نشر ثقافة الحقوق في المجتمع

صحيفة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام منهجا

 

شبكة النبأ: تتقدم الامم وتتطور الشعوب التي ترعى قضية الحقوق، وتعطيها الاهمية والأولوية التي تستحقها، وما كان للامم المتطورة أن تبلغ ما بلغته من درجة رقي عالية، لو مراعاتها لقضية الحقوق، وحمايتها ودعمها، ونشرها بين الجميع، حتى تحولت الى منهج سلوكي يومي تعوّد عليه الناس في كلامهم وأفعالهم.

وقد تضمن المتن التدويني لصحيفة الحقوق للامام السجاد عليه السلام، طيفا واسعا من الحقوق، تعددت مضامينها وأهدافها، فمنها ما يخص الفرد نفسه وذاته، وكيف يتعامل مع حواسه وجوارحه وحتى مواهبه، ومنها ما يتعلق بعلاقة الفرد بالآخرين وحسب موقعه منهم أو العكس، وبهذا تكون الصحيفة السجادية شاملة وتمثل منهجا رائعا لمراعاة الحقوق على نحو متبادل بين الجميع.

إننا نتفق على ضعف هذا الجانب في مجتمعاتنا لاسباب عدة، فهناك بعض العادات التي اعتادها الناس وهم يمارسون حياتهم اليومية من دون أن يعرفوا حجم الضرر الذي يلحق جراءها بالاخرين، نعم هناك كثير من الافراد لا يفكر إلا بنفسه وراحته ومصلحته، أي أنه حينما يقوم بالفعل الفلاني فإنه لا يفكر بنتائجه السيئة على الآخرين، فالمهم لديه فائدته من هذا الفعل او القول أيضا، لكن هذا الاسلوب لا يتماشى مع الدين وتعاليمه ولا مع التقاليد والاعراف السليمة.

بل لعل مجمل المشكلات التي نعاني منها كشعوب ومجتمعات متخلفة، هي عدم مراعاتنا لحقوق الآخر، لذا مطلوب أن نفتش عن الحلول كي نرقى ونتقدم، واذا عرفنا أن الكثير من الحلول مطروحة في صحيفة الحقوق للامام السجاد عليه السلام، إذن علينا معرفة هذه الصحيفة، والاطلاع الدقيق على مضامينها، والاهم بعد ذلك العمل بها في حياتنا اليومية في جانبيّ الاقوال والافعال.

إن هذه الصحيفة الشريفة تتحدث لنا عن علاقة الانسان بجوارحه، كما نقرأ عن لسان الانسان، إذ يقول الامام السجاد عليه السلام: (وحق اللسان إكرامه عن الخنى وتعويده الخير، وترك الفضول التي لا فائدة فيها، والبر بالناس، وحسن القول فيهم)، لاحظ هذه الجمل القصيرة التي مرت بك، (ترك الفضول/ بر الناس/ حسن القول)، إن مجتمعا يأخذ بهذه الجمل سيكون نموذجيا في التعامل الانساني المتبادل.

أما إذا كنت ذا سلطة، في أي درجة وظيفية، أو أي مركز، فإنك مطالب بالتعامل السليم مع الرعية، كما نقرأ ما جاء في صحيفة الحقوق بهذا المجال: (وأما حق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك، فيجب أن تعدل فيهم، وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وتشكر الله عز وجل على ما آتاك من القوة عليهم)، لاحظ اذا اتصف الحاكم بالصفا أعلاه، هل سيُظلَم أحد من الناس؟ كلا، فالسلطان هنا رحيم، ينظر الى الكل نظرة ابوية رحيمة، فلا يتعرض أحد للظلم قط.

وفي ما يتعلق بالعلم، إذا كنت استاذا أكاديميا أو مدرسا أو معلما، فإن لطلابك حق عليك، وإن علمك ليس حكرا عليك، كما نقرأ ما ورد في صحيفة الحقوق للامام زين العابدين بن علي عليه السلام:

(وأما حق رعيتك بالعلم فأن تعلم أن الله عز وجل إنما جعلك قيما لهم فيما آتاك من العلم وفتح لك من خزائنه، فإن أحسنت في تعليم الناس، ولم تخرق بهم، ولم تضجر عليهم، زادك الله من فضله. وإن أنت منعت الناس علمك، أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك، كان حقاً على الله عز وجل أن يسلبك العلم وبهاءه ويسقط من القلوب محلك).

وحين تنعكس الصورة، سنلاحظ ما ينبغي على الطالب، من واجبات وطاعات واحترام،  ازاء الاستاذ، كما نقرأ ذلك، في صحيفة الحقوق: (وحق سائسك بالعلم التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الإستماع إليه، والإقبال عليه، -والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم، بأن تفرغ له عقلك، وتحضره فهمك، وتزكي له قلبك، وتجلي له بصرك، بترك اللذات ونقض الشهوات-، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء، حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدِّث في مجلسه أحداً، ولا تغتاب عنده أحداً).

وللأم الرؤوم حقها في الصحيفة ايضا كما نقرأ ما ورد فيها بهذا المجال: (وأما حق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً، ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلك، وتهجر النوم لأجلك، ووقَتْكَ الحر والبرد ، لتكون لها، فإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه).

وللأب الكريم حقوقه المصانة ايضا كما نقرأ ذلك في صحيفة الحقوق: (وأما حق أبيك فأن تعلم أنه أصلك، وأنه لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك، فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره، على قدر ذلك).

 كذلك للولد حق على ابيه، توجزه الصحيفة بما يلي: (وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره و شره، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه) .

والزوجة التي تقاسم الزوج حلاوة الحياة ومرارتها، لها حقوقها التي ينبغي أن يصونها الزوج أيضا، كما نطلع على ذلك في صحيفة الحقوق: (وأما حق الزوجة فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكناً وأنساً فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب فإن لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك، وتطعمها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها).

وهكذا نلاحظ شمولية صحيفة الحقوق وما ورد فيها من أفكار عميقة في الرؤية والمعالجة ايضا، حيث تتمثل أهمية الحقوق في كونها السبيل الاسرع والأهم لبناء المجتمع المتوازن السليم، القادر على بلوغ درجة الرقي والسمو والتطور بما لا يقبل الشك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/حزيران/2012 - 6/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م