البحث عن تيار جديد؟

محمد سيف الدولة

بعد انتخابات الرئاسة، تداعى عدد من الشخصيات والاحزاب السياسية لتشكيل تيار جديد يعبر عن ملايين الناخبين الذين لم يعطوا اصواتهم لشفيق ممثلا للنظام القديم او لمرسي ممثلا للاخوان المسلمين والتيار الإسلامي.

منطلقين من ان لكل من الدولة والاخوان تنظيماتهم القوية، وان الصراعات التي دارت في المجتمع منذ الثورة اثبتت بما لا يدع للشك ان التنظيم القوي اصبح ضرورة، وان العمل الفردي لا يجدي، وان المجموعات المتفرقة المتشرذمة لا تجدي، وان الاحزاب متوسطة الحجم والانتشار والقوة لا تجدي، وانه على من يريد ان يشارك في حكم مصر وتوجيه بوصلتها، ان يمتلك هو الاخر تنظيما كبيرا متماسكا ومنتشرا لا يقل قوة عن تنظيم الاخوان المسلمين والا سيظل في الهامش يكتفي بدور الكومبارس واستجداء التمثيل والمشاركة من الاغلبية.

ومنهم قطاع يطرح بوضوح ان الاولوية الآن هي توحيد جميع خصوم الاخوان المسلمين والعسكر في تيار واحد وربما حزب واحد تحت قيادة واحدة تستطيع ان تدير الصراع وان تحقق انتصارات وان تحصل على انصبة مناسبة وان تقطع وتضرب هذا الاحتكار الاسلامي العسكري للسلطة والنفوذ.

***

وفي هذا الاتجاه سمعنا عن محاولات متعددة مثل التيار الثالث او حزب مصر القوية أو حزب الدستور، وكلها دعوات شاركت فيها شخصيات محل احترام وتقدير.

ولم تكن هذه هي المرة الاولى التي نسمع فيها عن مثل هذا الاستقطاب داخل القوى السياسية، فمنذ قيام الثورة، قام الاعلام، للأسف الشديد، بتقسيم القوى السياسية الى تيارين رئيسين هما التيار الاسلامي والتيار الليبرالي، متجاهلا باقي قضايا المجتمع وباقي تياراته ! وهو الانقسام الذي بدأ مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية ولا يزال مستمرا ومحتقنا حتى الآن.

ولقد انطلق كثير من الداعين الى التيار الجديد من ان فشل التيار الليبرالي و حلفاءه في المرحلة الماضية في الحصول على تمثيل مقبول ومشرف في المؤسسات المنتخبة، هو الدافع الرئيس وراء الدعوة الى تأسيس هذا التيار الثالث.

***

ولا شك ان الدعوة الى بناء وتأسيس تيارات سياسية جديدة هي دعوة مشروعة و طبيعية وايجابية ومطلوبة، في اطار المحاولات الدائمة للقوى الحية في المجتمع للمراجعة والتصحيح والتطوير، ولا يجب ان تثير غضب او عداء او خوف التيارات الاخرى، فهي تكمل بعضها بعضا ويضفي خلافها ثراء على الحياة السياسية، طالما استهدفت الصالح العام والتزمت بالثوابت الوطنية والثورية:

ولكن لكي ينجح أي تيار جديد، ولا يقع في ذات الاخطاء التي وقعت فيها المحاولات الاولى، ولكي يمثل وجوده اضافة حقيقية للحياة السياسية المصرية، فاتصور انه يجب ان يحرص على المنطلقات الاتية:

• أن يطور دعوته من كونه مجرد ردة فعل للتيار الاسلامي يضم خصومه و يستمد شرعية وجوده من العداء له، الى تيار سياسي يعبر عن الجميع و يمتلك رؤية علمية شاملة لمستقبل مصر بكل تنوعاتها واطيافها، رؤية قادرة على استيعاب الانصار من كافة التيارات بما فيها التيار الاسلامي ذاته. وبتعبير آخر ألا يطرح نفسه بصفته النقيض للتيار الاسلامي، وانما عليه ان يكون نقيضا وبديلا ثوريا لنظام مبارك التابع الطبقي المستبد.

• ألا يقع في ذات الخطأ الذي يتهم به البعض التيار الاسلامي فيكون تيارا اقصائيا، يستهدف عزل أو اقصاء التيار الاسلامي أو غير الاسلامي، فكل محاولات اقصاء احد تيارات الامة الرئيسية قد بائت بالفشل على امتداد التاريخ.

• ان يكون مدركا للخصوصية الحضارية العربية الاسلامية لمصر والوطن العربي التي تتفاعل مع باقي المكونات الحضارية للامة.

• ان يستقل عن كل الجهات و الاطراف والقوى والطبقات والاحزاب المحسوبة على نظام مبارك بكافة توجهاته السياسية والطبقية والاقتصادية.

• ان يكون بالضرورة تيار وطنيا رافضا للتبعية الامريكية وللمشروع الصهيوني ولمعاهدات كامب ديفيد، ومناضلا من أجل التحرر والاستقلال، فكل من يصمت عن هذه القضايا او يتجاهلها يولد ميتا مهما اثار حوله في البداية من ضجيج وضوضاء.

• ان يكون تيارا منحازا الى غالبية الشعب المصري في مواجهة الطبقة الرأسمالية المستغلة التي تمتلك ما يقرب من نصف ثروة البلاد ولا تزال تنهب المزيد منها، كما انها جزءا لا يتجزأ من نظام مبارك وحليفة وصديقة ووكيلة للولايات المتحدة وحلفاءها.

• ان يستبدل فكرة الرمز والزعيم و القائد الأوحد التي اسقطتها الثورة وعانت منها الشعوب وافسدت الحياة السياسية.. أن يستبدلها بوضوح المنهج و الرؤية و البرنامج السياسي والعمل المؤسسي الجماعي.

• ان يمتلك منظومة قيم وطنية وعقائدية واخلاقية قادرة على الهام واعداد وتربية تلك النوعية من الكوادر التي تعمل لوجه الله والوطن، وتتميز بالعطاء والتضحية وانكار الذات والصبر والمثابرة وطول النفس في العمل وسط الجماهير بعيدا عن الاضواء، لا تستهدف مغانم ذاتية ولا تسعى لامجاد شخصية

• واخيرا وليس آخرا ان يتجنب ويحتاط في اداءه وممارساته من ان يكون أداة في ايدي اطراف داخلية او خارجية ترغب في عزل او تصفية تيار الاغلبية او حصاره او الضغط عليه، على الوجه الذي تعرضت له المعارضة الوطنية في عصر السادات او على الوجه الذي يحدث في لبنان على سبيل المثال في مواجهة حزب الله والمقاومة.

وفي ذلك فليجتهد الجميع.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/تموز/2012 - 19/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م