الثقافة الرقمية ومسؤولية الحكومة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: قبل سنوات قرأت خبرا يقول، إن اليابان احتفلت بالقضاء على الامية الالكترونية، فلم يعد لديها مواطن ياباني واحد لا يحسن التعامل مع العالم الرقمي وأدواته، بمن فيهم الاطفال اليابانيين، وحينها فكرت بالبون المعرفي الشاسع الذي يفصل بين شعبين ينتميان الى قارة واحدة، هي قارة آسيا، والشعبان هما الشعب الياباني والشعب العراقي!!.

إن الثقافة الرقمية باتت تشكل ثقافة عصر كامل، هو عصرنا الراهن، لدرجة أن الحياة باتت صعبة جدا بغياب التعامل الصحيح مع العالم الرقمي على مستوى الافراد أو الجماعات، حتى لدينا في العراق، عندما تحاول البحث عن وظيفة ما، فإن السؤال الذي ستواجهه من رب العمل والذي يتقدم جميع الاسئلة، هو (هل تحسن التعامل مع الكومبيوتر؟)، لهذا صرنا جميعا أمام الامر الواقع، وعلينا أن نتقن التعامل مع العالم الرقمي شئنا أم أبينا، ولابد من أن نبدأ رحلة منتظمة لتحقيق هذا الهدف، ونحد من العشوائية الالكترونية التي نعيشها اليوم، أما العوائق التي تحول دون تحقيق هذا الهدف فهي كثيرة، ولابد من التعامل معها بذكاء وتخطيط حكومي مسبق، لذا فالمطلوب من الجهات المعنية، أن تعمل بجدية واخلاص وتخطيط دقيق لازالة العوائق المذكورة، وأن نبدأ مع الطلبة في جميع المراحل الدراسية، كما حدث ذلك في تركيا.

فقبل أسابيع قرأت خبرا يقول أن الـدولة التركية قررت ( توزيع 15 مليون جهاز آيباد على الطلبة بالإضـافـة إلى مليون جهاز آخر على المدرسين، ليصبح الإجمالي 16 مليون جهاز يخدم العملية التعليمية من مهدهـا وحتى التخرج، وبعـد قيـام الحكومــة التركيــة بتوزيع الكتب المدرسـية على الطلاب هذا العـام ، ستقوم بتوزيع كتب الكترونية في السنة الدراسية القادمة، هذا ما صرح به رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عند إطلاقه مشروعه التعليمي الذي سيتم من خلاله الإنتقال بالتعليم المدرسي التركي إلى العالم الرقمي؛ حيث ستوزع الحكومة الحاسوب اللوحي المعروف باسم آي باد -iPad‏- على 15 مليون طالبٍ ومليون مدرّس مجاناً، وستقوم بتركيب ألواحٍ ذكية - بدلاً من الألواح السوداء- في 260 ألف صف مدرسيّ، ومن المتوقع ان يشمل التوزيع الولايات الـ 81 جميعاً خلال السنوات الأربعة القادمة، لينقل أردوغان بذلك تركيا إلى عالم التقنية والحداثة).

إن هذه الخطوة التركية التي نتخذها هنا مثالا، بدأت بجهد حكومي من خلال شخص (رجب طيب اوردغان) رئيس الوزراء التركي، وسوف يسجلها التاريخ التركي وسواه، باسم هذا السياسي الذي حرص على أن لا يحصر نجاحه في الميدان السياسي فحسب، إنما يريد أن ينجح في نقل شعبه كاملا، من الاساليب المعرفية القديمة الى العالم الرقمي، لكي يصبح شعبا واعيا ومثقفا ومواكبا للعصر، وهكذا بدأ هذا المشروع بالطلاب، وهنا يتبادر الى أذهاننا عدد من التساؤلات التي تفرض نفسها علينا بقوة، هل الواردات المالية التركية أفضل من واردات العراق؟ أم هل ساستها أكثر حرصا من ساستنا على الشعب والمعرفة ومواكبة العصر؟ أم هل هم أكثر ذكاءً منا؟.

الاجابة عن هذه التساؤلات ينبغي أن تدفعنا أكثر الى تحقيق الانتقال من العالم المعرفي القديم وأساليبه القديمة، الى التعامل مع العالم الرقمي الحديث، وذلك من خلال نشر الثقافة الرقمية، وهي مهمة حكومية أولا، ثم تأتي بعد ذلك، الجهات الاخرى المساندة لانجاز مثل هذا المشروع الحداثوي المعاصر، مثل المنظمات المحلية والدولية التي تهتم بنشر الثقافة الرقمية، كذلك دور القطاع الخاص في فتح ابواب الاستثمار الواسعة، أمام خدمة البرامجيات والتعليم الالكتروني وفق ضوابط تحمي المستثمر والمستهلك في آن واحد.

إذن يمكن الآن للحكومة العراقية أن تدرس إطلاق مشروع مكتمل (لنشر الثقافة الرقمية)، تضعه الجهات العلمية المتخصصة ويتدارسه ذوو الشأن، ويمكن أن نبدأ به في العام الدراسي القادم، إنه مقترح نضعه أمام أعين وعقول الحكومة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/تموز/2012 - 12/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م