القاعدة من الجهاد الى تطبيق الشريعة

عودة القاعدة من المهجر

جاسم محمد

يتزايد القلق ازاء صعود الاسلام السياسي مجددا في الدول العربية في ظل الانتفاضات وربيع الثورات العربية، هذا القلق تزايد داخل المجتمعات الغربية والعربية بعد ان حصدت التيارات الاسلامية مالم تحصده الليبرالية من مقاعد داخل البرلمانات العربية.

اجمع المراقبون والمعنيون بشان القاعدة والسلفية الجهادية بان الانتفاضات العربية اضعفت تنظيم القاعدة الا ان، (جزناثان ايفانز) مسؤول جهاز ال أم أي 5 لمكافحة التجسس البريطانية يرى عكس ذلك ويعتبر مايحدث من تغيير في الانظمة العربية بيئة ملائمة للقاعدة. هذا الفهم يعكس درجة القلق وحالة الانذار التي تعيشه اوربا والغرب تجاه التيارات السلفية الجهادية والتي تحولت المواجهات معها في الشارع الاوربي، وكانت مدينة بون الالمانية قد شهدت خلال شهر حزيران 2012 قيام سلفيون بالاشتباك مع الشرطة وهذا ما يؤيد مخاوف اوربا والغرب من تناسل السلفية على اراضيها.

وضمن هذا السياق، كانت وزارة الداخلية الألمانية قد اعلنت في قرارها الصادر في حزيران 2012 بحظر جمعية "ملة إبراهيم" السلفية وغيرها من الجماعات السلفية، بعد ان بدأت تتناسل على اراضيها. وقد عثرت الشرطة الالمانية على ادلة تورط السلفية في اعمال عنف وارهاب وتجنيد عدد من الالمان، حيث اعلن (بيير فوغل) ملاكم الماني سابق اعتناقه الاسلام واعلانه في نيسان عام 2011 في مدينة فرانكفورت إشهار "اعتناق " 17 ألمانيا للإسلام.

وبعد مراجعة اصدارات القاعدة الرئيسية ومنها مجلة صدى الملاحم واصدار طلائع خراسان ذي العدد التاسع عشر، وجدت رأي (ايفانز) يتفق تماما مع نهج تنظيم القاعدة، التي تدعي فيها بانها كانت وماتزال موجودة داخل الانتفاضات وتضيف بانه ليس بالنهج الجديد بل يتماشى مع تعليمات بن لادن قبل مقتله. فالقاعدة تغير خطابها من الجهاد الى الخيار السلمي الواقعي طالما ان فقه القاعدة وايدلوجيتها تعتمد الخيارين: اي الخيار الجهادي والخيار السلمي في التغيير وفقا لما كتبه عطية الله في اصدار طلائع خراسان ذات العدد.

لكن منظري القاعدة يؤكدون بانهم كانوا ومازالو موجودون في الانتفاضات العربية واستخدمت العنف داخل تلك الانتفاضات و يقول عطية الله قائلا:" الم تكن هنالك عملية حرق للمباني، الم تكن هنالك عمليات حرق الى مراكز الامن وقتل رجال الشرطة "؟ وغيرها من وسائل العنف ليجزم بان الانتفاضات العربية لم تكن سلمية بالكامل ولم تكن القاعدة بالبعيدة عنها.

القاعدة لا تؤمن في المنهج الديمقراطي ولا بالحكومات المدنية التي تتعارض مع ارساء الدولة الاسلامية الافتراضية، لكنها خلال الانتفاضات اصبحت تبارك لها وتشترك في " التغيير السلمي " من خلال الخلايا والمجموعات والرسائل التي اصدرها الظواهري، فبدأت تتقبل فكرة التغيير السلمي الديمقراطي في البلدان العربية التي شهدت او تشهد التغير، وهي تعتقد ان التغيير نحو الانظمة الديمقراطية افضل من ابقاء الانظمة الدكتاتورية، فالانظمة الجديد وضمن مساحة الحرية المتوقع ان تمنحها، يتمكن الافراد من ممارسة نشاطاتهم السياسية والعقائدية اكثر مما كانت عليه في الأنظمة الدكتاتورية، وهذا يعطي التنظيم فرصة للتمدد في المجتمعات العربية بعيدا عن الجهاد والكفير.

هذا الراي وهذا النمط من التفكير الموجود داخل تنظيم القاعدة يجعل المراقب التوقف عند محطات الانتفاضات العربية ومراجعة اعتقاد: " ان ربيع الثورات العربية سرقت الاضواء من القاعدة ".

هذا النمط من السياسات تعتبره القاعدة تكتيكا مرحليا و واقعيا، وهو مايتعارض مع ايدلوجية القاعدة الذي يقوم على الجهاد والتكفير. وان صح ذلك فممكن تصنيفه ضمن التغيير الناعم لتنظيم القاعدة في الدول العربية وتمددها عبر الحدود. هذا النمط يجعل من الانظمة العربية التي شهدت التغيير، تعيش على سطح صفيح ساخن مع احتمالية الانفجار في المستقبل المتوسط اي بعد ان تتمكن القاعدة من اعادة تنظيم نفسها داخل حواضنها الجديدة.

القاعدة بدون شك شهدت ضربات عنيفة في العراق وافغانستان والباكستان ومؤخرا في اليمن بسبب ماتتبعه من سياسات جهادية وتكفيرية ومواجهات مباشرة مع السلطة المركزية، لكنها الان تتبع سياسة التغيير الناعم والتمدد داخل الدول التي شهدت الانتفاضات العربية وكانها عودة الى مسقط الراس بعد رحلة اغتراب. لذا فهي الان تطرح نفسها بحامية الشريعة ومدافعة عن القيم الاسلامية اكثر من محاربتها اميركا والغرب !

ويبدو ان عولمة الجهاد الاميركي والجهاد ضد ما اسمتهم "بالصليبيين " بدأت تضمحل وهذا مايتعارض مع رسائل وفلسفة زعيم القاعد السابق ابن لادن الذي كان يطلب من التنظيم وفروعه تقليل عملياته ضد الانظمة العربية وبقية الطوائف والتوجه الى الخصم المركزي الحقيقي اميركا. هذا النهج ممكن اعتباره تحول في فلسفة القاعدة وايدلوجيتها رغم ان منظري القاعدة ومنهم الليبي والظواهري لا يعتبروه خروجا عن فقه القاعدة وتعاليمها من خلال مراسلاتهم السرية.

السلفية الجهادية ومشايخها تدعم القاعدة بدون شك. فكل قاعدي هو سلفي ولكن ليس كل سلفي هو قاعدي، السلفية احيانا تتحفظ على استخدام العنف واراقة الدم في بعض المواقع ولها مع الزرقاوي اختلافات فقهية ومنها مع شيخه ابو محمد المقدسي الذي كان ينتقد فيها اسلوب وسياسات التوحيد والجهاد في العراق والطلب منه ان يتقي الله في دماء المسلمين. وهذا مايدعم فكرة انحراف التنظيمات المحلية والاقليمية عن مركز التنظيم.

و رسائل بن لادن الاخيرة التي كشفت عنها السي اي اية في الذكرى الاولى لمقتل اسامة بن لادن في شهر مايس 2012، تقول بان التنظيمات المحلية التي تعمل ضمن مظلة القاعدة كانت اكثر دموية ويراها البعض بانها خروج ضمني عن تنظيم القاعدة وهذا ما نجده في نهج الجهاد والتوحيد في العراق و "دولة العراق الاسلامية " وانصار الشريعة في اليمن وشمال المغرب العربي.

لقد اعتمدت أدبيات جماعة الاخوان المسلمين مبكراً اسم "أنصار الشريعة " في دعوتهم - والان تنظيم القاعدة بدا يستخدم تسمية الشريعة اكثر من القاعدة وهو تغير في اسلوب واستراتيجية تنظيم القاعدة مستفيدة من تجربة التنظيم في العراق الذي واجه الرفض من قبل حواضنه بالاضافة الى ماشهده التنظيم من ضربات قوية على يد القوات الاميركية والعراقية.

هذا مايمكن اعتباره تضارب في ايدلوجية القاعدة ان لم يكن تغييرا في سياستها. وهذا الاختلاف والتضارب كان موجودا اصلا داخل التنظيم من خلال اختلاف انور العولقي الذي يبارك الثورات العربية ويعتبرها بيئة ملائمة لتمدد القاعدة كان يرفضها منظر القاعدة الليبي ويعتقد ان الثورات العربية تسرق الاضواء من القاعدة بسبب انبهار الشعوب العربية بتلك الانتفاضات والثورات الربيعية.

فالقاعدة تظهر نفسها بانها حريصة على الثورات العربية وتباركها من الداخل وتدعمها من خلال رسائل الظواهري ومواقعها الاعلامية محاولة منها الى ايجاد توازن ستراتيجي وعدم التصادم مع الثورات الشعبية والعمل على تطبيق الشريعة الاسلامية اكثر من العمل الجهادي وان لاتكون على النقيض معها. وقد يكون ماجاء من فتاوي ابو محمد المقدسي احد مشايخ السلفية وشيخ الزرقاوي، تدعم مشاركة انخراط مقاتلي القاعدة والافراد في الانتفاضات الشعبية في سوريا من اجل التغيير وكانه اجتهاد في أيدلوجية القاعدة التي بدأت تميل الى التغيير السلمي للانظمة العربية ـ ان توفر بديلا عن الجهاد ـ التي ترتكز عليه تنظيم القاعدة. اما الشيخ الطحاوي احد مشايخ السلفية في الاردن فهو يفتي بعدم استخدام العنف والجهاد داخل الاردن ودول اخرى لكنه يحلله في الدول التي تخضع تحت الاحتلال الاميركي ومنها افغانستان والعراق سابقا وكذلك لنا بعدد من مشايخ السعودية التي تطلق فتاوى الجهاد والتكفير في العراق واليمن وتحاربها على اراضيها.

وقد اوضح (دومينيك توماس) المتخصص في الحركات الاسلامية في معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعي قائلا: "انهم يطرحون انفسهم مدافعين عن 'القيم الحقيقية' للاسلام ولم يعودوا يتحدثون عن الجهاد وانما عن الشريعة، ودمجوا كل القدرات التي يمكنهم استخلاصها من الربيع العربي." ويرى دومينيك بانهم لم يشجعوا العنف على اراضيهم مثل مصر وتونس وليبيا بل يدعون الى نشر الدعوة وتنصيب انفسهم حراسا على القيم الاسلامية.

وكأن تنظيم القاعدة يمر الان في مرحلة تصحيحية بعد مقتل اسامة بن لادن ونحن هنا ليس في موضع درجة قوة التنظيم او ضعفه عسكريا وميدانيا ولكن في دراسة مسار التنظيم الايدلوجي والتحول من خصم للولايات المتحدة وعولمة الاهداف الى داعي لنشر الشريعة، هذا النهج يثير سؤالا يتعارض اصلا مع ايدلوجية القاعدة وهو هل تريد القاعدة من نشر الدعوة في تلك الدول الوصول او المشاركة في الحكم عبر الوسائل الديمقراطية ! وهو ماترفضه مرجعيات السلفية الجهادية كاملا ومن ابرز ها هادي الجحوري والوداعي في اليمن.

السلفية وفق تعريف موسوعة المعرفة بانها " نهج اسلامي يدعو الى فهم الكتاب والسنة وسلف الامة". وفي جانب السلفية المعاصر يستهدف ايضا اصلاح انظمة الحكم والمجتمع وفق نظام شرعي وتعتقد السلفية بوجوب أفراد الله بالحكم والتشريع وهو مايعرف حديثا بالاسلام السياسي لتطبيق احكام الشريعة، اما "الجهاد " فقد يتعين على اهل مكان معين او زمن معين.

هذا الفهم لم نجده سابقا قبل مقتل ابن لادن وكأن ابن لادن جير السلفية لصالحه بعد ان نصب نفسه اميرا للمسلمين وهو مخالفة بحد ذاتها للمنهج السلفي ويعتبر خروجا عنه لما ينقصه من فقه الشريعة والاجتهاد في احكام الاسلام والمسلمين. ان تنظيم القاعدة بدا يغير مساره ويتجه اكثر الى تطبيق الشريعة والعودة الى مشايخ السلفية اكثر من تنظيم القاعدة الذي جوبه بالرفض من قبل المجتمعات العربية والاسلامية والمطاردة من قبل اميركا والغرب. وكانها تعيش مرحلة مهادنة داخل تلك المجتمعات بعيدا عن الجهاد لتعيد نفسها من جديد لمرحلة اكثر تنظيما بعد ان عاشت عقودا من الشتات والانشطار والتشقق.

القاعدة تعود من المهجر الى مسقط راسها ـ الدول العربية ـ بعد ان اختفت الضغوطات والسياسات القمعية التي دفعتها للقتال خارج دولها. فبالتأكيد منهجها على أراضيها سيكون اقل دمويا من ساحات قتال المهجر والغزوات.

لكن رغم ذلك فانه لايخفف مخاوف وقلق اوربا من عودة هؤلاء المقاتلين الى الغرب ليكونوا اكثر تدريبا وتمرسا في القتال كما حصل في تجربة العراق بعودة مقاتلي القاعدة الى معاقلهم وهم اكثر تمرسا وتدريبا على القتال.

* كاتب في قضايا الارهاب والاستخبار

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/تموز/2012 - 19/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م