في مواكب السير نحو الأمن والسلام..

محمد علي جواد تقي

هنالك سؤال يدور في ذهني منذ زمن بعيد، حائر دون جواب حتى الحين.. لماذا تفقد بلادنا الاسلامية الامن والاستقرار بمجرد انتقالها من النظام الديكتاتوري الى النظام الديمقراطي، ومن النظام الشمولي الى التعددي، حيث الحريات السياسية والدينية..؟

 نظرة خاطفة نلقيها على الخارطة، نلاحظ المفارقة العجيبة حقاً، فمن افغانستان ومروراً بالعراق والصومال في السنوات الماضية، وفي الوقت الحاضر نلاحظ معالم الفوضى هنا وهناك في ليبيا ومصر وتونس، فهل إن الحكومات الديكتاتورية هي التي تتقن صنع الحياة والأمان للناس، فيما المطالبون بالحرية والعدالة والقيم والمبادئ، أناس لا يعيشون إلا في الفوضى والاضطرابات...؟!

بما ان الانسان في طبعه (عجولاً)، كما يكشف القرآن الكريم، ولا يرى اكثر من المنجز على الارض امامه، فان الحكّام دائماً يستغلون هذه الثغرة ويحرصون على توفير الامن والاستقرار له في عمله ومسكنه، ويوفرون له القدر الكافي من احتياجاته وقدرته الشرائية، لكن كل ذلك مشتق من الامن والاستقرار في قمة الهرم المقلوب للسلطة، فهو آمن ويعيش في بحبوحة العيش، ما بقيت السلطة الحاكمة آمنة، بما عليها من مساوئ الديكتاتورية وجرائم و مظالم.

لكن عندما يتحقق التغيير في النظام السياسي، ويواكبه تغييراً في المنظومة الثقافية والفكرية، فان تلك المعادلة يجب ان تكون من الماضي، لأن الأصل في الحياة هي القيم والمبادئ التي لا يختلف عليها أحد، وفي مسيرة الشعوب الناهضة نحو التحرر والتغيير، نجد لتلك القيم والمبادئ، المصاديق على ارض الواقع، ومثالنا اليوم، العراق.. فقد أثبت اكثر من مرة امام العالم، انه الأقدر على استبدال الامن المشتق من الديكتاتورية، بالامن المنبعث من صميم ايمانه بقيمه ومبادئه.

 فالتعاليم الدينية والمفاهيم الاخلاقية من التعاون والتسامح والاحسان والتكافل الاجتماعي وغيرها كثير، هي التي تحقق الامن والاستقرار للمجتمع وللدولة بشكل عام، مستلهماً ذلك من القدوات الكبيرة والسامية التي قدمت النموذج الحيّ للتاريخ والاجيال، متمثلة بالرسول الاكرم والأئمة المعصومين من بعده صلوات الله عليهم، ولعل هذا ما يفسر سبب توجه الحشود المليونية في الزيارات المندوبة الى المراقد المطهرة في العراق، بل ان هذا ما نشاهده ايضاً في غير بلد اسلامي يتشرّف بوجود أثر لأهل البيت عليهم السلام.

هذا من الناحية النظرية، ومن حيث المبدأ، أمرٌ لا غبار عليه، بل محبب الى النفوس.. لكن ما الفائدة اذا كنا غير جديرين بالتصدّي بحزم وصلابة وايمان راسخ للمحاولات الرامية لجعل العراقيين لا يهنأون بايمانهم، إنما يسيرون بين فترة واخرى في برك الدماء، ويشهدون يومياً زيادة اعداد الايتام والارامل..؟

وربما لا يخفى على بعض المعنيين بالامن العراقي، هوية الأيادي التي تدفع الاموال لإراقة المزيد من الدم العراقي، لكن ينطبق عليهم المثل الشائع: (العين بصيرة واليد قصيرة)!! نعم؛ انهم يعجزون عن تحقيق الامن الكامل على ربوع العراق، لكنهم (شطّار) في خوض الحرب الكلامية وعرض العضلات بنشر الغسيل الوسخ لهذا وذاك، وهذا ما يفسح المجال – ربما بشكل غير مقصود- لتلك الأيادي السوداء بأن تنفذ هدفها القديم في العراق، وهو الإيهام للعالم بأن اتباع اهل بيت رسول الله صلوات الله عليهم، ليسوا جديرين بتحقيق الامن والاستقرار في بلد مثل العراق، وإذن؛ في حين ثبت لكل منصف وانسان عادل في بحثه وتحليله، أن في العراق ما هو جدير بأن يوفر الامن والاستقرار، ليس للعراق بل ويصدره ويعلّمه للعالم.. فقد عرف المنصفون في العالم وفي العراق ايضاً، ان عدل الامام علي وتضحية ولده الامام الحسين عليهما السلام، هما اللذان أضاءا مع كثير من المفاهيم والمبادئ السامية، طريق الحرية والفضيلة والتقدم للشعوب والانسانية.

وبعد كل ذلك نسأل: ألا يستحق هذا الشعب المؤمن والصامد أن ينعم بالأمن والاستقرار بعد كل التضحيات الجسام التي قدمها في نضاله ضد نظام الطاغية البائد..؟ فاذا كان الجواب بـ (نعم) من المسؤولين في بغداد، عليهم قبل كل شيء الخروج من خلف الحواجز الكونكريتية والنزول الى الشارع والاصطفاف مع الجماهير، وأجزم ان أي مسؤول، بهذه الخطوة لن يشعر بأي خطر على حياته وسط أهله وابناء شعبه، فهم من سيتولى حمايته والدفاع عنه، إن كانت ثمة مخاطر على حياته. ويا ليت يكون هذا النزول في الزيارات المليونية حيث يزدلف الناس من كل انحاء العراق والعالم نحو المراقد المقدسة، نحو مصدر الأمن والسلام والاستقرار.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/تموز/2012 - 16/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م