثمار ثرواتها المادية والفكرية والابداعية عموما، وأخفقت أيما إخفاق بتوظيفها في مجال التطور المدني، وتحقيق النقلات المطلوبة في مجال التقانة والعلم والثقافة والفن على وجه العموم، أما الاسباب التي تقف وراء هذه النتائج المخيّبة، فإنها تعود الى العجز السياسي المزمن في ادارة ثروات البلد الطبيعية والفكرية ايضا، ولطالما كان السياسيون هم السبب الرئيس في تخلف البلاد وتراجع قدراته، وذلك بسبب جهلهم، وابتعادهم عن روح التمدن والثقافة الانسانية المعاصرة، وفشلهم في تأسيس وتطوير قاعدة سياسية ديمقراطية راسخة، تتحرك في ضوئها الانشطة المتعددة التي تضفي الطابع المدني على الدولة والشعب في آن.

ولذلك نحن حين نرفض تصريح الجندي الامريكي المذكور، ونعده تافها وفرديا وصادرا عن انسان هو اصلا لايحق له الانتماء الى البشر، فإننا في الوقت نفسه، نؤكد الخلل السياسي والثقافي الكبير في التعامل الصحيح مع يمتلكه العراقيون، من ثروات طبيعية وبشرية ابداعية متنوعة، لم تُستثمَر حتى هذه اللحظة كما يجب.

لذلك هناك شطران في الاجابة عن السؤال الذي ورد في صدر المقال، الاول يتعلق بإنسانية العراقيين التي لا يستطيع أحد المزيدة عليها أو الانتقاص منها، وهو أمر محسوم لا يقبل الجدل بتاتا، أما الجدل الحقيقي والذي لا نستطع إهماله او الفرار منه، فهو يتعلق بالشطر الثاني من الاجابة، وأعني به، تقصير العراقيين بحق أنفسهم على مدى التأريخ، فيما يتعلق ببناء دولتهم المدنية، وإن كانت هناك حجج تأريخية تتعلق بالظروف السياسية التي فُرضَت على الدولة العراقية، خاصة بعد تأسيسها حديثا في عام 1921، لذا لابد لساسة الحاضر أن يستوعبوا التجارب المرّة التي أثقلت كاهل العراقيين، وألقت بهم في مناطق الجهل والتخلف، وذلك لكي يتمكن هؤلاء السياسيون الجدد، من تأسيس حاضنة سياسية معاصرة، يتم من خلالها استثمار القدرات العراقية بصورة صحيحة لبناء الدولة العراقية المدنية الحديثة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/تموز/2012 - 19/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م