مطلب الانسانية الوحيد المصلح الاكبر والمنقذ الاوحد

هلال آل فخرالدين

ترنو كل البشرية بمختلف اممها وشعوبها وتنوع حياتها وسبل انظمتها ومقدار تقدمها وتأخرها او غناها وفقرها، لافرق بين غربيها وشرقيها ومتمدنها ومتخلفها وعالمها وجاهلها ضعيفها وقويها محرومها ومستكبرها وكلا حسب حاجاته ومتطلباتها وافكاره واحلامه ونوازعه تتطلع بلهفة بالغة الى طلعت المصلح الاكبر والمخلص لخلاصها مما تقاسيه من معاناة وطأة الحياة وقساوة الظروف وغياب القيم وانعدام الانسانية بأبعادها المختلفة رغم التقدم العلمي الهائل وثورات الاتصالات وتقنيات المعرفة لكن الاحساس مفعما بالوحشة والغربة والاكتئاب بل وتضاعف صدمات الاحباط واليأس وارتفاع وتائرها بالهروب من المعقول الى اللامعقول..

وهذا لايقتصر على مملكة الانسان بل يتعداه الى كافة المخلوقات الحية الاخرى حيوانية ونباتية من المساس بطبيعتها وافساد خواصها والاسراف بإبادتها وحتى جماد كوكبنا ومحيطه وفضائه كل كذلك يأن ويستغيث مما لحق به من تلوث البيئة وتدمير الطبيعة والاسراف باستغلالها وامتلائها بالسموم والاشعاعات والنفايات... اذن الكرة الارضية ومن عليها يشكوا ويتلهف ويستصرخ المصلح للإصلاح.

فمثلا محيطنا العربي او الشرقي على ما يقبع عليه من ثروات معدنية هائلة لاستمرار شريان الحياة والتطور وما يمتلكه من خيرات كثيرة وانهار وفيرة وتضاريس مختلفة واجواء متعددة ومواقع استراتيجية حساسة ومهمه للغاية تربط الشرق بالغرب... وفوق ذلك مايملكه من رصيد رسالي وعمق حضاري وتنوع ثقافي وحشود من الكفاءات العلمية والاختصاصات الفنية والقدرات الابداعية.. ولكن مع ذلك كله يعانى من اشكاليات قاتلة مزمنة مستعصية كالنظم التسلطية البوليسية وانعدام الحرية ومنظمات المجتمع المدني وطغيان التقاليد ومذموم الاعراف ويعانى وطأة التخلف وفقدان القانون وانحسار المبادئ وانعدام النظام وشيوع الفوضى وانتشار الفساد واستشراء الجهل ويقاسى من سلة الامراض الفتاكة وتفشى ظاهرة التطرف والارهاب وفقدان الامان وانتشار البطالة وارتفاع وتائر التضخم..

حتى ان ثورات الربيع العربي الشبابية تفتقر الى الفكر والتجربة والبرنامج الحضاري لذلك التف عليها وابتلعها الاسلام السياسي السلفي التكفيري الجاز لرقاب المسلمين المدمر للتراث والحارق لإسقاط العلم والقامع للعقل والمنكل بالعلماء لأجل تحقيق مشروع (الفوضى الخلاقة).

واهم شيء فقده الشرق بانحطاطه وتقهقره وانحسار التقدم ودوره الرسالي الريادي والحضاري الإنساني حتى اصبح الشرق مطية للقوى العظمى تتقاذفه وفق اطماعها وهى خانعة مستسلمة كالعبيد..

وذا صعدنا شمالا الى اوربا تلاحظ الناس في هموم كثيرة وغموم متعددة رغم تمتعهم بمبادئ الحرية والديمقراطية والضمان الاجتماعي والصحي والتعليمي والمناخ الثقافي والتقدم التكنولوجي، الصناعي والعلمي.. والهيمنة السياسية.. والقوة الاقتصادية وامتلاك الترسانات العسكرية النووية التدميرية.... لكن يعانى من عصابات مافيا السياسة وصنع الحروب ونهب الثروات وتدمير الاقتصاد وامتصاص دخول الافراد وتنامى ظاهرة الرشاوى وفساد وإفلاس البنوك وسقوط الاسهم والسندات وخلق اجواء من الرعب سواء بالتسابق النووي وانتاج اسلحة الدمار ام بتصنيع لدفاعات تخويفية لإشغال المواطن الغربي والهائه حتى لايفكر في تعاسة واقعه.

وذا اطللت على دول في قمة التطور والقوة الباطشة والهيمنة والقطب الواحد والفائض الغذائي كأمريكا تفاجئ بجموع شعبها ترزح تحت نظام مالي خالي من قيم الاخلاق وابعاد الانسانية متضجر من الاعيب مؤسسات المال وفساد وافلاس البنوك وتراجع خدمات مؤسسات الوضع الصحي ونظامها السياسي يتداوله حزبين لا فارق بينهما غير التسمية مختبئ تحت اوهام الدفاع عن حقوق الانسان وتحقيق سبل السلام ومعاير الديمقراطية ومحاربة الارهاب والضربات التدميرية الاستباقية..

واوضح ظاهرة لأخلاقهم المادية البحتة هو اتلافهم للمحاصيل الغذائية سواء بإحراقها او رميها في المحيطات وعدم اعطائها للشعوب الفقيرة الجائعة والافواه الذابلة والبطون الضامرة في افريقيا واسيا.. انها ثقافة المصالح والمطامع بعيدا عن النظرات الانسانية.

وذا نزلت الى القارة السوداء رأيت عجبا وملئت رعبا من فضائع الجوع والفقر والامراض والجهل ومعاناة الجفاف والحروب والاوبئة وتلوث البيئة وامتهان الانسان لأخيه الانسان وبيع البشر وتفشى الفساد والرشوة والعنف فحين تعج القارة السوداء بكنوز مناجم الذهب والماس والبترول واليورانيوم وغيرها من المعادن النفيسة والغابات والمساقط المائية والانهار..

واذا اتجهت الى بلاد الغرائب والعجائب (الهند) بلد الحضارات والاديان والاعراق المتنوعة والديانات المختلفة ولكثافة السكانية المليارية فتلاحظ الجوع والعراء والامراض وفقدان خدمات الصحة والتعليم وندرة الغذاء وظهور الشعوذات والسحر وعبادة البقر والتبرك بالبعر الى جنب تطور الالكترونيات والكمبيوتر فالكل متشنج ومكفهر تثقله الهموم والآهات فلا السحر افاد ولا الاصنام اجد ت ولا التكنلوجيا انقذت..

ويمم صوب الصين التي تملئ الدنيا منتوجاتها وتشغل الناس اخبارها وطفراتها وحجم الاستثمارات فيها وارتفاع وتائر الانتاج الوطني وازدياد صادراتها من كل الاشياء والبضائع وفائض مدخولاتها من العملات الصعبة... لكن الشعب يعيش ازمة خانقة من تسلط نظام حزب قهري شمولي ورضوخ الانسان للظلم فهو اشبه بالألة وعمله كالألة فهو وان كان حيا لكنه ميت الاحياء وجل همه حصوله على لقمة عيش ويلاحظ موته بطيئا من شدة الكمد من غير شعور بالأنس او الراحة والاطمئنان....

وعلى الرغم من اتساع نطاق وكثرة اخراج كنوز الارض ودفائنها وتسابق دولي محموم في استخراج المعادن المتنوعة وتعسف استغلال ثروات المحيطات والبحار وازدياد استعمال الطرق العلمية والمكننة في الري والزراعة والتنافس العلمي باختراع وتطوير الاجهزة والوسائل الصناعية والانهماك في التنافس واختراق ابواب الابتكار والابداع.. وفرة الانتاج.. وتسخير الطبيعة.. وغزو الفضاء.. والهندسة الوراثية.. والثورة المعلوماتية.. ومنظومة الاتصالات... الخ

فهل استراح الانسان وسعد..؟

واحسن مثلا وابلغ رسالة هم هؤلاء (الشباب) الطاقات الهادرة الذين هم عماد المستقبل ورجال الغد.. جل بنظرك حتى اقصى الارض هل ترى الشباب الا متمردا متبرما يعيش حياة لاهية تعيسة لم تغن عنه ساحات الملاعب ولم تسعفه عبثيته وافراطه بتناول المخدرات ومغريات الانحلال ودواعي الفسق والفجور.. لم تسعفه من الخروج من ربقة ازمته العميقة ومحنته الكئيبة الا مزيدا من التعاسة والاحباط حتى اصبح يتحين الفرصة لارتشاف الوان الطيش والقيام بالعنف والانتقام.

ونلاحظ العالم باسره تعقد فيه سنويا الاف المؤتمرات والندوات والتجمعات لأجل رسم خرائط طريق لتحسين الاوضاع وتقليل الازمات ومحاربة العلل والامراض ويخطط فيها خبراء وعلماء لإخراج الناس من دوامات المشاكل وحلحلت مأزوم الاحوال ولكن غالبها توصياتها وقرارا حبرا على ورق او لاتخرج عن دائرة اقوال لاتتجاوز قلق.. شكوك.. ادانة.. واستنكار وكيل بمكيالين.. ولذلك فالمجرم يزداد اجراما والضحايا تدفن مع ملفاتها وعلى هذا المنوال يخيم كابوس الظلم ودائما يستشرى الخوف من المجهول...

وكذلك حقيقة الاحلاف والمعاهدات لاتخرج عن دائرة استغلال تكتل ضد الاخر او لتحقيق مآرب على حساب الاخر.

اذن تبقى مشكلة الانسان متجذرة في الاعماق ومعشعشة في الجوانح ومغروزة في الصميم... وما سر معضلة الانسانية المصفدة المحطمة تزداد آسى وتتعمق غورا حتى اصبحت عصية على الحل او التلحلح ويوما بعد يوما يشتد ظلامها وتكثر آفاتها تعم بلواها وتتكالب كوارثها وتتعاظم فضائعها ويتعمق ظلمها ومأسي حروبها ويتسع فساد اسرافها حتى بلغ الاحباط واليأس لدى الامم والشعوب كافة بان لا بصيص من نور الاصلاح واحقاق الحق ونشر العدالة واحياء قيم السلام وافاق التسامح والتراحم والاخوة الانسانية..

فالانسانية اصبحت في زمن كنود وتوحش وظلم واجرام لاترى فيه غير شرعنة الاستبداد والرعب.. ولاتسمع الا هدير المدافع وحمم القذائف.. ولاتحس الا بالجوع والدمار.. ولاتلمس الا الاضطهاد والظلم... وكلما لاح بصيص امل انقلب الى ماهو اسوء وافدح.. فلا يرى لها فرجة فالانسانية معذبة اين ماذهبت وفي أي مكان حلت فيه فهي مطاردة مجروحة نازفة محطمة تحس عميقا بالخيبة وسوء التوزيع والقهر..

وانظر الى سياسات الدول حيث يعيش الناس ظروفا قاهرة تناحر لحيازة المكاسب وصراعات للاستحواذ على المنابع وحروب مفتعلة وازمات اقتصادية خانقة وثلة متنعمة مترفهة على اشلاء الضحايا وسيول الدماء.

قال المصطفي (ص): (لاتقوم الدنيا الا على شرار الخلق !!).

دع عنك كل ما اسلفناه واجل نظرك لأوضاع العالم الطبيعية وليت منها فرارا ولملئت رعبا من سلاسل متلاحقة لكوارث طبيعية هائلة وزلازل مدمرة وتغيرات مناخية قاصفة وفيضانات مخربة واعاصير عاصفة.... الطبيعة افسدت وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس.. تنشد تخليصها من النفايات والسموم والقاذورات والفناء.

حيث ينطبق على كوكبنا وعماره قول حكيم الشعراء:

كل من تلقاه يشكوا همه... ليت شعرى هذه الدنيا لمن

وهنا تساؤلات ملحة تطرح نفسها :

لماذا يسير العالم المتمدن نحو الهاوية..؟

ولماذا يتفنن العالم المتحضر بابتكار وسائل الابادة والدمار الشامل؟

ولماذا يستغرق العالم في الفوضى والفساد والرعب وكوارث التغيرات المناخية؟

ولماذا التعصب والتطرف والارهاب والتوحش في زمن العصرنة؟

ولماذا الهوة الشاسعة بين الجياع والمتخمين في عالم العولمة؟

ولماذا يزداد الخوف والرعب لدى البشرية زمن الحداثة والديمقراطية وحقوق الانسان؟

ولماذا الكيل بمكيالين في اروقة الامم المتحدة والمنظمات الدولية الانسانية؟

ولماذا تتفاقم الكوارث وتشتد الازمات يوما بعد يوم في عالم التقنية وغزو الفضاء؟

ولماذا اصبح الامن والامان مفقود لدى الامم والشعوب رغم تطور اجهزة المراقبة؟

 ولماذا ولماذا والف لماذا..؟

حتى جسد الشاعر واقع حال البشرية (مآسي) و(كوارث):

ما ابقت الاحداث فيها ذبالة ولاقيثارة تترنم

فوالله لقد ملئت ظلما وجورا بما يرتكبه الطغاة من شنائع لاتعد ولاتحصى

واخيرا تبقى البشرية كلها بأطيافها المختلفة وثقافاتها المتعددة ودياناتها المتنوعة وقاراتها المتعددة واقاليمها المختلفة.. شاخصة ابصرها مشرئبة اعناقها متلهفتا قلوبها متطلعة نفوسها بانتظار الاصلاح لتحقيق العدالة والحياة الحرة الكريمة والاواصر الانسانية والتكامل الأخلاقي واظهار قيم السماء..

وكلها مفعمة بالأمل وروح الترقب ترنوا انتظار (المصلح العالمي )، (المنقذ الأممي)، (المهدي المنتظر)(عج).

hilal.fakhreddin@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/تموز/2012 - 16/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م