جيوب بوليتيك... سيكولوجية الحرامي المعذور

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لوزير الخارجية التركية (احمد داود اوغلو) كتاب شهير اصبح دستورا لعمل حكومة اردوغان، الكتاب حمل عنوان (العمق الاستراتيجي. موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية).

المحتوى والفحوى الرئيسي للكتاب هو دور تركيا الغائب عن المسرح وكيفية اعادته الى سابق عهده، خاصة وان تركيا ترى نفسها معنية بالكثير من الملفات الموجودة في الجوار الجغرافي، وهي ايضا باحثة عن دور في المنطقة امام الدور الايراني والدور السعودي والقطري.

وهو دور ترى تركيا انها معنية به اكثر من غيرها بسبب المياه او بسبب العمق الجغرافي الذي يتوزع على قارتين (اسيا – اوروبا)، او بسبب المسالة الطائفية الآخذة بالتنامي والتصاعد، على اعتبار ان الجوار الجغرافي لتركيا هو بمثابة الحديقة الخلفية لها.

المهم، هذا الكلام ليس موضوعنا، بل الغرض الرئيسي منه هو العنوان، وتحديدا كلمة (العمق الاستراتيجي) والتي هي ما اصطلح عليه في الدراسات السياسية ب (الجيوبوليتيكا) ومعناها:

محاولة تفسير تطورات السياسة العالمية من منظور المساحة الجغرافية. وبناء على هذه النظرية، فإن (الحيّز الجغرافي للعالم محدود، وتتقاتل جميع الدول فيما بينها للحصول على ما يكفيها للبقاء).

وتحاول الجيوبوليتيكا تفسير العلاقة بين الجغرافيا والسياسة الخارجية، وكان أول من استخدمه في الماضي المفكر السويدي رودولف كجلين مطلع القرن الميلادي الماضي وعرّفه بأنّه (البيئة الطبيعية للدولة والسلوك السياسي).

وهذه الكلمة ليست الوحيدة في القاموس السياسي لعالمنا الذي نعيش فيه ونتأثر باحداثه، بل هناك الكثير من الكلمات والمصطلحات والمفاهيم التي يختلف معناها من دولة الى اخرى، ومن بيئة سياسية معينة الى بيئة اخرى مغايرة... فهناك الاستراتيجية، وهناك القوة الناعمة، وهناك التكتيك، والدياليكتيك، و، و، غيرها الكثير والوفير من مصطلحات وكلمات قديمة او جديدة تتناسب مع الحالة التي تصفها.

هناك كلمات سقطت من التداول بحكم فقدان المناسبة لها، او انها انتهت بانتهاء فترة وجودها وزمنه مثل الحرب الباردة ايام عز الاتحاد السوفياتي وازدهاره، او التمييز العنصري في جنوب افريقيا.

وعودة الى الموسوعة السياسية لعبد الوهاب الكيالي سترى الكثير من المصطلحات التي غادرت باحة اللغة السياسية واصبحت خارج مجال التداول، واي موسوعة احدث منها في الصدور ستجد فيها كلمات لم تكن موجود سابقا في تلك الموسوعة.

من حق اي انسان ان ينحت كلمة جديدة او مصطلحا لم يكن معروفا، وهي احقية تمنحها اللغة له بحكم القدرة على الابدال او التغيير في الحروف، وهي احقية ايضا في ابتكار المعاني التي تتطلبها حركة الانسان في الحياة.

وقد سمعنا من ذلك كثيرا منذ سنوات، مثل (محور الشر) الذي صكّته امريكا في مطلع الالفية الثالثة، او (الربيع العربي) في وصف ما تمر به بعض البلدان العربية، والذي اصبح (الخريف الاصولي) بعد التغيير في بعض تلك البلدان، او على مستوى الشارع بلغته الشعبوية من خلال الشعارات التي يرفعها المتظاهرون من تسميات على كل جمعة من جمع التظاهرات، مثال ذلك: (مرفوع مؤقتا من الخدمة)، (في حب مصر المدنية)، (إحنا آسفين يا ريس)، (ثورة غضب أبناء مبارك)، (جمعة القصاص)، (لن نركع إلا لله)، (جمعة الغضب الثانية)، (صورة. صورة. صورة. كلنا كده عاوزين صورة... صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة).

وقد جمع الكاتب المصري ياسر حماية عددا من الكلمات التي سبقت تجمعات ساحة التحرير واثناءها وبعدها، في كتاب اسماه (قاموس روش طحن) وهو قاموس لذيذ وممتع ففيه الكثير من الكلمات التي يتداولها الشباب فيما بينهم ولا يفهمها الكثيرون... مثل: انساني وخد عنواني، بلاش شغل حلمبوحة والنهايات المفتوحة، برطعة، خصخيصة، خيشة.

قبل سنوات طويلة نحت الباحث العربي المعروف الدكتور مصطفى حجازي، مصطلحا نفسيا جديدا واصبح كتابه الذي حمل عنوان (سايكولوجية الانسان المقهور) مرجعا سايكولوجيا واجتماعيا مهما لدى الباحثين والدارسين للانسان العربي.

في العراق ايضا ظهرت مثل تلك الكلمات والمصطلحات في جميع اوجه النشاط البشري، من سياسة واجتماع وثقافة وسياسة، وهناك من يغالي في استعمال بعض المصطلحات بعد تحريفها مما اكسبها تسمية جديدة وهي التحشيشات نسبة الى مخدر الحشيشة وما يفعله بمتعاطيه.

من حقي انا ايضا، مثلما من حق الدكتور مصطفى حجازي، أومن حق ساسة العراق الديمقراطي الجديد، ان انحت عددا من المصطلحات الجديدة واقوم بتعريفها والترويج لها.

وقد ابتكرت هذا المصطلح الذي عنونت به المقال، وهو (جيوب.. بوليتيك) واعني به: الحيّز الحسابي والمالي للعراق غير محدود. وتتقاتل جميع الكتل والاحزاب والشخصيات فيما بينها للحصول على ما يكفيها للبقاء والصمود والصعود والارتقاء او الهروب.

وهو فيه الكثير من مصطلح الجيوبوليتيكا الاصلي... وايضا مصطلح النائب المثبور: وتعني في اصطلاحنا القاموسي: حجم التنازع الذي يتعرض له النائب العراقي بين اوامر حزبه او كتلته وبين الذين اوصلوه الى ما هو عليه وبين ابناء عشيرته الاقربون والأبعدون وبين زوجته وام عياله.

وهي ثبيرة كبيرة ليس لها الا طريقان، اما البقاء على ولائه لحزبه او كتلته طمعا بامتيازات المنصب لدورات قادمة، او حمل نائب مستقل ومغادرة مقعده البرلماني في دورات لاحقة وفتح النار عليه من جميع الجهات.

الضمير المهدور: والضمير هو الوازع والكابح الذي يلجم الانسان عن الكثير من الخطايا في حياته، ويقف سدا منيعا بوجه (الازّ) وهو وسواس الشياطين، التي تأزّ الانسان أزّا، كما في المعنى القراني. او هو (النفس اللوّامة) لكن بعد ارتكاب الخطأ والخطيئة، ومنها يتوجه طلب التوبة الى الله عما اقترفته الجوارح بحق الاخرين.

والمهدور، من الهدر، وهو التبذير والضياع، ضياع ما يملكه الانسان من يديه نتيجة لاقترافه الاخطاء او الاهمال او التسرع او الطمع او الجشع، وهو ما نلاحظه بكثرة في مجتمعنا هذه السنوات، فقد اهدر معظم الناس ضمائرهم تحت ضغط رزم الاخضر النبيل، ايمانا منهم بان الله طالما يحمي امريكا فهو سيحميهم.

اعود الى مصطلح جيوب.. بوليتيك، وعمق معناه ووجوده في حياتنا السياسية العراقية، حيث نشرت الصحف الامريكية تقريرا مسربا من السفارة الامريكية في العراق تضمن ارقاما فلكية لثروات واصول وعقارات واسهم شركات وحصص للكتل السياسية، وقد بلغ مجموع تلك المبالغ 700 مليار دولار. توزعت على الشكل التالي:

رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي 24 مليار دولار، وهو الذي طالما دعا لمحاسبة الحكومة العراقية على فسادها، ويقف معه من حيث ثروة الأحزاب والكتل السياسية، التحالف الكردستاني، بـ 300 مليار دولار تهيمن 5 شخصيات منه على ثلثي مجموعها، بينما تبلغ ثروة 25 شخصية من القائمة العراقية قرابة 180 مليار دولار. وفي الضفة الأخرى من المشهد السياسي العراقي، يهيمن 24 عضواً في ائتلاف دولة القانون على قرابة 210 مليارات دولار..

وكما قلنا في تعريفنا للجيوب.. بوليتيك: الحيّز الحسابي والمالي للعراق غير محدود، وتتقاتل جميع الكتل والاحزاب والشخصيات فيما بينها للحصول على ما يكفيها للبقاء والصمود والصعود والارتقاء أو الهروب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/تموز/2012 - 17/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م