الحركة الثقافية المصرية وعباءة الاسلاميين

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: تعد الثقافة المصرية من ابرز الثقافات العربية لامتلاكها أفضل وأشهر الكتاب والمفكرين والفنانين والمبدعين في الوطن العربية عامة، وتعد مهد الثقافة العربية، ففي هذا الوقت بذات تشهد الثقافة المصرية نوبات صراع جديدة على أكثر من صعيد وخاصة بين المثقفين، فقد تفاوتت ردود فعل مثقفين وفنانين مصريين بعد فوز محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة الذراع  السياسية لجماعة الإخوان المسلمين برئاسة البلاد.

فيما استقالة وزير الثقافة المصري لترشحه لجائزة الدولة التقديرية، وبموازاة ذلك تم إعلان أسماء الفائزين بجوائز الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية في مصر وهي أرفع الجوائز المصرية، ومن جهة أخرى يبحث اتحاد كتاب مصر في فصل مفتي البلاد من عضويته بسبب زيارته للقدس، كما بدء ترميم كتاب (وصف مصر) بعد تعرضه لحريق في المجمع العلمي بالقاهرة، بينما بدء كتاب توثيقي يسجل أسماء الضحايا والمتهمين في "ثورة 25 يناير" بمصر، في حين غيّبَ الموت المفكر المصري أنور عبد الملك، الذي يعتبره الكثيرون رائد الكتابة الفكرية في العالم العربي، وقد ظل يتواصل مع قضايا مصر والعالم العربي التي كانت محورا لاهتماماته الفكرية حيث كان رائدا لعلم الاستشراق، حيث توفي في مستشفى بباريس والذي عاش فيها سنواته الأخيرة.

ردود أفعال متباينة بعد فوز مرسي

فقد اقترح الممثل خالد أبو النجا في تغريدة بصفحته في موقع التواصل الاجتماعي تويتر إعطاء "مرسي فرصة.. ‎ثورتنا مستمرة لإسقاط حكم العسكر ومنع حكم المرشد (الاعلى لجماعة الاخوان) في مصر.. مبروك" في إشارة إلى تخوف بعض دعاة الدولة المدنية من توجه ديني للدولة في المرحلة القادمة، وعبر الكاتب علاء الأسواني عن أمله في "أن يفي (مرسي) بوعوده جميعا." وقال "استطاعت إرادة الشعب أن تسقط النظام القديم مرة أخرى. تحيا الثورة". واضاف أن الفرصة جاءت لجماعة الإخوان "ليكفروا عن أخطائهم في حق الثورة... أيها الإخوان أتمنى ألا تخذلونا مرة أخرى" ربما في إشارة إلى فترة كانوا خلالها على وفاق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير البلاد منذ خلع مبارك، وعلى موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) كتب الناقد بهاء مزيد تحيته للرئيس المنتخب ولمصر ثم وصف مرسي بالرجل الخلوق وتوجه إليه قائلا "فلنختلف مع الرئيس. مع الإخوان. مع (حزب) الحرية والعدالة. لكن يقيني أن مصر لن يحكمها المرشد ولا الإخوان. سيحكمها نبض شوارعها وتطلعات ميادينها، وبدأ التشكيلي محمد عبلة رئيس أتيليه القاهرة تسجيل خوفه بالآية القرآنية "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" وأضاف أنه سيظل في مكانه معارضا للنظام الجديد. بحسب رويترز.

أما التشكيلي رضا عبد الرحمن فكتب تغريدة متشائمة من القادم يقول نصها "اليوم سقطت الدولة المدنية وعلت دولة المرشد.. يسقط يسقط حكم المرشد" في إشارة الى محمد بديع المرشد العام للجماعة الإخوان، وشاركه الخوف الشاعر إبراهيم المصري الذي قال إن مصر نهضت بعد حرب 1967 التي استولت فيها إسرائيل على شبه جزيرة سيناء أما اليوم فمصر "مأزومة مخنوقة. للمرة الأولى أشعر اليوم بأن مصر بلد لا يمكن إصلاحه.. ولا أمل في إصلاحه، وكتبت الشاعرة فاطمة قنديل انها أبطلت صوتها في الانتخابات "لا شفيق و لا مرسي" لكنها توجهت إلى ناخبي مرسي بالتهنئة وقالت "أتوجه إليه بمطلب أول.. سيادة رئيس جمهورية مصر العربية أنا لن أقبل مجرد إلغاء بيعتك لمرشدك محمد بديع وإنما أطالبك بحل جماعة الإخوان المسلمين عليك الآن أن تحدد ولاءاتك بوضوح وأن تثبت.. أنك تعرف قيمة مصر ولن تعتبرها ولاية من ولايات مشروع الخلافة" الإسلامية.

جوائز الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية

في سياق متصل فاز الروائي الراحل إبراهيم أصلان بجائزة النيل للآداب وهي أرفع الجوائز المصرية بينما حصل كاتب السيناريو وحيد حامد على الجائزة نفسها في مجال الفنون.. وفي مجال العلوم الاجتماعية محمد الجوهري أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، وتمنح جوائز الدولة في اجتماع المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة في يونيو حزيران من كل عام في ثلاثة فروع هي الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية. وهي تنقسم إلى أربعة أنواع.. جائزة النيل وقيمتها 400 ألف جنيه مصري (حوالي 67 ألف دولار) والتقديرية (200 ألف جنيه) والتفوق (100 ألف جنيه) والتشجيعية (50 ألف جنيه)، وفاز كل من الروائي محمد البساطي والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة ومحمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر بجائزة الدولة التقديرية في الآداب، وفاز بجائزة الدولة التقديرية في الفنون كل من التشكيلي عبد الهادي الوشاحي والمخرج السينمائي محمد كامل القليوبي والمخرج المسرحي حسن عبد السلام. ونال الجائزة نفسها في العلوم الاجتماعية كل من محمد صابر عرب وآمال صادق ونادية حليم. بحسب رويترز.

أما جائزة التفوق ففاز بها في الآداب كل من الشاعر حسن طلب والروائية هالة البدري وفي العلوم الاجتماعية فاز الباحثان أحمد السيد النجار وعمار علي حسن وفي الفنون فاز كل من الكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني والتشكيلي سمير الجندي.

استقالة وزير الثقافة المصري

فيما قال مصدر في وزارة الثقافة المصرية إن محمد صابر عرب وزير الثقافة استقال من منصبه في حكومة تسيير الأعمال قبل انعقاد المجلس الأعلى للثقافة للتصويت على جوائز الدولة التي رُشح لإحداها، وقال المصدر إن عرب "قدم استقالته وقُبلت" وإن وزير الدولة لشؤون الآثار محمد إبراهيم سيرأس اجتماع المجلس الأعلى للثقافة بدلا من عرب. وجرت العادة على أن يرأس وزير الثقافة مثل هذا الاجتماع، وأضاف المصدر أن عرب (64 عاما) استقال من حكومة تسيير الأعمال "ليكون ترشحه (لجائزة الدولة التقديرية للعلوم الاجتماعية) صحيحا" إذ يكون من حق المسؤولين بوزارة الثقافة التصويت على المرشحين للجوائز وجرى العرف أن يعتذروا عن عدم الترشح ماداموا في وظائفهم. بحسب رويترز.

وقدمت حكومة رئيس الوزراء كمال الجنزوري استقالتها بعد نجاح محمد مرسي -مرشح حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين- في الانتخابات الرئاسية التي أعلنت نتائجها، وتولى عرب وزارة الثقافة في مايو ايار وهو أستاذ للتاريخ الحديث وكان يرأس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، وتمنح السبت القادم جوائز الدولة في الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية وتنقسم إلى أربعة أنواع هي التشجيعية والتفوق والتقديرية وأخيرا جائزة النيل وهي الأكبر في البلاد وتبلغ قيمتها 400 ألف جنيه مصري (نحو 67 ألف دولار).

اتحاد كتاب مصر

من جهته قال مسؤول في اتحاد كتاب مصر ان هيئة الاتحاد عقدت اجتماعا طارئا لبحث زيارة مفتي مصر الشيخ علي جمعة للقدس وأعدت مشروع قرار لفصله من عضوية الاتحاد، وقال صلاح الراوي عضو مجلس الادارة ان الاتحاد أعد مشروع قرار فصل جمعة "لخروجه على اجماع المصريين على عدم التطبيع مع الكيان الصهيوني بأية صورة من الصور وهو الخروج الذي تمثل في زيارته للكيان الصهيوني، وأضاف أن مجلس ادارة الاتحاد سيعقد اجتماعا طارئا لاتخاذ قرار الفصل، وأغضبت زيارة المفتي جماعات اسلامية تعارض أي خطوة قد تعتبر اعترافا بسيطرة اسرائيل على المدينة، وقال جمعة في حسابه على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي على الانترنت انه زار القدس ودخلها من الضفة الغربية عن طريق الاردن وليس من الجانب الاسرائيلي وان الزيارة "تمت تحت الاشراف الكامل للسلطات الاردنية وبدون الحصول على أي تأشيرات باعتبار أن الاردن هو المشرف على المزارات المقدسة للقدس الشريف"، واضاف أن الزيارة استهدفت افتتاح "كرسي الامام الغزالي بالقدس في وفد علمي من الديوان الملكي الاردني، واحتلت اسرائيل القدس الشرقية في حرب عام 1967. بحسب رويترز.

ويريد الفلسطينيون أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية. وتصف اسرائيل القدس بشقيها الشرقي والغربي بعاصمتها الابدية الموحدة، وتحظر النقابات المهنية والفنية في مصر زيارة القدس احتجاجا على الاحتلال الاسرائيلي، وردا على حجة عدم حصول جمعة على تأشيرة اسرائيلية قال الراوي "مهما يكن الامر فقد قام العضو بدخول الكيان الصهيوني وهو ما تحرمه الجمعية العمومية للاتحاد في قراراتها المتتالية."

ترميم كتاب وصف مصر

الى ذلك قال وزير مصري أن كتاب (وصف مصر) الذي تعرضت بعض أجزائه لحريق شب في ديسمبر كانون الاول بالمجمع العلمي المصري المطل على ميدان التحرير بوسط القاهرة يتم ترميمه الان في معامل المتحف المصري الكبير، وكانت النيران شبت في مبنى المجمع العلمي الذي أنشيء في عام 1798 بقرار من نابليون بونابرت أثناء قيادته الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801) ويقع في شارع قصر العيني الذي شهد اشتباكات بين ألوف المحتجين على الحكم العسكري وقوات الجيش، ويضم المجمع العلمي عشرات الالوف من الكتب والمخطوطات والوثائق، وتمكن متطوعون من انقاذ نحو 30 ألف كتاب من 192 ألفا هي مقتنيات مكتبته، ومن بين ما أنقذ بعض مجلدات كتاب (وصف مصر) الذي أعده علماء الحملة الفرنسية، وقال محمد ابراهيم وزير الدولة لشؤون الاثار في بيان ان كتاب وصف مصر نقل الى معامل المتحف لاجراء أعمال الصيانة والترميم والتعقيم والاختبارات اللازمة داخل معمل التبخير "لتحديد أنواع ودرجات الاصابة البيولوجية بالمجموعة لتحديد الاسلوب الامثل للعلاج. بحسب رويترز.

كتاب توثيقي لثورة 25 يناير

من جهة أخرى يسجل كتاب توثيقي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان أسماء 841 مصريا قتلوا خلال ثمانية عشر يوما هي فترة الاحتجاجات التي بدأت يوم 25 يناير كانون الثاني 2011 ونجحت في خلع الرئيس السابق حسني مبارك كما يسجل أيضا أسماء نحو 190 متهما بالقتل، ويقول كتاب (ضوء في درب الحرية.. شهداء ثورة 25 يناير) الذي أهدي الى "كل شهداء مصر" ان يوم 28 يناير الذي أطلق عليه "جمعة الغضب" كان أكثر الايام دموية اذ "استشهد" فيه 551 من بين 841 "شهيدا سقطوا خلال 18 يوما" بداية من 25 يناير منهم 811 تم التعرف على أسمائهم وأماكن قتلهم وكيفية الوفاة في حين مازال 31 مجهولي الهوية، والكتاب الاحصائي الذي يقع في 153 صفحة كبيرة القطع يسجل الحالات التي تعرضت للمساومات من قبل ضباط متهمين بالقتل للتنازل عن القضايا وكيف قاموا "بتهديدهم (أهالي القتلى) للضغط عليهم باغراءات مالية وصل ثمن الشهيد فيها مبلغ 30 ألف جنيه (مصري) والمصاب وصل مبلغه الى 15 ألف جنيه" وان البعض رفض التهديد في حين تنازل البعض عن الدعوى، ولم يكن "الثمن" ثابتا لكل ضحية، ففي الاسكندرية قال "والد الشهيد محمد رمضان انه تلقى عرضا بمليون جنيه للتنازل عن القضية" كما يسجل الكتاب الذي يقول ان بعض قيادات الدعوة السلفية البارزين بالاسكندرية طالبوا "أهالي الشهداء والمصابين بالتنازل عن حق دماء شهداء الاسكندرية مقابل الدية"، ويسجل أيضا أن ستة من أفراد الشرطة بمدينة الاسكندرية متهمون بأكبر نصيب من القتل أو الاصابة اذ يتهم هؤلاء الستة بقتل "94 شهديا واصابة 802"، وقال جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان في مقدمة الكتاب انه يسجل أسماء 841 "شهيدا مصريا خلال ثورة الكرامة في جولتها الاولى من 25 يناير-11 فبراير" مضيفا أن الخطأ وارد ولكن فريق العمل حاول تحري الدقة في حصر أسماء "شهداء ثورة يناير... وكل المتهمين بقتلهم وكل من أشارت له أصابع الاتهام... نعلم أن العديد من القتلة مازالوا مطلقي السراح وقد تغفل عنهم أيدي العدالة عن عجز أو تراخ أو تواطؤ لبعض الوقت لكنهم لن يفلتوا بجريمتهم كل الوقت. بحسب رويترز.

وتابع أن "كل من خرج مطالبا بالحرية فهو شهيد. كل من خرج رافضا الظلم فهو شهيد. كل من صاح في وجه الطغاة فهو شهيد" مضيفا أن القائمة مفتوحة وأن العمل مستمر في اصدار قائمة ثانية، وقالت الشبكة في بيان انها ستصدر جزءا اخر يتضمن "شهداء الثورة بعد 11 فبراير 2011 وحتى يقف مسلسل سقوط الشهداء" في اشارة الى أحداث راح ضحيتها العشرات أمام مبنى الاذاعة والتلفزيون (أحداث ماسبيرو) في أكتوبر تشرين الاول 2011 وتلتها مواجهات في الشهر التالي في شارع محمد محمود ثم أحداث مجلس الوزراء في ديسمبر كانون الاول.

المفكر أنور عبد الملك

في حين يبذل مثقفون ودبلوماسيون مصريون جهودا حثيثة لإحضار جثمان المفكر المصري أنور عبد الملك الذي توفي في مستشفى بباريس حيث أقام في السنوات الأخيرة ومنها كان يرسل مقاله الأسبوعي في صحيفة (الأهرام) بالقاهرة، وقال ضياء رشوان مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية "نحاول أن نأتي به للقاهرة.. هناك جهود تبذل مع السفارة الفرنسية بعد التنسيق مع قريب له في القاهرة" حيث إن للمفكر الراحل بنتا وحيدة تعيش في النمسا ولابد أن توافق الأسرة على نقله للدفن في القاهرة، وعبد الملك الذي توفي في مستشفي بباريس ظل يتواصل مع قضايا مصر والعالم العربي التي كانت محورا لاهتماماته الفكرية حيث كان رائدا لعلم الاستشراق، ففي عام 1963 نشر عبد الملك مقالا عنوانه (الاستشراق في أزمة) ربط فيه بين دراسات بعض المستشرقين والاستعمار الذي كانت تلك الدراسات تمهيدا له وأحدث المقال جدلا واسعا كان بعض المستشرقين طرفا فيه، ثم جاء كتاب المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد (الاستشراق) عام 1978 ليضع أسس هذا العلم ويقول إن الشرق شبه اختراع أوروبي، ولد عبد الملك في القاهرة في أكتوبر تشرين الأول 1924 ودرس الفلسفة في جامعة عين شمس ثم نال الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون في باريس وعمل في المركز القومي للبحوث بمصر كما كان محاضرا زائرا في عدة جامعات عربية وأجنبية إضافة إلى عضويته في عدة هيئات وجمعيات علمية وأكاديمية عربية ودولية، ونال عبد الملك الميدالية الذهبية من أكاديمية ناصر العسكرية عام 1976 وجائزة الصداقة الفرنسية العربية عام 1970 كما فاز عام 1996 بجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية التي كانت أرفع الجوائز المصرية آنذاك، وحظي عبد الملك باحترام كبير منذ أصدر كتابه الأول (مدخل إلى الفلسفة) عام 1957 وله كتب أخرى منها (الجيش والحركة الوطنية) و(المجتمع المصري والجيش 1952-1970) و(الفكر العربي في معركة النهضة) و(نهضة مصر) و(ريح الشرق) و(تغيير العالم) و(الصين في عيون المصريين) و(المواطنة هي الحل).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/تموز/2012 - 14/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م